الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
أستاذ مُتمرِّس/ جامعة الموصل
سنة ثقيلة أدبرت.. وعام جديد أقبل
اليوم الخميس 31 كانون1/ديسمبر 2020 هو آخر أيام سنة ثقيلة عايشناها بظروف استثنائية، سنة شهدت أحداثا جساما على المستوى الفردي والعائلي والوطني والعالمي، وعشنا فيها أياما عصيبة وقاسية، وودعنا فيها أحبابا وأصحابا فارقونا. وغدا الجمعة 1 كانون2/يناير 2021 ندخل عاما جديدا وعيوننا تتطلع إليه بخجل عسى ولعل أن يكون أفضل من العام الذي سبقه.
لقد تعودنا أن نتطلَّع في مطلع كل عام جديد بتفاؤل، ناسين أننا شطبنا عاما من أعمارنا، يقول الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم: إنما أنتَ أيامٌ.. كلما مرَّ يومٌ ذهب بعضُك". ويقول إيليا أبو ماضي:
أَينَ المَها وَعُيونُها وَفُتونُها ... أَينَ الجَبابِرُ وَالمُلوكُ العاتِيَة
زالوا مِنَ الدُنيا كَأَن لَم يولَدوا ... سَحَقَتهُمُ كَفُّ القَضاءِ القاسِيَة
إِنَّ الحَياةَ قَصيدَةٌ أَعمارُنا ... أَبياتُها وَالمَوتُ فيها القافِيَة
مَتِّع لِحاظَكَ في النُجومِ وَحُسنِها ... فَلَسَوفَ تَمضي وَالكَواكِبُ باقِيَة
سنة الجائحة:
لقد كانت سنة الجائحة واحدة من أسوء السنين التي مرَّت بالبشرية في العصر الحديث، ولا يوجد شخص في عالمنا إلا وأصابه شيء منها ومن رذاذها وآثارها المختلفة وبدرجات متفاوتة. يقول ستين فيرموند، عالم الأوبئة المتخصص بالأمراض المعدية وعميد كلية الصحة العامة في جامعة يال: "تجربة الجائحة هذه فريدة في حياة كل شخص على وجه الأرض، فبطريقة أو بأخرى تأثر كل واحد منا بها".
من كان يتصور في الأول من كانون الثاني/يناير الماضي ما تضمره سنة 2020؟ سنة غيَّرت العالم كما لم يحصل منذ الحرب العالمية الثانية. ففي غضون 12 شهرا شلَّ فيروس كورونا المستجد الاقتصاد، واجتاح المجتمعات، وحجر نحو أربعة مليارات إنسان في منازلهم.
لقد تميزت سنة 2020 بظهور مارد مجهري لم يكن بحسبان أحد؛ هو فيروس كورونا، فقصم الظهور وفتك بالبلدان وأحدث خسائر بشرية جسيمة، ووصل عدد ضحاياه إلى قرابة الملونين من الوفيات؛ وقرابة الستين مليون إصابة. أما الخسائر المالية فكانت هائلة ويصعب حصرها أو تقديرها. وأصاب الشلل التام أو شبه التام العديد من المجالات؛ في مقدمتها حركة النقل والسفر والسياحة والرياضة.
وفي سنة الجائحة أغلقت رياض الأطفال أبوابها، وكذلك المدارس والجامعات، وفرض (التعليم عن بُعد Online Education) نفسه كبديل عن التعليم التقليدي.
وفي سنة الجائحة استطاع هذا الوباء عزل الأحبة، فتجمدت العلاقات الاجتماعية بين أقرب الناس، وأصاب الشلل التام أو شبه التام الفعاليات الدينية في المساجد والكنائس. وفقدت البشرية الكثير من نِعَمْ الحياة والتي لم يعرف الناس قيمتها إلا عندما فقدوها في ظل العزل والإغلاق التي فرضتها الجائحة.
لقد كانت بداية سنة الجائحة ظهور علامة نادرة جدا: فقد ظهر في سماء مدينة الموصل عصر أول أيام 2020 (قوس وقزح مزدوج Double Rainbow)، والغريب أن ظهوره كان في فصل الشتاء؛ وليس في فصل الربيع كما تعودنا!. ولعل ذلك كان إشعارا من ربِّ العزَّة وإنذارا من السماء.
لقد أعطى هذا الكائن المجهري درسا بليغا للبشرية، وأظهر ضعف الإنسان، وكشف عورات الدول. وهذا الفيروس ما هو إلا جندي من جنود الله ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ﴾ (المدثر: 31)، والله تعالى يرى ما يحدث في عالمنا من قتل وتدمير وتشريد وتهجير وجوع وحرمان أغلب ضحاياه من الأبرياء ومن الشيوخ والنساء والأطفال. والدماء تنزف والمعاناة تزداد ولا أحد يبالي بعد أن فقدت أغلب الدول إنسانيتها ولم يعد يهمها سوى مزاجها ومصالحها الضيقة.
قطار الحياة:
لقد استقبل قطار الحياة في سنة الجائحة ضيوفا جددا حلّوا بعالمنا عسى أن تكون حظوظهم أفضل ممن سبقوهم، كما غادر قطار الحياة العديد من الأقرباء والأصدقاء والأحباب. وغادر عالمنا العديد من الشخصيات المعروفة في مختلف المجالات:
فمن رؤساء الدول الذين غادروا عالمنا في سنة 2020: قابوس بن سعيد؛ السلطان التاسع لسلطنة عُمان، ومحمد حسني مبارك؛ الرئيس الرابع لجمهورية مصر العربية، وصباح الأحمد الجابر الصباح؛ أمير دولة الكويت الخامس عشر.
ومن رجال الفكر والدين رحل الداعية الإسلامي يوسف ديدات، والمفكر والباحث والفيلسوف الإسلامي المصري محمد عمارة، كما رحل آخر أمراء مملكة تلاوة القرآن الكريم الشيخ محمد محمود الطبلاوي.
وفي المجال السياسي والقيادي كان رحيل عبد الحليم خدام، والشاذلي القليبي، وبلعيد عبد السلام، وسلطان هاشم، وعزة الدوري، وصائب عريقات، ووليد المعلم، والصادق المهدي، وأحمد العراقي، وحنين القدو.
ورحلت في هذه السنة بديعة بنت علي بن الحسين، وهي أميرة هاشمية عراقية ابنة آخر ملوك المملكة الحجازية الهاشمية. وفي مجال الإعلام رحلت الإعلامية اللبنانية نجوى قاسم.
وفي مجال الفن رحل من العراقيين شيخ الخطاطين ورائد الصحوة الخطيَّة الخطاط يوسف ذنّون، ورحل المهندس المعماري والفنان التشكيلي رفعت الجادرجي. كما رحل الموسيقار العراقي العالمي أحمد الجوادي والمطربة أحلام وهبي والباحث الموسيقي يحيى إدريس والممثل نزار السامرائي.
ورحل العديد من الفنانين المصرين المعروفين، ومنهم الممثلة ماجدة، ونادية رفيق، ونادية لطفي، وإبراهيم فرح، وجورج سيدهم، وحسن حسني، ورجاء الجداوي، وسمير الإسكندراني، وشويكار، وعايدة كامل، ومحمود ياسين.
وفي مجال الرياضة كان الحدث الأبرز عالميا رحيل أسطورة كرة القدم الأرجنتيني دييغو مارادونا. ومن نجوم الرياضة العراقيين الذين رحلوا سنة 2020: موفق عبد المجيد، وباسل مهدي، وعلي هادي، وأحمد راضي، ونوري ذياب، وكرار إبراهيم، ومحمد ياسين محمد، وناظم شاكر، وعبد المهدي هادي.
عام جديد:
ونحن نودع سنة رحلت بدقائقها وساعاتها وأيامها وشهورها، رحلت بسوادها وبياضها، بعد تركت آثارها وذكرياتها بمرِّها وحلوها، نستذكر أحبابا غادروا عالمنا بعد أن انقضت آجالهم، ولم تبقى إلا آثارهم. قال رسول الله؛ صلى الله عليه وسلم؛ في الحديث الذي رواه أبو هريرة (رضي الله عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
ونحن نودع سنة2020 ونستقبل العام 2021 نتطلع أولا أن يكون العالم قد وعي الدرس البليغ ووحدة المصير للبشرية لكي يسود السلام والوئام في أرجاء المعمورة، كما نأمل أن تكون اللقاحات الجديدة فعَّالة للحد من فاعلية الجائحة، وأن يكون للفقراء نصيب من هذه اللقاحات.
فما أجمل أن تعود الحياة الطبيعية إلى سابق عهدها في أرجاء المعمورة، وتعود الأواصر الاجتماعية إلى حالتها الطبيعية، وتعود النشاطات السياحية والرياضية كما كانت من قبل، ويسود السلام والوئام في عالمنا العربي والعالم أجمع.. وكل عام وأنتم بألف ألف خير.
https://www.youtube.com/watch?v=hRLr1XkyVzI&feature=youtu.be
1148 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع