قصة قصيرة - مبروك - قصة كاملة

                                              

                           بقلم /أحمد فخري

قصة قصيرة - مبروك - قصة كاملة

وصلت الطائرة لخطوط مصر للطيران مطار قرطاج الدولي بتونس ونزل الركاب جميعاً ما عدى الدكتور مجدي عبد الفتاح وزوجته الدكتورة نوال محمد. كان الزوجان قد تخلفا عن المسافرين بداخل الطائرة بسبب فقدان الدكتورة نوال حقيبتها اليدوية. الا ان طاقم الطائرة قاموا بتفتيش الطائرة بشكل مكثف حتى عثروا على الحقيبة. قال احدهم "يبدو انها تدحرجت تحت كراسي الركاب عندما انحنت الطائرة اثناء الهبوط". بعد ان استلمت الدكتورة حقيبتها، نزلت مع زوجها على سلم الطائرة والسعادة بادية على وجهها، كان الدكتور مجدي يستشيط غضباً بسبب التأخير. دخل الزوجان قاعة الوصول فوجدا طابوراً طويلاً على ضابط الجمارك ينتظرهما. بقي الزوج يدمدم ويسمعها كلاماً لاذعاً لكنها كانت تتجاهل تلميحاته وتتظاهر بعدم الاكتراث. وعندما اكملا جميع الاجرائات الرسمية وخرجا الى قاعة الوصول قالت له،

- الا نجلس قليلاً بهذا المقهى كي نتناول فنجاناً من الشاي يا مجدي؟
- كلا، سنأخذ سيارة اجرة مباشرة الى الفندق ثم بامكانك ان تطلبي شاي او قهوة عندما نصل هناك. هيا لا تضيعي المزيد من الوقت فانا متعب جداً ورأسي يكاد ينفجر من الصداع.
- حسناً. تفضل يا حبيبي. هل ترى كيف اعاملك بحنية كما لو كنت ولدي؟ مع ان الله لم يرزقنا بولد طوال السنين العشرة التي قضيناها سوية.
- كفي عنك الثرثرة يا امرأة وارحميني.
سار الزوجان خارج مبنى المطار يبحثان عن موقف سيارات الاجرة. وعندما عثرا على سيارة شاغرة طلبا منه توصيلهما الى فندق ناسيونال. وضع السائق حقائبهما في خزان السيارة الخلفي ثم انطلق بهما مسرعاً بشارع المطار متجهاً الى منطقة باب الخضراء. وبالطريق سألت الدكتورة نوال زوجها،
- الا زلت غاضباً مني يا حبيبي؟
- وهل استطيع على زعل دكتورة قلبي؟ انت فيك الخير والبركة.
هنا سأل السائق بكل فضول،
السائق:هل انتم اطباء يا حضرات؟
دكتور مجدي: كلا، نحن دكاترة تأريخ. انا والدكتورة نوال لدينا دكتوراه بالتاريخ. جئنا الى هنا كي نشاهد الاثار القديمة بمدينة القيروان. هل تعرفها؟
السائق: انا اصلي من القيروان ولذلك تجد ان لقبي هو (القروي). وكيف ستصلان الى مدينة القيروان؟
دكتور مجدي: سنسأل موظف الاستعلامات غداً كي يدلنا على الطريقة المثلى للذهاب الى القيروان، لا تشغل بالك الآن.
السائق: إذا كنتم تريدون الذهاب الى القيروان فهناك عدة طرق. الاولى ان تستأجراني وانا اقلكما هناك بهذه السيارة المريحة والتي تمتاز بالتكييف. والثانية ان تذهبا الى محطة تونس للسيارت وهناك بامكانكما ان تتقاسما سيارة مع ركاب آخرين غيركم وبذلك توفرون مبالغ كبيرة لكن الرحلة تكون متعبة بتلك السيارات لانها غير مكيفة.
- وكم ستتقاضى انت إذا اخذتنا الى القيروان؟
- 300 دينار فقط.
- لا، هذا مبلغ كبير جداً. الافضل ان ننتظر حتى نسأل في الفندق.
- بامكاني ان اخفض لكم بعض الشيء كونكم اخواننا من مصر ساقبل بـ 200 دينار لاننا التونسيون نحب المصريين كثيراً، وبذلك اكون قد وصلت الى قاع الكلفة.
- ساعطيك 150 دينار فقط. ما رأيك؟
- وانا موافق سيدي. متى تريدني ان اخذك من الفندق غداً؟
- تعال وخذنا الساعة العاشرة صباحاً. نريد ان نتغدى هناك بالقيروان.
- حسناً سيدي ساكون عند الاستعلامات بالفندق الساعة العاشرة تماماً.
- حسناً الى الغد يا... ما اسمك؟
- محسوبك سفيان.
- الى الغد يا سفيان.
دفع الدكتور اجرة السائق ودخل مع زوجته الفندق ثم صعدا الى غرفتيهما مباشرة بعد اتمام اجرائات الوصول. لم يضيعا اي وقت فتوجها مباشرة الى الفراش لانهما كانا متعبان جداً، ولم يستيقضا الى على صوت الهاتف وهو يضرب باصرار. رفع الدكتور مجدي السماعة وقال،
- الو، من الطالب؟
- معك الاستعلامات سيدي. لقد وصلت سيارة الاجرة كي تقلكما الى القيروان.
نظر الدكتور الى ساعته اليدوية فوجدها تشير الى العاشرة الا ربعاً فقال،
- اخبر السائق كي ينتظرنا. نحن في طريقنا اليه.
نزل الزوجان بالمصعد وعندما وصلا الى موظف الاستعلامات اخبراه بانهما سيبقيان خارج الفندق طوال النهار لانهما سيقومان برحلة الى مدينة القيروان. ثم ركبا سيارة الاجرة. سأل الدكتور مجدي سائق السيارة،
- نحن لم نتناول وجبة الافطار يا سفيان، فهل بالامكان ان نشتري بعض الطعام قبل البدئ بالرحلة؟
- بالتأكيد، ولكن ماذا تريدان ان تأكلا؟
- هذه هي زيارتنا الاولى الى تونس ولا نعرف المأكولات هنا. فماذا تقترح علينا؟
- بامكانكما تناول كسكروت طون او كفتاجي او هركمة فهي مفيدة في الصباح.
- يرجى منك الترجمة فما هي هذه الاكلات؟
- كسكروت تعني سانداويتش. والكفتاجي هو البطاطة والبيض المقلي. اما الهرﮔمة فهي ما تسمونه بمصر (الكوارع).
- اعتقد ان الكوارع كثيرة علينا خصوصاً واني اعاني من الكولسترول. لذا دعنا نجرب كسكروش كفاشي.
- قصدك كسكروت كفتاجي؟
- اجل، اجل كما تقول.
قاد السائق سيارته قليلاً ثم توقف امام احدى المطاعم الشعبية واستأذن من راكبيه ثم عاد بعد قليل حاملاً لفافتين ورقيتين. فتحوها فوجدوا فيها شطائر مصنوعة محلياً وقد نالت اعجابهما لانها كانت لذيذة ومشبعة للغاية. بعد ذلك انطلقت بهما السيارة باتجاه الجنوب التونسي. وبعد ساعتين مروا بمدينة صغيرة تدعى النفيضة فقال السائق،
- هذه هي مدينة النفيضة التي نمر بها حالياً. ولم يبقى سوى ربع ساعة ونصل الى القيروان. ولكن الطريق من الآن فصاعداً سيكون طريقاً ريفياً لذلك سوف نواجه القليل من الغبار في الطريق.
الدكتورة نوال : انتو ايضاً عندكم اسم نفيسه؟ مثلنا تماماً.
سفيان: كلا يا مدام هذه مدينة النفيضة بالضاد وليست بالسين.
الدكتورة نوال : اجل، اجل ربما انتم لا تتمكنون من لفظ نفيسه. فانتم ضعفاء بالعربية. لقد غسل الاستعمار الفرنسي ادمغتكم.
غضب السائق من تلميحاتها وقال بحزم،
- انتم لا تستطيعون لفظ خمسة حروف من اللغة العربية وتأتون الى بلدنا كي تستهزئون بنا؟
- انتم تائهون ولا تعرفون إن كنتم عرب ام افارقة وليس لديكم لغة واحدة توحدكم. اصلكم جميعاً من البربر.
هنا استشاط السائق غيضاً وادار رأسه الى الخلف مبحلقاً بها لانها تجلس خلفه مباشرة وقال لها،
- نحن نستطيع ان نلفظ جيداً يا مدام لا تستهيني بنا. نحن عرب ونتكلم افضل منكم. انتم الذين تعتقدون انكم فراعنة وانتم فقط عبيد للفراعنة.
وبتلك اللحظة برز جمل كبير امام السيارة يسحبه جمّال فصرخ الدكتور مجدي باعلى صوته
"انتبه انتبه امامك جمل ستصدمه"
وعندما ادار السائق رأسه الى الامام وجد انه على مسافة اقل من متر واحد من الجمل فقرر ان يستدير بسيارته الى اليمين كي يتلافى الاصطدام به. لكن سرعة السيارة كانت مفرطة جداً فانقلبت سيارته وتدحرجت مرتان قبل ان تستقر على سقفها. عم الهدوء بداخل السيارة الملأى بالغبار والدم والزجاج المتكسر. وعندما رأى الجمّال ذلك الحادث اخذ جمله وفر مسرعاً خوفاً من العقاب مما تسبب جمله. بقيت السيارة المعفرة على حالها لبضع دقائق حتى هرع اليها ثلاثة من الرجال القرويون الذين كانوا متواجدين بالقرب من الحادث. صاروا يحومون حولها وهم يسمعون انين الركاب. حاولوا فتح الابواب لكنها كانت معلقة بسبب التصدعات التي طرأت عليها. بقي الرجال يحاولون بشتى الطرق حتى فتحوا الباب الامامية للسائق فاخرجوه ثم اخرجوا منها الدكتور مجدي و زوجته من الشبابيك المكسرة ووضعوهم جميعاً على الارض بعيداً عن السيارة. كان المصابون ينزفون بشدة وكأنهم يسبحون بالدم. صرخ احد الرجال على صاحبه "هذه السيدة لا تتنفس يبدو انها تحتضر، دعنا ننادي لمبروك فهو الوحيد الذي يستطيع انقاذهم"
ركض احدهم باتجاه القرية وغاب فترة ربع ساعة ثم عاد ومعه طفل صغير في التاسعة من عمره يحمل معه حقيبة صغيرة فقال له،
- اسرع يا مبروك اسرع فهم بين الحياة والموت.
بتلك اللحظة فتح الدكتور مجدي عينيه وعاد الى وعيه. نادى باسم زوجته قائلاً، "نوال، نوال: هل انت بخير يا نوال؟"
تكلم معه احد الرجال قائلاً،
- اطمئِن يا رجل. زوجتك نوال بخير وسوف يعالجها مبروك.
رفع الدكتور مجدي رأسه كي يتابع ما يجري وسأل،
- واين هو الدكتور مبروك؟
- ها هو سيدي انه يعالجها.
- ما هذا الكلام يا متخلف؟ انه طفل صغير لم يبلغ الخامسة من عمره. كيف يعالج زوجتي؟ ابعده عنها يا مجنون واتصل بالاسعاف.
- اطمأن وكن هانئاً يا رجل. مبروك ولد صالح وعمره 9 سنوات ابوه يدعى الشيخ منجي الجيلاني شيخ من مشايخ ميدنة النفيضة. مبروك يعالج كل افراد القرية ولم يخطأ يوماً.
- انا لا اامن بالسحر. لا اريده ان يقرب من زوجتي، افهمت؟
- انتظر قليلاً وسترى بعينيك. فزوجتك لا تتنفس ومبروك سيساعدها.
وضع مبروك يده في حقيبة صغيرة مهترية واخرج مشرطاً طبياً ثم وضعه على رقبة الدكتورة. وعندما شاهد زوجها هذا المنظر اصيب بحالة من الهستيريا وصار يقول،
- ابعد عنها يا ابن الكلب سوف تقتلها. لا اريدك ان تمسسها.
- انا لا اقتلها سيدي بل احاول انقاذها. انها لا تتنفس ولديها انسداد بالتريكيا. يجب علي ان افتح القصبة كي تتنفس.
ادخل مشرطه وقطع جرحاً افقياً على الرقبة ثم ادرج قصبة من التي تستعمل في شرب المشروبات الغازية وسحب الهواء منها قليلاً فعادت تتنفس. نظر الى زوجها وقال،
- انها تتنفس الآن. اطمأن. دعني افحصك انت كذلك.
- ابعد عني ايها الطفل اللعين. انا اريد ان اذهب الى المستشفى وليس اعالج من قبل طفل دجال.
تركه مبروك وذهب الى سائق السيارة كي يفحصه. الا انه كان قد فارق الحياة فعلاً وليس بالامكان مساعدته.
مرت نصف ساعة حتى جائت سيارة اسعاف، وما ان وصلت حتى حمل رجال الاسعاف الدكتورة وزوجها واسرعوا بهما باتجاه المستشفى الجهوي بمدينة القيروان.
وصلت الاسعاف الى المستشفى في القيروان وهرع الطاقم الطبي الى نقل الدكتورة نوال على سرير متنقل يتبعهم زوجها الدكتور مجدي الذي صار يسير ورائهم على قدميه لان اصابته يبدو انها كانت طفيفة. ادخلت الدكتورة لغرفة العمليات مباشرة وبقي زوجها ينتظر خارج الغرفة. وبعد ساعة ونصف خرج الطبيب الذي عالج الزوجة وسأل الدكتور مجدي،
- هل انت جراح؟
- كلا انا لست طبيباً.
- لكنك عالجت زوجتك بشكل احترافي جداً. وتصرفت بشكل طبي صحيح فليس يقوى على فعل التركيوسيكتومي سوى الجراح الماهر. اهنئك على ذلك.
- انا لم اعمل لها شيء.
- من الذي عمل العملية إذاً؟
- لو اخبرتك فلن تصدقني.
- حسناً كما تشاء. بكل الاحوال، فان زوجتك محظوظة جداً لان شخصاً ما عمل لها تلك العملية وعلى الفور. لولا ذلك لكنت الآن تملأ اجرائات الوفاة.
- هل بامكاني الدخول اليها؟
- انتظر بضع ساعات حتى تتحسن حالتها ثم ادخل كي تطمأن عليها.
بعد انتهاء مدة الانتظار دخل الدكتور مجدي على زوجته فوجدها بحالة جيدة فقال لها،
- الحمد لله على سلامتك يا عزيزتي.
نوال: (بالاشارة) شكرت الدكتورة زوجها وابتسمت. واشارت لبلعومها بما معناه "حلقي يؤلمني"
- اخبرني الطبيب بان ذلك شيء اعتيادي، وسيزول ذلك الشعور بمرور الزمن.
نوال: (بالاشارة) اخبرني ماذا حصل وكيف وصلنا الى هنا؟
- ظهر جمل بشكل مفاجئ امام السيارة بينما كنت تتشاجرين مع السائق فاستدار سفيان السيارة كي يتلافى الاصطدام به لكن السيارة انقلبت عدة مرات.
نوال: (بالاشارة) وكيف هو؟ هل هو مصاب مثلي؟
- لقد وافته المنية يا عزيزتي.
نوال: (بالاشارة) لا حول ولا قوة الا بالله. رحمه الله. ولكن اخبرني ماذا حصل بعد ذلك؟
- جاء ثلاث رجال قرويون واخرجونا من السيارة المقوبة. ثم استدعوا طبيبهم الخاص بالقرية كي ينقذنا. وعندما وصل الطبيب واذا به طفل صغير لم يتعدى 9 سنوات، تخيلي يا نوال، طفل صغير قام باجراء عملية جراحية انقذك وجعلك تتنفسين بشكل طبيعي.
نوال: (بالاشارة) هل تمزح يا مجدي؟ طفل عمره 9 سنوات؟ هل تعتقد اني انسانة ساذجة كي اصدق كلامك هذا؟
- اقسم لك يا نوال، انه طفل صغير. وقد شاهدته بام عيني.
بهذه الاثناء دخل الطبيب وقال،
- انا جداً سعيد، يبدو ان المدام قد تعافت جيداً. هذا كله بفضل العملية التي عملتها لها يا دكتور.
دكتور مجدي: اخبرتك يا دكتور سابقاً باني لم اعمل اي عملية فانا دكتوراه بالتاريخ وليس بالطب.
الطبيب: إذا من الذي عمل العملية؟ خالتي جودة؟
دكتور مجدي: هل ستصدقني لو اخبرتك؟
الطبيب: ساصدقك يا سيدي، ساصدقك، فقط اخبرني، سيقتلني الفضول.
دكتور مجدي: انه طفل صغير عمره 9 سنوات بمدينة نفيسة.
الطبيب: هاهاها 9 سنوات؟ اتقصد نفيضة؟
دكتور مجدي: اجل هي كذلك.
الطبيب: ومن اين له المعرفة كي يطبق عملية جراحية معقدة مثل هذه؟ لقد لاحظت انه قام بقص القصبة الهوائية بشكل افقي محترف جداً. ولا يمكن ان يكون شخص لم يمارس الطب في حياته. انت تتكلم كلام غير منطقي يا دكتور. وطفل صغير عمره 9 سنوات؟ لا هذا كثير جداً!
دكتور مجدي: انا شاهدت ذلك بام عيني. كانوا ينادوه مبروك.
الطبيب: وهل بامكانك التعرف عليه لو شفته مرة ثانية؟
دكتور مجدي: بالتأكيد، لكني لا اريد ان اسبب له المشاكل، فقد انقذ حياة زوجتي وانا مدين له بفضل كبير واريد ان اكافئه عليه. وقد قمت باهانته ظناً مني انه مشعوذ وانه سيؤذي زوجتي. والآن اريد ان اعتذر منه بعد ان اخبرتني بحرفيته ومهارته.
الطبيب: دعنا نذهب اليه الآن بسيارتي ونكافئه نحن الاثنان معاً، ما رأيك؟
دكتور مجدي: هذا شيء عظيم. انا مستعد، هيا بنا.
خرج الاثنان بسيارة الطبيب متجهين الى قرية النفيضة، وعند وصولهم هناك قاموا بالاستفسار عن مبروك فارشدوهم الى بيته. وعندما بلغوه وجدوا بيتاً صغيراً متواضعاً. طرقوا الباب ففتح لهم رجل مسن وقال،
- تفضل سيدي، ماذا تريد؟
- انا الدكتور البروفسور جمعة الطرودي مدير قسم الجراحة بالمستشفى الجهوية بالقيروان، جئت لاقابل ابنك مبروك.
نادى الشيخ المسن على ابنه مبروك وقال،
- تفضل سيدي اجلس. وانت يا ولدي تعال، ادخل يا مبروك، هناك من يريد مقابلتك.
دخل مبروك الى الصالة فنظر اليه الطبيب وتفحصه فوجده طفل اعتيادي فقير لا تبدو عليه اي علامة تشير الى كل ما قيل عنه.
الطبيب: انا سعيد بلقائك يا مبروك. تعال واجلس بجانبي.
جلس مبروك بجانب الطبيب والدكتور مجدي فسأله الدكتور،
دكتور مجدي: اخبر الطبيب كيف عملت عملية الذبح لزوجتي.
مبروك: انا عملت trachelektomie، لان القصبة الهوائية كانت مغلقة اثر الحادث. مما سمح لها ان تتنفس ثانية ثم حملتها سيارة الاسعاف للمستشفى.
الطبيب: واين تعلمت ان تعمل هذه العملية؟
مبروك: لا اعرف. ربما منذ زمن بعيد.
الطبيب: كم يبلغ عمرك يا مبروك؟
مبروك: تسع سنوات.
الطبيب: وكم سنة مارست هذا النوع من العمليات؟
مبروك: منذ زمن طويل جداً يا سيدي. ارجوك لا تسألني فانا متعب جداً واحس بصداع.
خرج مبروك وهو يركض الى غرفته.
الطبيب: اريدك ان تستدعي ابنك وتحضر الى هنا ثانية. انه امر مهم جداً. هذا السيد جاء من مصر ويريد ان يمنحه مبلغاً كبيراً من المال كمكافئة له لانه انقذ زوجته وهي الآن بالمستشفى. ولولا مساعدة مبروك لماتت على الفور.
الشيخ المسن: ان مبروك لا يتقاضى اجراً على ما يعمله، فهو لوجه الله. هكذا علمته لاني اباه واني شيخ الجامع هنا.
الطبيب: حسناً انا آسف جداً. لكني اريد ان اسأله المزيد من الاسئلة.
الشيخ المسن: تعال غداً وسادعك تتحدث معه كما تشاء. الآن يبدو عليه التعب.
خرج الرجلان وهما في غاية الاستغراب. فسأل الدكتور مجدي،
- ماذا استنتجت يا دكتور؟ هل انت مقتنع؟ ايعقل ان يكون هذا الطفل طبيباً جراحاً؟
- لا اعلم يا اخي ولكنه نطق كلمة trachelektomie بالفرنسية بشكل صحيح وكانه يمارسها منذ عشرات السنين. على العموم، انا لم ارفع العلم الابيض بعد وساعود له غداً. اريد ان اعرف كل شيء عن هذا الطفل.
- ساتي معك يا دكتور، انا ايضاً اصابني الفضول العلمي واريد ان اعرف الاجابة على تساؤلاتي.
عاد الرجلان الى المستشفى حيث بقي الدكتور مجدي مع زوجته طوال اليوم وفي الليل خرج كي يبحث عن فندق قريب من المستشفى، اقام فيه ثم عاد في الصباح الباكر كي يطمئن على زوجته ويذهب مع الطبيب جمعة لزيارة ثانية الى دار الطفل العجيب مبروك.
في النفيضة دخل الطبيب بسيارته واوقفها امام المنزل ثم طرق الباب ففتحها مبروك وقال،
- تفضل با دكتور، انا اعتذر عن الامس فقد اصبت ببعض من الديپرسيون بحالتي النفسية ولم اتمكن من ان اواصل الحديث معكم. بامكانك اليوم ان تتحدث معي كما تشاء.
- اردت ان اعرف فقط إذا كنت تتذكر متى واين عملت مثل هذه العملية سابقاً؟
- قلت لك بالامس، لا اتذكر فقد كانت منذ زمن طويل جداً.
- ماذا تعني بطويل جداً؟ أتعني سنة او خمس سنوات واعشرة سنوات او عشرين؟
- ربما، لا اعلم.
- اسمع يا ولدي، هل مستعد ان تأتي معي كي تقابل طبيب نفسي يقوم بتنويمك.
- هل تقصد Hypnotisme؟
- اجل، اجل انت تعرفها بالفرنسية كذلك.
- ليس لدي اي مانع يا دكتور. بامكاني ان ااتي معك الآن. دعني اخذ اذناً من والدي.
خرج مبروك من الغرفة قليلاً ثم عاد وقال لهم، لا مانع لدى والدي من ذهابي معكما. على شرط ان ترجعاني عند الانتهاء من البحث.
خرج الثلاثة بالسيارة متجهين الى المستشفى بالقيروان. وهناك طلب الطبيب منهما الانتظار قليلاً بينما دخل على طبيب نفساني وتحدث اليه ثم خرج واستدعى مبروك للعيادة وقال له،
- ادخل يا مبروك، هذا هو الدكتور محمد العيادي الطبيب النفسي الذي اردتك ان تتحدث معه. سيقوم بتنويمك مغناطيسياً كما اتفقنا.
- وانا مستعد.
اشار الدكتور محمد العيادي الى مبروك كي يستلقي على الاريكة التي بمكتبه وجلب ساعة ذهبية متدلية من سلسلة و قام بتحريكها امام عينيه حتى امره بغلق عينه والنوم فنام. سأله،
- ما اسمك؟
- مبروك.
- هل لديك اسم آخر؟
- اجل.
- ما هو؟
- اسمي الدكتور محمد الشواشي.
- كم عمرك؟
- ليس لي عمر.
- لماذا؟ هل هناك شخص ليس لديه عمر؟
- لاني لست على قيد الحياة. مت عام 2010 . اثر اصابتي بسرطان البروستاتا.
- اين كنت تعمل؟
- كنت طبيب Chirurgien جراح في مستشفى شارل نيكول.
- اين تقع هذه المستشفى؟
- بالعاصمة تونس.
- هل انت متزوج؟
- اجل، زوجتي تدعى الدكتورة منيا الدريدي. لقد كانت طبيبة معي بشارل نيكول بشارع 9 افريل قرب باب العلوج.
- هل لا تزال زوجتك تعمل هناك؟
- لا اعلم.
- متى اصبحوا ينادوك مبروك؟
- منذ اليوم الذي ولدت فيه.
- اين ولدت.
- بنفيضة. ببيت والدي الحاج الشيخ منجي الجيلاني.
- ومتى صرت تعالج اهل القرية؟
- منذ ان كنت طفلاً بسن الاربع سنوات.
- وهل تتذكر لحظة وفاتك عندما كنت محمد الشواشي؟
- كنت خائفاً على زوجتي واولادي، كنت اريد ان اخبرهم على سر كبير لكني لم اقوى على ذلك. وقبل ان اشرح لهم تفاصيل السر وافتني المنية. كان شيئاً مخيفاً كنت اريد ان اصرخ كنت الريد ان... يا الله انا حزين انا لا استطيع التحمل انا.. ارجوك انقذني!
- الآن ساعد الى ثلاثة وستستيقض تدريجياً افهمت. 1 2 3
فتح مبروك عينه وسأل،
- ماذا وجدتم؟ هل عرفتم شيئاً؟
- انتظر قليلاً خارج هذه العيادة يا مبروك.
خرج مبروك ووقف وراء الباب ينتظر. رفع الطبيب النفسي سماعة الهاتف وتحدث مع عاملة الهاتف قائلاً،
- يا سهام، اطلبيلي الادارة بمستشفى شارل نيكول بتونس.
بعد قليل سمع سهام تقول له،
- معك الدكتور انيس الباجي مدير مستشفى شارل نيكول.
- السلام عليكم سيدي، انا الدكتور محمد العيادي الطبيب النفسي بالمستشفى الجهوي بالقيروان.
- مرحباً بك سيدي. كيف استطيع خدمتك؟
- اود ان اسألك بعض الاسئلة عن بعض الاطباء لديك. الديك مانع؟
- لا مانع لدي ابداً. تفضل!
- اولا اريد ان اسأل عن الدكتور محمد الشواشي اتعرفه؟
- لا استطيع ان اخبرك عنه الكثير لانه توفى رحمه الله.
- متى توفى وكيف؟
- توفى بالسرطان في عام 2009 او 2010 على ما اذكر.
- وهل كان متزوجاً؟
- اجل، كانت زوجته تعمل معه، وهي لا تزال تعمل معنا بالمستشفى، هي الدكتورة منيا الدريدي.
- هل استطيع التحدث اليها؟
- كلا، الدكتورة منيا في اجازة. ستعود منها بعد غد.
- شكراً لك سيدي.
- تمهل سيدي، هل استطيع ان اعرف سبب كل هذه الاسئلة؟
- ساحضر الى تونس بعد يومين وساخبرك بكل شيء عندما اقابل الدكتورة منيا الدريدي.
- طيب سيدي، وداعاً. ساكون بانتظارك.
اغلق الطبيب النفسي الخط ثم نظر الى الدكتور جمعة الطرودي وقال له،
- كل ما قاله الطفل مبروك صحيح فقد كان طبيباً ومتزوجاً من طبيبة ويعيشان بتونس العاصمة. توفى عام 2010 بالسرطان. وانا ساذهب بعد غد لاقابل ارملة الدكتور محمد الشواشي اي الطفل مبروك.
- ساذهب معك غداً.
- نعم بكل سرور وسنأخذ معنا مبروك.
- بالتأكيد.
الطبيب النفسي نادى مبروك وقال له،
- جهز حالك سنذهب الى تونس بعد يومين.
مبروك: حسناً سيدي.
بعد يومين ركب الدكتور جمعة الطرودي والدكتور محمد العيادي بالسيارة ومعهما الطفل مبروك وتوجهوا الى الطريق الشمالي قاصدين تونس العاصمة. وبعد بضع ساعات وصلوا الى تونس وواصلوا طريقهم مباشرة الى مستشفى شارل نيكول بشارع 9 افريل. هناك اوقف الدكتور سيارته ونزل الثلاثة باتجاه الادارة. سألوا هناك على مكتب مدير المستشفى الدكتور انيس الباجي، فادلوهم فطرقوا باب مكتبه وسمعوه يقول،
- تفضل بالدخول.
- السلام عليكم سيدي، انا الدكتور محمد العيادي الطبيب النفسي الذي تحدث معك قبل يومين من القيروان. ومعي الدكتور البروفسور جمعة الطرودي مدير قسم الجراحة بالمستشفى الجهوية بالقيروان.
- اجل، اجل مرحباً بكم.
- لا اريد ان اخذ الكثير من وقتك سيدي لكني امام حدث علمي جلل واريد ان اشاركك به علنا نصل الى اجوبة تكاد تؤرق منامنا.
بدأ الطبيب النفسي بقص قصة حادثة السيارة التي تعرض لها السائح المصري مع زوجته وعملية التركياسكتومي التي نفذها الطفل مبروك حتى وصل الى عملية التنويم المغناطيسي ونتائجها. نظر الدكتور انيس الباجي اليه وهو بكامل الاستغراب وقال،
- الحقيقة، لا اعرف ماذا اقول لك. دعنا نستدعي الدكتورة منيا الدريدي زوجة المرحوم الدكتور محمد الشواشي ونحاول ان نصل الى حلول منطقية معقولة، فهذا كله كلام لا يقبله العقل ولا المنطق ولا العلم. واذا كان هذا الطفل محتالاً فسوف نعرف من خلال حديثه معها. هي وحدها التي تستطيع كشفه.
ضغط على زر بجانبه فدخلت سكرتيرته الشابة فقال لها، "اطلبي لي الدكتورة منيا فوراً"
خرجت السكرتيرة من مكتب المدير وبعد عشر دقائق سمعوا طرقاً على الباب، دخلت الدكتورة منيا.
كانت سيدة بعقدها الخامس، شقراء طويلة القامة نحيلة البدن.
- هل طلبتني يا الدكتور انيس؟
- اجل، اجل تفضلي.
عندما شاهدها مبروك وقف من مكانه ونظر الى الدكتورة منيا وانطلق اليها فاتحاً ذراعيه بطريقة لا ارادية. لكنها عندما رأته وضعت يديها الى الامام كي تصد تقدمه نحوها وقالت،
- ما هذا؟ ما الذي يجري هنا؟ ومن هذا الطفل الغريب القذر؟
توقف مبروك عن التقدم وتسمر بمكانه.
الدكتور انيس: اجلسي يا منيا. هناك شيء في غاية الاهمية نريد ان نطرحه عليك.
الدكتورة منيا: وما علاقتي بذلك الموضوع، وماذا يعمل هذا الصبي المتشرد هنا؟
الدكتور انيس: انه يدعي انه زوجك. عاد من الموت وهو يمارس العمليات في مدينة النفيضة بالقرب من القيروان.
ضحكت بصوت عال جداً ثم اردفت،
- هل هناك نكتة يجب عليّ ان اضحك عليها؟ هل هي الكامرة الخفية يا دكتور؟ اود ان انبهك اننا في مستشفى عمومي ولسنا بنادي اطفال. هذا المكان لا يسمح به مثل هذه الالعاب السخيفة.
الطبيب النفسي: يا مدام منيا، اريدك ان تهدأي وان تستمعي لنا للآخر فهناك شيء غريب يصعب تصديقه منا جميعاً ارجوك. يجب علينا ان نضع الطفل مبروك تحت التنويم المغناطيسي ثم سنحاول ان نجعله يتحدث معك وإذا ما كان محتالاً او نصاباً فانك وحدك تستطيعين ان تفضحيه على الفور، اليس كذلك؟
الدكتورة منيا: حسناً دعنا نبدأ بفضحه. انا مستعدة.
اشار الطبيب النفسي لمبروك كي يجلس على الاريكة التي بالمكتب وابتدأ بتنويمه مغناطيسياً. وعندما تأكد من انه قد عبر كل الحواجز نظر الى الدكتورة منيا وقال،
- لقد جاء دورك يا مدام. ابدأي بالتعرف عليه.
الدكتورة منيا: صباح الخير، من انت؟
مبروك: انا الدكتور محمد الشواشي.
الدكتورة منيا: ومتى اصبحت دكتوراً يا غبي؟ عمرك ما زال صغيراً؟
مبروك: عندما نجحت الجزء الثاني من الاختبار بالصربون بباريس بقسم الطب الجراحي.
الدكتورة منيا: ومن كان معك؟
مبروك: كان معي قريب شارل ديكول.
حالما سمعت هذه الكلمات اصابها شحوب بالوجه، لكنها تمالكت نفسها وسألته ثانية،
- ومتى تعرفت علي انا؟
مبروك: كنت انت في الصف الثاني عندما كنت انا بالصف الرابع. وقتها كنت تلجأين الي كي اساعدك بمواضيع عدة منها pathologie وال anatomie.
لم تتمالك منيا نفسها فجلست على الكرسي الذي خلفها ووضعت رأسها بين يديها ثم انتظرت قليلاً وقالت،
- متى جئنا الى تونس؟
مبروك: عملت سنتين تحت التدريب بباريس حتى اكملت انت جميع اختباراتك وبعدها عدنا سوية. وحالما عدنا الى تونس تزوجنا ببيت خالك بصفاقس.
كان هذا الجواب عبارة عن صدمة كبيرة لها. نظرت الى الطبيب النفسي وقالت،
- كل هذه المعلومات بالامكان الحصول عليها من اناس مقربون لنا. وهي لا تعني بالضرورة شيء.
الطبيب النفسي: إذاً اسأليه اسئلة اكثر دقة وبها خصوصية كبيرة. وامور لا يعلم بها احد غيرك انت وهو فقط.
الدكتورة منيا: ماذا كنت تسميني؟
مبروك: la fleur d'automne وردة الخريف.
صارت الدكتورة منيا تبكي بعد ان سمعت هذه الكلمات. ثم عادت وسألته،
الدكتورة منيا: ولماذا سميتني بهذا الاسم؟
مبروك: لاننا كنا نتمشى في حديقة الكونكورد بالخريف وسقطت ورقة برتقالية من شجرة كبيرة فوق رأسك. لكني طلبت منك عدم ازالتها وقلت لك انك الآن اصبحت وردة الخريف.
الدكتورة منيا: يا الاهي يا ربي لا اصدق ذلك. هذا مستحيل انا ساخرج من طوري. اخبرني شيء آخر لا يعرفه غيري.
مبروك: انت تواجهين مشكلة كبيرة في اختيار حمالات الصدر لان الحمالات اغلبها تحتوي على قطعة بلاستيكية صلبة وانت تشعرين بانها تؤلمك. لذلك تبحثين دائماً عن حمالات مصنوعة من القماش.
الدكتورة منيا: وماذا بعد؟ زدني
- انت تحبين قبلة الصباح وتقولين بانها اشبه بالقهوة، تستيقظين عليها وتبعث الطاقة بنفسك.
الدكتورة منيا: وماذا بعد؟ زدني
مبروك: انت تكرهين اختك الصغيرة لانها كانت دلوعة وكان اباك يحبها اكثر منك.
الدكتورة منيا: وماذا بعد؟ زدني
مبروك: لقد انكسر اصبعك باحدى الليالي اذ ارتطم بحاشية السرير بينما كنا نمارس الحب لكنك قلت لي واصل حتى النهاية ساتحمل الالم.
الدكتورة منيا: كفا كفا كفا لا استطيع تحمل ذلك. انه هو بالتأكيد هو. لا شك بذلك. انه يعرفني كما كان يعرفني زوجي عندما كان حياً. هذا شيء فظيع.
الطبيب النفسي: يا الدكتور محمد، هل تريد ان تقول لزوجتك شيء قبل ان تستيقظ؟
مبروك: اجل، انا بخير يا منيا. ولا زلت احبك كثيراً. لكني يجب ان اخبرك بشيء مهم جداً.
الدكتورة منيا: ما هو حبيبي، تكلم؟
مبروك: اتذكرين العقد الذي اشتريته لك من لندن قبل موتي بعامين؟
الدكتورة منيا: اجل حبيبي، لازلت احتفظ به انه اعز شيء ملكته لانه منك.
مبروك: افتحيه من الداخل ستجدين به رقم هذا الرقم هو رقم حساب سري بسويسرا للبنك المسمى بانك كونترول دي جينيف Banque cantonale de Genève (BCGE) يحتوي ذلك الحساب على مبلغ قدره نصف مليون دولار، هي ما تركته لك وللاولاد وانا اعتذر لاني لم اخبرك عنه وابقيته سراً طوال السنين. اردت ان اخبرك عنه وانا على فراش الموت لكني لم اتمكن، وقتها فقدت القدرة على النطق، انا احبك كثيراً.
وقفت الدكتورة منيا وقالت للطبيب النفسي. ارجوك دكتور دعه يستيقظ الآن. هذا يكفي.
هرع اليه الدكتور محمد العيادي وقال،
ساعد الآن من الواحد الى ثلاثة وعندما انتهي ستستيقظ من نومك يا مبروك. 1 2 3 استيقض الآن.
الدكتور انيس الباجي: لكنه لم يستيقظ. ما المشكلة؟ دعني افحصه.
صفعه الطبيب النفسي صفعة خفيفة ثم حاول ثانية الا ان مبروك لم يستيقظ.
دنى منهم الدكتور جمعة الطرودي ووضع اصبعه على عنق مبروك كي يستشعر بنبظات قلبه لكنه رفع رأسه وقال،
- ليس هناك نبظ. لقد مات.
الدكتور انيس: يا فايزة اسرعي بجلب ديفبلاتور هنا بمكتبي ونادي على الدكتور يحيى بسرعة فائقة.
بعد دقيقة كاملة دخل طبيب طويل ونحيف يرتدي صدرية بيضاء يسحب ورائه جهاز متنقل فوضع قطبيه على صدر مبروك ونادى باعلى صوته "ابعدوا" ثم اطلق شحنة كهربائية الا ان مبروك بقي بحالته فرفع الجهد الى 300 فولت وصرخ ثانية "ابعدوا" ثم اطلق شحنة كهربائية اخرى ونظر الى مبروك لكن مبروك بقي ساكناً لا يتحرك. قال الدكتور جمعة الطرودي "يبدو ان الولد قد توفى"
لكن دكتور يحيى لم ييأس بعد. رفع الجهد الى 500 فولت ثم اطلق شحنة جديدة ووضع سماعته فابتسم وقال،
- عاد النبظ. الحمد لله انه حي يرزق.
مرت بضع دقائق ثم فتح مبروك عينيه وقال،
- اين انا؟ من انتم؟ ماذا تريدون مني؟
الدكتور جمعة الطرودي: لا تخف يا ولدي، نحن في مستشفى شارل نيكول بتونس. وانت بخير يا مبروك. استرخي يا حبيبي ولا تقلق.
مبروك: متى نعود لبيتنا بنفيضة؟ لقد افتقدت والدي ومدينتي.
- اليوم بعد ان نتغدى. والآن هل تستطيع ان تتذكر اي شيء عن العمليات التي كنت تقوم بها في السابق؟
- ابداً. لا اتذكر شيء.
- وماذا عن التركيوسيكتومي؟
- لا اذكر شيئاً يا عمي. اريد ان اذهب لمقابلة اصدقائي بنفيضة. لقد وعدتهم ان اعود بالمساء كي نلعب كرة القدم.
- ستلعب معهم يا ولدي.
هنا نظر الدكتور جمعة الطرودي الى باقي الطاقم الطبي وقال،
- يبدو انه جاء بمهمة محددة ثم رحل ولم يبقي ورائه أي اثر.

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

911 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع