الطاف عبد الحميد
في عام 1994 وبعد احالتي الى دائرة المحاربين اندفعت نحو قراءة الكتب الحربية او الفكر العسكري بشكل خاص لمعرفة حيثيات الصراع الانساني ودوافعه بعد ان احدثت الحروب المتلاحقة شرخا في الذاكرة العراقية ،
الانسانية وتغليفها بغلاف الالام السميك وهجرة السعادة من بلاد الحرب وألتحارب ،في شارع النجفي في مدينة الموصل وهو المكان الذي تتواجد فيه
المكتبات ، وخاصة المكتبات التي تبيع الكتب المستعملة والقديمة ذات القيمة المعرفية الاحترافية ، حيث أن الكتب ذات الطبعات الحديثة لاتخدم الباحثين عن المعرفة للتوجهات الايدولوجية الصارمة للدولة انذاك وصعوبة الحصول على الكتب الناقدة للحرب أو البحث في حيثياتها على إعتبار أن العراق في حالة حرب منعقدة منذ عام 1980 ولمتطلبات الامن الوطني ، دخلت الى احدى المكتبات وكان يجلس في نهايتها شخص في السبعين من العمر، لكثرة الكتب وتنوعها والعدد الكبير من الرفوف المرتفعة والتي يصعب قراءة عناوينها لارتفاع رفوفها ، سألت صاحب المكتبة وقلت: له أريد كتب عن الحرب رد علي بصوت مرتفع استهجاني النبرة مع مسحة من الاحمرار في وجهه وقال" مايكفي حرب..حرب حرب حرب... روح ماعندي كتب" لااخفيكم سرا بأن إجابته القاسية الزاجرة ونفرته غير المتوقعة صدمتني وادهشتني وامتعتني بلطمة كلامية واحدة ، شعرت بلذتها ووقعها وفهم مقاصدها وادركت أن الرجل غير محب للحرب او انه قد عانى منها واكتوى بنارها او قد شعر بحرارتها عندما احرقت الاخرين ، إنها مشاعر نبيلة بالتأكيد لهذا الانسان المنفلت من قيد الكياسة والمقيد بالعواطف... لم اسأل عن السبب فمثل هذا السؤال يغيب الحدس او الاستنتاج لدى الانسان نصف المثقف ، وكره الحرب أقرب للتقوى وأمضى في النفس البشرية القويمة حتى وإن كانت حتمية ، دنوت منه وانا في غاية الامتنان له على تعنيفي وضحكت وبدت عليه علامات التساؤل لضحكي ، ترى ماذا كان يتوقع مني ان اقول؟ ، الرجل قال عني مااريد أن أقوله له ولغيره وما طلبي منه الا لكي اردد على الاخرين ماردده علي ، لكن عقلي تخاطر مع عقله عن قرب وأستليت منه مقصده النبيل ، قلت له: وقد حضرتني مقاربة للموضوع تساعد على التقارب الايجابي بيننا" يقرأ الطبيب سنين عديدة عن الامراض ..فهل يعني ان الطبيب محبا للمرض" قال: بالتأكيد لا ، ثم اتممت: مامصير الضعيف في الصراع مع القوي ؟، أجاب الخذلان والهزيمة ، قلت: له اذا كنت تتوقع ان هناك لصوص ، الايقتضي الامرأن تكون مالكا لما يردع اللصوص ، سلاح مثلا ؟، قال: بلى ، قلت: له هل تحب السلام ؟ ، قال: وهو ينفث من فمه شهيقا عميقا " رحمة لوالديك وين السلام ، إحنا شفنا سلام كلها حرب بحرب ، طبعا اريدالسلام" ، قلت له: اذن لاتستطيع الحصول على السلام إذا كنت ضعيفا ومن حولك أقوياء وعليه ، علينا وعليك وعلى الجميع أن يتناصحوا فيما بينهم ويكونوا أقوياء للفوز بالسلام " وحكماء الدنيا حددوا ذلك بالنصيحة الناصحة " إذا اردت السلام فإستعد للحرب" .وأتممت قائلا: انا ضابط برتبة كبيرة وانا اعرف الحرب جيدا وما طلبي منك لشراء كتب عن الحرب الا لفهمها على حقيقتها والعمل على تجنبها وتجنب ويلاتها ، إعتذر مني ، واعتذرت له عن اعتذاره مني ، ودعته وودعني ، الغريب ان تلك المكتبة التي كانت تحوي على الاف الكتب القديمة كانت خالية من اي كتاب عن الحرب ، يظهر ان الحرب كانت خط احمر في مكتبته ويكفيه ان يقول لي بأن احد أسماء الحرب .... الكريهة
818 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع