عبدالكريم الحسيني
ابو مسلم الخرساني .. صاحب بني العباس
هو عبد الرحمن بن سيروين بن اسفنديار ابو مسلم المروزي وكني بأمير آل بيت الرسول (ص) وكني بصاحب بني العباس واختلف في اسمه ومولده وهذا حال اكثر اللذين ظهروا على الساحات السياسيه وقادوا الجيوش والبلدان ..
لقد اختلف في اسمه الكثير وفي اصله ومولده وعلى الاكثر ان اسمه الذي اشتهر به هو ليس اسمه الحقيقي ولكنه سمي به بعد ان اشتراه ابراهيم الامام.
سمى نفسه ابو مسلم وهو في عمر 17 عاما عندما اعطاه ابراهيم بن محمد الامام نفقه ودابة ( حمار ) وارسله الى خراسان حتى ظل فيها يدعو لآل العباس حتى اصبحت خراسان كلها له ,وان اكثر الروايات ترجيحا هي انه كان سبيا واشتراه بني العباس ب (400 درهم) دفعها ابراهيم الامام وزوجه من بنات احد الدعاة وارسله الى خراسان وكان قد جاء الى الكوفه وهو بعمر سبع سنين وطلب منه ابراهيم الامام تغيير اسمه وارسله الى خراسان بعد 10 سنين ويكنى بابي اسحاق ولم يعقب له ولد وانما بنتان فقط هما (اسماء ,فاطمه ) .
ويروي المؤرخون انه بعد ان اصبح الامر له في خراسان وكان جالسا على منبره يخطب بالناس قام رجل وسأله لماذا انت متشح بهذا السواد الذي عليك ؟ فرد عليه قائلا لقد بلغني ان رسول الله (ص) عندما دخل مكه كانت على رأسه عمامه سوداء وهذه ثياب الهيئه والدوله .. ياغلام اضرب عنقه ......
وكان يوصف بالسواد في ملبسه من العمامه حتى اخمص قدميه ويقلد سيف يقال انه سيف العباس بن عبد المطلب اعطاه اياه ذريته وسموه بامير آل بيت رسول الله (ص) ويوصف ايضا بانه اكثر من الحجاج ميالا للقتل وتنفيذه وكان لايتوانى عن قطع الرؤوس لاتفه الاسباب .
في جميع الدعوات او لنقل اكثرها الا ماندر ان الدعاة يوعدون الناس بوعود وامور واصلاحات سوف يقومون بها عند توليهم الحكم ولكن نادرا ما يفون بوعودهم وكان لابا مسلم صديق ودود ايام الدعوه السريه للهاشمين ضد بني اميه ويدعى هذا الشخص (ابراهيم بن ميمون الصائغ ) وطالما تحدث ابو مسلم عن اقامة الحدود ونشر العدل والامر بالمعروف ولما تمكن منها لم يفعل فجاءه صديقه ابراهيم وقال له ياابا اسحق لقد وعدت ان تقيم الحدود وتفعل كذا وكذا ولكنك لم تفعل فأجلسه ثم امر السياف ان يقطع عنقه ؟
لايمكن لأي مؤرخ ان ينكر فضل ابو مسلم على الدوله العباسيه في نضالها قبل سقوط الدوله الامويه ومساندته لهم والوقوف معهم وكان له السبق والفضل في ارساء اركان الدوله ويحاول بعض الكتاب الايحاء الى انه مناصرا للعلويين ولكن الحقيقه انه انقلب عليهم ووقف مع بني العباس وساهم في ذبحهم ,, ولكن كان بينه وبين ابو جعفر المنصور جفاء ويقال ان السبب هو شحة يد ابو جعفر وسخاء ابو مسلم ويذكر في ذلك ان ابو العباس السفاح قد اوكل امارة الحج وقافلتها الى ابو جعفر وكان معه ابو مسلم وخلال سفرهم كان ابو مسلم ينفق المال بسخاء بالغ وبكميات كبيره في حين لم يكن ابو جعفر يملك من
المال ما يقدمه للناس وقد أثر ذلك في نفسه اضافة الى تعالي ابو مسلم وغروره وغطرسته وهذه صفات اهل الري وخرسان وقد تعلمها منهم ..
حتى اذا وصلوا الى ضواحي الكوفه عند عودتهم من العمره ابلغوهم بان السفاح قد مات وان ابو جعفر قد اصبح الخليفه فقدم ابو مسلم الولاء والطاعه لابو جعفر على مضض وسنأتي على اسباب اخرى زادت من حدة الجفاء بينهما منها هروب (عبد الله بن علي ) عم ابو جعفر المنصور الى خراسان بعد مطالبته بالخلافه على اساس انه احق من ابو جعفر وامر الخليفه ان اقبضوا عليه فقبض عليه امير خرسان ( ابو مسلم الخرساني ) ونفذ فيه حكم الاعدام دون ان يستأذن فيه الخليفه لكون المظنون عمه .
ومن الامور الاخرى ان ابومسلم بدأ بوادر بالاستقلال عن الدوله وغرته كثرة من معه وقوته وماله وامارته وكان من الصعب على الخليفه عزله لانه بذلك يعطيه المبرر للاستقلال ومحاربة الدوله ولذلك لجأ الى المراسلات وهنا نموذج منها التي ارسلها الخليفه الى ابو مسلم :
( ايها الطائش اعي وايها السكران افق وايها النائم انتبه , فأنك مغرور باضغاث احلام كاذبه في برزخ الدنيا قد غرت من كان قبلك ,فلا تغتر بمن معك من شيعتي واهل دعوتي فكأنهم صالوا عليك كما صالوا معك , ان انت خلعت الطاعه وفارقت الجماعه وبدا لك من الله مالا تحتسب ,, مهلا مهلا احذر البغي ابا مسلم )
ورد عليه ابو مسلم :
( بعد ان قرأت كتابك فرايت فيه انك للصواب مجانبا وعن الحق حائدا وتضرب الامثال على غير اشكالها وما يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون )
فكانت اجابة المنصور قاسيه وواضحة المعنى والاهداف والتي قال فيها :
( اما بعد ايها المجرم العاصي لكن لم يسنح لك امران الا كنت لارشدهما تاركا ولاغوائهما راكبا تقتل قتل الفراعنه وتبطش بطش الجبابره وتحكم بالجور حكم المفسدين وتبذر المال وتضعه في غير موضعه الى اخر الرساله ) .
لم يزل المنصور يحايله تاره ويقسو ويهدد تاره لغرض انهاء هذه المعضله ولكنه لم يكن يهتم لرسائل ابو مسلم ولا وفوده ولا وساطاته الامر الذي جعل ابو مسلم يفكر بمواجهة الخليفه وجها لوجه حتى اقترح عليه رفاقه ان يتوجه الى الخليفه عدا واحد من الامراء هو( نيزك ) الذي رفض الفكره حيث اشار على ابو مسلم ان يقتل المنصور ويبايع من يشاءولكنه رفض ..
مقتل ابو مسلم
وصل ابو مسلم الى منطقة المدائن واستقبله الامراء والقاده وعلى رأسهم الوزير عيس بن موسى وابدوا الحفاوه والاكرام ولما دخل على الخليفه استقبله بحراره واجلسه بالقرب منه واهتم به كثيرا ولكنه لم يقتله في يومه الاول وظل ابو مسلم محل تقدير واحترام حتى تركه الخليفه الى اليوم التالي ليذهب عنه تعب السفر وغباره ويكثر اطمئنانه..
اوكل الخليفه كل من الامراء عثمان بن نهيك وشبيب بن واج لتنفيذ القتل بعد سماع الاشاره وهي تصفيق باليد مع كلمة (الماء ياغلام ) وجاء اليوم التالي وحضر ابو مسلم فاجلسوه وقالوا له ان الخليفه يتوضأ فاستوحش ذلك ولكنه انس بالتاخير بانتظار الوزير عيس بن موسى الذي آمنه واقسم له بان كل شيء على مايرام ولكن الوزير تأخر وسمح الخليفه لابو مسلم بالدخول وجلس بالقرب من الخليفه ودار بينهم الحديث التالي :
قال الخليفه : لي طلب عندك ياابو مسلم فان سيف جدي العباس عم رسول الله (ص) معك وان الاوان قد حان ان يكون معي .
قال ابو مسلم : هو لك يامير المؤمنين وخلع السيف وسلمه الى الخليفه الذي وضعه تحت فراشه الذي يجلس عليه وقال : ياابو مسلم في نفسي عتاب معك في عمي عبد الله لقد قتلته دون اذن مني ؟
قال ابو مسلم : مولاي انه كان يعمل ضد الخلافه ويجمع الاعداء وما فعلت ذلك الا خدمة للخلافه ,
قال الخليفه : ولكنه عمي وليس اي خارج على القانون ؟ فسكت ابو مسلم ,
قال الخليفه : لم ترفض اوامري وتستهزء بها ولاتنفذها ؟
قال ابو مسلم : مولاي انا لم اعصي لك امرا .
قال الخليفه : لقد أمرت موسى بن كعب على خراسان وامرته ان يقيم في نيسابور ولم تستشرني في ذلك .
قال ابو مسلم : مولاي هو اهل لها .
قال الخليفه : لم قتلت ابراهيم بن ميمون وسليمان بن كثير وفلان وفلان وفلان ؟
قال ابومسلم : لقد عصوني يامير المؤمنين .
قال الخليفه : انت تقتل من عصاك وانا لااقتل من عصاني ؟ الم تعصني ياهذا ؟؟ ولااقتلك ؟ وصفق بيديه صائحا ( الماء ياغلام ) ,, فدخل الامراء وبيدهم السيوف فصاح ابو مسلم مولاي انا خادمك المطيع فلم ينفع الكلام وتم ما اراد الخليفه وهنا يروي المؤرخين قصه مابعد قتل ابو مسلم حيث كان قد ترك جيشه في المدائن واخبر قائده انه اذا جائتك مني رساله فيها ختمي كاملا فانها تعني اني قتلت فأهجم على بغداد وافعل ما اتفقنا عليه واذا جائتك رسالتي بنصف الختم فاعلم اني بخير .
ارسل الخليفه قائده ( بن نهيك ) الى جيش ابو مسلم بالمدائن ومعه رأس ابو مسلم في زير ومعه اربعون زيرا مملؤوه بالذهب ولما قدم القائد سلم امير الجيش الخرساني رساله من ابو مسلم ولما رأى انها بختم كامل علم ان سيده قد قتل وبدا متهيبا وظهر الشك عليه ولكن شجاعة قائد الخليفه وبراعته وذكائه فقد قام واخرج الراس على رمح ونادى ايها الجيش هذا رأس ابو مسلم وفي نفس الوقت رمى جنود الخليفه الذهب في ارجاء الارض ودعوهم الى اخذ مايتمكنون منه ويغادرون الى اهليهم وبذلك انفرط عقد الجيش الخرساني واستقر الحال للمنصور .
وبهذا انتهى رجل لعب دورا كبيرا وخطيرا ومهما في حقبه تاريخيه مهمه وحرجه بالنسبه للدوله العباسيه الى قائد هدد الخلافه العباسيه برمتها وسيطرةعلى نصف اجزائها ..
مع تحيات عبد الكريم الحسيني
2644 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع