المهندس أحمد فخري
الحب والحرب(الجزئ الثالث)
في الحلقة السابقة
https://algardenia.com/maqalat/38404-2018-12-27-17-20-33.html
في اليوم الثاني اجتمع زملاء باسل من طيارين وقادة وعسكريين بالاضافة الى العريسين والحاجة ام باسل ببيت باسل وتوجهوا جميعاً بسيارات متعددة نحو المحكمة الشرعية بالكرادة وتم عقد قرانهما هناك. همس العقيد معن الجنابي باذن باسل قائلاً،
- لم اتمكن من ان امنحك اجازة اكثر من اسبوع واحد. لكني متأكد انك سترفع رأسنا بالايام السبعة هذه.
- اشكرك من كل قلبي على موقفك معي. واطمئنك سيدي، رأسك سيبقى مرفوع.
باليوم الثاني انطلق باسل وزوجته الجديدة فرح متجهين الى الحبانية حيث حجزا هناك شاليه وقضيا فيه اجمل سبعة ايام ثم عادا بعدها الى بغداد. وحالما وصلا الى البيت تفاجئا بان والدة باسل قد اعدت لهم سهرة جميلة مع الاهل والاقارب وقد احضرت بعض المطربين والعازفين. باليوم التالي انطلق باسل الى القيادة وصار يزاول عمله كالمعتاد.
بعد مرور ستة اشهر على زواج باسل وفرح حمد باسل الله لانه عوضه زوجته الاولى بزوجة ثانية تحبه وتخاف عليه اكثر مما تخاف على نفسها. فهي تعتني به بشكل شخصي ولا ترضى له ان يحتاج لاي شيء ابداً، لانها توفر له الامور قبل طلبها. وكذلك امه اصبحت تحبها حباً جماً وتعتبرها الابنة التي لم تلدها. ومنذ ان حطت قدميها في البيت فإن الحاجّة ام باسل لا تعرف مكان المطبخ ابداً، ففرح دائمةُ الحركة لا تكل ولا تمل من الاشغال المنزلية وهمها الوحيد هو ارضاء زوجها ووالدته ونظافة منزلها.
في يوم من الايام كالعادة خرج باسل الى مقر القيادة الجوية فاستدعاه القائد مع زملائه الطيارين باجتماع سري وعاجل حيث قال،
"حضرات الصقور الابطال، بامر من رئاسة الجمهورية وابتداءاً من الغد سنقوم بحملة جديدة بعملياتنا ضد العدو الايراني الغاشم. سنقصف جزيرة خرج بالخليج بشكل يومي ومتواصل حتى يتم تدميرها تدميراً كاملاً. اليوم ستقومون بقصف الرصيف رقم 3 حتى يتساوى مع البحر. الهجوم الاول تريده القيادة ان يكون قوياً ومؤثراً كي يحطم معنويات العدو ويجبره على الاستسلام. سيقلع سربٌ من 12 طائرة بهذه المهمة من الحبانية وستطيرون على ارتفاع منخفض يبلغ 250 قدم كي لا تكشفكم رادارات العدو وسوف يطير احد الطيارين من عندنا على ارتفاع عالي جداً بطائرة صغيرة من نوع براڤو كي يكون لكم قمراً، مهمته ايصال الاتصالات ما بينكم وبين القيادة. لقد عينت المقدم باسل كقائداً لهذه العملية. الاقلاع سيكون الساعة 300. يجب ان اكرر واشدد على اهمية السرية التامة لهذه المهمة لانه سيشكل ضربة قوية نكسر بها ضهر الاقتصاد ايراني وسيقربنا من النصر النهائي على العدو المجوسي. هل هناك اي اسئلة؟"
لم يسأل اي احد من الطيارين قائدهم لذلك أعلن القائد عن انتهاء الاجتماع. رجع باسل بذلك اليوم وتحدث مع زوجته قائلاً.
- سأخرج اليوم مساءاً الى العمل.
- هل لديك واجب؟
- حبيبتي، انت تعرفين اني لا استطيع ان اتحدث بمثل هذه الامور.
- اجل، اجل اعرف وانا اعتذر. انا كذلك لدي خبر سيفرحك جداً.
- ما هو ذلك الخبر؟
- حاول ان تحزر الخبر. فهو شيء كنت تتمناه منذ زمن طويل.
- ستطبخين لنا سبزي غداً، او ربما فسنجون أو حتى چلو كبابي؟
- كلا، يا باسل كلا ستصبح اباً عن قريب. انا حامل بشهري الثاني.
- ماذا؟ هل انت متأكدة؟ انا لا اصدق. حبيبتي فرح، انا احبك كثيراً. الله اكبر الله اكبر امي. يا حاجة. يا امي. اين انت يا امي؟
دخلت امه الى غرفتهم مسرعة وقالت،
- ماذا بك يا حبيبي؟ هل اصابك مكروه؟ هل تشكو من شيئ؟
- امي باركيلي يا امي، فرح حامل. ستصبحين جدة. سيحضر ولي العهد اخيراً.
لم تتمالك الحاجة نفسها وصارت تزغرد وتعمل دبكة عربية وتدور حول نفسها وتقبل ابنها وزوجته ثم تعود وترقص. ثم تقبلهم ثانية.
الحاجة: لقد افرحتماني ومنحتماني اجمل هدية تتمناها اي ام. لكم انتظرت هذا اليوم بفارغ الصبر.
فرح: نحن نحبك كثيراً يا عمتي وسيحبك ابننا او ابنتنا وستلهين معهم ومع اخوتهم فيما بعد ان شاء الله.
باسل: لا اعرف كيف اعبر عن فرحتي يا امي لا اعرف كيف اعبر عن فرحتي يا فرح. هذا اجمل خبر سمعته بحياتي. والآن يجب علي النوم فوراً لان عندي واجب ويجب ان استيقظ الساعة 12 صباحاً.
ذهبت فرح معه الى غرفة النوم ودثرته في فراشه ثم صارت تهئ ثيابه العسكرية المكوية وتضعها على الكرسي كي يسهل عليه ارتدائها عندما يستيقظ بمنتضف الليل وتلمع حذائه وتضعه بالقرب من الكرسي كي يجلس ويرتديه بكل سهولة. ثم توجهت الى السرير.
نظر باسل اليها وقال،
- حبيبتي فرح ربما هذا الواجب سينهي الحرب بين بلدينا ونحصل على السلام دائم بعده.
- وهل ستقصفون مقر خميني إذاً؟ اتمنى ذلك. امنيتي ان تقتلوا هذا الشيطان الشرير.
- كلا سنقصف جزيرة خرج وسنطير بسرب كامل من 12 طائرة. سنقلع غداً الساعة الثالثة صباحاً وسنحلق على ارتفاع واطي جداً يبلغ 250 قدم كي لا تكشفنا الرادارات الايرانية. ادعي لي حبيبتي كي اعود لكم سالماً ونحتفل سوية بابننا مشرق.
- ولماذا اخترت هذا الاسم؟
- لانه سيشرق علينا بقدومه كالشمس وسيعم السلام وتنتهي هذه الحرب الظالمة على الشعبين ان شاء الله حبيبي.
- ان شاء الله حبيبي، ادعو من الله ان ينصرك دائماً. وكما تشاء مشرق اسم جميل، مشرق باسل عبدالله السامرائي. الله كم هو جميل. انا سعيدة يا باسل. ولا اريد من هذه الدنيا شيء. انت جعلتني اسعد امرأة بالدنيا.
انطلق باسل الساعة الثانية عشر والنصف الى القيادة بسيارته ثم اقلعت من هناك اثنا عشر طائرة تمام الساعة الثالثة صباحاً من قاعدة الحبانية باتجاه الجنوب. وبعد طيران دام ساعاتان صامت خالي من الحديث باللاسلكي، ادار باسل رأسه كي يتفقد سربه واذا به يشاهد ناراً تشتعل من محرك احد الطيارين وطائرته آيلة للسقوط. ارتبك كثيراً فنادى على باقي افراد التشكيلة. لكنهم صرخوا جميعاً بآن واحد على ان هجوماً مدمراً وقع عليهم من الاعلى من مقاتلات ايرانية. كل ذلك حصل في ثوان معدودة. دفع باسل عتلة الوقود الثروتل الى الامام مع افتر برنر وانطلق كالصاروخ الى الاعلى فشاهد منظراً مؤلماً جداً لأن اغلب طائرات سربه قد اصيبت وهي تشتعل بطريقها للارض. ارتفع باسل وصار يقاتل الطائرات المهاجمة واسقط منها 4 طائرات لكنه عندما استدار كي يهاجم ثلاث طائرات مغيرة اخرى اصابه صاروخ جو جو اشعل النيران بمحرك طائرته فاضطر لقذف نفسه والهبوط بالمظلة. لم يعرف مدى الضرر الذي حصل لسربه لكنه مأساوي بلا شك وربما فقد جميع الطائرات التي رافقته.
عند هبوطه على الارض جائت سيارة عسكرية جيب يقودها نائب عريف واخذته من هناك،
- اين نحن يا نائب عريف؟
- بالقرب من الفاوي سيدي.
- لدي اوامر باخذك الى قاعدة الشعيبة الجوية. هناك تنتظرك طائرة سمتية ستقلك الى بغداد.
- هل عرفت حصيلة خسائرنا يا عريف؟
- كلا سيدي. لكن اغلب طائراتنا سقطت لان الهجوم كان مباغتاً ووقع عليكم من الاعلى.
- حسناً، ارجوك اسرع يا نائب عريف.
- حاضر سيدي.
حال وصول باسل الى قاعدة الشعيبة، أخِذَ الى طائرة سمتية كانت في انتظاره حلقت به مباشرةً باتجاه العاصمة بغداد. فور وصول باسل الى القيادة ببغداد دخل الى مكتب قائده معن واذا بزوجته فرح جالسة في مكتب العقيد معن الجنابي.
- حبيبتي فرح، ماذا تفعلين هنا؟ ولماذا جئت للقيادة؟ هل قلقت علي؟ كان بامكانك ان تنتظريني بالبيت.
لم تجبه زوجته وبقيت صامتة لكن العقيد رد عليه قائلاً.
- هل تعلم يا باسل كم من طائرة سقطت اليوم بالاضافة الى طائرتك؟ لقد سقطت جميع الطائرات الاثنى عشر. هل تعلم ان سبعة من زملائك استشهدوا بهذا الهجوم؟ هل تعرف من السبب؟ هيا، أخبرني فانت افضل طيار عندي هيا؟ انها زوجتك المصون. هي التي أبلغت الايرانيين عن مهمتكم. هل تعلم كم توسطت لك كي تتزوجها قبل ستة شهور علماً ان الطيارين لا يحق لهم الزواج من اجنبيات وبالاخص الايرانيات. لكني اصريت وبلغت السيد الرئيس صدام انها ساعدتك ووقفت معك في محنتك في ايران ووضعت نفسي ورتبتي ومنصبي على المحك كي يوافق على زواجكما. لقد اعطيته تعهداً شخصياً مني كي يوافق. وطلبت من عدة ضباط كي يتوسطوا معي ايضاً حتى اعطى موافقته بالنهاية.
- هذا مستحيل سيدي. هذا لا يصدق، انها لا تحب الايرانيين انها تحب العراق فقط. لقد اعدموا زوجها. لقد...
- إذاً اسمع هذا التسجيل الذي التقطته الاستخبارات من جهاز بث من منزلك الساعة الواحدة صباحاً يا مقدم.
فتح جهاز التسجيل وسمع صوت زوجته فرح تتكلم باللغة العربية وبلهجة بغدادية صرفة.
(الو مرحبا يوم، شلونج حبيبتي؟ اليوم راح اروح زيارة للكاظم ساعة تلاثة الظهر وراح اخذ وياية ديچ انطي للفقراء. اي عندي ميتين وخمسين دينار يمكن تكفيني. راح اخذ تكسي)
بالاستخبارات فكو شفرة هذه الرسالة كالتالي: (الكاظم) المقصود بها جزيرة خرج. (ديچ) هو السرب 12 طائرة. (ميتين وخمسين دينار) هي 250 قدم ارتفاعكم عن الارض و (ساعة تلاثة الظهر) تعني الساعة الثالثة صباحاً وقت اقلاع سربكم (راح اخذ تكسي) تعني قاعدة الحبانية.
بقي باسل مشدوهاً لا يعرف ماذا يقول. شعر وكأن شخصاً قام بضربه بمطرقة ثقيلة على رأسه. كيف كان ذلك؟ هل هو ساذج وغبي لهذا الحد بحيث تمكنت فرح من خداعه طوال هذه المدة؟ ايعقل هذا؟ كل تصرفاتها في ايران كانت توحي غير ذلك. ثم تصرفاتها في بغداد فيما بعد. نظر الى زوجته فرح وقال لها بالانكليزية،
- احقاً ما يقوله القائد عنك؟ هل انت جاسوسة بحق؟ ارجوك اخبريني ان كل هذا الكلام مجرد تهمة باطلة. ارجوك تكلمي؟
تدخل القائد وقال،
- حدثها بالعربية يا باسل فهي تتحدث افضل مني ومنك.
هنا نطقت فرح وقالت،
- انا اخدم بلدي يا باسل، وهذا متوقع مني كما انت تخدم بلدك.
- وماذا عن ابننا؟ الم تفكري به قبل ان تفعلي فعلتك هذه؟
- كن مطمئناً يا باسل فانا لست حاملاً كما تعتقد، لقد قلت لك ذلك كي تثق بي وتخبرني بتفاصيل المهمة.
- لكنهم سيعدموك يا فرح، الا يهمك ذلك؟
- وسيعدموك معي يا زوجي العزيز. كلنا فداء للجمهورية الاسلامية. انه ثمن بسيط اقدمه مقابل سرب كامل من الطائرات العراقية.
هنا لم يتحمل ما قالته فرح فصفعها صفعة قوية جعل الدم يسيل من انفها وفمها.
بعد فترة 6 ايام قامت محكمة عسكرية بالحكم بالاعدام على كل من المقدم باسل عبدالله السامرائي وزوجته فرح علي زادة ووالدته نديمة العگيلي المعروفة بـالحاجة ام باسل. كما وصدر مرسوم جمهوري باحالة كل من اللواء سلام الدوري والعميد فؤاد عبدالخالق التكريتي والعقيد معن الجنابي على التقاعد.
تمت
1674 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع