بقلم المحامي المستشار محي الدين محمد يونس
صديق وذكريات ظريفة
كنا صديقين نسكن في منطقة واحدة مدينة الثورة – دور الموظفين وكنا في مرحلة دراسية واحدة في الدراسة المتوسطة والإعدادية نقضي أغلب أوقات الدراسة على ضفاف قناة الجيش والتي كانت في ذلك الوقت جميلة ومنظمة وتكثر فيها الحدائق ومحلات قضاء الوقت وتتدفق فيها المياه بشكل مستمر في القناة ، كان يوم 16 نيسان 1966 وهو اليوم الذي سقطت فيه طائرة عمودية تحمل الرئيس العراقي الأسبق عبد السلام محمد عارف في منطقة النشوة في محافظة البصرة حيث أدى الحادث الى وفاته عندما كان يقوم بجولة تفقدية للمحافظة المذكورة .
كنت والصديق إسماعيل نتبادل الأحاديث عندما كنا نشعر بالتعب من كثرة القراءة والسير ذهاباً وإياباً على حافة جدول قناة الجيش حيث كنا عازمين على النجاح وتحقيق مستقبل أفضل لنا ولعائلتينا، كالعادة في ذلك اليوم وكانت المسافة بيني وبينه تقارب الثلاثون متراً وأستغرق في ضحكة مدوية وبصوت عالي بسبب مسألة كانت موضع نقاش بيننا وصادف مرور رئيس عرفاء الأمن عبد الحسين والذي بادر الى تأنيب زميلي بكلمات قاسية طالباً منه مرافقته الى دائرة الأمن متهما إياه بأنه يضحك فرحا بمناسبة وفاة الرئيس العراقي، تكلمت مع المذكور راجياً منه ترك زميلي إلا انه هددني بأنه سوف يأخذني الى دائرة الأمن أيضا اذا تدخلت في هذا الموضوع ، حيث كان رئيس العرفاء على علاقة طيبة مع المرحوم والدي الذي اصطحب صديقي الى دائرة الأمن في مدينة الثورة ومتوعداً بالويل والثبور وسوء عواقب الأمور، تبعتهم من بعيد ولم يكن بمقدوري ترك صديقي في مثل هذا الظرف، وبعد الانتظار ما يقارب الساعة قرب دائرة الأمن بادرت الى شراء عدة علب من السكاير وطلبت من أحد حراس الباب الخارجي للدائرة استدعاء رئيس العرفاء عبد الحسين وفعلاً حضر فأستصحبته مسافة بعيدة عن الدائرة وناولته السكاير وطلبت منه إخلاء سبيل زميلي لأنه لم يقترف أية جريمة أو مخالفة للقانون وضحكاته ليست لها أية علاقة بوفاة الرئيس العراقي عبد السلام محمد عارف، عاد الى الدائرة ومن ثم خرج ومعه زميلي إسماعيل وطلب منه الانصراف وهو يردد هاي الخاطر محي الدين وكانت حالة زميلي النفسية في غاية السوء ومظاهر الاعتداء عليه بالضرب بادية على جسمه وخاصة ضربة من جراء صفعه بشدة وكان يسير بصعوبة حيث ذكر لي بأنه تعرض للضرب من قبل ثلاثة منتسبين للأمن بالأيدي والأرجل والعصي ...
أنهينا المرحلة الإعدادية بنجاح وكانت تنتهي في ذلك الزمن بتجاوز الصف الخامس الإعدادي .
قدمت أوراقي للقبول في كلية الشرطة بينما قدم زميلي إسماعيل أوراقه للقبول في الكلية العسكرية ومن الجدير بالذكر ان المرحوم والده كان يعمل في الكلية المذكورة معيناً (فراش) وكانت له علاقة مع أغلب ضباط الكلية ومن ضمنهم آمر الكلية العسكرية حيث توسط عنده لقبول ولده إسماعيل، بعد فترة أرسل آمر الكلية في طلب والد إسماعيل وطلب منه أن يقدم طلباً لأحالته على التقاعد اندهش الوالد من هذا الطلب وخاطب آمر الكلية : -" ليش سيدي آني شمسوي غلط واذا طلعت تقاعد شلون راح امشي أمور عائلتي..."
رد آمر الكلية مجيباً على استفسار العم شريف : -" شوف شريف احنا قبلنا أبنك بالكلية العسكرية فلازم تختارأما انت أتداوم او أبنك لأنه ما يجوز أنت تشتغل فراش وأبنك طالب بالكلية وشراح يكون موقفه امام الطلاب زملائه ".
اختار شريف تأمين مستقبل أبنه و قدم طلب الإحالة على التقاعد وقُبل ابنه إسماعيل في الكلية...
تخرجنا أنا برتبة ملازم شرطة وإسماعيل برتبة ملازم في الجيش وكانت الصدفة والمفاجئة عند نقل رئيس العرفاء عبد الحسين من الأمن الى الشرطة العامة ونسب الى دائرتي آمريه قوة الشرطة السيارة والتي كان مقرها يقع في ساحة الطيران بجانب كنيسة الأرمن وتوسط لدي لأجعله مراسلاً عندي وفعلا تم ذلك...
في كثير من الأحيان كان ينشب نقاش بيني وبين الملازم إسماعيل حول أفضلية ضابط الجيش أو ضابط الشرطة فكان يقول: - "يابه دروح شنو ضابط الشرطة هم مكيف وفرحان، احنا ضباط الجيش شجعان وما نخاف"، وعندها كنت أضطر لا خاطبه قائلاً :- " إسماعيل تسكت لو أصيح رئيس عرفاء عبد الحسين" وكان يجيبني على الفور:-" يمعود والله هسة صرت ضابط بس هم أخاف منه".
بمناسبة تخرجه ضابط أراد إسماعيل ان يزور(السلف) أقاربه في محافظة العمارة حيث كانت عائلته قد نزحت منها في خمسينات القرن الماضي، استغرقت زيارته عدة أيام ولدى عودته أهدوه (طلي) صغير استقل احد باصات خط العمارة بغداد وعند وصوله في احدى الأماكن داخل مدينة بغداد صاح عود نازل وكانت السيارة مزدحمة بالركاب وإسماعيل يحاول النزول إلا انه لم يتمكن بسبب هذا الازدحام وعندها قام أحد الجنود بالصياح بأعلى صوته: - " يا جماعة سوو طريق لابو طلي" واستمر الجندي في ترديد هذه العبارة لعدة مرات ... يقول إسماعيل بأنه كان يردد مع نفسه (وله لو تعرف أبو طلي شنو) ، وبالمناسبة تذكرت نكته فحواها ان عراقياً كان مستقلاً لسيارة اجرة (باص) وعند وصوله الى المكان الذي كان يقصده صاح (عود نازل) ونزل فعلا وبعد مسيرة السيارة مسافة أخرى وكان فيها مصريا حيث صاح (كمان نازل) ونزل المصري أيضا وبعد مسافة أخرى وكان في السيارة رجلا كرديا يروم النزول ففكر، العراقي قال (عود) نازل والمصري قال (كمان) نازل فما كان منه الا ان يصيح (الطبل والزرنا) نازل والطبل والزرنا تستعمل عند القيام بالدبكة الكردية ، كما فاتني ان اذكر بأن ضابط الجيش وخاصة من كان يحمل شارة الأركان في ظل النظام السابق كان يعتبر توجيه الدعوة له ليعمل في جهاز الشرطة إهانة له ويستنكف من ذلك ولكن سبحان مغير الأحوال الا أن الكثير منهم وبعد زوال ذلك النظام وتشكيل النظام الجديد أخذوا يزاحمون ضباط الشرطة ويتوسطون للعمل ضمن ملاكات وزارة الداخلية ...
1225 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع