ستالين واليهود

                                               

                             ضرغام الدباغ

     

ستالين و اليهود

  

المراسلات :
Dr. Dergham Al Dabak : E-Mail: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.


دراسات ـ إعلام ـ معلومات

العدد : 194
التاريخ : / 2020

مقدمة

هل كان ستالين معادياً لليهود ...؟

هل يكفي النزاع بينه وبين تروتسكي (وعدد من أعضاء قيادة الحزب الشيوعي) لاتهامه بمعاداة السامية. هل تكفي حجج أسحق دويتشر التي يسوقها لتشويه صورة ستالين كافية لاتهامه بها، وبصرف النظر عن فردية ستالين وطغيانه، لكنه كان ماركسياً مخلصاً، ورغم أن تصفياته كانت تنطوي في كثير أو قليل منها، على بناء سلطته الفردية على الحزب والدولة، إلا أن ستالين نجح بالحفاظ على الاتحاد السوفيتي، ونجح في مرحلة التصنيع، ونحج نجاحاً باهراً في العبور بسلام خلال مرحلة الحرب العالمية الثانية، بل والخروج بالاتحاد السوفيتي كقوة عالمية وغير من موازين القوى في العالم، وأطلق عصر الاشتراكية، وإذا كانت تثبيت مؤشرات الملامح السلبية للمرحلة الستالينية كحقائق موضوعية، إلا أن مآثره الكبرى لا ينبغي أن تنسى له.

التشكيك بأصول القادة والزعماء وخاصة بعد وفاتهم، مسألة دارجة لدى كتاب التاريخ، وذلك بقصد النفوذ إلى فقرة تشكك في المواقف الأيديولوجية والسياسية لهذا القائد أو ذاك. وقد حدث هذا في أمم كثيرة، وثقافات متفاوتة، وظروف وحقب مختلفة.

لذلك وبتقديري لا يمكننا أن نقيم حقبة ما أو التاريخ السياسي لقائد بناء على أقاويل تتناول أصله العرقي أو منحدره الديني. والمعيار في هذه التقييمات هي المعطيات المادية فقط. وإلا سنغطس في لجة من الافتراضات، والنتائج المؤسسة على افتراضات مشكوك في صحتها، ودقتها، وبالتالي لا يجوز الاعتماد عليها في إصدار قرارات وصياغة أفكار. والواقع أن مثل هذه الافتراضات أو ما يشابهها قد وجهت لزعماء كثيرين، مثل هتلر، وحتى لزعماء عرب.

نسمع ونقرأ بين الحين والآخر، أن لينين قائد الثورة الاشتراكية الأولى في التاريخ، كان من أصول يهودية، وأن والدة ستالين كانت يهودية، وأن الاتحاد السوفيتي بأسره كان جزء من مؤامرة يهودية، وجميع هذه الافتراضات نابعة من كتاب ومؤرخين معادين للاشتراكية، وبالتالي إطلاق مثل هذه الأفكار التي تفتقر إلى أدلة مادية، توظف في خدمة الهدف السياسي والإعلامي.

وحين نتفحص الأدلة التي كيلت لستالين وكذلك لهتلر أو لغيرهم من الزعماء، نجد أنها لا تستند إلى أدلة ملموسة، وهي غالباً تأتي في سياق الحملات الإعلامية التي تهدف للإساءة لهذه الشخصية أو تلك، ومن بينها إطلاق إشارات مشبوهة لعرقه أو لدينه. ولا سيما أن تلك الأنباء والتقارير متناقضة، ولا تنطوي إلا قاسم مشترك واحد، وهو محاولة إلحاق أكبر إساءة ممكنة لستالين.، ومن تلك مثلاً الزعم بأن والدته كانت يهودية، ولكن من المعروف أن ستالين دخل في صباه مدرسة دينية مسيحية / أرثوذوكسية تخرج رجال دين، وعلى الأرجح فعل ذلك بناء على إلحاح والدته ..!

أما إلحاق صفة اليهودية بزوجات ستالين فهذا أم يختلف عليه كتاب السير، علماً أن زيجاته تمت بعد ثورة أكتوبر الاشتراكية، حيث لم يكن مهماً البتة، المنحدر الديني أو العرقي للشخص، بدليل أن القيادة الشيوعية الأولى بعد الثورة كانت تظم العديد من الشيوعيين، وفي مقدمتهم الشخصية البارزة تروتسكي، بل ويلحقون به أعضاء بارزين في قيادة الحزب وأول وزارة اشتراكية منهم زينوفيف، ويضعون المؤشرات والظلال على آخرين، في حملة إعلامية يشك في أهدافها ومراميها، تضعها في حقل التهويش وتبعدها عن المصداقية.

على أية حال، ليس من المستغرب أن ينضم من يبحث عن الحرية والعدل والمساواة، وعدم اعتباره من الأقليات العرقية أو الدينية إلى الحزب الشيوعي أو أي حزب اشتراكي في محاولة للإفلات من دوامة الأقليات، وهذه لوحدها مفهومة، أما ممارسة نشاط ديني أو عرقي داخل الحزب، فهذه مخالفة صريحة وعملاً تخريبياً داخل الحزب وأنظمته. وليس من المستبعد أن يمارسه كل من أنظم للحزب الشيوعي أو لأي حزب ثوري بقصد التخريب، أو أراد أن يمارس التكتل على أساس ديني أو عرقي، فهذا محتمل، ولكن سيرة قائد كبير كستالين(مع أخطاؤه) تبعده عن هذه الصفة بتقديري بشكل مطلق.

من المحتمل أن يكون تروتسكي قد مارس التكتل على أساس ديني، فهو في الأساس كان يعمل في منظمة عمالية يهودية، وهناك إشارة واحدة على الأقل من لينين بهذا الخصوص، ولكن زينوفيف عضو المكتب السياسي (اليهودي)، لم ينظم إلى تكتل تروتسكي، ولكنه تعرض للتصفية فيما بعد، ولكن ليس على أساس ديني. ومن خلال مطالعة دقيقة لتاريخ ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، لم يلاحظ واقعياً عملية تكتلية.

أما نظرية تروتسكي (الثورة الدائمة ــ تصدير الثورة) فقد نوقشت مطولاً في المراكز الماركسية، السوفيتية وغيرها، وقد اعتبرت أنها تيار مغامر، فالثورة العمالية تقوم كضرورة وحتمية تاريخية نتيجة تناقض تناحري بين قوى رأس المال، والطبقات الكادحة، وليست عملية تصدير واستيراد. وبالرغم من أن هناك ثوريين آمنوا بإمكانية تصدير الثورة، وعملوا لها، إلا أن النتيجة الحتمية لذلك كان الإخفاق.

وتصدير الثورة في جذرها فكرة يمينية، وإن تمسحت بمسوح (تقدمية) ومن تلك ما بشر به نابليون عندما أراد تصدير الثورة الفرنسية وشعاراتها التقدمية، إلا أنها كانت في الواقع حروبا استعمارية تجري لصالح سياسات رجعية توسعية والاعتداء على شعوب وأمم. وحتى حركات الثائر العظيم غيفارا على ما تحمل من نبل في المقاصد، إلا أنها كانت قفزاً فوق معطيات الواقع الموضوعي في بوليفيا، والحقائق السياسية والاجتماعية، ولذلك تمكن الإمبريالية الأمريكية من القضاء عليها في مهدها.

وبحسب شهادات شهود كثر، أن ستالين كان يكره اليهود، وبتقديري أن قائداً كستالين لا يحب ولا يكره، بمعنى أنه لا ينفذ عواطفه وما يجول في قلبه، فقائد مثله لا ينصرف ذهنه إلا إلى بناء الدولة، وإحراز التقدم في هذا المجال أو ذاك، ولا يهمه كثيراً من هو وراء تقديم المنجز، بدليل أنه أقام الاتحاد السوفيتي من الحضيض وكان يتعامل مع أقرب المقربين إليه بهذه المعايير بما في ذلك أولاده.
ولكن هناك مسألة ينظر إليها ستالين بعين قائد الدولة والحزب، وهو يطلب الولاء من كل مواطن سوفيتي الولاء للدولة السوفيتية، ومن كل حزبي شيوعي الولاء للحزب وأنظمته. وهنا كان ينظر " ينظر إلى الشخصية اليهودية، الولاء للشخصية اليهودية ( كأنتماء فئوي وليس كدين)، على أنها تعيق الانتماء والولاء للشخصية السوفيتية. والاحتمال الآخر، التي فرضت تصرفاته تجاه اليهود في الحزب، إن خوف ستالين من " الشخصية اليهودية" أن يكون لها تأثير تضامني تعيق فرض سيطرته الشخصية على الحزب، من حيث انه كان هناك عدد كبير من اليهود بين قادة الحزب من مختلف المستويات وفي جميع مفاصل الحزب والدولة. عندما تحتاج طموحاته إلى تصفية احد القادة المنافسين والذي على الأغلب سيكون من اليهود، بسبب نسبتهم الغالبة في المناصب، سيعني انه يخاطر بإثارة فئة كبيرة مترابطة بعلاقة " الشخصية اليهودية".

ولا تتوفر معطيات دقيقة تشير إلى تكتل حزبي يهودي، ولكن الوقائع تشير أن ستالين واجه تكتلات وكان يقوم بتصفيتها بمهارة وذكاء، ولكن لا تخلو من القسوة، والمفرطة أحياناً، واليهود الشيوعيون كانوا ينظمون لهذا التكتل أو ذاك دون اعتبار واضح للأنتماء الديني. وقد جرت تصفيات كثيرة في الحزب والدولة وكان الشيوعيون من بين ضحايا تلك الموجة.

ولكن كراهية اليهود شأن قديم في روسيا منذ أيام القيصرية، حيث كان يعزى إليهم مسؤولية فشل الاقتصاد، ، وبالغ اليهود بعزل أنفسهم عن المجتمع الروسي (إقامة الغيتو (المنغزلات) وكان هذا يجري في مجتمعات دول أخرى)، وهذا الشعور بالعزلة دفع مثقفي اليهود للانظمام لأي حركة راديكالية أو ليبرالية، اشتراكية.

ولبد من الإقرار أن الدولة الاشتراكية ألغت التمييز ضد اليهود على أصعدة كثيرة كانت تقف بوجههم ابن الحكم القيصري. من ذلك قرار منه اليهود من دخول الكليات الطبية، ولكن من جهة أخرى منعت الدولة الاشتراكية الدعاية للفكر الديني اصنافها وانواعها، واليهودية من بينها. والتعامل مع اليهود والثقافة اليهودية كان يجري وفق قاعدة عدم السماح لنشاط غير الفكر الاشتراكي. وكان سياسة الدولة السوفيتية تتراوح بين مسألتين : حماية الحقوق القومية للأقليات ومنها اليهودية، وحضر الثقافات الدينية ومنها اليهودية. ووفق رؤية كارل ماركس أن يذوب اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها.

كانت أعداد الشيوعيين اليهود كبيرة في الاتحاد السوفيتي رغم قلة نسبتهم من السكان، ولكننا ذكرنا في مطلع التقرير أن مصلحة الأقليات البحث عن مجال عمل سياسي آمن لا يكترث كثيراً للأنحدار الديني أو العرقي، وهذا ما يوجد غالباً لدى الأحزاب الوطنية والاشتراكية. وفي الأتحاد السوفيتي لم تكن تظهر إلى السطح التحسسات من الاقليات، بسبب الظروف الثورية، ولكن مرحلة ما بعد الوصول إلى الحكم، تتشكل مصالح جديدة قائمة على الأغلب بسبب التنافس على المناصب والامتيازات.

وعايش الاتحاد السوفيتي تجربة منح الحكم الذاتي لليهود، وخصصت لهم أراض مقاطعة بيروبيجان على حدود الصين كجمهورية للحكم الذاتي، والتي كانت خالية تماماً من السكان، والبداية كانت مشجعة، وهاجر إليها أعداد مشجعة من اليهود (19 ألف يهودي) ونشأت فيها صناعات وجمعيات فلاحية، ولكن الستالينية ، دعت الكثير منهم لطلب الهجرة، إلى أصبح الوجود اليهودي في الجمهورية اليهودية لا يكاد يذكر ..!

ولا توجد مؤشرات واضحة على معاداة ستالين للسامية، بل أنه كان يدين كافة أشكال معاداة الأقليات أو السامية، ولكن دوائر لا تتصف بالنزاهة تكتب أن ستالين كان يكره اليهود، ومن ذلك أبنته سفتلانا، ولكن هذه لجأت إلى الغرب (الولايات المتحدة)، ولم يعد لحديثها مصداقية، لأنها كانت تبدي استعدادها أن تصبح بوق دعاية ضد الاتحاد السوفيتي والاشتراكية.

ولا يمكن اعتبار تقليص الانتشار الأدبي بلغة اليهود الأوربيين (اليديش) عملاً مناؤاً للسامية، بل هذه كانت في إطار توحيد الأدب الروسي والسوفيت، وعدم تشجيع النزعات العنصرية الانعزالية، والأمر في الأخير كان بقصد التعامل السياسي ليس إلا.

ــــــــــــــــــ
مصادر

1. طريف سردست : ستالين واليهود السوفيت، الحوار المتمدن، العدد: 3886 - 2012 / 10 / 20
2. الموسوعة الألمانية

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3053 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع