عوني القلمجي
اسقاط النظام : عنوان الثورة العراقية الكبرى
لم يعد بامكان النظام الفاسد في العراق خداع الثوار بالخطابات والوعود المعسولة التي يدلي بها رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، او رئيس الجمهورية برهم صالح، او رئيس البرلمان محمد الحلبوسي. حيث يصر الثوار على نقل هؤلاء من المنطقة الخضراء الى قفص الاتهام بتهم عديدة اخرها القتل العمد لمئات من المتظاهرين السلميين.
كما لم يعد بامكان المرجعية الدينية الممثلة بعلي السيستاني التستر على هذه الطغمة الفاسدة وانقاذها من السقوط، سواء من خلال وقوفها على الحياد بين الضحية والجلاد، او وقوفها بطرق ملتوية الى جانب الثوار. اذ لم تعد هناك قدسية لهذه المرجعيات او غيرها بعد ان اصبحت ساحة التحرير هي المرجعية المقدسة.
كما لم يعد استخدام القوة من قبل الحكومة او المليشيات المسلحة مجديا، حتى لو استخدمت الدبابات والصواريخ والاسلحة الثقيلة، فالثوار باتوا مستعدين للاستشهاد بالمفرد والجملة من اجل تحقيق اهداف الثورة المشروعة كاملة غير منقوصة. وقد اثبت هؤلاء الثوار هذه الحقيقة حين واجه المئات منهم الموت بصدور عارية. اما ملالي طهران وتهديدات جنرالهم قاسم سليماني بانهاء الثورة بالقوة، فقد رد عليهم الثوار جربوا حظكم وتجدونا بصدورنا العارية سدا منعيا في وجوهكم، لا يمكنكم النيل من عزيمتنا وارادتنا لاستراجاع حقوقنا كاملة غير منقوصة.
بالمقابل لم يعد بامكان اية جهة، مهما بلغت من قوة، ركوب الثورة، لا من داخل العملية السياسية ولا من خارجها. وخير مثال على ذلك فشل مقتدى الصدر في تكرار لعبته المكشوفة بتنصيب نفسه زعيما للثورة وحرمانها من فرصة اسقاط النظام، كما فعل بعد دخول الثوار الى المنطقة الخضراء وهروب الحكومة واعضاء البرلمان بطريقة مخزية ومهينة. مثلما لا تستطيع اية جهة من خارج العملية السياسية، حتى وان كانت في قمة الوطنية فعل الشيء نفسه. فالثورة العملاقة قد اعلنت ان العراق شعارها، وان عقيدتها، "نازل اخذ حقي" ووقودها كل ابناء الشعب العراقي، بمختلف فئاته ومذاهبه واديانه وقومياته وعقائده. فالثورة العظمى لا تمثل حزبا ولا جماعة ولا فئة ولا مذهبا ولا غيره، وانما تمثل عموم الشعب العراقي.
هذه المواقف الناضجة والرؤية الثاقبة المقرونه بالصمود الاسطوري بوجه القوة العسكرية الغاشمة، او بوجه وسائل الخداع والتضليل، او حزم الاصلاحات، سواء كانت ترقيعية او توحي بالجدية، لم يات من فراغ، وانما جاء جراء مراجعة نقدية لمسيرة الانتفاضات التي سبقت الثورة، واستخلاص دروس النجاح والفشل من جهة، والمعاناة والسجون والمعتقلات والدماء الزكية من جهة اخرى. خاصة وان الوقائع اثبتت، بان منح مزيد من الفرص او الوقوف في خانة الانتظار او المراهنة على هؤلاء الاشرار لم يجلب سوى مزيد من الفساد واللصوص ومزيد من الجوع والمرض وانتشار المخدرات والعصابات والمافيات. بل ان هذا الصمود الاسطوري تحول
الى قناعات راسخة حول الطبيعة البنوية الرثة لهذه السلطات الحاكمة والاسس التي تستند اليها من محاصصة طائفية وعرقية ومليشيات مسلحة وغياب القانون وفساد مالي واداري شمل جميع مؤسسات الدولة ومرافقها، هذه الطبيعة البنوية تتعاكس مع اي مشروع اصلاحي مهما كان متواضعا. ناهيك ان هذا الفساد المستشري لم يقتصرعلى افراد او حزب او وزارة او مديرية عامة، ولا يخص اعضاء لجنة او مفوضية، او قاضيا او عضوا في محكمة او موظفا، كما هو الحال في الدول الاخرى التي تعاني من هذه الافة، وانما شمل كل مؤسسات الدولة، من اعلى سلطة فيها، مثل الحكومة ومجلس النواب والقضاء، الى اصغر سلطة حكومية او مثل كالمديريات العامة.
ولكن هذا ليس كل شي، فما يحدث من خراب ليس من صنع هؤلاء الاشرار فحسب، وانما هو تنفيذ لما تمليه ارادة المحتل الامريكي الايراني، واصرارهما على تدمير العراق دولة ومجتمعا تدميرا كاملا، وبمباركة من المرجعيات الدينية وبتسويق من قبل منظمات المجتمع المدني الممولة من امريكا والكيان الصهيوني، ليتحول فيما بعد الى وحش عملاق وغول اخطبوطي تمتد اذرعه في مناحي الحياة كافة، لتشكل في نهاية المطاف سلوكا يوميا مستساغا، على امل افساد الشعب بحيث يصبح خنوعا مستسلما وراضيا بما يتعرض له من مصائب وويلات.
اما الطامة الكبرى، فان هذا الفساد المستشري لم يكن وليد الصدف السيئة، وليس بسبب عدم كفاءة او نقص في الذمة او خلل في الضمير، كي يامل الناس في استبدالهم او اقصائهم او محاكمتهم، كما لم يكن سببه الجشع والطمع كي تجري المراهنة على اكتفاء هؤلاء بما جنوه من اموال طائلة، وانما كان نتيجة لمخطط مدروس بعناية فائقة من قبل المحتل، كحلقة هامة من مخطط تدمير العراق دولة ومجتمعا، وان هؤلاء الاشرار قد جرى انتقاؤهم بدقة ايضا لتنفيذ هذا المخطط الغادر، ومنع اية محاولة شعبية لاسقاطه. وهذا ما يفسر لجوء هؤلاء الى اتباع كل الوسائل لاشغال العراقيين من خلال افتعال حروب طائفية واهلية، او تقسيم فئات المجتمع بين مسلم ومسيحي وصابئي، او شيعي وسني، او تقسيم المجتمع الى مكونات، مثل كرد وشيعة وسنة، على العكس تماما حين كان الناس يتبهاون بالوحدة الوطنية والاعتزاز بالهوية العراقية والانتماء للوطن، والاخوة والعيش المشترك الخ.
وبالتالي، فان ما يبشر به عادل عبد المهدي وبرهم صالح ومحمد الحلبوسي والمرجعيات الدينية حول امكانية الاصلاح، هو مجرد كذبة كبيرة واستخفاف بعقول الناس، فالفاسد لا يحاسب نفسه او يطبق القوانين والاحكام التي تدينه. ثم ان سياسة من هذا القبيل لا ترتبط بقرارات ورغبات، او اختزالها بشعارات رنانة، بقدر ما ترتبط بشكل كبير بسلوكيات الحاكمين والمؤسسات والجهات الرسمية وغير الرسمية بل ان رفع راية الاصلاح، اصبحت بمثابة التعويذة التي يتمتم بها الحاكم بصوت عال، كلما تصاعدت حدة الاستياء الشعبي واحتمال تحوله، في اية لحظة، الى ثورة شعبية تنذر بسقوطه ومواجهة مصيره الاسود. ولنا في عدم محاسبة سراق المال العام ، او، فاسد من رموز الحكومة، او اجراء اي اصلاح متواضع يخدم المواطن خير دليل على ذلك،
بل على العكس تماما، حيث يجري تكريم الحرامي احيانا، او ينقل من منصبة الى منصب اخر، ربما يكون اكثر اهمية من حيث تحقيق المكاسب غير المشروعة.
وفق هذا السياق جاءت مطالب الثوار العشرين التي تعتبر سدى الثورة ولحمتها وهي : إسقاط الحكومة وتقديم عادل عبد المهدي للمحاكمة بتهمة قتل المتظاهرين وحل البرلمان وكتابة دستوربعيدا عن اطراف العملية السياسية وابعاد المؤسسة الدينية عن التدخل في السياسة واستعادة اموال العراق المنهوبة ومحاكمة اللصوص والمسؤولين وتشكيل مجلس قضاء جديد مستقل والغاء المحاصصة في الدولة وحل المليشيات المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة واجراء انتخابات باشراف اممي يمنع الترشح فيها من قبل جميع اطراف العملية السياسية اضافة الى تأسيس جيش عراقي جديد بعقيدة جوهرها الدفاع عن الوطن وحماية المواطن وحل الأجهزة الأمنية التي مارست القمع والقتل ضد المواطنين وتشكيل اجهزة أمن جديدة عقيدتها الجوهرية حماية المواطن وليس الدفاع عن السلطة وجعل الحكم رئاسيا، وقانون جديد للانتخابات وتشكيل محكمة لمحاكمة الفاسدين والغاء كافة الامتيازات للرئاسات الثلاث والغاء رواتب وامتيازات نزلاء رفحاء وامتيازاتهم وتعليق عمل مؤسستي الشهداء والسجناء السياسيين وحل هيئة النزاهة والغاء الدرجات الخاصة.
نعم هناك محاولات غادرة تخطط لها سلطة المنطقة الخضراء وبالتنسيق مع الايراني قاسم سليماني وبالتعاون مع المليشيات المسلحة، لكن جميع هذه المحاولات ستفشل في نهاية المطاف، فالشعوب حين تتحد وتثور على الظلم والطغيان ما من قوة في الارض تصمد في مواجهتها. هذا ما اخبرنا به التاريخ وهذا ما يسطره اليوم شعب العراق من ملاحم نادرة.
اليوم يعبر شعب العراق عن اصالته وقوته ووحدته الوطنية واستعداده للتضحية من اجل الوطن ولا توجد علامة في الافق تؤشر على تراجع هذه الثورة عن مطالبها كاملة غير منقوصة او كما عبر احد الثوار بلغة بسيطة ومختصرة وهو يخاطب الحكومة اما انتم او نحن. بل ان العراقيين يحق لهم اليوم ان يفتخروا بثورتهم، ويعتبروها كعبة الثورات في تاريخ البشرية، فلا احد يستطيع ان يقفز على حقيقة انها ثورة شباب بصدور عارية وقبضات فارغة الا من العلم الوطني في مواجهة احتلالين امريكي وايراني، ونظام اقليمي ودولي مدجج بالاسلحة والمال الحرام.
عوني القلمجي
2/11/2019
1011 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع