مهند العزاوي*
العراق ورمال السياسة المتحركة
اصبح من الصعب العثور على طريق او نيسم يقود العراق للخروج من واقعه المضطرب والمتهالك
تميزت السياسة الدولية بثبات نسبي ونسق دولي مقبول حتى غزو العراق 2003 ، وشهدنا التحولات في التعاطي السياسي بشكل مضطرب في المواقف والتحالفات والعلاقات الدولية ، وفاعلية المنظمات الإقليمية والتعامل مع الازمات والنزاعات والحروب ، وبات من الواضح ان العالم اصبح لوحة رمال متحركة في ميدان التفاعلات السياسة الدولية ، وتغلب عليه عقلية المافيا بدلا من الدولة، ولم نشهد انفراج باي ملف او ازمة او نزاع او حرب مزمنة كالعراق وأفغانستان وسوريا واليمن نظرا لاختلاف اهداف الفاعلين
رمال السياسة المتحركة في العراق
حول التقاطع والاختلاف ما بين الولايات المتحدة وروسيا والصين واوربا ودول الإقليم تركيا وايران ، العراق الى مسرح للحرب بين تلك الأطراف ، ولم تقدم تلك المحاور المتصارعة حلولا تلبي تطلعات شعبه الباحث عن استقرار هذا البلد ، واخراجه من ازماته ، وعلى العكس اتفق العالم على وضع العراق تحت الانتداب الإيراني بكافة اشكاله المسلحة والسياسية ، وتحول الى دولة ثيوقراطية فاسدة فاشلة ، يهيمن على قرارها الكيان المليشياوي الموازي الذي يدين بالولاء لإيران
واندلعت تظاهرات شعبية كبرى في أكتوبر 2019 تردد ( نريد وطن) وطالبت باستقالة رئيس الوزراء العراقي ، وبالفعل استقال تحت الضغط الشعبي ، ولكنه فعليا يمارس مهامه كأصيل وليس مصرف اعمال ، ولاتزال اعمال القمع للتظاهرات جارية كاغتيال الناشطين واعتقالهم ، والاختطاف، والرمي بالرصاص الحي من قبل المليشيات المسلحة ، وتسميها الحكومة الطرف الثالث ، وقد تراجعت التظاهرات نسبيا على اثر ذلك ، بل وانحرفت المطالب بشكل جوهري نحو حرب الترشيح لرئيس وزراء جديد بدلا من التغيير الإيجابي .
ولم يكتف عبد المهدي بذلك بل اسهم في دفع رمال السياسة العراقية نحو المقترب الإيراني بشكل قطبي، لاسيما بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قرب مطار بغداد ، بضربة أمريكية نفذتها طائرة بدون طيار في 3-1-2020 ، على اثر ضرب المليشيات للقوات الامريكية بالصواريخ واقتحام السفارة الامريكية في بغداد
وقد اصدر عدد من البرلمانيون في جلسة مشكوك بها قانونيا ، قرارا يطالب فيها رئيس الوزراء المستقيل بإخراج القوات الامريكية من العراق، وبالفعل ذهب الأخير الى التلويح بالتنفيذ كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة ، واسترضاءً لإيران بغية العودة للمنصب من نافذة اخراج القوات الامريكية .
معاضل العراق
اصبح من الصعب العثور على طريق او نيسم يقود العراق الى الخروج من واقعه المضطرب والمتهالك ، ويمكنني تشخيص المعاضل الأساسية للواقع السياسي العراقي وكما يلي :-
1. فشل النظام السياسي ورموزه في بناء دولة مؤسسات فاعلة لجهل الساسة وهشاشة مؤهلاتهم
2. نفوذ الجار الإيراني وانشائه قاعدة حكم مشابه لنظام المرشد الإيراني من أحزاب ومؤسسات سياسية وجيش من المليشيات المشابهة لنظام البسيج والحرس الثوري الإيراني
3. غياب حيادية القرار السياسي العراقي واقترانه بالقرار الإيراني ومواقفه
4. احتكار الطبقة السياسية للسلطة تحت مسمى النضال ومقاومة النظام السابق، وفي الحقيقة لم يتمكن أي فصيل إزاحة النظام السابق، الا من خلال الغزو الأمريكي
5. تعتبر الولايات المتحدة الامريكية الراعي الرسمي للنظام السياسي العراقي ، ولم تتدخل في إزاحته رغم فشله في بناء الدولة والرفض الشعبي له
6. تحركت الجرافات المليشياوية والسياسية لبناء ساتر من الرمال المتحركة لصالح ايران ضد الولايات المتحدة ، تملقا لإيران واتساقا بموقفها بعد تخادم امريكي إيراني دام عقود
7. تعطيل العمل بالدستور بالرغم من المشاكل الموجودة فيه (غياب القانون والحوكمة والمسائلة )
السيناريوهات المحتملة
1. استمرار توتر المشهد السياسي الحالي وفق مبدا عد الأصابع ، والتعويل على عامل الوقت لأنهاء التظاهرات الشعبية التي تراجعت نسبيا ، ومن المتوقع لا تحقق نتائج جوهرية ، مما يرجح ارتفاع الغضب الشعبي ضد المليشيات في محافظات العراق الجنوبية ، ومن المحتمل يتطور رد الفعل الشعبي الى احداث دراماتيكية خطيرة
2. خروج القوات الامريكية ورفع الغطاء القانوني والمالي عن العراق من قبل الإدارة الامريكية ، مما يجعل العراق تحت خط الانهيار الاقتصادي والمجتمعي ، ولايمكن لروسيا والصين تعويض العراق اقتصاديا بالنظر لعدم قدرتها على تخطي العقوبات الامريكية على ايران، ومن المحتمل ان تنفرد الولايات المتحدة وحلفائها في إجراءات أحادية ، تتعلق بضمان الامن والسلم في العراق ومنعه من الانزلاق الى سيناريوهات مدمرة
3. في حالة حصول السيناريو 1 من المتوقع ان يتدخل مجلس الامن ويضع العراق تحت نظام الوصاية الدولي موجب أحكام الفصل الثاني عشر من ميثاقها، للإشراف على الأقاليم المشمولة بالوصاية نظرا لغياب دور الدولة .
4. حصول تغير في الموقف الإيراني والتخلي عن المليشيات الولائية ، نظرا لفقدانها الزخم الشعبي في العراق في ظل اتساع التظاهرات الإيرانية الشعبية بالتزامن مع مشروع قرار امريكي داعم للشعب الإيراني مما يجعلها تجلس الى الطاولة وتقبل بالشروط الامريكية .
خلاصة
فرضت الجغرافيا السياسية على العراق ان يكون بلد محوري، ويحتاج الى نظام سياسي فاعل ومرن ، ومتفاعل مع سياق الاحداث ، ويقدر قيمة المواقف وتداعيتها ، واثارها على الشعب العراقي ، ويستجيب لرغبة المجتمع المتطلع للحرية والحياة المدنية
ولم تنجح طيلة الأعوام السابقة فكرة الأغلبية الاسلاموية المسلحة في بناء دولة المؤسسات ، ولم تقف هنا المشكلة بل اصبح الإرهاب والفساد والجريمة المنظمة يأكل في جسد العراق المتهالك ، وان تعطيل الحياة السياسية وتوقفها ، ستجعل العراق امام سيناريوهات خطيرة ، قد تقود الى انهيار شامل وحرب أهلية لا سمح الله وستكون نتائجها وخيمة على العراقيين
ومع الأسف لا يوجد نسيم ترابي يمكن ان يسلكه العراقيون للعبور الى بر الأمان ، والنأي بالنفس من مراهقة الأحزاب الولائية ، التي لا تمتلك حلول وإرادة ورؤية وطنية لإنقاذ العراق، ومن المرجح ان تفاعل الاحداث وتعقيداتها ستفرز واقع سياسي اخر قد يكون بتأثير خارجي سواء كان دولي او احادي .
13 كانون الثاني 2020
*رئيس مركز صقر للدراسات
582 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع