نزار جاف
نيللي کريم..الفرعونة الساحرة
أخذتني وتأخذني السياسة دائما بعيدا عن الحقل والمجال الاساسي الذي بدأت بالانطلاق منه الى عالم الکتابة وأعني مجالي الادب والفن، ومع إنني أشعر بأن قلمي عندما يتناول موضوعا أدبيا أو فنيا فإنه ينطلق وکأنه غزال شارد لايلوي على شئ وهو يطوي السهوب والوديان، ومع إن البعض من زملاء أحتفظ معهم بعلاقة نوعية قد لفتوا إنتباهي الى الکف عن الکتابة في المجال السياسي أو تحديده والعودة الى المجال الاصلي الذي إنطلقت منه نظير زميلي المخضرم الکاتب والشاعر کوران مريواني والاعلامي والکاتب جلال چرمگا، لکن محاولاتهم لم تفلح إلا لفترات قصيرة نسبيا مع إعتزازي بکلا الزميلين، غير إن الفنانة المصرية نيللي کريم، قد أصبحت هاجسا بهذا الصدد طالما حاولت التخلص منه والمضي قدما کما حدث لي وجرى في حالات سابقة، لکن لايبدو إن هذه الفرعونة الساحرة بجمالها وسحر عيونها وروعة تمثيلها قد سمحت بأن أتجاوزها وأعترف بأنني حاولت لمرات سابقة الکتابة عنها ولکن وبعد کتابة بضعة أسطر سرعان ماکنت أترك المقالة لوقت آخر وتکرر الامر طوال الاعوام الثلاثة المنصرمة حتى إستسلمت أخيرا وقررت أن أحسم الموضوع.
الکتابة عن نيللي کريم لم يکن بالنسبة لي مجرد نزوة أو حالة ترف، بل إنه وليد أمر واقع وجدت نفسي أمامه وجها لوجه، أعترف بأن نيلي کريم ليست الاجمل من بين الفنانات والممثلات المصريات وخصوصا اللائي من جيلها، لکن ليس هناك من بينهن من يمتلك نمط جمالها الغريب والفريد من نوعه، فجمالها فيه سر غريب طالما وددت کناقد فني إکتشافه وأحيانا يتبادر الى ذهني بأن جمالها أشبه بجزيرة خلابة نائية في مجاهيل المحيطات وإن ثمة من إنقطعت به السبل فيها وهو واثق من إن هناك أکثر من کنز مدفون في بهاء هذه الجزيرة فيهم بسبر أغوارها بحثا عنه ولکن من دون جدوى!
نيللي کريم، صاحبة الجمال الاخاذ في عيونها والذي لم ألاحظه في فلم"سحر العيون"، کما قد يتبادر الى البعض، بل إن ملاحظتي لسحر عيونها لم يکن بسبب هذا الفلم إطلاقا لأنني شاهدت فلم"غبي منه فيه" قبله ولم يتسنى لي رٶية فلم سحر العيون إلا بعد ذلك بفترة طويلة نسبيا، صحيح إنها لاتمتلك عيونا واسعة ولا هي ذات لون مبهر کعيون زبيدة ثروت أو أليزابث تايلور، لکن قوة وسحر جمال عيونها يکمن في إنها رغم حجمها التقليدي فإنها تجذبك وتشدك إليها بجاذبية وفتنة مدافة في بريق ولمعان لونها العسلي المائل للخضرة، الى أفقها اللامتناهي وکأن المحدق بهذه العيون هو تحديدا ذلك الملاح الذي يقود السفينة التي وصفها جورج جرداق في البيت الشعري الاهم بقصيدة (هذه ليلتي)، "في بحار تئن فيها الرياح ضاع فيها المجذاف والملاح"، والذي يمنح المزيد من القوة والسحر لعيونها ترکيبة جمال وجهها الذي أسمح لنفسي بوصفه بالسهل الممتنع فهي تجمع بين بساطة وعفوية وتلقائية الريف المصري وبين تعقيدات وکبرياء وشموخ الجمال الفرعوني الطاغي، فجبهتها الاشبه ببدر يکمن تحته حاجبين مستلقيين بکل وداعة وتحتهما ترفل عيونها التي لاتکف عن سبي الانظار، ثم يأتي الانف المتميز بجمال تفتقده أکثر أنوف الفنانات العربيات مع ملاحظة إن النقاد إعتبروا أنفها الصغير أهم ملامح الجذب بالنسبة إليها"وأنا أجد سحرها في عيونها"، فيما يبدو فمها الصغير ذو الشفتين المکتنزتين بمقدار سبحان من حدده وقدره حيث يغفو بين أنفها الجميل وحنکها الرائع البديع الذي يکمل بهاء جمال هذا الوجه الفرعوني ويزيده تألقا وشموخا وتميزا في الجمال، وأقول فرعوني وأنا قد حددت عنوان المقالة ب"نيللي کريم..الفرعونة الساحرة"، لأن شکلها المميز ليس عربيا کما قد يراه الآخرون بل إنه أقدم بکثير من الحضور العربي الى مصر وسابقة له، إنه شکل فرعوني ولعمري فإنني أجد إنها أفضل وجه يمکن ترشيحه لکي يجسد أدوار ملکات الفراعنة وأنا واثق أکثر من نيلي نفسها من إنها ستبدع في ذلك أيما إبداع.
أما الکلام عن الاداء البارع لنيللي کريم والذي يثبت بداعته وروعته المتناهية في إنه ليس بأداء نمطي محدد بطابع أو نمط معين، بل إنه يفرض قوته الابداعية في الانماط التراجيدية والکوميدية والدرامية بنفس الزخم، حيث إنها ومن خلال أدائها في الفلم الکوميدي"غبي منه فيه"، قد تمکنت من أن تفرض نفسها من خلال دورها أمام صرحين في الکوميديا المصرية وهما الراحل الکبير"حسن حسني" و المبدع"هاني رمزي" وأجزم بأن الممثل عندما يقوم بفرض نفسه في مساحة کوميدية وهو محسوب على المساحة التراجيدية"کما کان الحال مع نيللي کريم لفترة طويلة نسبيا" فإن ذلك قمة الابداع مع الاخذ بنظر الاعتبار إن عملية فرض النفس للمثل في أدوار التراجيديا أسهل وأکثر بساطة من الکوميديا لأن الاخير يحتاج الى تلقائية وعفوية وحتى فطرة وموهبة في الاداء وهذا مايمکن لمسه في دور"سامية" في فلم"غبي منه فيه" ونفس الامر قد تکرر في دور"کابر"في فلم"سحر العيون"، والملفت للنظر في أداء نيلي کريم إنها لاتوقف حرکة التأثر والانفعال في أدوارها على ماتتلقاه من حرکة وحوار من الطرف المقابل بل إنها ومن خلال مايرتسم على سحنتها وملامحها وقسمات وجهها من إنفعالات ومتغيرات تغرق في شفافية متناهية ولکن مٶثرة أکاد أن أشبهها بما قاله بدر شاکر السياب"ويغرقان في ضباب من أسى شفيف کالبحر سرح اليدين فوقه المساء"، إذ أن قسمات وسحنات وجه نيللي حتى عندما تکون خارج دائرة حوار وحرکة الطرف المقابل يصدر عنها موجات شفيفة تدل على مدى بداعة هذا الفنانة في تقمصها لدورها.
2961 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع