د. منار الشوربجي
مخاطر انتخابات أمريكا الرئاسية ٢٠٢٠
تحديات انتخابات الرئاسة الأمريكية هذا العام أخطر بكثير من المعتاد. والسبب لا يتعلق فقط بأنها تدور في ظل ظروف استثنائية لم تشهدها الولايات المتحدة من قبل مجتمعة، ولا هو حتى يتعلق فقط بمشكلات عد الأصوات، وإنما يذهب لما هو أبعد من ذلك بكثير، إذ قد تتحول لأزمة دستورية وربما يصاحبها عنف دامٍ.
فليس خافياً أن الانتخابات الحالية تدور وسط تفشي وباء خطير عجزت الولايات المتحدة حتى الآن عن مواجهته، وفرض على الحزبين إلغاء فعاليات انتخابية عدة.
وهي ستجرى أيضاً وسط تظاهرات مستمرة منذ شهور عقب مقتل الشاب الأسود جورج فلويد على يد رجال الشرطة البيض من دون أن تتحقق النسبة الكبرى من مطالب السود. وليس خافياً أيضاً أن أمريكا كثيراً ما واجهت مشكلات في عدّ الأصوات.
وهي المشكلة التي جسدتها بوضوح أزمة انتخابات 2000 الرئاسية، حين ظلت البلاد لا تعرف، على مدى شهر كامل عقب الاقتراع العام، ما إذا كان آل جور أم بوش الابن هو الفائز بمنصب الرئيس. ومثل تلك الأزمة مرشحة لأن تعيد نفسها بشكل أو بآخر. ففي الانتخابات التمهيدية هذا العام، واجهت ولايات عدة مشكلات حقيقية في عد الأصوات.
لكن تحديات تلك الانتخابات لا تقف عند هذا الحد، إذ تذهب لما هو أبعد من ذلك، ويتعلق تحديداً بموقف ترامب لو هُزم في تلك الانتخابات، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي بنفسه أكثر من مرة.
فتفشي وباء «كورونا» دفع بعدد من الولايات للإعلان عن أنها ستجري انتخاباتها عبر البريد، لحماية مواطنيها من اختلاط قد يزيد من احتمالات إصابتهم. وهذه ليست المرة الأولى التي ستجرى فيها بعض الولايات انتخاباتها عبر البريد.
فقد حدث ذلك منذ سنوات عديدة دون مشكلات تذكر. لكن الحزب الجمهوري الذي ظل طوال السنوات الأخيرة يخترع وسائل تحرم الأقليات من التصويت، بدعوى مكافحة التزوير، هو الذي يشكك زعيمه اليوم، دونالد ترامب، في صحة الانتخابات التي ستجرى عبر البريد.
فليس سراً أن الحزب الجمهوري، الذي صار يفوز بالانتخابات بأصوات البيض وحدهم، قد اتبع استراتيجية ينفذها عبر حكومات الولايات لدفع الأقليات للإحجام عن التصويت، وذلك عبر ابتداع وسائل قد تبدو محايدة ولكنها تستهدف الأقليات تحديداً.
وترامب اعتبر أن التصويت بالبريد هو أيضاً وسيلة لتزوير الانتخابات. فالرئيس الأمريكي يقول إن مثل هذا التصويت سيعطي البعض الفرصة للتصويت أكثر من مرة، وهو ما يستحيل حدوثه، لأن الناخب يتسلم عبر البريد ورقة اقتراع واحدة فقط. لكن ترامب يشير إلى احتمال تصوير بطاقة واحدة ثم طبع الملايين منها وملئها جميعاً.
لكن ذلك التشكيك هو مجرد وسيلة واحدة قد يستخدمها الرئيس حال إعلان هزيمته. فلو استمرت شعبية ترامب عشية الانتخابات مثلما هي الآن، فالأرجح ألا يفوز بالأصوات الشعبية وإنما بأصوات المجمع الانتخابي كما فاز في 2016. وترامب حين سئل عما إذا كان سيقبل بنتيجة الانتخابات قال إنه سيرى وقتها ما سيكون عليه فعله.
وكثيرون داخل الولايات المتحدة يقولون إن قبوله من عدمه لا تأثير له، لأن الولايات المتحدة دولة مؤسسات، ومن ثم ستتولى المؤسسات المعنية إخراجه من البيت الأبيض في العشرين من يناير. لكن تلك ليست القضية. ولا هي التحدي الرئيسي. فبإمكان وزير العدل، الذي أثبت ولاء بلا حدود لترامب، أن يرفع الأمر للقضاء فتصبح أمريكا إزاء أزمة دستورية لشهور حتى يحكم القضاء.
غير أن الأخطر من ذلك أن قاعدة ترامب الرئيسية تضم، ضمن من تضم، قطاعات واسعة من المواطنين الأمريكيين البيض المتطرفين الذين يحملون السلاح، من بعض قطاعات اليمين الأصولي ومروراً بأنصار الهوية البيضاء ووصولاً للميليشيات المسلحة.
وهي كلها اعتبرت ترامب هو المنقذ لأمريكا من كل ما كانت تعاني منه، ما يزيد احتمالية لجوئهم للعنف. ورغم أنه توجد احتمالات أن يأتي رفض النتيجة من بايدن، إلا أنها أقوى بكثير في حالة ترامب.
1053 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع