بقلم أحمد فخري
قصة قصيرة كاملة - من هو الخائن؟
تبدأ قصتنا هذه المرة من المنامة عاصمة البحرين.
دخل محمود على زوجته بالصالة فوجدها تتابع مسلسلاً تركياً رومانسياً والدموع تملأ مقلتيها، ظمها اليه من الخلف وقبلها من رقبتها فسألته،
شهرزاد : ها؟ طمني؟ ما هي الاخبار؟ هل وافقوا على تعيينك؟
محمود : اجل شازي اجل. اخبرني مندوبهم بالهاتف قبل قليل، لقد وافقوا على تعييني وخصصوا لي مرتباً ممتازاً مع سكن مجاني بوسط العاصمة ابوظبي. من الآن فصاعداً زوجك اصبح طياراً بشركة الجناح الذهبي. بامكاننا ان نسافر الى هناك خلال الايام القليلة القادمة.
شهرزاد : يا الهي كم انا سعيدة. كل مرة كنا نسافر الى ابوظبي كزوار لكن هذه المرة سنذهب اليها كمقيمين. انا فرحانة يا حبيبي مودي.
محمود : يجب ان نستعد باقرب وقت ونسلم شقتنا هذه بالمنامة كي يكون انتقالنا سلساً يوم السفر الى الامارات.
شهرزاد : وماذا عن خادمتنا جوليانا؟ هل سنأخذها معنا؟
محمود : سألتها اليوم وخيرتها بان تأخذ مرتباً اضافياً وترجع الى بلدها او تبقى معنا. لكنها قالت انها تريد الذهاب معنا.
شهرزاد : انا احبها كثيراً وتعودت عليها. سأطلب من اخي سالم كي يساعدنا في نقل وتخزين حاجياتنا الثقيلة الى مخزن منزله وتبقى الاشياء الصغيرة التي بامكاننا اخذها منه عندما نأتي لزيارة المنامة مستقبلاً. هل ستأتي ابنتك هاجر معنا يا ترى؟
محمود : لا اعتقد ذلك. فابنتي متعلقة كثيراً بعمي الشيخ عبدالله. منذ ان توفت والدتها وهي تكرهني وتعتبرني خائناً لامها لاني تزوجتك بعد وفاتها. لا اعتقد انها ستفارق عمي وتأتي معنا. سنقوم بزيارتها كلما جئنا الى المنامة علها تلين وترجع الى رشدها. على كل حال هي الآن 18 عاماً وبامكانها ان تقرر ما تريد لانها لم تعد طفلة صغيرة. انا اعتقد ان الحظ حالفني كثيراً حتى حصلت على عقد العمل هذا وبهذه السرعة القياسية او ربما كان للواسطة دوراً كبيراً. يجب ان أشكر عمي الشيخ عبدالله.
شهرزاد : لم تعمل الواسطة سوى وجهت تركيزهم نحوك ونبهتهم لمؤهلاتك. الا ان شهادتك من بريطانيا وخبرتك وساعات طيرانك الطويلة هي التي اقنعتهم بتوظيفك حبيبي. من اين سيجدون طياراً مثلك وبمهاراتك؟
محمود : حمداً لله. يجب علينا ان نسرع في الاستعدادات ليس لدينا الكثير من الوقت.
تناول الزوجان وجبتهما الصباحية ثم ودع محمود زوجته وانطلق بسيارته المرسيدس متجهاً نحو منزل عمه الشيخ عبدالله بينما خرجت شهرزاد الى مركز التسوق (ذي اڨنيو) الذي يقع على كورنيش المنامة. فهي لا تتسوق سوى من ذلك المجمع لأنها تحصل فيه على احدث صيحات المودا من محلات الملابس هناك.
بعد نصف ساعة وفي ناحية اخرى من المنامة دخل محمود منزل عمه الشيخ عبدالله فوجده جالساً في المجلس مع ابنه البكر علي وحفيدته نورا يقرأ جريدة الوسط. حياه وجلس على الاريكة التي امامه فسمعه يقول،
الشيخ عبدالله : ها محمود! طمني! هل اتصلوا بك جماعة ابوظبي؟
محمود : اجل يا عمي. قالوا انهم وافقوا على تعييني وقد خصصوا لي مرتباً جيداً.
الشيخ عبدالله : هذا ممتاز. لو لم يفعلوا ذلك لكنت اتصلت بجاسم وعاتبته بشدة. انا اعلم انه لا يرفض لي طلب لاننا اصدقاء العمر ولكن لا تنسى انك حصلت على شهادتك من ارقى مدارس الطيران ببريطانية. هل قررتم على يوم الرحيل؟
محمود : سنسافر بعد يومين بسيارتي يا عمي.
الشيخ عبدالله : هل يعقل ذلك ؟ لماذا تعرض زوجتك لعناء السفر بالبر هداك الله؟ خذها واذهب بالطائرة وانا ساقوم بارسال سيارتك بيد احد السواقين بعد يوم او يومين من رحيلكم. ما رأيك؟
محمود : هذا كرم منك يا عمي.
الشيخ عبدالله : يجب ان تعتني بزوجتك يا ولدي فهي غالية على قلبي. لقد تربت ببيتي بعد وفاة والدها المرحوم فارس.
محمود : لا توصي حريصاً يا عمي. هي زوجتي وحبيبتي. ربما لم نرزق باولاد منذ ان تزوجنا قبل سنتين لكنها تمثل كل شيء بحياتي.
الشيخ عبدالله : اريدك ان تبقي ابنتك هاجر عندي فانا لا اقوى على غيابها.
محمود : وهو كذلك يا عمي. فهي اساساً تكرهني ولا تستحمل رؤيتي.
الشيخ عبدالله : هداك الله يا ولدي، دعك من هذا الهراء. هاجر ابنتك وتحبك كثيراً لكنها تتدلل عليك بعض الشيء.
خرج محمود من منزل عمه عبدالله وتوجه الى مركز المدينة كي يشتري تذاكر السفر فحجزوا له رحلة مؤكدة على يوم الاربعاء القادم الساعة الخامسة بعد الظهر.
بيوم السفر استيقظ محمود وشهرزاد مبكراً وقاما باللمسات الاخيرة في الشقة ثم طلب محمود طعاماً جاهزاً وقت الغداء كي لا تنشغل شهرزاد باعداد الطعام. وعندما شارفت الساعة الواحدة ظهراً، خرجوا الى الخارج مع خادمتهم جوليانا ليجدوا السائق الشخصي للشيخ عبدالله بانتظارهم. وضع امتعتهم بالسيارة واخذهم الى مطار المنامة الدولي. بالمطار اعطى محمود مفاتيح الشقة للسائق كي يسلمها لعمه الشيخ عبدالله. في الساعة الخامسة تماماً اقلعت بهم طائرة الخطوط الجوية الكويتية من مطار المنامة. دامت الرحلة ساعة وربع ثم هبطت بمطار ابوظبي الدولي. خرج الزوجان والخادمة من صالة المغادرة ليجدوا رجلاً اسيوياً يحمل يافطة كبيرة كتب عليها <السيد محمود شاكر وعائلته>. رحب بهم وقال انه سيأخذهم لشقتهم بمنطقة النادي السياحي. سارت بهم السيارة وهم يشعرون بمنتهى الغبطة يطالعون المحال التجارية التي يمرون بها حتى وصلوا اخيراً الى عمارة كبيرة بالنادي السياحي. هبط السائق بهم الى قبو العمارة بـ (كراند ميركور) اين مراب السيارات. شكر محمود سائق السيارة وتسلم منه مفاتيح الشقة الجديدة ثم ودعوه ودخل الثلاثة مصعد العمارة الذي طلع بهم الى الطابق الثالث. دخلوا الشقة جارين ورائهم حقائبهم فتفاجئوا بحجمها الكبير وتأثيثها المترف الانيق والوان جدرانها المهدئة للاعصاب. قال محمود وهو يبتسم،
محمود : هل اعجبتك الشقة يا شازي؟
شهرزاد : بالتأكيد حبيبي، انها اجمل واكبر من شقتنا بالمنامة، اثابهم الله وجعلها موطئ خير وعافية علينا.
محمود : هل اعجبتك الشقة يا جوليانا؟
جوليانا : طبعاً سيدي. انها قصر كبير. انها اكبر من قصر الشيخ عبد الله.
ضحك محمود وزوجته على طريقتها بالمبالغة.
باليوم التالي ودع محمود زوجته واخذ سيارة اجرة ليتوجه بها الى عنوان الشركة فاخذه السائق الى شارع حمدان حيث وقف امام عمارة تحتوي على مكاتب كثيرة. دخل المصعد وضغط على الزر رقم 9 فبدأ المصعد بالتسلق عامودياً بسرعة فائقة وعندما توقف وانفتحت ابوابه وجد نفسه امام مدخل زجاجي كبير كتب عليه بخط ابيض شركة الجناح الذهبي فسار نحوه ليرى موظفة الاستعلامات جالسة خلف مكتبها فاستقبلته بابتسامة عريضة، قال لها،
محمود : صباح الخير، انا اسمي محمود شاكر اريد مقابلة السيد جاسم.
الموظفة : صباح النور، السيد جاسم بانتظارك يا كابتن محمود. تفضل معي.
قادته الى مكتب بآخر الممر وطرقت على الباب فسمعا صوتاً يقول "تفضــــــــل" فدخلا. كان مكتب المدير مبالغ به من ناحية الترف وكان يبدو وكأنه مكتب مدير عام او وزير. سلم عليه وقال،
محمود : السلام عليكم حضرة المدير.
جاسم : وعليكم السلام كابتن محمود نورت ابوظبي. ارجو ان يكون كل شيء على ما يرام وان تكون الشقة قد اعجبتكم!
محمود : الشقة رائعة والتأثيث ممتاز وموقعها جيد جداً. شكراً لك سيدي. ولكن الا شرحت لي طريقة العمل هنا؟
جاسم : بالتأكيد، اجلس ودعنا نستگهوة واسمع مني جيداً.
ضغط على زر بجانبه وطلب قهوة عربية لشخصين ثم واصل حديثه وقال،
جاسم : انت تعلم ان شركتنا هي شركة نقل جوي صغيرة تختلف كثيراً عن شركات الطيران الكبرى. فنحن نتخصص بنقل البضائع والاشخاص مثل رجال الاعمال والموظفين التنفيذيين وما شابه. لدينا طائرة واحدة محورة لنقل البضائع من طراز بوينغ 747. ولدينا 6 طائرات بيتش كرافت من طراز بارون ج 58 ذات المحركين وطائرتي ليرجت لَگاسي حديثة من طراز LR-75. يعمل لدينا 21 طياراً من ثلاث جنسيات، بريطانية وباكستانية والآن بحريني واحد. وبما انك متمرس على البيتش كرافت ولديك 3000 ساعة طيران فسوف تقوم بقيادتها لدينا. رحلاتنا تغطي دول مجلس التعاون وبعض الدول المجاورة. اما الليرجت فهي تصل الى جميع بلدان العالم.
بيتش كرافت من طراز بارون جي 58
محمود : وكيف ستتم تنظيم الرحلات؟
جاسم : لدينا مكتب تنسيق بابوظبي يتصل بك عن طريق الهاتف الخلوي ويخبرك عن المواعيد القريبة والبعيدة. المكتب مفتوح 24 ساعة باليوم وبامكان الطيارين الاتصال به اينما كانوا. عندما يتنقل الطيارون الى مواقع غير قواعدهم الثابتة، ينزلون بفنادق من الدرجة الاولى. اما انت فستكون قاعدتك الثابتة هي ابوظبي.
محمود : وماذا عن الصيانة؟
جاسم : كل طائرة تهبط باي مطار من المطارات التي نقصدها ينتظرها طاقم صيانة متكامل يقوم بفحص الطائرة قبل وبعد كل رحلة.
محمود : ساكون سعيداً بعملي معكم يا سيد جاسم.
جاسم : اهلاً بك كعضو جديد باسرة الجناح الذهبي. بامكانك الذهاب الآن الى مكتب منسقة الرحلات الآنسة فدوى والتي ستقوم باعطائك كل التفاصيل.
خرج محمود من مكتب المدير بعد ان شكره ودخل مكتب المنسقة الفلسطينية فدوى فوجد سيدة بالثلاثينات من العمر فائقة الجمال حسبها اجنبية للوهلة الاولى. هيأت له سجلاً ابيضاً يحتوي على كل الاجرائات وطرق سير العمل بالشركة كذلك احتوى على الهوية الامنية التي ستُطلَب منه بالمطارات فسألها،
محمود : متى ستكون لي اول رحلة؟
فدوى : غداً الساعة السابعة صباحاً. انظر الى الجدول المدون لديك بالملف ستجد جميع رحلات الاسبوع بالاضافة الى جهة المغادرة وجهة الوصول وعدد الركاب.
محمود : اجل وجدت الجدول. شكراً جزيلاً. انه فعلاً شامل.
خرج محمود من مكتب فدوى وهو بغاية الارتياح. ركب سيارة اجرة وطلب منه ان يأخذه الى النادي السياحي. حالما ادخل المفتاح بخرم الباب وفتحه، اقتحمت انفه روائح الطعام الزكية التي هيجت كل عصارات معدته وجعلته يشعر بجوع قاتل.
محمود : شازي حبيبتي، اين انتِ؟
شهرزاد : انا هنا بالمطبخ تعال حبيبي واخبرني كيف كان يومك الاول؟ هل سارت الامور على ما يرام؟
محمود : اجل، كل شيء كان رائعاً. تسلمت جدول المهام واول رحلة لي ستكون غداً صباحاً. سانقل ثلاث رجال اعمال من مطار البطين بابوظبي الى دبي.
شهرزاد : وبعد ذلك؟
محمود : بعد ذلك ساذهب فارغاً الى عُمان لاقوم بنقل عائلة مكونة من اربعة اشخاص، رجل وزوجته وطفلين من مسقط الى دبي. وبعدها اعود الى هنا.
شهرزاد : هذا شيء رائع. رحلات موفقة ان شاء الله حبيبي. والآن اجلس فقد اعددت لك طعامك المفضل، ݘبسة ربيان على طريقتنا البحرينية.
محمود : انت دائماً تعرفين ما احب. كم انا محظوظ بك يا احسن زوجة بالعالم.
شهرزاد : بل انا المحظوظة بك فانت كل ما اريده بهذه الدنيا يا حياتي.
في الساعة الرابعة مساءاً سُمِعَ جرس الباب ففتحه محمود ليجد سائق بنغالي يقف امام الباب.
السائق صادق : السلام عليكم سيد محمود. لقد احضرت لك سيارتك من المنامة واوقفتها بمراب العمارة. تفضل مفاتيح السيارة.
محمود : تفضل بالدخول يا صادق. ستأكل افضل ݘبسة بحرينية اليوم.
السائق صادق : كلا، كلا سيدي. يجب علي الذهاب الآن. شيخ عبد الله يريد مني الرجوع على الفور.
محمود : هذا مستحيل، تعال وادخل الشقة. سوف لن نخبر الشيخ بذلك. لقد اتيت من البحرين الى هنا لتجلب سيارتي وتريدني ان لا ادخلك؟ هل يعقل ذلك؟
السائق صادق : طيب سيدي ولكن ساأكل (جلدي جلدي) واخرج على الفور.
دخل السائق صادق وتناول وجبة الغداء على عجل ثم قام محمود باعطائه 100 دينار بحريني كمكافئة بسيطة لخدمته ثم خرج معه واخذه الى موقف سيارات الاجرة بالنادي السياحي اشترى له بطاقة عودة ثم ودعه عندما ركب الحافلة.
بالمساء ذهب محمود الى السرير الساعة الثامنة لانه يريد الاستيقاظ مبكراً وعندما استفاق في الصباح الباكر قام بحلاقة ذقنه واستحم وجهز نفسه. خرج من الحمام ليجد زوجته شهرزاد قد انتهت للتو من اعداد افطار شهي. تناول افطاره على عجل وقبل زوجته ثم خرج بسيارته متجهاً الى مطار البطين. على بوابة المطار اوقفه الشرطي فابرز هويته الامنية فرفع الحاجز وسمح له بالدخول. اوقف سيارته بموقف مخصص له كتب عليه اسمه، ثم دخل مبنى المطار. بالداخل وجد قاعة متوسطة الحجم فيها طاولات وكراسي موزعة بشكل منتظم. كانت احدى الطاولات فقط مشغولة ويجلس عليها اربعة رجال يابانيين. ذهب محمود الى الاستعلامات وسأل،
محمود : هل وصل المسافرون الثلاثة لرحلة شركة الجناح الذهبي الى دبي؟
موظف الاستعلامات : اجل يا كابتن ولكن طرأ تغيير على العدد بالمانيفيست. سيكونون اربعة رجال بدلاً من ثلاثة.
محمود : لا بأس. ساتناول قهوتي الآن. اعلمني متى ما يحين موعد المغادرة.
موظف الاستعلامات : سأعلمك حالما يفرغ فريق الصيانة من فحص الطائرة. تفضل اجلس الآن.
بعد نصف ساعة اعلمه رجل السيطرة ان الطائرة اصبحت جاهزة وعليه المغادرة. فانتصب من مقعده وذهب صوب طاولة الركاب اليابانيين وعرّفهم بنفسه.
محمود : السلام عليكم، اسمي الكابتن محمود. سانقلكم اليوم الى دبي.
الياباني : بالنيابة عن زملائي اود ان احييك واشكرك على كرمك وحسن اخلاقك.
وقف الرجال الاربعة وانحنوا امامه واعطوه ابتسامة جميلة.
محمود : شكراً لكم يا سادة. تفضلوا معي الآن.
خرج محمود ومعه وركابه الاربعة يتبعون رجل السيطرة سيراً على الاقدام متجهين الى الطائرة التي كانت تقف على مسافة 300 متر. اعانهم رجل السيطرة على الصعود للطائرة ثم دخل محمود الكابينة وطلب من ركابه ربط الاحزمة وابتدأ باجرائات التدقيق بمعداته وامور السلامة الاخرى ثم وضع السماعة على اذنيه وفتح الاتصال بالسيطرة الارضية ليعلمهم بجاهزيته للاقلاع فطلبوا منه التوجه الى مدرج رقم 30. وعندما وصل المدرج 30 اتصل ببرج البطين واخبرهم بجاهزيته للاقلاع فاذنوا له. دفع عتلة الوقود الى الامام وفتح الفلاپ 40 درجة فصارت الطائرة تتسارع بشكل كبير حتى شعر محمود بخفتها وكأنها حطبة تطفو على الماء عندها سحب المقود الى الخلف لترتفع العجلة الامامية. بقي بهذا الموضع لثانيتان او اكثر بقليل حتى تبعتها العجلات الخلفية فارتفعت عن الارض فضغط على زر كي يظم العجلات جميعها الى بدن الطائرة ويبدأ بالتسلق السريع الى السماء. اتصل به برج البطين ليخبره انه ابتعد عن سيطرتهم وعليه اخذ التدابير. فعدل من اتجاهه كي يسير بزاوية 20 درجة. استمر بالارتفاع حتى ثبت على 8100 قدم. في الطريق كان ركابه يتهامسون بلغتهم بصوت منخفض جداً حرصاً على راحة الطيار. كان ذلك امراً اثار الاعجاب لدى محمود وجعله يحترمهم اكثر، وقبل وصولهم مطار دبي الدولي اتصل محمود ببرج دبي فاعطوه الاذن بالهبوط على مدرج رقم 6 فعدل من اتجاه طائرته استعداداً للهبوط ثم هبط بسلاسة كبيرة. وحالما لامست عجلاته الارض صار ركابه يصفقون له بشكل مهذب جداً فابتسم وشكرهم. ولما توقفت الطائرة تماماً، فتح الركاب احزمتهم ونزلوا منها مع محمود ثم انحنوا له بطريقتهم التقليدية تعبيراً منهم عن امتنانهم وقاموا باخذ الصور التذكارية معه. بعد ان قام فريق الخدمات بتعبئة الطائرة بالوقود. اقلع محمود ثانية بدون مسافرين هذه المرة وتوجه نحو مسقط لجلب ركابه الاربعة. وفي مطار مسقط دخل قاعة الاقلاع فحياه رجل السيطرة الهندي وطلب منه الانتظار بالصالة. دخل الصالة فوجدها ملئى بالمسافرين. سار مباشرة الى مكتب السيطرة ووقع على الاوراق اللازمة ثم استلم خطة الرحلة القادمة من مسقط الى دبي.
المنسق : لديك عائلة مكونة من اربعة اشخاص ستنقلهم الى دبي. والآن بامكانك الاسترخاء قليلاً حتى يتم تزويد الطائرة بالوقود وتدقيق الطائرة الروتيني.
جلس محمود على احدى الطاولات يترشف قدح القهوة اللذيذ ويتفحص الجالسين على الطاولات بالقاعة عساه يستطيع ان يحزر مسافريه. وجد ثلاث طاولات فيها عوائل. الطاولة الاولى كانت تحتوي على ستة اشخاص، الثانية والثالثة اربعة. استنتج انها احدى الاخريين. وكما تنبأ، جائه رجل السيطرة واعلمه بجاهزية طائرته ثم اخذه للطاولة الثانية التي تنبأ بها. كان جميع افراد العائلة ذوي ملامح اوروبية لان جميعهم كانوا شقراً.
محمود : السلام عليكم، اسمي الكابتن محمود. ساخذكم اليوم الى دبي.
رب الاسرة : وعليكم السلام، نحن ندعى عائلة هاموند. انا دافيد وزوجتي تريسي وبناتي ناتاشا وسلڨيا.
محمود : تفضلوا معي لو سمحتم.
خرج الجميع يتبعون رجل السيطرة فتوجهوا نحو الطائرة وجلس الجميع بمقاعدهم فطلب رب الاسرة ان يجلس بجانب محمود لكنه اعتذر منه وقال ان ذلك غير مسموح به للركاب لكنه يستطيع ان يتحدث معه عبر السماعات الموجودة في الخلف، فوافق.
اقلعت بهم الطائرة لكنها اخذت اتجاه 300 درجة هذه المرة كي تنقلهم الى دبي. بعد ان اكمل محمود جميع اتصالاته وقام بجميع مهامه. استرخى قليلاً وقال لرب الاسرة عبر الاتصال الداخلي.
محمود : اهلاً بكم على متن شركة الجناح الذهبي. هل هذه اول رحلة لكم معنا؟
رب الاسرة : كلا، لقد جئنا من دبي الى مسقط قبل اسبوعين على متن احدى طائراتكم.
محمود : هل تقيمون بدبي؟
رب الاسرة : انا وحدي اقيم بدبي واعمل كمدير لشركة معدات بترولية ومقرها الرئيسي في ديرا دبي. اما زوجتي وبناتي فيسكنون ببريطانيا بشكل دائم. لقد جائوا لزيارتي في عطلتهم السنوية فقررت أخذهم برحلة الى مسقط لغرض الاستجمام هناك.
محمود : هل اعجبتهم مسقط؟
رب الاسرة : اجل اعجبتهم كثيراً فالمناظر هناك خلابة حقاً.
محمود : هل ترى اسرتك مرة واحدة بالسنة يا سيد هاموند؟
رب الاسرة : بامكانك ان تسميني دافيد. كلا، انا اذهب لبريطانيا عدة مرات بالسنة كي ابقى مع عائلتي. اعمار بناتي هو 7 و13 سنة. اقوم بجلبهم الى عندي بفترة العطلة الصيفية.
محمود : هذا شيء رائع. وانتَ بامكانك ان تسميني محمود.
دافيد : هل انت من دولة الامارات يا محمود؟
محمود : كلا انا من البحرين. لكني اسكن بمدينة ابوظبي.
دافيد : انا استعمل شركة الجناح الذهبي كثيراً ولكن لم يسبق لي ان التقيتك.
محمود : لان هذا هو يومي الاول بالشركة. سابقاً كنت اعمل بالبحرين ثم انتقلت الى ابوظبي بعد ان حصلت على عقد عمل مع الجناح الذهبي.
دافيد : هل انتقلت لان المرتب اعلى؟
محمود : اجل ولاعتبارات اخرى كذلك. فانا وزوجتي اردنا التغيير.
دافيد : هذا جميل جداً.
محمود : وانت يا ديفد كيف حصلت على وظيفتك؟ هل تحمل شهادة عليا؟
دافيد : اجل. انا خريج هندسة البترول من جامعة الملكة ماري بلندن ولدي شهادة الماجستير. قبل 5 سنوات جلس احد الخليجيين بالبار الذي بجانب منزلي فاعجب به كثيراً وصار يرتاده كل يوم. وفي احدى الليالي تعرض هذا الزبون لاعتداء جسدي وسرقت منه كل امواله ثم رمي في الشارع وهو مخمورٌ وفاقداً للوعي. قمت انا بمساعدته ونقلته الى المشفى فعالجوه هناك ثم اخذته لمركز الشرطة فقدم شكوى ضدهم. بعدها آويته بمنزلي المتواضع بضعة ايام حتى ارسلوا له مبالغ من دبي فقام ببذخ المال علي ثم وعدني ان يجد لي عملاً دسماً ببلاده عندما يعود. عاد بعد شهر من تلك الحادثة ولم اسمع منه اي شيئاً لعدة اشهر فظننت انه نسي الامر. لكني تفاجأت باحدى الايام حينما تسلمت رسالة تخبرني عن عرض من شركة (بتروسيرڨ) لوظيفة ومرتب قدره 45 الف درهم شهرياً. ما كنت لاحلم بمثل هذا المبلغ بحياتي. قبلتُ العرض بدون تردد وانتقلت الى دبي وهذا كل ما في الامر.
محمود : قصة فضيعة حقاً. ولكن دعني اسألك، هل انت من برمنغهام اصلاً؟
دافيد : اجل. وكيف عرفت؟
محمود : انه واضح من لهجتك.
دافيد : وانت يا محمود. اين تعلمت قيادة الطائرات؟
محمود : انا درست بمدرسة باوكسفورد ببريطانيا المدرسة تدعى CAE Oxford. عدت بعدها الى البحرين وعملت كطيار بشركة وطنية لعدة سنوات حتى جائني العرض بابوظبي فجئت مع زوجتي وسكنا هناك.
دافيد : اتمنى لك الموفقية.
عم الهدوء بينهما لمدة ساعة حتى سمع محمود يقول،
محمود : الآن شارفنا على الوصول لمطار دبي. اربط حزامك لو سمحت ودَعِ العائلة تفعل الشيء نفسه.
نزل دافيد مع عائلته في المطار وودعوا محمود وتواروا عن الانظار. في دبي سأل محمود منسقة الرحلات الآنسة فدوى عن طريق الهاتف فيما اذا كان هناك رحلات اخرى فطلبت منه المبيت بفندق الـ (كراند كوزموبوليتان) في البرشاء 1 بدبي ثم العودة بالغد بخمسة رجال من دبي وارجاعهم الى ابوظبي الساعة 7 صباحاً.
في اليوم التالي استيقظ محمود الساعة الرابعة والنصف فجراً وخرج من الفندق بعد ان ركب سيارة اجرة نقلته الى المطار. وعند وصوله قاعة المغادرة بمطار دبي التقى بخمسة رجال مواطنين يرتدون الزي التقليدي للبلاد. رحب بهم كعادته وانطلق بهم الى ابوظبي. بمنتصف الطريق وبينما كان يطير فوق السحاب سمع صوتاً اثار حفيظته. كان الصوت يأتي من اسفل مقدمة الطائرة. اتخذ بعض الاجرائات الوقائية لكنه لم يستطع معرفة مصدر الصوت. اتصل ببرج البطين بابوظبي واخبرهم بالاصوات المريبة فطلبوا منه الانتظار قليلاً. بعد بضع دقائق اخبروه بالتحدث مع رئيس قسم الصيانة المهندس عدنان كي يستفسر منه عن الخلل فقال،
عدنان : السلام عليكم يا كابتن. الا وصفت لي نوع الاصوات التي تسمعها.
محمود : وعليكم السلام باش مهندس. انها اصوات وكأنها علب معدنية ترتطم ببعضها البعض وتُسمَع بين الحين والآخر.
عدنان : هل بامكانك التأكد من النظام الهايدروليكي؟
قام محمود بعمل بعض الاختبارات ثم قال،
محمود : لقد تأكدت منه. انه يعمل بشكل طبيعي.
عدنان : اريد منك الآن فتح العجلات ثم غلقها ثانية.
محمود : لقد فعلت ذلك.
عدنان : هل الاصوات اصبحت تصدر اعلى من السابق؟
محمود : اجل.
عدنان : اعتقد ان لديك مشكلة بآلية فتح وغلق العجلات. هل العجلات تقفل تماماً عند فتحها؟
محمود : اجل.
عدنان : إذاً اتركها مفتوحة وسوف اتفحص الخلل حال وصولك عندي.
محمود : شكراً لك سيد عدنان.
ترك محمود عجلاته مفتوحة لباقي الرحلة وبسرعة اقل من السابق طبعاً ثم بدأ بالهبوط بمطار البطين. وعندما حطت الطائرة على الارض ارتاح نفسياً وزال عنه التوتر. مع العلم ان ركابه لم يكونوا يعلمون بالخلل. بعد ان هبط الركاب وشكروا محمود وغادرو المكان شاهد محمود عربة صيانة تتجه نحو الطائرة. وقفت بالقرب من الطائرة وخرج منها شاب يبدو من هيئته وبشرته السمراء انه عربي. حيى محمود وعرف نفسه وقال ان اسمه المهندس عدنان وتحدث معه عن الخلل. قام المهندس عدنان بتفحص الطائرة بدقة متناهية ليجد مصدر الخلل. فقدم تقريره وقال،
عدنان : الخلل كان بنظام غلق واقفال العجلات. لقد فقد احدى الصامولات. فقمت بربط صامولة جديدة باحكام والآن النظام يعمل بشكل ممتاز ولم تبقى اي اصوات غريبة.
محمود : شكراً جزيلاً اخي عدنان.
عدنان : على الرحب والسعة.
محمود : انا اسمي محمود شاكر من البحرين.
عدنان : تشرفت بمعرفتك يا كابتن. هل تعمل منذ فترة طويلة بالجناح الذهبي؟
محمود : كلا، لقد انتقلت اليها منذ فترة قصيرة. وانت، هل تعمل منذ فترة طويلة هنا؟
عدنان : اجل اعمل هنا منذ اكثر من 10 سنوات. درست هندسة الطيران بالمانيا والآن اعمل بابوظبي.
محمود : ربما نستطيع ان نلتقي احياناً على وجبة طعام، ما رأيك؟
عدنان : انا من عشاق الاسماك بالتأكيد. سيكون ذلك شيء رائع.
تبادلا ارقام الهواتف وخرج محمود كي يتصل بمنسقة الرحلات الفلسطينية الآنسة فدوى. فاخبرته انه ليس لديه اي رحلات ليومين متتاليين لذلك ركب سيارته المرسيدس وعاد بها الى شقته. فتح الباب فوجد زوجته جالسة في الصالة تتابع على التلفاز برنامجاً للطبخ للشيف اسامة. حالما سمعت خطواته قفزت من الاريكة وركضت نحوه لتقبله وترحب به وصارت تسأله عن رحلته. بدأ يخبرها بكل التفاصيل ما عدى مشكلة العجلات كي لا تقلق ثم سألها،
محمود : هل ترغبين بعمل جولة؟
شهرزاد : الى اين؟
محمود : لا اعلم ولكن دعنا نخرج ونعمل جولة مع بعضنا بالسيارة.
شهرزاد : ليس قبل ان تأتي الى غرفة النوم لتنال قسطاً من الراحة.
نظر بعينيها وهو يبتسم وقال وهو يغمز بعين واحدة،
محمود : هل تقصدين قسطاً من الراحة ام قسطاً من الراحة؟
شهرزاد : اجل، انت حزرتها فانا مشتاقة اليك كثيراً.
محمود : سمعاً وطاعة يا ملكتي العزيزة. هيا الى غرفة النوم.
بعد ان اكملا الـ "قسطاً من الراحة" استحما وارتديا ملابسهما وخرجا سوية الى مطعم رائع يدعى مطعم ابو طافش للمآكولات البحريه المتخصص بطهي الاسماك على الفحم. كان ذلك امراً يسعد شهرزاد كثيراً لانها تحب الاسماك منذ الصغر ولانها كانت تتضرع من الجوع لسبب كانت تجهله. اما محمود فقد ازداد غبطة لانه كان بصحبة زوجته وحبيبته التي يعشقها منذ الصغر. وبعد ان انهوا وجبتهم خرجوا بجولة في ابوظبي ثم توجهوا الى مركز للتسوق يدعى المارينا مول وهو يقع بشبه جزيرة صناعية في البحر. قضوا اوقاتاً لا توصف هناك ثم عادوا بالليل وكانوا بغاية التعب والارهاق لكن ذلك التعب ما كان ليمنعهم من ان يأخذوا قسطاً آخر من الراحة بالبيت.
في اليوم التالي اتصل محمود بصديقه الجديد عدنان وطلب منه ان يقابله بشارع حمدان لدى قهوة مشهورة تدعى قهوة ابو عزيز. وعندما التقيا هناك صارا يتحدثان بامور عديدة مما زاد من رابطة الصداقة بينهما. بعد ان خرجا من القهوة وتناولا وجبة مكدونالد سريعة ودع صديقه في امل ان يلتقيه بالقريب العاجل.
كانت اليومين التي منحتها له الشركة بمثابة هدية كبيرة له ولزوجته حتى بعد انتهائها، وجد نفسه يستوزر الكثير من النشاط والامل والاندفاع نحو العمل. وبانتهائها كانت تنتظره رحلة مضنية الى البحرين ثم الكويت والمبيت بالكويت ثم رحلة ثانية الى قطر ومن ثم الرجوع الى مقره بابوظبي.
استمر محمود يعمل عمله الذي يعشقه لبضع شهور وكان يلتقي بصاحبه عدنان كلما سنحت له الظروف. وباحد الايام ذهب الى مطار دبي لينقل احد رجال الاعمال الى ابوظبي واذا به يكتشف ان رجل الاعمال هو دافيد هاموند صاحبه الانكليزي لا غير. رحب به كثيراً وسأله،
محمود : دافيد لم ارك منذ زمن طويل. هل انت ذاهب لاجتماع بابوظبي؟
دافيد : كلا، انا ذاهب لاقضي وقتاً ممتعاً هناك وساعود بعد الظهر.
محمود : لكن دبي افضل من ابوظبي لمثل هذه الامور فلماذا لا تبقى بدبي؟
دافيد : اجلب قهوتك واجلس معي على الطاولة كي اخبرك بالتفاصيل.
ذهب محمود الى المقهى واحضر فنجان قهوة امريكية ثم عاد وجلس مع صاحبه الانكليزي وقال،
محمود : هيا حدثني فقد اثرت فضولي.
دافيد : قبل اسبوعين ذهبت الى ابوظبي في اجتماع طارئ. وبعد الاجتماع كان لدي متسع من الوقت على رحلة العودة لدبي فقررت ان اعمل جولة بمجمع تجاري يدعى خالدية مول اتعرفه؟
محمود : اجل اعرفه جيداً. اكمل كلامك.
دافيد : هناك، وبينما كنت اتفحص الملابس الداخلية للنساء شاهدت امرأة سمراء خليجية فائقة الجمال.
محمود : وكيف عرفت انها خليجية؟
دافيد : لا اعلم فبالرغم من انها كانت ترتدي الملابس الاوروبية الثمينة لكنها تحمل الملامح الخليجية.
محمود : اكمل حديثك.
دافيد : كنت اقلب الملابس الداخلية المثيرة للنساء فسألتني تلك المرأة وبانكليزية نظيفة لا غبار عليها قالت، "هل تشتري هذا لزوجتك ام لحبيبتك؟". كان ذلك السؤال ملغوماً جداً لانني لم اكن اتوقع مثل هذا الهجوم المفاجئ من امرأة من المفروض ان تكون محافظة ولا تتجرأ التحدث بمثل هذا الكلام. رديت عليها بنفس النبرة وقلت، "انه لزوجتي لكنه بامكانه ان يكون لسيدة اخرى لو وجدتها امامي".
محمود : وماذا كان ردها؟
دافيد : قالت، "السيدة الاخرى موجودة. انت فقط اشر باصبعك وسوف تأتيك بلمح البصر". هنا عرفت انها مستعدة لعمل علاقة حميمة معي.
محمود : يا الهي. ان ذلك شيئ خطير جداً يا دافيد...
قاطع حديثهم المنسق الهندي وقال بان الرحلة جاهزة وعليهم التوجه الى الطائرة فوراً. هب الرجلان من الطاولة وتوجها الى البوابة ثم بعد ان اقلع محمود واستقرت الطائرة بالارتفاع المطلوب فوق السحاب قال،
محمود : إن ما قلته لي خطيرٌ جداً يا دافيد. وهل اخبَرَتكَ عن جنسيتها؟
دافيد : اجل قالت انها من السعودية وزوجة لاحد رجال الاعمال السعوديين. وقالت ان اسمها اونود.
محمود : هل تقصد عنود؟
دافيد : اجل هو كذلك، لكني لا استطيع لفضه بشكل سليم.
محمود : انه اسم شائع بالخليج وخصوصاً بالسعودية. ماذا حصل بعد ذلك؟
دافيد : ركبت معي سيارة اجرة واخذتني الى شقتها، وهناك قادتني الى الفراش.
محمود : وماذا حصل بعد ذلك؟
دافيد : وماذا يحصل بالفراش عادة يا محمود؟ شغل مخك معي قليلاً.
محمود : اجل ولكن هل شاهدكم زوجها او خدامها؟
دافيد : كلا. قالت ان زوجها قد سافر الى العين لمقابلة احد المدراء هناك وسوف لن يعود قبل يومين وقد منحت اجازة لجميع خدامها ليوم كامل.
محمود : اسمع مني يا دافيد. انت تلعب بالنار. هؤلاء الناس لا يرحمون ابداً خصوصاً لو كان زوجها من الرجال المتنفذين. هل اخبرتك عن اسمه؟
دافيد : كلا لم تخبرني بذلك لاني لم اسألها اصلاً.
محمود : وهل انت ذاهب اليوم للقائها؟
دافيد : اجل، اخبرتني انها تنتظرني بشقتها بالبطين وهي مشتاقة لي كثيراً. وقالت انها اشترت تشكيلة كبيرة من الملابس الداخلية التي شاهدتها بمجمع الخالدية، وسوف تستعرضها لي. لقد قمت بتأجيل اجتماعاً مهماً جداً بالشركة بدبي واخبرتهم انني ساذهب لفحص طبي.
محمود : ارجوك يا صديقي كن حذراً لانك تمشي بحقل الغام وقد ينفجر اللغم تحت قدميك باي لحظة.
دافيد : لا تخف علي يا صاحبي. انا بريطاني وإذا ما حصل شيء من هذا القبيل فإنهم سيطردوني من هذا البلد باسوأ الاحوال.
محمود : وذلك سيجعلك عاطلٌ عن العمل اليس كذلك؟
دافيد : لا تقلق بشأني فقد جمعت من المال ما يكفي بناتي واحفادي كي يعيشوا بلا عمل طوال حياتهم.
محمود : على كلٍ. كن حذراً اكثر، هذا لمصلحتك.
دافيد : حسنا يا صاحبي فانا اشكرك على اهتمامك وقلقك نحوي وساخبرك بالتفاصيل عندما اعود.
محمود : هل ستعود الليلة؟
دافيد : اجل ساكون جاهزاً على رحلة ابوظبي - دبي الساعة السادسة بعد الظهر.
وصلت الطائرة الى ابوظبي وانطلق ديفيد بسيارة اجرة بينما واصل محمود عمله وطار برحلة جديدة الى المنامة.
لم يرى محمود صديقه ديفد لاكثر من ثلاثة اشهر بعد تلك الحادثة حتى في مرة من المرات دخل قاعة الانتظار بمطار دبي ليجد صاحبه جالساً باحدى الكراسي ينتظر ركوب الطائرة. حياه محمود وقال،
محمود : دافيد، كيف حالك؟ هل انت ذاهب معي الى ابوظبي؟
دافيد : اجل، انا ذاهب لاقابل اونود. انها تنتظرني اليوم.
محمود : الازلت تلعب بالنار يا دافيد؟
دافيد : اسمع مني يا محمود. اونود حامل مني لذلك يجب علي ان اساعدها كي تسقط الجنين.
محمود : كيف ذلك؟ ان الاجهاض ممنوع بهذا البلد. فكيف ستعمل ذلك؟
دافيد : اونود تعرف طبيباً مصرياً بابوظبي. سيقوم باجهاضها بالسر مقابل المال. يجب علي ان اعطيها المال كي تجهض حملها.
محمود : لقد حذرتك كثيراً يا دافيد لكنك لم تسمعني. قلت لك انه امر خطير.
دافيد : ولماذا تعتقد انه خطير؟ كلما في الامر انها تقوم بالاجهاض ثم نعود للعبتنا في المرة القادمة. هي سعيدة وانا سعيد بما نعمل وهي تهوّن عليّ بعدي عن زوجتي.
محمود : وماذا لو امسك بكم زوجها فقد يزجك بالسجن او قد يلحق بك الاذى.
دافيد : لا تقلق. فهي تقول ان زوجها لديه الشذوذ الجنسي وهو لا يعاشرها ابداً منذ ان تزوج بها. ويقول لها انه يستمتع بالصواريخ اكثر ويعني بذلك الغلمان. وهكذا فانا اقوم بخدمة انسانية لتلك الزوجة المسكينة الممحونة.
محمود : سامحك الله.
هبط دافيد من الطائرة بابوظبي وواصل محمود رحلته عائداً الى دبي حاملاً معه سيدتا اعمال فرنسيتان. وبعد وصوله الى دبي اعلمته منسقة الرحلات ان لديه رحلة اخيرة الى ابوظبي ومعه ثلاث رجال. انطلق بهم الى ابوظبي. وهناك التقى بصاحبه عدنان فاخبره ان سيارته معطوبة ويريد منه ان يوصله الى مركز مدينة ابوظبي. بعد ان توادعا بشارع حمدان بابوظبي رجع محمود عائداً الى منزله بالنادي السياحي. دخل المنزل فوجد هدوئاً غير مسبوق. بحث عن زوجته بكل مكان ليجدها نائمةً بسريرها فسألها،
محمود : ماذا بك يا حبيبتي؟ ولماذا انتِ نائمة. فالوقت مازال مبكراً.
شهرزاد : اشعر بتعب كبير يا محمود. اليوم ذهبت للتسوق وتعبت كثيراً. اريد ان انام لو سمحت.
محمود : حسنا حبيبتي. هل تريدين ان استدعي لك طبيباً لمعاينتك؟
شهرزاد : كلا، كلا ساكون بخير. دعني انام فقط وارتاح. دخل محمود الحمام واستحم ثم لبس الكندورة ونزل الى الصالة حيث تابع مسلسل تلفزيوني سبق وان شاهده من قبل بعنوان، " لن اعيش في جلباب ابي" وصار يأكل من السنبوسة التي اعدتها له الخادمة جوليانا في المطبخ. وبعد ان اكمل المسلسل احس بالنعاس وشعر انه غير قادر على مواصلة الجلوس وحيداً فقرر ان يلجأ الى الفراش. صعد الى غرفة النوم واطفأ النور ثم ذهب الى الفراش وازال الغطاء كي ينام الى جانب زوجته لكنه قبل ان يدخل السرير لاحظ بقعة غامقة على غطاء السرير. عاد وفتح النور كي يتحقق من تلك البقعة واذا بها بقعة دم كبيرة. ايقظ زوجته وقال،
محمود : استيقظي يا شازي. انت تنزفين بغزارة.
فتحت شهرزاد عينيها ونظرت الى بقعة الدم فاصيبت بالهلع وقالت "يا الهي، اجل حبيبي. ربما انا اموت. ارجوك خذني الى المشفى"
حمل محمود زوجته ونزل بها الى الطابق الارضي ومنه الى مراب السيارات ثم وضعها في السيارة وانطلق بها الى مجمع ابن النفيس الطبي بشارع فاطمة بنت مبارك لانه يعلم انه افضل مجمع وافضل عناية طبية بكل الامارات. وحالما وصل هناك صار يصرخ باعلى صوته، "النجدة، النجدة، ساعدوني حالة مستعجلة"
هرعت اليه الممرضات والاطباء فوضعوها بكرسي نقال وتوجهوا بها الى قسم الطوارئ وعندما ادخلوها بالصالة منعوه من الدخول معهم فوقف ينتظر خارج الباب. بقي هناك اكثر من ساعتين ثم خرج الطبيب فركض نحوه وسأله،
محمود : اخبرني يا دكتور ارجوك، كيف حال زوجتي؟
د. ليث : زوجتك بخير لكننا لم نستطع ان ننقذ الجنين.
محمود : الجنين؟ هل كانت زوجتي حاملاً؟ يا الهي لم اكن اعلم بذلك.
د. ليث : اجل كانت باسبوعها السادس. عوضك على الله. دعني اسألك هل سبق لها وان اجهضت؟
محمود : اجل لقد اجهضت سابقاً في البحرين قبل سنة. لكن الطبيب هناك اكد لنا ان بامكانها ان تحمل حملاً طبيعياً بالمستقبل.
د. ليث : ذلك امر الله. سننقلها الآن الى غرفة خاصة وبامكانك البقاء معها حتى الصباح.
نقلت شهرزاد الى غرفة خاصة فدخل محمود الغرفة ليجدها مستلقية على السرير. قبلها من جبينها فلاحظ دموعها تسيل على خديها، مسحها بيده وقال،
محمود : لماذا تبكين يا حبيبتي؟ ستحملين مرة اخرى ان شاء الله لا تحزني. لقد اكد لي الدكتور ليث انك بصحة جيدة وبامكانك ان تحملي ثانية.
شهرزاد : هذه ثاني مرة يسقط الجنين عندي. انت تزوجت امرأة معطوبة لا تستطيع ان تنجب لك اطفالاً. بامكانك ان تتزوج عليّ زوجة ثانية او تطلقني وترتاح مني فانا لم اعد اصلح لك.
محمود : لا تقولي هذا الكلام يا حبيبتي. ولكن لماذا لم تخبريني بانك حامل؟
شهرزاد : لاني كنت خائفة ان لا يثبت حملي ويسقط الجنين كما سقط بالمرة الاولى وها قد حصل ما كنت خائفة منه. انا آسفة يا حبيبي.
محمود : ولماذا الاسف؟ وما هذا الكلام عن الزوجة الثانية او الطلاق. انت حبيبتي وشريكة حياتي وعمري. انا لا استبدلك بمليون طفل.
شهرزاد : انت رجل اصيل يا محمود. لا اعلم ماذا عملت بحياتي كي استحق انساناً متفهماً رائعاً مثلك.
قبلها من جبينها فاغمضت عينيها وغرقت بنوم عميق. جلس على الكرسي الذي بجانب السرير وبقى جالساً الليل كله حتى غلبه النوم فاغمض عينيه ونام نوماً خفيفاً. وبعد بضع ساعات استيقظ على صراخ زوجته وهي تقول، "ازلها، ازلها بسرعة، امسك بالاولى وازلها ارمها بسرعة. ازل الثانية يا محمود انها ستدخل جلدي"
احتظن زوجته وصار يطبطب على وجهها فاستيقظت. كانت تسبح بالعرق. مسح عرقها واحتظنها وقال،
محمود : لا بأس، لا تقلقي يا روحي، انا هنا، انا معك. استفيقي انا عندك هنا لا تقلقي.
فتحت عينيها وادركت انها بالمشفى وباحضان زوجها قالت،
شهرزاد : محمود لقد رأيت رؤيا مخيفة جداً.
محمود : ماذا رأيت؟ هيا احكيلي.
شهرزاد : رأيت والصلات والسلام على سيدنا محمد انني كنت جالسة بجانبك في غرفة الصالة بشقتنا بابوظبي وفجأة شعرت بتهيج في جلد معصمي فقمت بحكه لكن التهيج ازداد شيئاً فشيئاً. قمت انت بتفحصه لاجد دودتان بيضاء اللون طويلتان قامتا بالاحاطة بمعصمي فصارا يضيقان الخناق عليه ويعصرانه فاتألم. ركضت انتَ الى الحمام وجلبت ملقطاً وصرت تحاول ازالة تلك الدودتان من معصمي. وكلما كنت تزيل جزئاً من الدودة وترميها على الارض كانت تتقطع وتتحول الى ديدان كثيرة تحاول الدخول الى جلدي. لكنك اصريت على ازالة الدود كله من معصمي.
محمود : لذلك كنت تصرخين وتقولين "ازلها، بسرعة، امسك بالاولى وازلها. ازل الثانية يا محمود انها ستدخل معصمي"
شهرزاد : اجل حبيبي. ما هو تفسير هذا الحلم يا ترى؟
محمود : هذا مجرد كابوس يا شازي. انت فقدت الكثير من الدم ومررت باوقات عصيبة وشعرت بحزن على فقدانك الجنين لذلك صارت الكوابيس تقلقك. لكن الآن زال البأس حبيبتي والحمد لله. ارتاحي انا بجانبك.
مسح على رأسها ثم احتظنها ثانية وهو يطبطب على ظهرها حتى نامت باحضانه. في صباح اليوم الثاني جائه الدكتور ليث مبكراً وقال بامكانه اخذ زوجته الى البيت. كان محمود حزيناً جداً بداخله لان زوجته فقدت الجنين للمرة الثانية لكنه لم يفكر ابداً بما قالته زوجته عن الزواج بزوجة ثانية. لذلك قرر ان تستمر حياته كما في السابق وان يصلي صلاة شكر لله على سلامتها.
بعد مرور اسبوعين على تلك الحادثة وبينما هو يستعد لرحلة من ابوظبي الى دبي شاهد صديقه الانكليزي دافيد فحياه وسأله عن وجهته فقال،
دافيد : انا ذاهبٌ الى دبي وابقى بدبي 3 ساعات ثم ساذهب الى اجتماع مهم في العين.
محمود : اذاً سنكون معاً كل اليوم لانني سانقلك من دبي الى العين كذلك. بامكاننا ان ندردش في الطريق.
دافيد : اجل سيكون ذلك جميلاً.
بعد الاقلاع سأل محمود صاحبه،
محمود : كيف سارت الامور مع صاحبتك عنود قبل اسبوعين؟ هل اسقطت حملها.
دافيد : اجل ولكن ليس امامي.
محمود : ماذا تقصد، ليس امامك؟
دافيد : اقصد ان طبيبها المصري حقنها بابرة واخبرها ان حملها سيسقط بنفس الليلة بشكل تلقائي. وبما ان زوجها لم يكن موجوداً لذلك ذهبت للبيت وانتظرت كي يحصل الاسقاط.
محمود : وكيف عرفتَ ان الاسقاط قد تم؟
دافيد : اتصلت بي هاتفياً باليوم التالي واخبرتني ان كل شيء جرى على ما يرام.
محمود : ربما كان ذلك الوقت الانسب كي توقف تلك المغامرة يا صديقي.
دافيد : قلت لك ان ذلك لا يشكل خطراً عليّ بتاتاً. فقد اخبرتني بانها سبق وان اسقطت حملها سابقاً.
محمود : واين وقع ذلك؟ بابوظبي؟
دافيد : لا اعلم. هي قالت لي ان ذلك وقع ببلدها قبل مجيئها لابوظبي. يبدو انها ليست من السعودية كما اخبرتني في السابق. مع انني كنت اظن انها سعودية الجنسية.
كانت تلك الكلمات بمثابة قنبلة هبطت على رأس محمود. ايعقل ان تكون زوجته شهرزاد هي نفسها عنود؟ لقد قال ديفد ان عنود من بلد آخر غير السعودية وشهرزاد بحرينية وقال ان عنود تتكلم الانكليزية بطلاقة وشهرزاد تتكلمها كما لو كانت بريطانية وقال ان عنود لا ترتدي الزي الخليجي وشهرزاد سافرة ولا ترتدي الزي الخليجي، وقال ان عنود سبق وان اسقطت جنينها ببلدها وشهرزاد اسقطت جنينها بالبحرين. وقال ان الطبيب حقن عنود بابرة ثم اسقطت الجنين ببيتها وشهرزاد بدأت تسقطت جنينها ببيتها حتى نقلها للمشفى. يا الهي ايعقل ان شهرزاد تخونه وتعاشر دافيد في غيابه؟ ايعقل ان كل ذلك الحب الذي تظهره له مجرد تمثيل وكذب ورياء؟ ايعقل ان يكون غبياً وساذجاً واعمى لهذا الحد بحيث تستغفله زوجته بغيابه؟
لم يشأ ان يقول شيئاً لدافيد او يستفسر منه المزيد عن اي شيء لان كل ذلك كان مجرد شك قد لا يكون له اساس من الصحة. يجب عليه ان يتأكد من الامر، ولكن كيف يفعل ذلك وعمله يفرض عليه الغياب عن زوجته ساعات طوال واحياناً لعدة ايام؟ كيف يتمكن من مراقبتها كيف، كيف، كيف؟
بعد ان هبط دافيد من الطائرة وودع محمود. بقي محمود مهموماً يؤدي عمله بشكل ميكانيكي لكنه بقي شارد الذهن طوال اليوم. ولما عودته الى منزله بابوظبي دخل الدار فاستقبلته الخادمة جوليانا فسألها،
محمود : اين المدام يا جوليانا؟
جوليانا : المدام خرجت الى المارينا مول.
ابتسم محمود بسمة حزينة وقال بسره "اجل انها في المارينا تبحث عن دافيد جديد في غياب دافيد القديم" ثم استغفر ربه وقال، "هذا حرام. علي ان اتأكد اولاً"
بقي بحالة مزرية يتخبط بافكاره السوداء حتى عادت شهرزاد الى المنزل فحيته وقالت،
شهرزاد : هل انت بالدار حبيبي؟ لقد تصورت انك لن تعود حتى المساء. الم تقل انك ستذهب الى العين؟
محمود : ذهبت الى العين ثم عدت من هناك.
شهرزاد : هذا عظيم حبيبي لقد اشتقت اليك كثيراً.
محمود : شكراً لك على اشتياقك يا زوجتي المخلصة.
شهرزاد : وهل لديك شك باخلاصي؟
محمود : ابداً، ابداً، كنت فقط اقول لك كلاماً جميلاً لانني كنت غائباً عنك طوال اليوم.
شهرزاد : اما انا فقد تعودت على غيابك لانك تغيب دائماً ولا اجدك الى جانبي.
قال محمود بسره "اجل تعودت على غيابي وعندما لا تجديني الى جانبك فهناك من ينوب عني"
دخل محمود غرفة النوم واوى الى فراشه كي لا يتفوه بشيئٍ يندم عليه لاحقاً. اراد ان يتأكد من شكوكه ولكن كيف، كيف، كيف؟ "كيف استطيع مراقبتها وانا اعمل طوال اليوم؟ يا الهي ساعدني وارني الطريق. ربما استطيع الاتصال بالدكتور ليث كي يعمل فحص للحمض الننوي للجنين. اي جنين هذا؟ لقد قامو برميه بالقمامة منذ زمن طويل. اجل، اجل لقيتها لا يحل مشكلتي غير عدنان. فعدنان هو منقذي. يجب علي ان استشيره لانه صديقي الوحيد هنا وربما يستطيع ان ينصحني بشيء يزيل عني تلك الشكوك ويرفع مني ذلك الحمل الثقيل. ساحدثه غداً ان شاء الله"
باليوم التالي اتصل بصديقه عدنان وطلب مقابلته فاتفقا ان يتقابلا بقهوة ابو عزيز بعد نصف ساعة. جلس محمود بالقهوة وطلب ارجيلة وصار ينتظره بفارغ الصبر. وعندما دخل من الباب الزجاجي حياه وقبله ثم جلسا فبدأ محمود الحديث،
محمود : اخي عدنان لدي امر شخصي وحساس جداً اريد ان احدثك عنه. بالحقيقة اريد مشورتك لانك الصديق الوحيد لدي هنا بابوظبي.
عدنان : تفضل اخي محمود تحدث ما شئت فانا اصغي اليك، وان شاء الله سيمكنني ربي ان اعطيك المشورة الصائبة.
محمود : عندما كنت صغيراً بالبحرين كنت دائماً اذهب الى بيت عمي عبد الله والعب مع طفلة بسني هناك رباها عمي ببيته بعد وفاة والدها اسمها شهرزاد. كنت احبها وتحبني كثيراً لكن القدر شاء وفرقنا عندما اختارت لي والدتي فتاة اسمها سعاد واجبروني على الزواج منها. منحتني سعاد ابنتي الوحيدة هاجر التي كانت تمثل لي كل شيء بحياتي. لكن ارادة الله شائت واصيبت زوجتي بمرض عضال ادى بها الى الوفاة. انطويت على نفسي لاشهر طويلة من شدة حزني على زوجتي ولم استطع ان اكلم احداً ابداً. لكنني عندما التمست المواساة والحنين والاهتمام الكبير من شهرزاد. عادت لي مشاعري نحوها وبدأت احبها من جديد بشكل جنوني. خطبتها من عمي فوافق على زواجي منها. الا ان ابنتي هاجر لم تحبها وكانت تعتقد انها السبب بوفاة امها سعاد. لذلك اصرت ان لا تعيش معنا ببيتي واختارت العيش ببيت عمي عبد الله. ولما انتقلت الى هنا بابوظبي لم ترغب هاجر المجيء معنا وبقيت تعيش ببيت عمي عبدالله بالبحرين.
عدنان : طيب واين المشكلة يا محمود؟
محمود : قبل بضعة اشهر ركبت معي بالطائرة عائلة بريطانية قمت بنقلها من مسقط الى دبي ورب العائلة يدعى دافيد هاموند وكان بصحبة زوجته وابنتيه الصغيرتين...
هنا صار محمود يقص عليه كل القصة التي شغلت باله بكل تفاصيلها من البداية وحتى النهاية وكيف انه اصبح يشك بزوجته شهرزاد ويربط ما بين اجهاضها واجهاض عشيقة دافيد "عنود" وانه سيصاب بالجنون من شدة التفكير. وعندما فرغ من سرد قصته المؤلمة سمع صاحبه يقول،
عدنان : اسمع مني يا محمود، يقول الله تعالى في سورة الحجرات (إن بعض الظن اثم). ولا يحق لك ان تشك بزوجتك لمجرد ان تصادفت عملية الاجهاض لزوجتك مع عملية الاجهاض لعنود عشيقة ذلك الرجل الانكليزي. ان رغبتك بالتأكد من زوجتك هو شيئ مفهوم ولكن سؤالي المهم هو، هل سبق لها وان اعطتك السبب كي تشك بها؟
محمود : كلا.
عدنان : هل سبق وان تصرفت معك بشكل مثير للشك؟
محمود : كلا.
عدنان : إذاً لا يحق لك ان تستمر بشكوكك قبل ان تتأكد. بامكانك ان تراقبها حتى تتبين من ان شكوكك لا محل لها من الاعراب. ثم تكف وتتوب عن الشك نهائياً بعد ذلك. لانني مهما تكلمت معك فانك سوف لن تقتنع بكلامي.
محمود : ولكن كيف يا عدنان؟ انا اعمل ساعات طوال خارج المنزل واحيانا اضطر للمبيت بالمدن التي اقصدها بعملي فكيف اتابعها واراقبها من هناك؟
عدنان : اسمع مني اخي العزيز. انا اكره التجسس وامقته واعتبره عملاً دنيئاً ووضيعاً الا انني استطيع ان اتنازل عن بعض من مبادئي نحو الموضوع واراقب لك زوجتك حتى تتأكد من اخلاصها ولكن بعد ذلك عليك ان لا تسمح لمثل هذه الوساوس ان تحوم حول رأسك ابداً. اسمع يا اخي، لدي صديق مصري اسمه محمد سرور. كان يعمل بجهاز الامن المركزي بمصر قبل ان يأتي ويعمل بشرطة ابوظبي بالقسم الجنائي. ساتصل به وانسق معه عملية مراقبة زوجتك وتتبع تحركاتها. ما رأيك؟
محمود : ستسدي لي معروفاً لن انساه ما حييت وستريحني من الشك القاتل.
عدنان : لا تقل ذلك يا محمود نحن اخوان. الآن دوّن كل المعلومات التي احتاجها عن زوجتك كالاسم الكامل والعنوان ورقم الهاتف واعطني صورة حديثة لها ان كانت لديك. ولا تنسى ان تكتب اسم الشركة التي يعمل بها دافيد بدبي.
محمود : حسناً ساكتبها كلها. وسابث لك الآن على البلوتوث صورة حديثة لها.
بعث الصورة لعدنان ثم اخرج ورقة من جيبه وصار يدون عليها كل تفاصيل زوجته واسم شركة دافيد ثم اعطاها لصاحبه.
محمود : ومتى تعتقد اني ساحصل على نتيجة؟
عدنان : يجب عليك ان تصبر قليلاً. فقضايا من هذا النوع قد تستغرق وقتاً طويلاً.
محمود : هل ستستغرق شهراً ام ستة اشهر ام سنة اريد ان اعرف؟
عدنان : لا اعلم بالتحديد يا محمود، قد يستغرق الامر بضع شهور. عليك الصبر. يجب ان تتصرف مع زوجتك وصديقك الانكليزي بشكل طبيعي جداً وكأن شيئاً لم يكن.
محمود : حسناً اخي. شكراً لك. ابدأ بالمشروع فوراً.
رجع محمود الى بيته ثم خرج الى عمله باليوم التالي. بقي محمود يطير بطائرته حاملاً ركابه الذين يتنقلون من دولة لاخرى ومن امارة لامارة حتى مرت ثلاثة اشهر على حديثه مع صديقه عدنان. وفي مرة من المرات دخل محمود شقته عائداً من رحلة طويلة فجائته مكالمة هاتفية من صديقه عدنان وهو داخلٌ من الباب. اخرج الهاتف النقال من جيبه وقال،
محمود : اهلاً عدنان، كيف حالك؟
عدنان : انا بخير. عزيزي محمود لدي اخبار جديدة بما يخص المهمة التي وكلتني بها.
محمود : اين تريد ان نتقابل؟
عدنان : تعال الى المقهى المعتاد بعد ساعة. سيكون الملازم محمد سرور معي وسنعطيك تقريراً مفصلاً.
محمود : حسناً، ساراك بعد ساعة ان شاء الله.
شاهدته زوجته فسألت باستغراب،
شهرزاد : الى اين انت ذاهب؟ لقد عدت من عملك للتو. ايعقل ذلك؟
محمود : انها مسألة مهمة جداً. ساعود بعد قليل. لا تقلقي.
ركب محمود سيارته وتوجه بها الى المقهى المعتاد. بعد ان اوقف سيارته ودخل المقهى وجد الرجلان جالسان على طاولة صغيرة ينتظران قدومه. بعد ان انتهوا من الترحيب والقبلات قال محمود،
محمود : هل تمكنتم من الحصول على اي معلومات؟
عدنان : اجل، لقد قام صديقي محمد سرور بالتحري عن دافيد هاموند وتتبعه بكثير من رحلاته الى ابوطبي فوجده يلتقي بسيدة يمنية الاصل كانت متزوجة من رجل مصري. هذه السيدة تدعى آمنة محمد صابر وقد استعملت الاسم عنود لتظلل صاحبك دافيد. هي منفصلة عن زوجها منذ سنتين وتسكن بمنطقة البطين. اما زوجتك شهرزاد فقد كانت تخرج مراراً الى الاسواق لتتسوق المواد الغذائية من الجمعية واحياناً تذهب الى المولات لتشتري الملابس واداوت المطبخ. كثيراً ما كانت تتحدث بالهاتف الى البحرين مع عمك الشيخ عبدالله. هي لا تلتقي مع اي احد خارج الدار وهي انسانة في غاية الاحتشام والشرف.
محمود : انا جداً سعيد لجهودكما عزيزي عدنان وعزيزي محمد. لا اعرف كيف اكافئكما على مساعدتي. لقد اسديتم لي فضلاً لا يمكن ان انساه ما حييت. وقد كان الاجدر بي ان اعرف زوجتي اكثر وان لا اشك بها ابداً. استودعكم الله.
انتفض محمود من الكرسي واقفاً لكن صديقه عدنان امسك بمعصمه وسحبه اليه ليجلس على الكرسي ثانية وقال،
عدنان : انتظر يا محمود. مازال هناك المزيد. استمع لما سيقوله الاخ محمد.
بدأ محمد بسرد تقريره فقال،
محمد : من الاشخاص الذين تتبعتهم ايضاً هي خادمتكم السريلانكية.
محمود : جوليانا؟ وما دخل جوليانا بالموضوع؟
محمد : باحدى المرات رأيت جوليانا تخرج من الدار مباشرة بعد خروج زوجتك شهرزاد. فطلبت من عدنان تتبع زوجتك شهرزاد بينما قمت انا بتتبع جوليانا.
محمود : وماذا وجدت؟
محمد : شاهدتها تلتقي بسيدة باحدى المولات بابوظبي. كانت السيدة ترتدي نقاباً فلم اتمكن من التعرف على هويتها. المهم، كانت جوليانا تجلس مع تلك السيدة بالمقهى وتسلمت منها علبة سوداء مزينة بخط احمر بحجم علبة الاحذية. بدأت اشك بالامر فقمت بتتبع السيدة المنقبة حتى دَخَلَتْ فندق المريديان. دخلت ورائها وابرزت هويتي وطلبت من الاستعلامات الكشف عن هوية تلك السيدة.
محمود : ومن هي تلك السيدة اخبرني؟
محمد : قالوا لي ان اسمها هاجر محمود شاكر.
محمود : ابنتي هاجر؟ ربما جائت ابوظبي لانها اشتاقت للخادمة جوليانا. فقد كانت تحبها كثيراً.
محمد : بقيت ارابط بممر غرفتها بالطابق الرابع حتى شاهدتها تخرج الى الخارج ثانية من دون النقاب مما يدل على انها استعملت النقاب كي تخفي هويتها اثناء مقابلتها بجوليانا. وقد قمت بتصويرها سراً. انظر الى الصورة بهاتفي.
اخرج الضابط محمد هاتفه واعطاه لمحمود. نظر محمود الى صورة ابنته وهز برأسه وقال،
محمود : اجل هذه ابنتي هاجر. شكراً جزيلاً اخي محمد.
وقف محمود كي يودع الرجلين لكن الضابط محمد امسك بيده وقال،
محمد : انتظر يا اخ محمود، هناك المزيد.
جلس محمود على الكرسي ثانية واشار برأسه للضابط محمد كي يواصل حديثه.
محمد : بدأت بتلك المرحلة التركيز على متابعة الخادمة جوليانا. وباحدى الايام انتظرتها حتى تخرج من الشقة بعد خروج زوجتك منها فاصبحت الشقة خالية تماماً.
محمود : لكن جوليانا انسانة طيبة جداً وقد جائت معنا من البحرين وهي لا تقصد لنا اي شر. نحبها ونثق بها كثيراً.
عدنان : انتظر يا محمود ودع الاخ محمد يكمل حديثه.
محمود : انا آسف يا اخي محمد تفضل، اكمل حديثك.
محمد : دخلتُ شقتك بطريقتي الخاصة وبحثت عن غرفة الخادمة جوليانا حتى عثرت عليها فدخلتها. فتشتُ الغرفة بدقة متناهية حتى عثرت على الصندوق الاسود ذو الخط الاحمر الذي اعطته هاجر لجوليانا. فتحته فوجد بداخله مبلغ 15000 درهم وقطارتي دواء.
فتحت القطارتان فوجدتُهُما يحتويان على ما تبقى من مادتين سائلة لم اتعرف عليها لذلك اخذتهما معي ورجعت بهما الى المخبر الجنائي واعطيتهما للفني هناك وطلبت منه تحليلهما.
محمود : وهل عرفت نوع السوائل التي بداخلها؟
محمد : اجل، بعد بضع ساعات اتصلوا بي من المخبر واخبروني انهما يحتويان على مادتي (ميفابرستون) و(ميسوبروستول).
محمود : وما عمل هذه المواد؟
محمد : اخبرني صديقي الطبيب ان هاتين المادتين يستعملان لتحفيز الاجهاض عند النساء. تعطى للمرأة الحامل الجرعة الاولى من الميفابرستون اولاً ثم تعطى الميسوبروستول بعد يوم او يومين فيحصل الاجهاض.
محمود : وماذا يعني ذلك؟
عدنان : يا محمود، هذا يعني ان اجهاض زوجتك شهرزاد كان بفعل خادمتكم جوليانا وبتحريض من ابنتك هاجر. والمبلغ الكبير هو رشوة لها لانه يعادل مرتبها لمدة سنتين او اكثر.
ترك محمود كرسيه واطرق فاتحاً عينيه وواضعاً يده اليمنى على رأسه وهو بحالة انهيار وذهول تام وكأنه اصيب بالتوحد. انزوى باحدى زوايا المقهى وجلس على الارض بالقرب من الشباك ولم يتمكن من الحديث لعدة دقائق طوال وهو ينظر الى السيارات المارة خارج المقهى ثم وقف ثانية وعاد لطاولة اصحابه وهو يبكي،
محمود : كيف استطاعت ابنتي ان تقتل اخويها مرتين؟ الاولى بالبحرين والثانية بابوظبي. كيف، كيف؟ هذه جريمة عظمى. انا لا اصدق ذلك.
محمد : لم اشأ ان اتصرف باي شيء حتى ابلغك بالأمر كي تأخذ انت القرار النهائي يا اخ محمود.
محمود : هذه جريمة قتل يا محمد، هذه جريمة قتل يا عدنان. لقد قتلوا اولادي. اريدهما ان يتعاقبا.
عدنان : لكن هاجر ابنتك يا محمود وعليك ان تتريث.
محمود : اتريث؟ وهل تريثت هي قبل ان تقتل اخاها؟ ساترك للقضاء العادل كي يحاسبهما. ارجوك قم بالاجرائات اللازمة. انت مخول لتعمل اللازم يا محمد بالشكل القانوني. تصرف وكأنك شرطي لا كصديق.
محمد : ساقدم تقريري لمديرية الشرطة اليوم.
شَكَرَ محمود الرجلان ورجع الى الشقة مسرعاً. فتح الباب ونادى باعلى صوته،
محمود : جوليــــــــانا، جوليــــــــانا، اين انتِ يا جوليانا؟
تدخلت زوجته وقالت،
شهرزاد : ماذا بك حبيبي لماذا تصرخ هكذا؟ ماذا تريد من جوليانا؟ انها تغسل الصحون بالمطبخ.
جائت جوليانا مسرعة وهي تجفف يدها بخرقة مطبخ وقالت،
جوليانا : نعم سيدي ما الامر؟
صفعها صفعة قوية اسقطها على الارض. رفعها من الارض ثم قام بصفعها ثانية حتى تدفق الدم من انفها وفمها فاسرعت شهرزاد لتصد عن ضربها. نظر الى جوليانا وقال،
محمود : لماذا فعلتها؟ اخبريني، لماذا فعلتها؟
جوليانا : انا لم افعل شيئاً سيدي اقسم لك بالمسيح. اقسم لك بسر تناولي.
محمود : انت كاذبة يا جوليانا. تكلمي، اعترفي هيا. سوف اقتلك هنا الآن اخبريني يا مجرمة.
جوليانا : ماذا تريدني ان اقول؟ انا لم افعل شيئاً سيدي اقسم...
وضع يده على فمها وقال،
محمود : كفاك كذباً ايتها المجرمة. كيف طاوعك قلبك ان تقتلي اولادي؟
شهرزاد : عن ماذا تتكلم يا محمود؟ اي اولاد هذه؟
نظر الى زوجته وصار يشرح لها بصوت مرتفع،
محمود : حبيبتنا الطيبة جوليانا وضعت مواد كيمياوية في عصيرك كي تسقطي الجنين مرتين. مرة بالمنامة ومرة هنا بابوظبي. اسقاطك يا شازي لم يكن طبيعياً بل هو بفعل فاعل.
انصدمت شهرزاد من هذا الخبر ولم تصدق ما سمعت. بقيت فاتحةً فمها وتنظر الى زوجها ثم استدارت ونظرت لجوليانا التي كانت صامتة وتنظر الى الارض فقالت لها،
شهرزاد : قولي ان ذلك افتراءاً وكذباً. هيا قولي ان محمود يفتري عليك وانك تحبيني وانك لا يمكن ان تفعلي ذلك ابداً. قولي انك لا يمكن ان تقترفي جريمة مثل هذه. هيا تكلمي. لا تبقي صامتة هكذا.
محمود : حبيبتنا جوليانا كانت تأخذ اوامرها من ابنتي هاجر. تسلمت منها المواد التي تحفز على الاجهاض ودستها لك بعصيرك الذي تحضره لك كل صباح.
شهرزاد : احقاً ما يقول محمود؟ تكلمي. لماذا لا تتكلمين؟
جوليانا : سامحيني يا مدام شهرزاد. هاجر قالت انك انت التي قتلت امها سعاد.
شهرزاد : امها سعاد ماتت بالسرطان يا غبية. فكيف اكون انا التي قتلتها؟ هي تُقبَر وانا اسدد الفاتورة؟
جوليانا : سامحيني يا مدام. سامحني يا سيدي، بامكانك ان تطردني من عملي فارجع الى بلدي سريلانكا.
محمود : اسامحك؟ ايعقل ذلك؟ اسمعي مني جيداً يا حقيرة. لقد ابلغت عنك الشرطة وسوف يأخذوك قريباً يا مجرمة. ان تلك الجريمة لا تقل عن ذبح شخص بالسكين يا قذرة.
جوليانا : ارجوك سيدي ارحمني فانا كنت العبد المأمور. ارجوك لا تبلغ الشرطة. لقد امرتني الست هاجر وهددتني فطعتها خوفاً منها.
محمود : طعتها خوفاً منها اليس كذلك؟ وماذا عن الـ 15000 درهم؟
اصيبت شهرزاد بالدهشة وذهب صوب جوليانا وقالت بصوت عالٍ،
شهرزاد : هل بعتنا ايتها القذرة بـ 15000 درهم ؟ هل قصرنا معك بشيء يا كلبة؟
وبهذه الاثناء سُمِعَ جرس الباب فارادت جوليانا ان تفتح الباب الا ان محمود امسك بذراعها وارجعها بقوة الى الخلف وقال، "بل انا الذي سافتح الباب". فتح الباب فوجد قوة من اربعة رجال وقفت على باب الشقة فسألوا،
ضابط الشرطة : هل تسكن المدعوة جوليانا توماس الوشس بهذا البيت؟
محمود : اجل انها بالداخل، تفضلوا، انها بانتظاركم.
دخل رجال الشرطة والقوا القبض عليها ووضعوا الاصفاد على معصمها وقبل ان يخرجوا سأل محمود،
محمود : وماذا عن هاجر؟
ضابط الشرطة : لقد قدمنا بلاغاً لشرطة المنامة بخصوص هاجر محمود شاكر فالقوا القبض عليها هناك وسيمثلان كلاهما امام المحكمة بالمنامة. لذلك سنُرَحّل جوليانا الى هناك اليوم.
اقتادت الشرطة جوليانا وبقي محمود وزوجته بمنزلهما ينتابهما الشعور بالغضب المفرط. كيف استأمنوا حياتهم لانسانة غير اهل لتلك الثقة. وكيف استطاعت هاجر ان تعمل ما عملت بدم بارد دون ان يرف لها طرف. قال محمود،
محمود : لقد استنجدت بصديقي عدنان ومحمد. فقاما بمراقبة الشقة ومراقبتك ومراقبة جوليانا حتى عثرا على القطارتين بخزانة جوليانا فابلغوني بما وجدوا فطلبت منهم ابلاغ الشرطة بذلك.
نظرت شهرزاد الى زوجها وقالت،
شهرزاد : انها الرؤيا يا محمود. تلك الرؤيا التي شاهدتها بمنامي وانا بالمشفى. لقد كانت الدودتان الممسكتان بمعصمي هي هاجر وجوليانا. اما الملقط الذي استعملته انت لازالة الدود فله ذراعان. وهما صديقاك عدنان والضابط محمد.
بعد مرور سنتين كاملة على تلك الحادثة.
دخلت الخادمة الفلبينية شيري غرفة الجلوس حاملةً معها هاتف محمود النقال وقالت،
شيري : هاتفك يرن يا سيدي. لقد نسيته بغرفة النوم.
اخذ منها الهاتف وفتحه وتكلم،
محمود : اهلاً عمي الحبيب، كيف حالك؟ وكيف الجميع؟
عبدالله : الحمد لله الجميع بخير يا ابني. متى ستأتون عندنا بالمنامة؟
محمود : سنصل انا وشهرزاد وعمر والخادمة شيري بالطائرة يوم الخميس القادم.
عبدالله : انا جداً سعيد لانكما اسميتم مولودكم الجديد عمر فهو اسم جميل يا ولدي. وكم ستبقون معنا هذه المرة؟
محمود : اسبوعين باذن الله يا عمي.
عبدالله : وماذا عن هاجر؟
محمود : سنزورها بالسجن يا عمي بعد وصلنا الى المنامة.
عبدالله : وهل ستذهب معك شهرزاد للسجن يا ترى؟
محمود : اجل يا عمي. كان ذلك اقتراحها اصلاً. فقد قالت لي "بما انها حُكِمَت بسبع سنوات ومضى منها سنتان فيجب علينا ان نزورها يا زوجي. عسى الله ان يهديها وتعود لرشدها"
عبدالله : على بركة الله. ساكون انا وعلي ونورا بانتظاركم بالمطار. لا تنسى ان تحظر معك عمر.
ضحك محمود واغلق الهاتف مع عمه وهو يهز برأسه. دخلت الصالة شهرزاد حاملةً مولودها الجديد فسألت زوجها،
شهرزاد : ابنك لا يشبع ابداً، لقد ارضعته مرتين خلال ساعة واحدة. ولكن مع من كنت تتحدث حبيبي؟
محمود : عمي عبدالله. لقد رحب بفكرة زيارتنا لهاجر بالسجن عندما نصل الى المنامة.
شهرزاد : لكنني سوف لن ازور جوليانا الحقيرة.
محمود : بالتأكيد لن نزورها. هي تقبو وتعفن بالسجن لـ 13 سنة اخرى ثم ستُرَحّل لبلدها بعد ذلك.
1222 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع