لطيف عبد سالم
مشكلات مزمنة يعانيها الإقتصاد العراقي
ليس بالأمر المفاجئ القول إنَّ الاقتصادَ العراقي يُعَدّ من الاقتصادات الواعدة التي تعرضت لحالاتٍ من التدهور في مراحلٍ عدة، فضلاً عما صاحب ذلك من تعثرٍ في المساعي الرامية إلى تنميته. ويمكن الجزم بأنَّ السببَ الرئيس في ذلك يعود في واقعه الموضوعي إلى جملة من العوامل الموضوعية التي تركت في أرجائه ندبات سلبية عميقة الأثر، مع العرض أنَّ أغلبَ تلك العوامل متأتٍ من تداعيات الحروب، وسوء الإدارة، وما ظهر من السياسات المرتجلة، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة الفساد بشكلٍ مخيف.
من المعلوم أنَّ الاقتصادَ العراقي شهد تحولات في نظامه واتجاهاته وأدائه منذ مطلع العقد الخامس من القرن الماضي وحتى يومنا هذا، فضلاً عن تعرضِه إلى صدماتٍ عنيفة بفعل رؤى القيادات السياسية الَّتِي ترتب عليها إقحامِه في ظروفٍ معقدة أفضتْ إلى زعزعة استقراره وفقدانه فرص التطوير المفترضة. ولعلّ أبرز هذه المحطات هو الحروب العبثية، والتي بدأت بحرب الخليج الأولى التي دامت ثماني سنوات، وتسببتْ في استنزاف نسبة عالية جداً من الاحتياطيات الأجنبية التي استخدمت من أجل تمويل الإنفاق الحربي، إلى جانب كارثية آثار هذا التوجه الذي كان في مقدمة نتائجه المأساوية ما حصل من تشوه في بنية البلاد التحتية، وتراجع إنتاجية قطاعات البلاد الرئيسة، إذ وصلتْ قيمة الإضرار حينئذ إلى نحو (453) مليار دولار أمريكي بحسب البيانات الحكومية.
حين أطلَ عقد التسعينيات من القرن المنصرم على المجتمع البشري، كان الاقتصاد العراقي وهو لم يتعافَ بعد على موعدٍ مع التداعيات السلبية لمجريات حرب الخليج الثانية، والتي سبقت التحضيرات لها فرض المجتمع الدولي عقوبات اقتصادية قاسية تمثلت بحصارٍ اقتصادي جائر، أفضى إلى دخول البلاد بعزلةٍ دولية وإقليمية دامت لأكثرِ من عقدٍ من الزمان، بالإضافة إلى جسامة التعويضات المالية التي تحملها العراق، والتي قدرت خسائرها بما يقرب من (200) مليار دولار أمريكي بالاستناد إلى الوثائق الدولية.
من المهم الإشارة في هذا السياق إلى أنَّ الاقتصادَ العراقي يعاني اليوم من كونه أسير العديد من العوامل المقيدة لمحاولات تطويره، إذ ما تزال قِطاعات البلاد الرئيسة تعيش التراجع والتشتت، وتعتمد على مختلفِ دول العالم، فضلاً عن المحيط الإقليمي بمهمة تغطية حاجات السوق المحلي، فلا ريب أنَّ العراقَ أصبح في مقدمة البلدان المستهلكة لبضائعٍ وسلع ضرورية أو غير ضرورية من خارجِ البلاد، على الرغم من أنَّ البياناتَ الرسمية تشير إلى استنزافه ما يزيد عن ( 500 ) مليار دولار في المدة الماضية.
تتجسد المشكلات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد العراقي في عالم اليوم بمجموعةٍ من العوامل الموضوعية التي من أهمها ارتفاعِ حجم المديونية الخارجية، تباطؤ معدلات النمو، تراجع إنتاجية قطاعي الزراعة والصناعة، القوانين القديمة المعرقلة لإنضاج البيئة الاستثمارية والاعتماد على الاستيراد الخارجي بنسبةٍ عالية في ظل تفاقم ظاهرة الفساد الإداري والمالي التي أفضت إلى انهيار القطاع الخاص.
في أمان الله.
799 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع