بقلم المحامي المستشار
محي الدين محمد يونس
العراق دولة المنظمة العلنية / الجزء العاشر
هل من احتمال في عودة حزب البعث إلى السلطة في العراق
نقول للمتباكين على النظام السابق والذي كان يقوده حزب البعث والحالمين بعودته مرة ثالثة هيهات فقد مضى ذلك الزمان وتلاشت مبررات عودته ليحكم العراق بذلك الشكل وبتلك السلطة للأسباب التالية:-
1- الماضي غير المشجع لحزب البعث في السلطة عام 1963 وفي عام 1968 لغاية سقوطه في عام 2003
2- زوال العوامل التي ساعدته للبروز والتطور والانتشار ومكنته من استلام السلطة في العراق لمرتين ونقصد بهذه العوامل استغلال هذا الحزب لفترة المد القومي العربي ورفعه لشعارات هذا التوجه (وحدة, حرية , اشتراكية) و (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) وغيرها من الشعارات الكثيرة في الدفاع عن فلسطين وعروبتها.
لقد بقيت هذه الشعارات حبراً على ورق واستغلت للضحك على الذقون وجعلها وسيلة للاحتفاظ بالسلطة ومغرياتها فلا وحدة تحققت لاستحالة تنازل أي صاحب سلطة في الدول العربية عن سلطته وأول هؤلاء هو الرئيس العراقي (صدام حسين) حيث كان يتمنى أن تتحقق الوحدة العربية وبشرط أن يكون هو رئيس هذه الدولة من المحيط إلى الخليج وأصدق دليل على ذلك فعندما تم التوقيع على ميثاق الوحدة العربية بين العراق وسوريا من قبل الرئيسين (أحمد حسن البكر) و (حافظ الأسد) في عام 1978 شعر بالخطر على مستقبله السياسي وتهميشه فأوعز إلى عقله لتدبير طريقة للتخلص من هذا الاتفاق فكان له ذلك في عام 1979 وبخطة جهنمية عمل على إزاحة (أحمد حسن البكر) عن الحكم وتنفيذه مجزرة قاعة الخلد بحق العديد من رفاقه بدعوى تأمرهم عليه بالاتفاق مع (حافظ الأسد) كما أن الحرية والاشتراكية لم تتحققان أيضاً لا في العراق ولا في سوريا التي كان يحكمها نفس الحزب وينادي بنفس الشعارات وليومنا هذا, وفي موضوع ذو صلة يذكر القيادي (صلاح عمر العلي) في مذكراته المنشورة في صحيفة العربية العدد 664 في 25 /5/2019 بأن الرئيس العراقي (أحمد حسن البكر) أراد بتوقيعه على ميثاق الوحدة العربية مع الرئيس السوري (حافظ الأسد) أن يتخلص من (صدام حسين)
صلاح عمر العلي
ويذكر ما نصه: ((إن الرئيس (البكر) اعتقد بأنه طبخ خطته على نار هادئة وفي ظل أجواء سليمة وآمنة وهو كما نعلم يملك خبرات قد لا تتوفر عند الكثير من الناس في عمليات التآمر ولكنه يبدو أنه على الرغم من خبراته المعروفة في هذا الميدان فإن غرفة عملياته كانت مخترقة كما يبدو من بعض الرفاق الذين وضع ثقته بهم وائتمنهم على الكثير من مخططاته فنقلوا لـ (صدام) ما كان ينوي عمله الرئيس (البكر) في قابل الأيام, فضرب (صدام) ضربته القاسية بدون رحمة في فرض الاستقالة على (البكر) أولاً وفي إلغاء مشروع الوحدة بافتعال مؤامرة وهمية خططت لها سورية بالتنسيق مع عدد من الشخصيات القيادية البعثية العراقية فقام بتصفية أغلبيتهم واعتقال القسم الأخر في الأقبية المظلمة التي أسسها (صدام)...))
حفل توقيع ميثاق الوحدة بين سوريا والعراق
ويضيف القيادي البعثي (صلاح عمر العلي): ((في إحدى الدورات السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة وكنت ما أزال ممثلاً للعراق فيها التقيت السيد (عبد الحليم خدام) وزير خارجية سوريا فحاولت ممازحته فأجابني قائلاً: كيف وبأي طريقة نتأمر عليكم يا صلاح؟ ماذا نملك ونحن دولة فقيرة بينما أنتم تملكون المال والثروة وشعباً قوياً وقيادة فتية ونشيطة, فأنتم قادرين إذا شئتم ليس بالتآمر علينا فقط, وإنما شراء سوريا كلها بأموالكم))
وفي حديث تلفزيوني مسجل والكلام لازال لـ (صلاح عمر العلي) سمعه ملايين من البشر قال وزير النفط الأسبق وعضو مجلس قيادة الثورة وعضو القيادة القطرية السيد (تايه عبد الكريم) ما نصه وهو يتحدث عن اجتماع للقيادة القطرية برئاسة (صدام حسين): ((في ذلك الاجتماع لأول مرة أشعر بأن (صدام حسين) يعبر بطلاقة وبكل صراحة عن موقفه ضد المرحوم (أحمد حسن البكر), قال قولاً لم اكن أتوقعه كان في حالة أشبه بالانهيار كان يشعر بأن الأمور بدأت تتجه لغير صالح العراق قال: (شوفو أخاف أني أروح ديروا بالكم ما تنتخبون أحمد حسن البكر, ترى أحمد حسن البكر ما له دور في الثورة) وتحدث حديثاً غير لائق وقاسياً جداً بحقه إلا أن صدام استدرك وقال: (لا لا أني باقي إن شاء الله)...))
3- انخفاض شعبية حزب البعث بين الجماهير العراقية بسبب بروز وظهور أحزاب عديدة وعلى ضوء الانقسام العرقي والطائفي في العراق بعد نهاية النظام السابق ولا يمكن انكار ما للدور الاقتصادي والمصلحي من شأن فعال في أسباب هذا الانخفاض.
الرئيسين العراقي والسوري أحمد حسن البكر وحافظ الأسد
ومن الجدير بالذكر هو الحديث عن انقلاب 8 شباط 1963 عندما أطاح حزب البعث بالنظام الجمهوري الأول برئاسة رئيس الوزراء (عبد الكريم قاسم) وتم قتله والغدر به في محاكمة صورية بدعوى كونه ضد الوحدة العربية والتي لم تقم ليومنا هذا كما غدر هو أيضاً بالملك (فيصل الثاني) في انقلاب 14 تموز 1958.
الرئيس السوري حافظ الأسد يستقبل صدام حسين في دمشق
خلاصة القول لا عودة لحزب البعث ليحكم العراق كما ذكرنا مرة ثالثة ونقول لأنصاره ومؤيديه أن يصرفوا النظر عن ما هم فيه ونصيحتي هذه أوجهها إلى كل الأحزاب التقليدية التي انتهت صلاحياتها بانتهاء ظروف نشأتها وتطورها وبروز نشاط التيار الديني السياسي المعتدل والمتطرف وعلى شاكلة حزب البعث الحزب الشيوعي العراقي والذي تلاشت خيارات بقاء نشاطه السياسي بالرغم من كون شعاراته النظرية تصلح لكل زمان ومكان إلا أن مشكلة هذا الحزب تكمن في زوال المركز القيادي المنشئ لفكرة الشيوعية في العالم (الاتحاد السوفيتي), وفشل هذا الحزب وعدم تمكنه من الإيفاء بوعوده والشعارات البراقة التي كان يرفعها بالرغم من سيطرته على الساحة الجماهيرية في العراق بعد انقلاب 14 تموز 1958 ولغاية انقلاب 8 شباط 1963, حيث هزم شر هزيمة من قبل البعثيين الذين كانوا يقلون عنهم عدداً وإمكانيات, والأمر نفسه ينطبق على أنصار الملكية الدستورية وأنصار رئيس الوزراء السابق (عبد الكريم قاسم).
صدام حسين وياسر عرفات
أعيد وأكرر بأن عودة حزب البعث إلى حكم العراق أصبح مستحيلاً (شاء من شاء وأبى من أبى) كما كان يحلو للرئيس الفلسطيني الراحل (ياسر عرفات) أن يكرر ترديده من عبارة وجواب معظم الشعب العراقي لهذا الحزب نختصره في معاني كلمات أغنية المطرب العراقي (ياس خضر) في أغنيته (تايبين)
تايبين
تايبين ولا نمر مرة بدربكم
وحالفين ما نرد يوم على حيكم
غلطة مرت وانتهت
شمعة العشرة انطفت
والذنب هو ذنبكم
تايبين وللمحبة ما يرجعنا الحنين
غلطة ودفعنا ثمنها أجمل أيام السنين
غلطة صارت يا خسارة يا خسارة
ليلكم ضيع نهاره يا نهاره
غلطة مرت وانتهت
شمعة العشرة انطفت
والذنب هو ذنبكم
وأخيراً نقول:-
1- إن التمسك بأفضلية النظام السابق والتغاضي عن مساوئه وما اقترفه بحق العراق كوطن والعراقيين كشعب من جرائم يعني العودة إلى الجاهلية والعمل بشعاره (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)
2- إن التقييم الحقيقي الصادق لذلك النظام يتم من خلال تقييمه ذاتياً وليس من خلال المقارنة بينه وبين النظام الحالي وإذا كان لا بد من المقارنة فاختاروا أي نظام للحكم في العالم بشرط أن لا يكون نظاماً شمولياً في طريقة حكمه والكف عن الحديث عن سلبيات النظام الحالي والبكاء على اطلال النظام السابق وما بناه (صدام حسين) والذين جاؤوا من قبله وهدمه لاحقاً بأخطائه وسوء تصرفه وأن توجهوا لأنفسكم أسئلة وتناقشوها ... من دمر العراق... من أوصله إلى هذا الوضع المزري؟... وأنتم المتضررون من المحسوبين عليه لا بد من الإقرار بالحقيقة ومن ورطكم وجعلكم في وضع لا تحسدون عليه (الاعتراف بالخطأ فضيلة)
مما لا شك فيه بأن الهجرة الجماعية للعراقيين بدأت بشكل ظاهرة بعد استلام حزب البعث لمقاليد الأمور في العراق واشتداد الصراع السياسي بينه وبين الأحزاب والتيارات السياسية على الساحة العراقية وتسلطه من خلال نظام شمولي على السلطة (نظام الحزب الواحد) وتسببه في اندلاع ثلاثة حروب كلفت الشعب العراقي الكثير من الضحايا وما خلفته من وضع اقتصادي مزري وخاصة في فترة الحصار الاقتصادي والذي استمر لفترة طويلة واستغرب حين اسمع البعض من هؤلاء المهجرين نتيجة هذه الظروف التي نشأت نتيجة السياسات الخاطئة للنظام السابق وهم يكيلون المديح له ويصفونه ويصبغون عليه أحسن المزايا ومن الجدير بالذكر هو اختلاط الأخوة الأعداء من العراقيين في المنافي بعد القضاء على نظام الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) وهروب المحسوبين عليه وتراهم يدخلون في نقاشات وسجالات حول الوضع العراقي ما آلت إليه الأمور في وطنهم الذي تركوه مجبرين خوفاً على حياتهم وشرفهم ومالهم من بعضهم البعض عندما يكونوا أصحاب قرار.
النزاهة ومحاربة الفساد في ظل النظام السابق
هناك الكثير من الكلام حول نزاهة الرئيس العراقي (صدام حسين) وحديث عن عدم تملكه لأية أموال منقولة وغير منقولة داخل العراق وخارجه والأمر استطيع تفسيره على النحو التالي:-
1- صدام حسين كان يعتبر كل موجودات العراق من الأموال بأنواعها والبشر والحجر والشجر ملكاً له طيلة بقاءه على قيد الحياة.
2- صدام حسين لم يكن يجهل بأن مصيره إما القتل أو الإعدام وتحضرني في هذا الشأن حكاية تتردد من أنه في بداية السبعينيات من القرن الماضي عندما كان (صدام حسين) نائباً لرئيس الجمهورية (أحمد حسن البكر) حصلت مشاجرة بين أحد أخوته غير الأشقاء وشاب من وجهاء عشيرة العبيد وكانت النتيجة مقتل الشاب العبيدي, في اليوم التالي أرسل (صدام حسين) وفداً عشائرياً كبيراً من عشيرته والعشائر الأخرى إلى رئيس عشيرة العبيد (عاصي العبيدي) لغرض المصالحة, إلا أن الأخير رفض استقبالهم فعادوا وأخبروا (صدام) بذلك فما كان منه إلا أن يستعمل صلاحياته الرسمية في الدولة ويأمر بجلب رئيس عشيرة العبيد أمامه ويخاطبه قائلاً: ((أخي لقد أرسلت وفداً رفيع المستوى لمقابلتكم وطلب الصلح وتهيئة الأجواء لكي أحضر عندكم لهذا الغرض إلا أنكم رفضتم استقبال الوفد وهذا يعني بأنكم ترفضون المصالحة وتطلبون الثأر... أخي شوف أكَلك... ما طول آني وعشيرتي بالسلطة ما تكَدر تأخذ بثارك وإذا ما بقيت بالسلطة فبالتأكيد من كثرة أعدائي ما راح أكون من نصيبك ولو تتصالح أحسنلك ولمصلحتك...)) وفعلاً تصالحوا, وتجدر الإشارة إلى أنه كان يتوقع هذا المصير ولكن ليس بهذا الشكل مطلقاً.
3- نستطيع التأكيد بأن الرئيس العراقي (صدام حسين) كان أكثر الحكام فساداً ومنذ تشكيل الحكومة العراقية في عام 1921 لأنه لم يكن يتقيد بأية ضوابط للتصرف بأموال الدولة والمال العام إذ لم يكن هناك من يستطيع أن يرفض له طلباً اللهم إلا إذا كان مجنوناً أو مضحياً بحياته وزاد عنده هذا النمط من التصرف في عام 1979 بعد أن أصبح رئيساً للجمهورية ومجلس قيادة الثورة هذه الثورة التي كانت اسم على غير مسمى وبعد أن صفى الرجال باعتباره (صياد رجال) إلا أنه والحق يقال لم يكن يسمح بارتكاب جرائم الفساد المالي وكانت هناك إجراءات مشددة وقوانين عقابية رادعة تصل عقوبتها في بعض الجرائم المهمة والكبيرة إلى عقوبة الإعدام, إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم وجود جرائم في هذا المجال (فالنفس البشرية أمارة بالسوء) إلا أن الوضع يختلف في الوقت الحالي إي منذ عام 2003 حيث أن جرائم الفساد المالي واستغلال النفوذ والوظيفة أخذ بعداً غير مألوف في هذه الدولة وأصبحت السرقات والاختلاسات بالمليارات واستمرار هذا النمط من السلوك لضعف الوازع الأخلاقي وانعدام المحاسبة إلا في حالات قليلة يشكل رقماً خجولاً من عدد القضايا الموجودة في هيئة النزاهة.
وما دمنا نتحدث عن الفساد المالي والنزاهة في ظل النظام الحالي فلا بد من الاستشهاد بالكلمة القيمة للنائبة الشجاعة والذكية (ماجدة التميمي) والتي ألقتها قبل أيام في جلسة للبرلمان العراقي كشفت فيه حجم الفساد والخلل في قصاص ناهبي قوت الشعب المسكين.
بصراحة لقد انبهرت من شجاعة هذه المرأة وذكائها المفرط عند استماعي إليها وهي تقرأ تقريرها عن الفساد وهي واثقة من نفسها وفي نفس الوقت انتابني القرف والاستهجان من ما جاء في التقرير ولم استطع اكمال سماعه وأنا أردد مع نفسي : ((هل وصلت بنا الأمور إلى هذا الحد من خراب الضمير والأخلاق؟ أين مؤسسات الدولة المسؤولة عن ذلك؟ أين رجال الدين وما هو دورهم؟ أين المنظمات المدنية وأين نشاطها في هذا المجال؟ هل انخرط الجميع في هذا المسار؟ إذن لم يبق أمامنا إلا أن نناشد هذا الشعب والذي يدفع ضريبة تفشي الفساد ونقول له ... وراء كل دولة فاشلة شعب نائم))
النائبة في البرلمان العراقي ماجدة التميمي
بسم الله الرحمن الرحيم
شكراً سيدي الرئيس ...
سيدي الرئيس: المشكلة الأساسية في البلد ليست في نقص الأموال... هل أن الإيرادات الحقيقية هي تلك التي تظهر في هذه الموازنة... الجواب كلا هناك إيرادات من تحت الطاولة تهريب النفط هذي إيرادات تروح للأحزاب والمليشيات, إيرادات المنافذ الحدودية, الكمارك, الضرائب 90% و95% تروح للفاسدين و 5% تصل للخزينة... الامانات ترليونات عدنا امانات في كل الوزارات وآني تأكدت منها ولكن يتم التلاعب بيها من قبل الوزراء والمدراء... عقارات الدولة نصفها غير مسجلة في قاعدة البيانات حذفت من قاعدة البيانات وتم اشغالها من قبل ناس متنفذين وأيضاً البنك المركزي لقد بح صوتنا فرق السعرين لمن يذهب إلى تجار معينين متنفذين...إذن احنا عدنا فلوس مو ما عدنا فلوس ماكو ازمة مالية واللي يكَول عدنه أزمة مالية كذاب وآني المسؤولة عن كلامي...
قرارات ما انزل الله بها من سلطان شنو يعني المسؤول من يطلع يأخذ خمس, ست, سبع سيارات بمليارات يشترون سيارات وآني عندي وثائق وابن البصرة يستشهد لانه ماكو فرصة عمل... ولكن إحنا عدنا مليارات هدر, هناك خلل في إدارة الدولة وعدم محاسبة الفاسدين آلاف الملفات في النزاهة أصبحت مصدر رزق للبعض... إحنا نرفع ملفات وغيرنا يخليها بالمجر ويستفاد ويكَول اشكَد تنطيني ... اغلق الملف... سؤالي هو كم مسؤول تم محاسبته من 2005 ولحد الآن؟ ... أنا اتحدث عن المسؤولين الكبار في الدولة... شفتو فد يوم واحد تحاسب ورجع الأموال المهدورة...)).
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://algardenia.com/maqalat/42336-2019-11-28-16-22-59.html
784 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع