قاسم السلطان و دوره في اسقاط نظام صدام حسين

                                                   

                         بقلم المحامي المستشار
                        محي الدين محمد يونس

قاسم السلطان ودوره في إسقاط نظام صدام حسين

تمجيد الحكام والزعماء والتغني بهم حالة قديمة وليست مستحدثة ولكنها تنتهي بعد رحيل الحاكم وتموت نهائيا بفعل الزمان. ويذكر لنا المؤرخين بأن الخلفاء العباسيين أولوا اهتماما بالمغنيين واشتهر الكثير منهم في ذلك العصر.

فهذا المغني (ابراهيم الموصلي) الذي غنى للخليفة العباسي المهدي والخليفة هارون الرشيد وعندما توفي صلى عليه المأمون ابن هارون الرشيد. لقد كان الغناء للحكام ولا يزال إحدى أهم وسائل استرضائه من قبل الفنانيين والشعراء عامة والمغنيين بصورة خاصة.
ومع أن استغلال العلاقة التي تربط الزعيم بالفنان والمكاسب التي يربحها الزعيم لكنها لا تعود بالمنفعة نفسها على المغني وقد تنقلب وبالاً عليه لأسباب كثيرة , منها الغضب والعقاب الذي يتلقاه بعد زوال هذا الزعيم من سدة الحكم, كما حصل مع المطرب (داود القيسي) الذي اغتيل بعد سقوط النظام العراقي السابق في عام 2003.
أما في العصر الحاضر فإن معظم المغنيين العرب قد تغنوا بالملوك والزعماء العرب وقد تكون الفنانة (فيروز) هي الوحيدة التي لم تغني للرؤساء والملوك العرب إذ تفضل الغناء للشعب والأرض.

                 

                     الفنانة العراقية مائدة نزهت

فهذه كوكب الشرق (ام كلثوم) غنت للملك فاروق, أما الموسيقار (محمد عبد الوهاب) فقد لقب بمطرب الملوك والأمراء لتغنيه بهم ولهم, أما في العراق فإن الكثير من الفنانيين قد تغنوا بالحكام وهذه (مائدة نزهت) وهي من أجمل الأصوات النسائية العراقية, وبعد نجاة (عبد الكريم قاسم) من محاولة اغتياله في شارع الرشيد عام 1959 غنت له :
عبد الكريم كل الگلوب تهواك عبد الكريم رب الحمى يحماك

                  

                     الزعيم عبد الكريم قاسم

وبعد عقدين وأكثر من الزمان غنت لواحد من أفراد فرقة الاغتيال تلك:-
حياك يا أبو حلا يا زينة الأحرار
لطالما اعتبر الكثير من المغنيين أن اسرع وسيلة للوصول إلى قلب الحاكم هو الغناء له والتشدق بانجازاته التي قدمها للشعب, بالمقابل كلما ازدادت دكتاتورية الأنظمة الحاكمة كلما ازدادت الإجراءات التي تتخذ في إطار التضييق على حريات المواطنين لتشمل الأغاني والمغنيين. ويصل الأمر في كثير من الأحيان إلى اتخاذ خطوات يراها كثيرين مضحكة وغير معقولة.

               

                الرئيس العراقي السابق صدام حسين

يروي الكاتب العراقي (محمد غازي الأخرس) بأن اغنية ((يا صبحة هاتي الصينية)) للفنان (موفق بهجت) منعها الرئيس الأسبق (صدام حسين) لأن والدته كان اسمها صبحة, كما أن الملحن المصري (حلمي بكر) يروي في كتاباته أن الرئيس (السادات) منع تداول أغنية خاصة بسلفه الرئيس الراحل (جمال عبد الناصر) : ((قولنا هنبنى وادى احنا بنينا السد العالى)) لـ عبد الحليم حافظ, وأغنية ((أنا شفت جمال)) للمطربة اللبنانية الراحلة صباح.

          

             الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر

وكان حزب البعث العراقي يبث أغنية ((بياع كلام )) عقب أي خطاب لجمال عبد الناصر رغم أنها أغنية عاطفية.
ويروي الكاتب التونسي (الأمين البوعزيزي) أن الرئيس المخلوع (زين العابدين بن علي) منع بث أغنية ((هزين هذا الواش)) التي غنتها الفنانة عليا التونسية وهي أغنية من الفلكلور التونسي واعتبرها تحض على الثورة والاحتجاج السياسي بمعنى ((ما جدوى هذا الزين؟)) أي ابن علي.
ويروي الباحث السوري عمار رشيد منع أغنية (( تك تك يا أم سليمان)) التي غنتها فيروز في فيلم ( بنت الحارس) والتي دأبت الإذاعة العراقية على بثها أثناء الخلاف بين صدام حسين وحافظ الأسد , علماً أن حافظ الأسد كان يكنى بـ (أبو سليمان) حتى بداية إعداده لنجله باسل لتولي الحكم عقب محاولة الانقلاب الفاشلة لعمه رفعت الأسد.

             

                الرئيس السوري السابق حافظ الأسد

ولما كانت الإذاعة العراقية تبثها نكاية به وسخرية منه, ثم تم منعها في سوريا بقرار غير معلن, وفي العراق كانت أغنية قاسم السلطان (( فوت بيها وعلى الزلم خليها)) مدار وموضع تندر ضحك من الشعب العراقي بعد سقوط النظام السابق حيث أن صدام حسين صدق بكلام السلطان وشاعر الأغنية ((وفات بيها)) إلا أنه لم يخرج وصار هو ومن معه من الزلم في خبر كان,وهنا لا ندري أكان السلطان يقصد بدعوته هذه للرئيس العراقي الذهاب إلى الحرب أم إلى مكان أخر!!!؟؟.

   

صورة من الفيديو الخاص بأغنية قاسم السلطان ((فوت بيها على الزلم خليها))

فوت بيها و ع الزلم خليها .. و الله لارقاب العدا نساويها
الگاع حرة و تنتخي براعيها.. و لو نشوف الموت ما ننطيها
فوت بيها و عالزلم خليها .. هذا ابو الحسنين حاضر بيها
فوت بيها و شوف صولات الزلم .. بين ايديها اسيوف ابد ما تنثلم
لو تأشر عالنجم يجي النجم .. امريكا منّ الخارطه نمحيها

اهل حق ويانا رب العالمين .. بين ايدينا سيوف صلبه و ما تلين
بجاه ابو الحسنين و بجاه الحسين ... عالنجم راياتنا نعلــّــيها
فوت بيها وياك عــدّاي و قصي .. بالظلام اولادك يصيرون ضي
العراق بغيرته ما اِله خي .. الشمس بسيوفنا نغطيها

فوت بيها وياك و لآخر نفس .. نقلب الدنيا لحد ما تگول بس
الشـَعـَـب و الجيش و رجال الحرس .. العدا في المعركه نلغيها
فوت بيها وشيل بيديك العلم .. و اترك بصدر العدو منك ألم
الفدائيين الك قسموا قسم .. لو نشوف الموت ما ننطيها

الوضع الحالي للمنطقة يذكرنا بالماضي القريب لنقول (ما أشبه اليوم بالبارحة) فها هو النظام في ايران يكرر نفس السيناريو الذي اتبعه النظام العراقي في عام 2003 وكانت نتيجته اجتياح قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعراق واحتلاله, ايران ومن خلال تحديها لقوة أكبر دولة في العالم تمارس نفس السلوك الذي مارسه العراق قبل الحرب وأثنائه في المجال السياسي والإعلامي والمتمثل بالعشوائية والتخبط.
التصريحات النارية للمسؤولين السياسيين والعسكريين الإيرانيين كثيرة ومنها أن البوارج والسفن الحربية الأمريكية تحت مرمى الصواريخ الإيرانية في الخليج أو إذا بدأت أمريكا الحرب فإننا سوف ننهيها متجاهلين ما تمتلكه هذه الدولة من إمكانيات عسكرية هائلة وتأثيرسياسي كبير على الساحة الدولية وبرامج مدروسة استباقية لإنهاك وشل الوضع الاقتصادي بشكل غير مسبوق يهدف إلى تهيئة الرأي العام الداخلي وإشعاره بضرورة التخلص من النظام بعد أن اصبح العيش في ظله أمراً لا يطاق وتقبله لما تخطط له الولايات المتحدة من خطط وبرامج بعد أن تقوم بحشد الجهد العسكري والسياسي لها مع الدول الحليفة, بعد أن تقوم هي باختيار ساعة الصفر.

         

             الرئيس المصري السابق حسني مبارك

لقد كان الأولى بالرئيس العراقي (صدام حسين) سابقاً والسلطة في إيران حاليا العمل بنصيحة وتحذيرات الرئيس المصري السابق (حسني مبارك) عندما قال: ((ده أمريكا)), وعدم الانجرار والتشبث بوهم الدولة التي لا تقهر وتخيل إنجازات سياسية وعسكرية مستحيلة بالاستناد على استعدادات ووقائع غير حقيقية للمجابهة ودخول الحرب وترديد عبارات التبجح والتهديد التي لا تقوم على أساس منطقي وحقيقي...
لو نشوف الموت ما ننطيها وأمريكا من الخارطة نمحيها
أو
نعاهدك كما عاهدنا جدك الحسين
لم تفارقنا هذه المقولة عندما جددها أحد السياسيين العراقيين الذين جاؤوا إلى سدة الحكم بعد عام 2003 ليقول: ((هو يكَدر واحد ياخذها حتى ننطيها بعد))

                                

      كاتب المقال مع الفنان قاسم السلطان في أربيل عام 2002
إلا أن كل المتشبثين بكراسي الحكم لا بد أن (ينطوها) عاجلاً أو آجلاً , وإن اختلفت الأساليب والطرق ويبقى التداول السلمي للحكم على ضوء نتائج انتخابات حرة نزيهة لشعب متحضر وواعي هو الأسلوب الواقي من بؤر التخلف والفساد حيث لا فائدة من استبدال كلمات الأغنية التي غناها (قاسم السلطان) وتخلصنا من تبعاتها في دخول الحرب الداخلية والخارجية وما سببته للشعب العراقي من مآسي وخراب ... نعم لقد استبدلت كلمات الأغنية المذكورة و أصبحت:
نفوت بيها وع الزلم نخليها ... ونكرف أولها وتاليها
القراء الأعزاء: أملي وغايتي أن تكون مقالتي هذه قد راقت لكم مع دعائي من الله سبحانه وتعالى أن ينجينا والمنطقة من ويلات الحروب بعدما عانينا من تبعاتها ولم يعد باستطاعتنا تحمل المزيد من النكبات والخراب.

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1077 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع