أ.د. ضياء نافع
شئ عن مجلة ( الادب الروسي )
مجلة ( روسكايا ليتيراتورا ) ( الادب الروسي) الروسية تصدر منذ عام 1958 ولحد الان , اي ان عمرها في هذا العام (2020) قد بلغ (62) سنة باكملها , ولم تتوقف طوال هذه الفترة عن الصدور, وهي واحدة من المجلات المعتمدة علميا في مجال الادب الروسي وتاريخه . يصدر المجلة معهد الادب الروسي في بطرسبورغ (والذي يسمى ايضا بيت بوشكين ) التابع لاكاديمية العلوم الروسية , وهذا ما يميّزها عن المجلات الادبية الاخرى , التي تصدر في روسيا , اذ انها المجلة الوحيدة ذات الصفتين – الصفة الاكاديمية الصرفة باعتبارها لسان حال معهد الادب الروسي في اكاديمية العلوم الروسية , وثانيا - الصفة الجماهيرية الواسعة الانتشار بين القراء في آن واحد.
المجلة فصلية , اي تصدر اربع مرات في السنة , ولهذا فانها (لا تلهث!) وراء الاحداث السريعة في الحياة الثقافية مثل المجلات الادبية الشهرية , وهي صفة واضحة المعالم على صفحاتها , صفة جعلتها مجلة اكاديمية متأنية جدا وبكل معنى الكلمة , رغم انها تواظب على ( التزاحم ) مع المجلات الادبية الروسية الاخرى اربع مرّات سنويا , وهي سمة تفتقدها المجلات الاكاديمية عادة , التي غالبا ما تكون محصورة باوساط المتخصصين ليس الا , اذ ان هذه المجلات لا تصدر بشكل فصلي , وانما تكون سنوية في الغالب او نصف سنوية في احسن الاحوال , وهي مجلات ( شبه محنّطة) كما يسميها البعض , ورغم ان هذه التسمية – من وجهة نظرنا - متطرفة جدا وغير موضوعية جدا و قاسية و حتى لئيمة الى حد ما, الا ان تلك المجلات فعلا لا تمتلك جمهورها الواسع من القراء واقعيا, وانما تستخدم لاغراض الترقيات العلمية بالاساس للعاملين في الاوساط الاكاديمية , ولا تتعدى حدود تلك المؤسسات واللجان المختصة بتلك الترقيات في هذه المؤسسات . وباختصار , فان مجلة ( الادب الروسي ) تتضمن فعلا السمتين ( وكما أشرنا اعلاه ), السمة الاكاديمية البحتة , والسمة الآخرى الخاصة بالمجلات التي ينتظرها القراء للتمتع بها والاستفادة منها , وليس من باب الصدفة ابدا , ان هذه المجلة تتفاخر باشتراك جامعات ومكتبات عامة بها من( 34) بلدا في العالم خارج روسيا, حيث توجد في جامعاتها اقسام علمية خاصة بدراسة الادب الروسي ومتابعته , وعدد الاشتراكات هذه يستحق الفخر والاعتزاز فعلا .
تتناول المجلة كل مراحل الادب الروسي قاطبة بالدراسة والتحليل ابتداء من تراثه الشفاهي وعبر الادب الروسي القديم وصولا الى القرن الثامن عشر , ثم تألق هذا الادب ونضوجه في القرن التاسع عشر وحتى يومنا الحالي في القرن الحادي والعشرين , اي انها مجلة شاملة لدراسة الادب الروسي باكمله , ويذكرني نهج هذه المجلة ببرنامج دراستنا للادب الروسي في كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين, اذ اننا درسنا ايضا الادب الروسي الشفاهي ( الفلكلور) اولا , ثم الادب الروسي القديم وصولا الى ادب القرن الثامن عشر , ثم تتوقف المناهج بتفصيل اكثر عند دراسة ادب القرن التاسع عشر , الذي يقسم الى قسمين , يدرس القسم الاول ادباء النصف الاول من القرن , ويتناول القسم الثاني ادباء النصف الثاني , ثم ادب القرن العشرين والذي يقسم ايضا الى قبل ثورة اكتوبر وبعدها , ولازال هذا النهج الاكاديمي العلمي سائدا رغم كل التغيّرات الجذرية المعروفة التي حدثت في مسيرة روسيا .
أصدر معهد الادب الروسي في اكاديمية العلوم الروسية اليكترونيا كل اعداد هذه المجلة منذ صدورها عام 1958 ولحد عام 2017 , وهو عمل علمي هائل يعزز عملية البحث العلمي في مجال الادب الروسي وتاريخه الطويل , ويجعل هذه الاعداد بمتناول الجميع , وقد اطلعت عليه وادهشني فعلا , وكم كنت اتمنى – وانا أقرأ محتويات تلك المجلة الغنيّة ببحوثها الشاملة العميقة – ان أجد يوما اعمالا مماثلة لاصداراتنا ومجلاتنا , اذ ان كل المحاولات التي لدينا لحد الان في هذا المجال مبتورة او مشوشة , لانها محاولات فردية بشكل او بآخر , ولم تخضع لضوابط صارمة ودقيقة من قبل مؤسسات علمية رصينة , والحديث عن ضياع تراثنا الفكري وجهود المؤلفين العراقيين الذين ساهموا في تلك المجلات يثير الشجون طبعا .
اختتم مقالتي عن مجلة الادب الروسي بالاشارة , الى ان المجلة طوال هذا الستين سنة واكثر من مسيرتها كانت برئاسة تحرير اربع اشخاص فقط لا غير , وكل رؤساء التحرير هؤلاء كانوا من العلماء المتميّزين في مجال اختصاصهم , وهو علم اللغة الروسية وآدابها ( الفيلولوجيا الروسية ) , وهم من الحاصلين طبعا على اعلى الشهادات العلمية في اختصاصهم واعضاء في اكاديمية العلوم الروسية , وكانت هناك دائما في هيئة التحرير مجموعة واسعة من الباحثين الموهوبين المتخصصين , الذين يحملون ايضا شهادات علمية رفيعة, ويعملون في مجال تخصصهم العلمي الدقيق حصرا .
تحية اعجاب واحترام وتقدير لمجلة روسكايا ليتيراتورا ( الادب الروسي ) وهيئة تحريرها ولمعهد الادب الروسي ( بيت بوشكين) في اكاديمية العلوم الروسية , الذي يصدرها منذ عام 1958 ولحد الان ....
963 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع