أور الكلدانيين ليست في العراق ج٣

                                             

                           موفق نيسكو

أور الكلدانيين ليست في العراق ج٣

يتبع ج٢
9 : لا يوجد أي تفصيل ولا قرينة ولا أية إشارة ولا دليل لا كتابي ولا تاريخي في كل قصة إبراهيم تدل على وجوده في العراق، أو أية إشارة لتلك الرحلة الشاقة والطويلة، بينما كل الأحداث المتعلقة بإبراهيم وفي كل خطوة من خطواته وبالتفصيل ترتبط بالرها وحاران وآرام نهرين وناحور، وبعدها في كنعان، وليس بأور العراق.
10: إن الأماكن والمقامات على اسم إبراهيم ونمرود في العراق قليلة ومحدودة قياساً بالرها وحاران في الشمال، ولم يُسجل لنا التاريخ شيئاً يُذكر عن اليهود المسبيين الذين عاشوا في العراق منذ القرن السابع قبل الميلاد وبلغ عددهم أكثر من نصف مليون حينها أنهم قدَّسوا أور الناصرية مسقط رأس أبيهم أو أقاموا كنيس أو مزار قربه، أو قاموا بزيارات للمكان، بل إن المقامات في العراق على أسم إبراهيم وبعد 2500 سنة من وجود إبراهيم هي للمسلمين، ومقامات إبراهيم ونمرود في العراق موجودة قرب الكوفة وكربلاء والحلة وكوثي، بعيداً عن مدينة أور السومرية أو الأكدية، وأغلب المسلمون يقولون إن إبراهيم ولد في كوثي شمال الحلة، وبعضهم أشار إلى أن حاران هي مكان مولده، وقسم ذكر أنه ولد بحاران ثم انتقل إلى بابل، وبعضهم ذكر أن سارة زوجة هي ابنة ملك حاران، ولغته سريانية، كما ذكرنا.
11: تؤكد التوراة أن إبراهيم كان آرامياً، سفر الثنية (26: 5)، (في الترجمة السبعينية 280 ق.م. واللاتينية أيضاً، سريانياً)، وكل عشيرته هم آراميين: كان بنو يعقوب اثني عشر، بنو ليئة، راوبين بكر يعقوب، وشمعون ولاوي ويهوذا ويساكر وزبولون، وابنا راحيل، يوسف وبنيامين، وابنا بلهة جارية راحيل، دان ونفتالي، وابنا زلفة جارية ليئة، جاد واشير، هؤلاء بنو يعقوب الذين ولدوا له في فدان آرام. (تكوين 35: 23-26)، وأوصى إبراهيم أن يتزوج ابنه إسحق من بنت آرامية من عشيرته في حاران: إلى أرضي وإلى عشيرتي تذهب وتأخذ زوجة لابني إسحق (تك 24: 4)، وفعلاً تزوج إسحق رفقة ابنة بتوئيل الآرامي: وكان إسحق ابن أربعين سنة لما اتخذ لنفسه زوجة رفقة بنت بتوئيل الآرامي أخت لابان الآرامي من فدان آرام. (تك 25: 20)، وبتوئيل هو أخو كاسد بن ناحور (تك 22: 21–23)، أي بتوئيل هو ابن أخي إبراهيم، ثم تزوج يعقوب راحيل وليئة ابنتي لابان الآرامي ابن بتوئيل الآرامي: فصرف إسحق يعقوب فذهب إلى فدان آرام إلى لابان بن بتوئيل الآرامي أخي رفقة أُم يعقوب وعيسو. (تك 28: 5).
12: جميع أسماء المناطق الواردة في سفر (التكوين 10: 10-11)، وغيره، مثل هاران (حاران)، أرفكشاد، سروج، ناحور، آرام نهرين، فدان آرام، إرك، أكد، كلنة، نينوى، رحوبوت عير، كالح، سهل شنعار، رسن، الشرقاط، تقع في المنطقة الشمالية (العراق، سوريا، تركيا، أرمينيا، إيران)، وهي مطابقة لأسماء إبراهيم وأبيه وإخوته وأجداده، وهناك من يرى أن اسم الكاسديين، أو الكاشديين هو نسبة لأرفكشاد بن سام (تك 10: 22–24)، وسواءً كان اسم الكاسديين هو نسبةً لكاسد أو لأرفكشاد بن سام، فهم ليسوا الكلدان، ومنطقتهم ليست في أور السومريين أو الأكديين جنوب العراق، فاسم أرفكشاد (اربكشد) يرد أيضاً في منطقة شمال العراق ويظن البعض أن قسماً من المناطق القريبة من نهر الزاب شمالي شرقي نينوى سُمِّيت باسم أرفكشاد، وورد الاسم في المدونات الآشورية بصيغة "أرباخا"، ويُظن أن أرباخا هي مدينة كركوك الحالية، وورد اسم أرفكشاد لأحد ملوك مادي التي كانت عاصمتها مدينة أحْمَتا (سفر يهودت 1: 1)، وأحْمَتا اسم آرامي، والاسم الفارسي القديم لها هو (هجمتانا)، وسَمَّاها اليونان أكبتا، وهي اليوم مدينة همدان الإيرانية.
وناحور أبو كاسد، أخو إبراهيم بن تارح، وتزوج من مِلْكة بنت هاران وأقام في مدينة ناحور في آرام النهرين (حاران)، وأنجب من ملكة ثمانية أبناء هم، عوص، بوزا، قموئيل، كاسد، حزو، فلداش، يدلاف، بتوئيل، وأصبح هؤلاء الثمانية أجداد القبائل الآرامية، فناحور صار بواسطة نسائه جدٌّ لاثنتي عشرة قبيلة أو مستوطنة آرامية، ثمان منها تنحدر من زوجته مِلْكة، وأربع من سريته رؤومة، وفي النصوص المسمارية المتأخرة نجد اسم ناحور كاسم شخص (ناحيري، ناحور) وكاسم مكان (نحور، تل نحيري)، وهي مدينة في منطقة حاران على الضفة اليمنى لنهر خابور، اتخذت أهمية في الألف الثاني قبل الميلاد، وذُكرت في اللوحات الكبدوكية في القرن التاسع عشر قبل الميلاد، وقامت في المنطقة قبائل آرامية تذكرهم التوراة. (الأب الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم، ص128، 1287. وقاموس الكتاب المقدس، ص51).
13: إن إبراهيم هو ابن تارح بن ناحور بن سروج بن رعو بن فالج..أرفكشاد، وجميع أسماء إبراهيم وآبائه ليست بابلية، بل سامية، وحسب سفر التكوين (11: 18-32): عاش فالج ثلاثين سنة وولد رعو، وعاش فالج بعد رعو مئتين وتسع سنين، وعاش رعو اثنتين وثلاثين سنة وولد سروج، وعاش رعو بعد سروج مئتين وسبع سنين، وعاش سروج ثلاثين سنة وولد ناحور، وعاش سروج بعد ناحور مئتي سنة، وعاش ناحور تسعاً وعشرين سنة وولد تارح، وعاش ناحور بعد تارح مئة وتسع عشرة سنة، وعاش تارح سبعين سنة، وولد أبرام (إبراهيم) وناحور وهاران، وكانت أيام تارح مئتين وخمس سنين، ومات تارح في حاران، ومات هاران قبل تارح أبيه في أرض ميلاده في أور الكلدانيين، وكانت أيام تارح مئتين وخمس سنين، ومات تارح في مدينة حاران.
لذلك فأجداد إبراهيم (فالج، رعو، سروج، ناحور، تارح) إلى مولد إبراهيم كانوا أحياء، فمن فالج إلى مولد إبراهيم 191سنة، وحسب التكوين فإن فالج الجد الرابع لإبراهيم توفي وعمر إبراهيم 48 سنة، ورعو الجد الثالث توفي وعمر إبراهيم 78 سنة، وسروج الجد الثاني توفي وعمر إبراهيم 101 سنة، وناحور جد إبراهيم توفي وعمر إبراهيم 49 سنة، وتارح أبو إبراهيم توفي وعمر إبراهيم 135 سنة.
فهل ترك تارح وأبنه إبراهيم أجدادهم فالج وسروج ورعو وناحور في أور الكلدانيين (في العراق) إلى جانب قبر هاران (حاران) أخو إبراهيم؟، وكيف اسم مدن كحاران وناحور وسروج على اسم إخوة وأجداد إبراهيم في شمال بلاد الرافدين؟، ولماذا لم يتجه إبراهيم مباشرةً من أور العراق إلى كنعان أرض العسل واللبن والهدف المنشود والأقرب، بل ذهب شمالاً ثم رحل جنوباً؟، علماً عندما رحل إبراهيم من حاران إلى كنعان كان عمره 75 سنة (تكوين 12: 4)، وكان أبيه تارح حياً، فهل ترك إبراهيم أبيه في حاران ورحل وحده إلى كنعان؟.
14: لم تكن رحلة إبراهيم الطويلة من أور العراق إلى حاران لتكون حارن محطة استراحة (ترانزيت)، بل جاء إبراهيم من أور (الرها) القريبة إلى حاران، ومن الواضح أن عمر إبراهيم عندما خرج من الرها، كان حوالي 30 سنة لأنه كان متزوجاً، ولأن إبراهيم يعتبر مدينة ناحور وحاران مسقط رأسه وأرض أبيه وعشيرته، فهذا يعني أن إبراهيم عاش في حاران طويلاً، ويؤكد (تكوين 12: 5) ذلك: فأخذ أبرام ساراي امرأته، ولوطاً ابن أخيه، وكل مقتنياتهما التي اقتنيا والنفوس التي امتلكا في حاران، وخرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان.
15: أمَّا ما ذكره بعض المستشرقين والآثاريين مثل دي فو وفيلبي من عثور نقوش بابلية باسم (أبا رام) أو (يثع إيل) التي تعني (خليل الله)، فليس لها أي قيمة لدلالة على إبراهيم وهي استنتاجات شخصية لنصوص مجرَّدة يتيمة، ولا توجد قرينة واحدة تدل على أن الاسم المقصود به إبراهيم بن تارح، فليس إبراهيم الشخص السامي الوحيد بهذا الاسم، وحتى لو افترضنا أنها المقصود إبراهيم، فلن يعدو أنه كان لإبراهيم علاقة بالأمر لأن هذه النقوش تدل على الحرب التي حدثت بين سنتي (1794-1763 ق.م.) واشترك فيها أمرافل وكدرلعومر ملك عيلام، وتدعال ملك جوييم، وملك لارسا، وملك سدوم وغيرهم المذكورين في (تكوين 14)، والتي كان لإبراهيم علاقة بالموضوع حيث أُسِّرَ ابن أخيه لوط، وفي هذه الفترة كان إبراهيم في أرض كنعان، أمَّا عن (ثع إيل)، فكان الاسم منتشراً في الجزيرة العربية، ووجدت أسماء كثيرة بهذا الاسم، على الأقل أسماء خمسة ملوك في سبأ اليمن، علماً أن هذا الاسم هو أحد أسماء القمر وكان يُنطق يشع (يشوع)، وأكيد ليس معناه يسوع. (سيد محمود القمني، النبي إبراهيم والتاريخ المجهول، ص31. وهو يرى أن رحلة إبراهيم هي من حاران إلى فلسطين مباشرةً، وفي نهاية كتابه يدرج خرائط رحلة إبراهيم لمن قال إنها من أور العراق، وخريطته هو من حاران إلى فلسطين مباشرةً).
وبخصوص نمرود أيضاً، فلا يوجد له أي ذكر في قوائم ملوك العراق القدامى، وهو شخصية (كلكامش) ويرمز للجبروت والطغيان التي ارتبطت باضطهاد إبراهيم وعائلته في التوراة، فضلاً على أنه حامي وملعون من إبراهيم وعشيرته، ولا مكان لسكنى الحاميين بين الساميين، بل يسكن الساميين وبنو يافث فقط: ملعون كنعان عبد العبيد، وقال: يكون لإخوته مبارك الرب إله سام، وليكن كنعان عبداً لهم، ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام. (تكوين 9: 25)، وبنو يافث هم الحوريين والأرمن وغيرهم الذين يسكنون شمال بلاد بين النهرين في الرها وحاران مع عشيرة إبراهيم منذ البداية.
وشكراً/ موفق نيسكو
يتبع جزء ٤ وأخير

للراغبين الأطلاع على الجزء الثاني:

https://algardenia.com/maqalat/38721-2019-01-21-08-08-04.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3006 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع