من حكايات جدتي ... السابعة والتسعون

                                               

        

            من حكايات جدتي ... السابعة والتسعون

                   


             البياع وأخته الغولة

في هذه الليلة كانت جدتي سعيدة جدا، فقد عادت من منزل جارنا أبو البنات، بعدما انهت الخصام بين الزوج وزوجته الذي كان ينوي الزواج ثانية، من بعدما تعددت إنجاب البنات. واقتنع الزوج أنها عطية الله ويجب أن يتقبلها، وحكت لنا جدتي هذه الطرفة. قالت: في أحد الأيام التقى رجل وزوجته بإحدى الساحرات وعند علمت الساحرة أنها من أفضل الزوجين وقضيا معا أكثر من خمسة وثلاثين عاما، قالت لهما أنها ستهب لكل واحد منهما أمنية وتحققها لهما.

قالت الزوجة: أنا أتمنى أن أسافر حول العالم مع زوجي العزيز دون أن نفترق.
حركت الساحرة عصاها بشكل دائري مرددة عدة كلمات غير مفهومة وظهرت تذكرتين للسفر حول العالم وضعتها في يد الزوجة.
جاء دور الزوج الذي جلس يفكر ثم قال مع نفسه: هذه لحظة رومانسية، لكن الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة في العمر. قال لزوجته: آسف حبيبتي أمنيتي أن أتزوج امرأة تصغرني بخمسة وثلاثين عاما.
شعرت الزوجة بغصّة في حلقها وبطعنة سيف في قلبها، وبدت خيبة الأمل على وجهها (لكن الأمنية أمنية).
حركت الساحرة عصاها بشكل دائري مرددة بعض الكلمات الغير مفهومة.
فجأة أصبح عمر الزوج تسعون عاما.
تقول جدتي: قد يعتقد بعض الرجال أنهم أذكياء ولكنهم ينسون، أن الساحرات في النهاية هنّ نساء
أعجبتني هذه الساحرة جابتها صح. ضحكنا كثيرا.
وقالت نعود لحكايتنا اليومية: كان يا ما كان في قديم الزمان كان هناك رجل فقير الحال، كبير في السن، يبيع الحلوى على ظهر الحمار في القرى المجاورة، ويتعب طول النهار ويعود في الليل إلى بيته حيث ينتظره أولاده، ليحضر لهم العشاء فيتعشون وينامون، ثم يستيقظ عند طلوع الفجر ليتابع عمله كالمعتاد.
في يوم من الأيام ساقته الأقدار إلى دار كبيرة في البرية، وكان قد شعر بالجوع والعطش، قرر أن يطلب بعض الماء من أصحاب هذه الدار، ولم يكن يعرف ما كانت تخبئ له الأقدار. طرق الباب فخرجت عجوز قبيحة، سلّم عليها فردّت عليه السلام، وأدخلته إلى الدار دون سؤال ووضعت له الطعام والشراب، وهو متعجب من هذا الترحاب، الذي لم يخطر على بال، وبعد أن شبع وملأ بطنه قالت له: لا تستغرب هذا فأنا عرفتك وأنت لم تعرفني، أنت فلان ابن فلان وأنا أختك فلانة من لحمك ودمك، وقد رحلت من عندكم وأنت صغير ومضت ثلاثين سنة لم أراك فيها، فما هي أخبارك وكم ولداً أنجبت؟ فأجابها وهو يزداد تعجباً من الأمر: عندي ثلاث بنات ولكن أحوالي صعبة، والفقر ضارب أطنابه، والتعب هدّ الحيل. فأسفت عليه وأظهرت له الحزن والهم وقالت له: هذا لا يجوز يا أخي فأنا حالتي ميسورة، وعندي مال كثير، وأنت فقير ومعدوم الحال، يجب أن
تأتي أنت وبناتك وزوجتك، وتعيشوا معي لتؤنسوا وحشتي وتشاركوني داري الكبيرة.
فكّر الرجل بكلامها ووجده عين الصواب وأنه فرج أتاه من السماء، فقام من وقته وذهب إلى بيته، وأخبرهم القصة. قالت له زوجته: لا أصدق هذا الكلام، فأنت ليس لك أخت، وهذه عجوز شريرة وتدبر لنا أمراً مكروهاً، صاح بها وأسكتها وأمرها أن تجهز أغراضها دون كلام، لكي يرحلوا في الصباح إلى بيت أخته الغنية والكريمة، خضعت لأمره وهي غير راضية.
في الصباح حملوا أغراضهم على الحمار وساروا حتى وصلوا دار أخته، دقوا الباب ففتحت لهم العجوز ورحبت بقدومهم، واستقبلتهم أحسن استقبال وضمتهم وأظهرت شوقها لهم، وأدخلتهم ووضعت لهم ما لذّ وطاب من الطعام والشراب، فأكلوا حتى امتلأت بطونهم ومدّت لهم الفرش الوثيرة، فناموا أجمل نومة ونسوا أيام التعب والشقاء، وبقوا على هذا الحال عدة أيام.
في كل يوم كانت العجوز تكرمهم أكثر، وتطعمهم طعاماً أحسن من الأول، فقالت له زوجته: أنا لست مطمئنة لهذا الكرم والعجوز تعلفنا لنصح وتأكلنا في النهاية، فنهرها وقال: أنت تعجبك حياة الفقر والتعب، ولا تعجبك حياة النعيم، اسكتي أفضل لك.
في ليلة من الليالي استيقظت البنت الصغرى بعد منتصف الليل، لتقضي حاجتها فسمعت حركة وصوتاً غريباً في الزريبة، فنظرت فيها فرأت الغولة راكبة على الحمار وتأكله من رقبته. ففزعت الفتاة وذهبت إلى أمها، وأيقظتها وأيقظت والدها، وأخبرتهم بما رأت، فذهبوا لكي يروا الزريبة فوجدوا الحمار بمكانه، فقال لها والدها: عيونك تريك أشياء غريبة. وعادوا إلى النوم.
في اليوم التالي قصَّ الأولاد للعجوز ما رأته البنت الصغرى في الليل، فضحكت، وقالت: إن النوم في البرية يريكم أشياء غريبة وعجيبة، وعند الظهر أحضرت الطعام والشراب والحلوى ليأكلوا، فلم ترض الأم أن تأكل، وقالت لزوجها: والله إنها تطعمنا كي تسمننا وتأكلنا؟ فضحك عليها ولم يصدقها.
في الليل نام الجميع نومة ثقيلة، فجاءت الغولة وحملت الرجل، ووضعته في غرفة المونة وبدأت تأكله. وكالعادة استيقظت الفتاة لقضاء حاجتها، فسمعت صوتاً غريباً في بيت المونة، فنظرت من النافذة فرأت الغولة تأكل والدها، فذهبت مسرعة إلى أمها وأحضرتها لكي ترى ما رأته، ولما حضرت الأم ورأت ذلك المنظر طار عقلها فركضت إلى بناتها، وأيقظتهم وخرجت بهم من النافذة، وبدئوا يركضون طوال الليل من خوفهم حتى وصلوا إلى مضارب قبيلة بدو، لجؤا إليهم واستجاروا بهم، وحكت الأم قصتها لشيخ القبيلة، ففهم قصتها، وكان لديه ثلاثة كلاب جوعانة، فوضعهم في كيس كبير وربطهم ووضعهم جانباً.
أما (العجوز) الغولة فقد استيقظت في الصباح، فلم تجد الأم والبنات فغضبت كثيراً، وقالت: لقد هربوا بعد أن أطعمتهم وعلفتهم بأحسن الطعام والشراب، والله سأحضرهم ولو كانوا تحت الأرض.
ذهبت الغولة للبحث عنهم حتى وصلت مساءً إلى مضارب القبيلة، فدخلت على شيخها وسألته عن الأم وبناتها الثلاث وعرفته أنها عمتهن، وأنهن خرجن من عندها زعلى وتريد أن ترضيهن وترجعهن إلى البيت. أجابها شيخ القبيلة: إن المرأة أتت إلى القبيلة، ووضعت البنات الثلاث أمانة عندنا، وذهبت لا يعرف إلى أين، ولكنها ستعود لأخذهم. فطلبت الغولة منه البنات فأعطاها الشيخ الكيس الذي يحوي الكلاب. فشكرته على معروفه وقالت له: عندما تعود زوجة أخي أخبروها أنني قد أخذت البنات وتعود إلى البيت لتراهن. في الطريق حدثت نفسها: سوف آكل البنات وبعدها أفتش عن أمهن.
في البيت فتحت الكيس لكي تخرج البنات، هجم عليها الكلاب وقطعوها، وأكلوها وأراحوا العالم من شرها، ورجعت الكلاب إلى القبيلة، ولما رأى الشيخ آثار الدماء على أفواههم، عرف أنهم قد أكلوا الغولة، فذهب وأخبر المرأة وبناتها، ففرحوا كثيراً وكان عند الشيخ ثلاثة شباب فزوجهم البنات، وتزوج الشيخ أمهم وعاشوا في ثبات ونبات وخلفوا الصبيان والبنات.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3399 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع