تأسيس حزب سيد جبر

                                      

                       الطاف عبد الحميد

أرقني سيدنا الكبير  سيد جبر بجملته الشهيرة المبهرة والحاكمة لأكئر من قرن منذ تشكيل الجغرافية المحددة بالاتجاهات الاربعة المسماة عراق وسلب مني اخر خيوط كنت ممسكا بها لألوذ الى الرقاد القليل منفلتا من قبضة اليقظة العليلة والمسيجة بالعقد الاجتماعية والنفسية التي تتجمع بشكل تراكمي لتفت مرارة الانسان وتملأها حصوات وحسرات وأهات ،

أمسكت قلمي وأعتدلت في جلستي ودفعت عني وسادتي ، وقررت أن أضع شخابيط على الورق أو رسوم لاتتفوق على رسوم أطفال الروضة من مرتدي الحفاظات الحافظة لما لايراد له ان يعرف ، أستحلبت ذاكرتي وأستجلبت الماضي وناطحته بحاضري علي أصنع خليطا يرسو بي الى شاطيء موضوع صالح للقراءة والنشر ، متملصا من النقد المصحوب بالشتائم ، المستحق منه وغير المستحق ، الا أني فشلت فشلا ذريعا ، فقد مل قلمي من تسطير معاناتي وأصبح هو الاخر يعاني من الكأبة الملتصقة بمداده ، حيث لافرار الى غيرها منها ، أذكر أني مرة حاولت أن أكتب نكتة خفيفة خطرت على بالي الا أن قلمي أبى أن يطيع وأضاف لنهايتها ذيلا باكيا له تأثير الصراخ والنواح ولطم الخدود وتعرية القدود ، إستعذت من الشيطان الذي أبى السجود لأبي ، ومن  الشياطين البشريين الذين تميزوا بالعصيان لكل حقيقة محققة وإن كانت واقعة تحت رابعة الظهيرة في ظهاري بغداد المشتعلة بالتفجيرات الشمسية والتفجيرات البشرية ذات الشظايا الفولاذية الفاتكة التي تحول الانسان من كائن عظيم مستخلف في الارض الى قطع لحمية صغيرة معلقة على الاشجار او فوق سطوح المنازل أو في أكياس بعد جمع المتبقي من المرحوم المسكين ، شعرت بصداع وتنمل في رأسي وأدركت أن ضغط دمي الذ ي يأبى الا أن يتربع على القمة العالية ، قد تسلق درجات عدة بقصدية مناظرة ومناهضة متسلقي إيفرست المثلجة دوما والجالسة على سقف الارض منذ عصر التكوين تأبى التزحزح عن موقعها المتعالي ، هذه القمة دغدغت بصيرتي وكأنها تقول لي تماسك لاتكون  بقايا إنسان تبيع بعض من جسدك الى مرابي الوهن والضعف والمتصيدين في بحار الظلام ... قضى زميلي الاسير في حربنا مع ايران ربع قرن ناقص ثلاثة أعوام ، وعندما التقيت به زائرا ،  ردد عبارة (أنا مثل سيد جبر من .... امه للكبر ) ، وعندما استذكرتها ، قلت لنفسي وجدتها ، فأنا أستطيع أن أكتب عن سيدنا سيد جبر لأني ربما أكون كجبر مستنسخ من جبر ، لعشقي لهذه المقولة الرائعة والتي يمكن أن تضم بين حروفها كل العراقيين الثائرون والقاعدون القائمون والنائمون الاحياء منهم والميتون من يملك كل شيء ومن لايملك أي شيء والمعذبون في الارض والمعذبين للمعذبون ، وتشمل كل الاصناف البشرية من الملك المقتول صبيا الى المليادير السكران بمرض السكري والحرمان الغذائي القسري الى الاطفال جامعي القمامة والعلب المعدنية ، او الام التي تقف ملتصقة بالتنور الطيني لتنتج خبزا لاطفالها الجياع  في دبيسات العمارة ، حيث كانت لمة الاطفال متساوية في الاسية ، وتعري الاقدام ، كانت السيدة ترتدي عباءة سوداء فقدت لونها الاسود بين سواد الايام ومنادمة الامهات الثكالى على فقدان الاطفال قبل سن الحليب ،او الاستشهاد فوق السواتر المتحاربة الحمراء ، تزينت عبائتها  بقطع ترقيعية من تصميم دار أزياء الفقر العراقي المستديم ، السيدة عارضة الازياء الخابزة للخبز تقف على أكبر مخزون نفطي في العالم ، كان من حق تلك السيدة الاربعينية أن ترتدي عباءة من كرستيان ديور ، وتتعطر بعطر شانيل وتحتذي مع أطفالها أفخر الاحذية الايطالية ، وتتنقل بطائرات الدريم لاند من ميلانو الى منهاتن الى اللوفر او الوقوف بإحتشام فوق شواطىء الريفيرا ،أو تعد بحثا علميا في إيجاد بديل للوقود الاحفوري وإنقاذ الارض ، لكن السيدة وأولادها حاصلين جميعا على شهادات الامية الممتدة منذ العصر السومري ، السيدة أجابت عن سؤال ماذا أعددت لوجبة الغداء ؟ ، وبعتب شديد وألم أشد أجابت وهي تستل رغيفا من قعر التنور سقط فوق الجمر (خبز.. أكو غير خبز ) ، ترى كيف أستخدم  وأوظف سيدي جبر في تغطية مقالة من مقالاتي ، سيد جبر بمقولته الشمولية  بحر متعامد الامواج وقصدية حاكمة ، وعبرات تفتح في الوجنات المتجعدة أخاديد الالم والحرمان والبؤس المنحدر من البؤس الازلي منذ العصر الطباشيري حتى عصر ألأيفون ، قلت لنفسي ، مادام سيدي جبر له شهرة جنكيز خان ، فلما لااوظف هذه الخصلة وأنكثها نكثا واستل من خيوطها ما يجعل مقالي ناجحا جامعا لاكثر الاصوات الناقدة والراضية ، وسوف اصنع منه لنفسي مجدا ، قد لايزول بقرن من الزمان فالعراقيون جبريون بالواقع ولااحد استطاع الخروج من الدائرة الجبرية حتى لوملك كتفي هرقل وعقل سقراط أو مال قارون او شعرة معاوية العنكبوتية الواهية ، قررت تشكيل كيان حزبي اخوض فيه الانتخابات التشريعية القادمة ، وفتح باب الانتساب للأعداء والاحباب من جبر زاخو الى جبر الفاو ، لتأسيس كتلة جامعة لامعة ، تضم من عاشوا من مهدهم الى تثليج شعرهم ، او من المنتظرين للتلحيد في قابل الايام والسنين ، وسأسمي كتلتنا بإسم ( تجمع العراقيين الجبريين )، وشروط الانتساب ، أن يكون عراقي فقط ، لان العراقيين لايختلفون ولايتخالفون في إنتماءاتهم المأساوية المتأصلة بهم منذ تكوين الدولة العراقية أي انها شاملة للرضيع المقطوع عنه الحليب ، او الذي يرضع حليبا خارجا من بين فرث ودم مصاب بفقر الدم ، ولكن هناك  مشكلة عويصة ستجابهني عند الاعلان والدعوة الى الانتساب في المؤتمر التأسيسي للحزب ، حيث سيستقطب كل الاصوات وسينظم اليه العراقيون جميعا ، ولا يكون هناك حزبا معارضا ، مما يعرض العملية الانتخابية الى خطرية الحزب الواحد الاوحد ، ويكون سيد جبر حينها هاربا من القبر ليقبر من قبره ويجتث من أفقره ، وتعود حليمة الى عاداتها القديمة  ( وكأنك يازيد ماغزيت)  وهذا سوف يغتال كتلتنا في مهدها ، يبدو أن النحس سيلازمني في ليلتي هذه ، قررت العدول عن فكرتي لخوفي من سطوتي ونرجسيتي التي ستتلبسني عندما أصبح زعيم اكبر حزب في العالم بضمنهم  الحزب الصيني المتحزببين لحزبهم ظاهرا والمعارضين له باطنا ، وعليه سيكون حزب سيد جبر أكبر تنظيم سياسي إجتماعي أنجبته أرض الرافدين وبحيرات النفط  والحضارة الموؤدة بهزيمة العقل والحجة وتنحي الضمير المؤثر في الجمع المسكين المتساكن مع الفقر الذي يبدو عراقيا ابديا سرمديا ،  إلا أن يقول من له سلطة (كن ) ليكون عراق بلا سيد جبر ، الان بدأ النعاس والوهن يدب في جسدي ، لقد فشلت في نجاحي ووأدت فكرتي بمحض ارادتي ... لازلت جبريا وسأبقى ،انتمي الى عراق جبر الموحد ، الرافض للتقسيم ، سألت نفسي عما يقرقنا وقد صهرنا جبرنا بأتراحنا ومأسينا وإخفاقاتنا المتسلسلة المتلاحقة ، فقررت نبذ الفدرالية المفرقة لأمة جبر الوحدوية بعد أن تبين  لي إن جينات المقسمين لاتنتمي الى جبرنا العظيم . 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1312 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع