عوني القلمجي
الثورة العراقية : الاعظم في تاريخ شعوب العالم
لن اتردد لحظة واحدة في الاعلان عن ان الانتفاضة العراقية، التي تحولت الى ثورة، شملت عموم الشعب العراقي ومدنه ونواحيه، قد ضاهت جميع الثورات العظيمة التي لا تزال شعوب العالم تتغنى بها وتتحدث عنها باستمرار، الثورة الفرنسية والثورة البلشفية في روسيا نموذجا. سواء من حيث قوتها وزخمها واتساع حجمها وشجاعة ابنائها، واصرارها على تحقيق اهدافها، او من حيث قدرتها على الصمود والتحدي امام حكومة تمتلك قوة عسكرية هائلة ومليشيات مسلحة لم تكن تمتلكها الحكومة الفرنسية او حكومة روسيا القيصرية مجتمعتين. ولا يغير من هذه الحقيقة عدم تحقيق هذه الثورة انتصارها النهائي لحد كتابة هذه السطور، فالتاريخ سجل باحرف من نور الثورة العمالية التي قامت في الثامن عشر من مارس عام 1871 في باريس رغم هزيمتها بعد ان رفعت راية الثورة العمالية على قاعة بلدية باريس لتعلن ميلاد "كومونة باريس" أول دولة عمالية في التاريخ. وأصيب العالم الرأسمالي حينها بالخوف والفزع. ودعك من الحاقدين والمأجورين، وكذلك انصاف السياسيين والمثقفين، الذين سلب الخنوع والمذلة والامراض الطائفية والعنصرية عقولهم، وراحوا يشككون بهذه الانتفاضة العملاقة ويبشرون بهزيمتها، او يقللوا من شانها، تحت ذرائع مختلفة وبائسة وتافهة احيانا، هؤلاء لا يستحقون من ابناء الثورة العراقية سوى السخرية والازدراء.
ليست هناك، في هذا الخصوص، اية مبالغة او تهويل. ففي فرنسا لم يكن الملك لويس السادس عشر، الذي قامت في عهده الثورة الفرنسية، يمتلك من ادوات القمع والقهر ضد الثوار مثل ما امتلكته حكومة المنطقة الخضراء، لا من حيث العدة، من جيش وشرطة ومخبرين واجهزة أمن واستخبارات ومباحث ، ولا من حيث الاسلحة المتنوعة، مثل الدبابات وناقلات الاشخاص المدرعة، ولا من حيث انواع العتاد المتعدد الاغراض، ولا حتى ابسطها، مثل الغازات السامة او المسيلة للدموع، ولا مليشيات مسلحة من الراس حتى اخمص القدمين. كما لم يتوفر للملك الفرنسي ونظامه اجهزة اعلامية عملاقة قادرة على قلب الحقائق راسا على عقب، وتجعل من الثوار عبارة عن مشاغبين او ارهابيين، او في احسن الاحوال مخدوعين. اضافة الى ذلك فقد كان ملوك اوربا يتربص احدهم بالاخر، الامر الذي ادى لان يواجه الملك مصيره لوحده، في حين تظافرت جهود كل قوى الشر لمواجهة اية انتفاضة او ثورة عراقية ضد حكومة المنطقة الخضراء، ابتداء من الدول الاقليمية وفي المقدمة منها ايران، ومرورا بدول اوربية، وانتهاء بامريكا وحليفها الكيان الصهيوني.
لكن هذا ليس كل شيء، فالشعب العراقي المنتفض، قد تعرض الى مؤامرة كبرى واحتلال مركب امريكي ايراني على مدى اكثر من ستة عشر عاما . تضمنت مخططات جهنمية اشرفت على تنفيذها عقول متخصصة، ورعتها آلة اعلامية عملاقة لتدمير العراق دولة ومجتمعا، من خلال طرق متعددة للتدمير، وكان من ابرز اهدافها تمزيق وحدة العراق الوطنية والقضاء على تراثه والمساس بكرامته واجباره بطرق مختلفة على التخلي عن عاداته وتقاليدة وخنق روح القيم والكرامة والشهامة داخله، ثم تجويعه واذلاله وصولا الى تحويل الشعب العراقي لقطيع من الغنم، على حد تعبير اكثر من قائد امريكي وايراني وصهيوني، في حين عاش الشعب الفرنسي عشية الثورة وما قبلها في ظل نهضة ثقافية وفكرية عمت كل اوربا، تدعو للثورة والتغيير، ناهيك عن وجود قادة ومفكرين ثوريين كبارامثال جان جاك روسو وديدرو ومنتسيكيو وفولتير وميرابوا وروبسير ولافييه ودانتون وديمولين، ناهيك عن الظروف المؤاتية التي سبقت الثورة، حيث لحقت بفرنسا على يد تحالف بريطانيا وبروسيا هزيمة نكراء اقصتها من مكان الصدارة في اوربا وافقدتها مكانتها العسكرية والسياسية والاقتصادية.
اما الثورة البلشفية، وكما قلنا في السابق، فان ظروف انتصارها كان اسهل من سابقتها، فالقيصر ونظامه لم يكن حاله افضل من حال سابقه الملك الفرنسي، فالنظام القيصري كان قبل اندلاع الثورة البلشفية قد خرج، هو الاخر، مهزوما من الحرب مع اليابان في عام 1905، ثم خروجه للتو من الحرب العالمية الاولى مهزوما ايضا، بل ومحطما قبل ان تضع تلك الحرب اوزارها، الامر الذي ادى الى تدهور أوضاع النظام القيصري الداخلية، واشتداد ازمته في مختلف نواحي الحياة، واتساع حالة الجوع في صفوف الفلاحين الذي شكلوا حينها 85% من سكان روسيا القيصرية جراء سيطرة فئة قليلة من كبار الملاك الامر الذي زاد من بؤسهم الى درجة مخيفة، في حين كان عمال المصانع يشتغلون لمدة ثلاث عشرة ساعة في اليوم الواحد، ووصل الامر حدا فقدان السلطة المركزية كل مقومات استمرارية وجودها، بل ان السلطة ذاتها، رغم ضعفها، قد وقعت بالكامل بيد زوجة القيصر وعشيقها الراهب راسبوتين. في حين كانت السلطة التي بيدها سلطة العراق ذات حول وقوة لما تمتلكه من جيش محترف وشرطة واجهزة امنية اضافة الى اكثر من ستين مليشية مسلحة
لم تقتصر عظمة الثورة العراقية عند هذا الحد، فهي قد تمكنت من الوقوف بوجه جميع المحاولات الغادرة للنيل منها او الالتفاف عليها. ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، تشجيع الناس على التخلي عن الانتفاضة وعدم المشاركة فيها من خلال الترهيب والترغيب من جهة، والايحاء لهم بفشلها الحتمي بسبب عفويتها وغياب الاحزاب والقوى السياسية الوطنية عن قيادتها من جهة اخرى، وقد رد الثوار على هذه الحجة بالتنظيم المحكم وتشكيل اللجان والقيادات وانتهاج خط سياسي واضح، ادى لاحقا الى اشتراك اغلبية المنتمين للقوى والاحزاب السياسية من يسارها الى يمنيها وفق رؤية الثورة وليس وفق رؤية تلك الاحزاب والقوى. الامر الذي ادى الى اتساع نطاقها كما ونوعا.
ومنها ايضا محاولة وصفها بثورة الشباب الجائع في العراق لعزلها عن فئات الشعب الاخرى، على الرغم من ان الشباب اشعلوا شرارتها الاولى ليمتد لهيبها الى كل فئات الشعب العراقي، حيث يشارك فيها الطلاب والعمال والفلاحون والقضاة والاعلاميون والفنانون، الكبار والصغار النساء والرجال وحتى الاطفال. لتتحول من ثورة محدودة الاهداف الى ثورة وطنية عراقية كبرى لم يشهد لها تاريخ العراق مثيلا، لا في الزمن القديم ولا في الزمن الحديث. وخير دليل على ذلك رد ابناء الثورة بابراز المطالب السياسية والتركيز الشديد عليها، واهمها المطالبة باسقاط النظام وعمليته السياسية الطائفية وتمزيق دستورها المفبرك وقطع يد السارقيين والمفسدين. اما اهم مناقبها فتلك الشجاعة النادرة جدا التي قابل بها ابناء الثورة القوة النارية للحكومة والمليشيات والحرس الثوري الايراني والقناصين بصدور عارية وايد لم تكن تمسك الا بالعلم العراقي.
على هذا الاساس لا نجازف اذا قلنا بان الثورة ستنجح في استكمال مسيرتها وتحقيق اهدافها السياسية كاملة غير منقوصة عاجلا ام اجلا ، وبالتالي لن يقبل الثوار اية اغراءات او اصلاحات ترقيعية بائسة، ولن يقبلوا ايضا المماطلة والتسويف، لا من رئيس الحكومة ولا من رئيس البرلمان او رئيس الجمهورية ولا من قبل المرجعية الدينية وعلى راسها علي السيستاني، بمعنى اخر، لن يتنازل الثوار عن مطلب اسقاط الحكومة وصياغة دستور جديد ومحاكمة السارقيين والمفسدين. وحل المليشيات المسلحة الخ. ومما يبعث على الامل التفاؤل، ان اللجان التنسيقية اصبحت مؤهلة لاداء هذه المهمة النبيلة، كونها ولدت من رحم شعب عريق بمخزون حضاري وسياسي وفكري وثقافي كبير، وكم هائل من العقول والقيادات في مختلف المجالات.
ليس امامنا كعراقيين من خيار سوى الالتحام بهذه الثورة العملاقة، ومناشدة كل الشعب العربي لتقديم الدعم والاسناد لهذه الثورة والذود عنها ودحض الاشاعات المغرضة ضدها وانصاف شهدائها، وليس الوقوف على التل بانتظار نتائجها، كما فعل اليهود مع موسى حين قالوا له "فاذهب أنت و ربك فقاتلا إنا نحن هنا قاعدون". خصوصا وان بركات هذه الثورة ستعم على الامة العربية من محيطها الى خليجها، كونها تعد مفصلا في تاريخ هذه الامة وتصلح لتاسيس دول وطنية ديمقراطية، اذا لم يكن غدا فعلى المدى المنظور بكل تاكيد، ومنع اي حاكم عربي عميل او دكتاوري من العودة الى السلطة، لهذا السبب او ذاك،
ترى هل نحن على موعد مع الانتصار النهائي لهذه الثور العظيمة؟
نعم بكل تاكيد طال الزمن ام قصر، فدماء الشهداء الذين تجاوزت اعدادهم المئات وجرحاهم الالوف لن تذهب هدرا.
عوني القلمجي
26/10/2019
480 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع