عوني القلمجي
الثورة العراقية التي قصمت ظهر ايران
لم يات تصنيف ايران كعدو للعراق من قبل الثوار لمجرد تدخلاتها بالشان العراقي، او لعلاقة المليشيات المسلحة بملاليها،على الرغم من اضرارها الفادحة، وانما اتى بسب ادراك الشعب العراقي لحقيقة الطموحات الايرانية التاريخية باحتلال العراق وضمه للامبراطورية الفارسية المنتظرة. وقد اثبت تاريخ حكام فارس هذه الحقيقة، سواء كان الحاكم ملكا يلبس التاج ويحمل الصولجان مثل كسرى، او يرتدي بدلة انكليزية وربطة عنق فرنسية مثل شاه ايران، او عمامة سوداء مثل الخميني او خامنئي
لقد عبر الامام الخميني عن هذه الطموحات حين اضطر الى وقف حربه ضد العراق مدة ثمان سنوات بقوله "اقبل بوقف الحرب كمن يتجرع كاسا من السم" ثم قضى نحبه كمدا بعد عدة شهور. ويبدو ان خليفته علي خامنئي تعهد بتحقيق الحلم الذي عجز الاسلاف عن تحقيقه. حيث اعتبر فرصة احتلال العراق من قبل امريكا وحلفائها الهدية التي انزلها الله له من السماء، فمد يده لهذا المحتل، الذي كان بالامس الشيطان الاكبر، وقدم له كل ما لدى ايران من خدمات لتسهيل مهمة الاحتلال مقابل حصة تتناسب وحجم تلك الخدمات، على امل الاستحواذ على العراق في المستقبل. ومن غير المجدي تاكيد هذه الحقيقة بوقائع وادلة باتت معروفة للجميع. اذ تكفي تصريحات عدد من القادة الايرانيين مثل، محمد علي ابطحي نائب الرئيس حينها للشؤون القانونية والبرلمانية، وهاشمي رفسنجاني الرئيس الاسبق لايران وكذلك محمد خاتمي وغيره من كبار المسؤوليين الايرانيين، التي ذكرت بوضوح بانه لولا ايران لما تمكنت امريكا من احتلال كابول وبغداد. في حين اصبح معروفا للجميع تعاون السفير الامريكي في بغداد وممثل ملالي طهران الجنرال قاسم سليماني بعد الاحتلال، وعمل كل ما يلزم لالقاء مشروع الدولة وتصفيره كطرف مركزي في المعادلة الاقليمية.
لكن الرياح لم تسر بما اشتهت سفن ملالي طهران. حيث توالت عليها المصيبة تلو الاخرى على يد الثورة العراقية العظيمة. حيث وجه الثوار ضربة موجعة ومفاجئة لايران، خلخلت جميع مرتكزاتها في العراق السياسية والاقتصادية والعسكرية والمذهبية التي بنتها خلال ستة عشر عاما . حيث رفع الثوارشعار "ايران بره بره وبغداد حره حره" ليتبعه حرق القنصلية الايرانية في كربلاء ورفع العلم العراقي عليها، لتنتهي بتمزيق صور الخميني وخامنئي وتبديل الشوارع التي باسماء هؤلاء الملالي الى اسماء تخص الثورة العراقية، ومنها اسم شارع ثورة تشرين بدل اسم شارع الامام الخميني. وكان اخر هذه الضربات التي قصمت ظهر البعير الايراني، فوز الفريق العراقي على ايران، حيث مثل الاحتفال بهذا الفوز في عموم المدن العراقية، استفتاء شعبيا ضد ايران وملاليها.
ولكن هذا ليس كل شيء، فنيران الثورة العراقية امتدت لتحرق مرتكزها وسندها في لبنان حسن نصر الله وحزبه الطائفي، من خلال انتفاضة الشعب اللبناني ضد افة الفساد والطائفية التي نخرت البلاد واضرت بالعباد. وليس مستبعدا ان تحترق ركائز ايران في سوريا على يد انتفاضة او ثورة مشابهة في القريب العاجل، تقوم على اسس وافكار جديدة لا يمكن لاية جهة اختراقها كما حدث مع الانتفاضة الاولى. اما المصيبة الكبرى، فهي الانتفاضة التي اندلعت في العديد من المدن الايرانية والتي اتخذت من قرار الملالي رفع اسعار البنزين الى ضعفين سببا لها. غير ان شعاراتها تعدت هذا القرار الى المطالبة باسقاط النظام، الذي وصفوه بالنظام الدكتاوري الظالم ونهجه التوسعي خارج الحدود وارهاق ميزانية الدولة بدعم المليشيات المسلحة هناك. الامر الذي دعا خبيرها بقمع الثورات والانتفاضات الجنرال قاسم سليماني الى مغادرة العراق والعودة الى طهران، لقمع الانتفاضة الايرانية الواعدة.
ليس غريبا ان يستنفر ملالي طهران كل قوتهم لقطع راس الحية على حد تعبيرهم بانهاء الثورة العراقية اولا، حيث دفعت لانجاز هذه المهمة القذرة بمجموعات كبيرة من حرسها الثوري، من جهة والمليشيات المسلحة العراقية المرتبطة بها من جهة اخرى، خاصة وان حكومة عادل عبد المهدي قد فشلت في انهاء الثورة العراقية، بما تيسر لها من وسائل الخداع والتضليل، وما بين يديها من قوة عسكرية متمرسة في هذا المجال، حتى تحولت مواجهة الثورة السلمية من مواجهة الة القمع التابعة للحكومة، الى مواجهة مباشرة مع ملالي طهران في جميع ساحات التحرير في المدن العراقية.
واليوم وامام صمود الثوار واستعدادهم للتضحية والاصرار على تحقيق مطالبهم كاملة غير منقوصة، وفي مقدمتها اسقاط النظام وحل مجلس النواب والغاء الدستور الذي كتبه المحتل الامريكي وتقديم كل الفاسدين الى المحاكم لنيل جزائهم العادل، لجات ايران وبالتعاون مع الحكومة الى وسائل دنيئة جدا، من بينها تقزيم الثورة واعتبارها فورة غضب سرعان ما تهدا ويعود الناس الى بيوتهم. ومنها الصاق التهم الباطلة بها كالادعاء بوجود مندسين ومخربين فيها، او القول انها حراك لمجموعات ارهابية تنفذ اجندات لدول معادية "للعراق الديمقراطي الجديد"، او اشاعة حالة من الخوف والفزع بترويج الاراجيف حول النهاية الحتمية لهذه الثورة على الطريقة التي انتهت بها الثورة السورية او الليبية او اليمنية. وقد جندت ايران والحكومة العراقية لهذا الغرض ابواق دعاياتها المغرضة واقلامها الماجورة ومحطاتها الفضائية ومنابرها الحسينية.
دعونا نسترسل اكثر، فالى جانب هذه الوسائل الدنيئة، لجا الملالي الى دفع الحكومة الى تقديم تنازلات ترضي الثوار من خلال رفع شعار الاصلاحات، ووصفها بالجدية والتعهد بمحاربة الفساد والفاسدين، فسارعوا الى عقد اجتماعات فورية متنوعة، تارة من قبل مجلس الوزراء واخرى لمجلس النواب وثالثة لمجلس الرئاسات الثلاثة، رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، ليخرجوا بنفس العبارات المملة التي تتبخر بعد مرور ايام معدودات من قبيل "وضع جدول زمني لتلبية مطالب المتظاهرين" ، "وضع خارطة طريق وتحديد مدد زمنية" ولاقناع الثوار بمصداقية الوعود، لجا عبد المهدي الى اطلاق نكتة سمجة حيث اعلن عن وقوفه الى جانب المتظاهرين والطلب اليهم بمواصلة ثورتهم لتكون فعلا ضاغطا على الحكومة للاسراع بتنفيذ المطالب!!!، ونسي مطالبته قبل ايام بانهاء التظاهرات واستبدالها بتظاهرات اسبوعية محدودة بعد الحصول على اذن من السلطات الرسمية. ولم يستبعد هؤلاء الاشرار سلاح المرجعية الدينية لانقاذهم من هذه الورطة. وفعلا قامت هذه المرجعية بالدور المطلوب وبطرق ملتوية. بحيث تضمنت خطاباتها مسك العصى من الوسط. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان النقطة الثانية من خطابها الاخير اقرت من جهة حقوق المتظاهرين ومطالبهم، ومن جهة اخرى طالبت حكومة الفساد والفاسدين بالاصلاحات. حيث ورد فيها بالنص " ومن هنا فإنّ من الأهمية بمكان اسراع الحكومة في إقرار قانون منصف للانتخابات يعيد ثقة المواطنين بالعملية الانتخابية ولا يتحيز للأحزاب والتيارات السياسية، ويمنح فرصة حقيقية لتغيير القوى التي حكمت البلد خلال السنوات الماضية اذا أراد الشعب تغييرها واستبدالها بوجوه جديدة" في حين تعلم المرجعية علم اليقين بان الفاسد لا يمكن ان يكون مصلحا ضد الفساد وان المرجعية ذاتها اعترفت بهذه الحقيقة في مقطع من الفقرة الثالثة في نفس الخطاب حول قدرة هذه الحكومة على القيام باي اصلاح مهما كان متواضعا بقولها "وهذا مما يثير الشكوك في مدى قدرة أو جدية القوى السياسية الحاكمة في تنفيذ مطالب المتظاهرين حتى في حدودها الدنيا، وهو ليس في صالح بناء الثقة بتحقق شيء من الاصلاح الحقيقي على أيديهم" وكان اخر هذه المحاولات بهذا الخصوص هو فشل اتفاق المرجعية وممثلة الامم المتحدة للالتفاف على الثورة العراقية، حيث رفض الثوار مثل هذا الوساطات كونها تتعاكس مع مطالبهم باسقاط النظام ومحاكمة الفاسدين دون استثناء.
ترى هل بامكان ملالي طهران انقاذ نظامهم من السقوط بما تيسر لهم من قوة وجبروت وخباثة اضافة الى دعم الحكومة العراقية ومليشياتها المسلحة؟
ساختصر الاجابة على وضع الملالي في العراق، واكتفي بتذكيرهم بما وعدت به الثورة العملاقة في ساحات التحرير، واصرارها القاطع على تحقيق مطالبها كاملة غير منقوصة، ومن بينها انهاء النفوذ الايراني في العراق وتصفية مخلفاته. واذا سولت لهم عقول الملالي بانهم قادرون على تحقيق نجاحات بما توفر لهم من الوسائل الغادرة ضد الانتفاضات الشعبية التي سبقت الثورة العظيمة، فانهم واهمون تماما، حيث اصبحت اوراقهم مكشوفة وقوتهم العسكرية عاجزة عن ارهاب طفل عراقي مشارك في الثورة، وان صرخة الثوار تشق عنان السماء، تقول، "لو امطرتم على رؤوسنا كل اسلحتكم لن نتراجع. ولن نتخلى عن ثورتنا السلمية، قبل تحقيق الانتصار النهائي".
نعم هناك انتفاضات وثورات فشلت او انتهت بطرق ماساوية وطواها النسيان، او سجلت ضمن الذكريات الوطنية المؤلمة. مثلما هناك ثورات وانتفاضات قد تم خداعها والالتفاف عليها لتخرج بخفي حنين كما يقال، لكن ثورة العراق اليوم لن تخدع بالوعود الوردية ولن تقبل بانصاف الحلول، كما انها لن تهزم بالالة العسكرية مهما طال الزمن وازداد حجم التضحيات. وان غدا لناظره قريب.
عوني القلمجي
18/11/2019
2993 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع