عبدالكريم الحسيني
لابد ان يختلف كل جيل عن الذي قبله او بعده ولاسباب عديده منها تطور الحياة ووسائلها واختلاف البيئه والظروف الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه وحتى المناخ له دخل في هذا الاختلاف ويحضرني في هذا المجال محاضرة حضرتها للاستاذ البروفيسور المرحوم رشيد الناظوري استاذ التاريخ التحليلي الفلسفي في الجامعه الامريكيه في عام 1966 في بيروت وكانت بموضوع ( اسباب اختلاف الديانه بين حضارة وادي النيل وحضارة وادي الرافدين ) وكان محور الاختلاف يعزى الى اسباب المناخ المضطرب في وادي الرافدين الذي جعل شعوبه تميل الى تعدد الآله بدلا من الآله الواحد كما هو الحال في وادي النيل الذي ينعم بمناخ هادىء ومعروف سلفا على عكس وادي الرافدين الذي كان يعاني من تبدلات مناخيه مضطربه ومتنوعه بدون سابق انذار الامر الذي جعل شعوب هذه الحضاره تمتاز بالعصبيه والتناحر والاقتتال وعدم التوافق ودائما بحاجه الى حاكم قوي جدا لكي يمسك بشكيمة هذه الاقوام المختلفه دائما وغالبا ما يستدعي ذلك الى ان يلجأ الحاكم الى ان يكون ديكتاتورا وقاسيا ومتسلطا ..
بالرغم من كل ذلك فأن العراق نعم في بعض الحالات بنوع من الاستقرار الاجتماعي والسياسي وعاش اياما بل وسنين رغيده وحتى في الماضي القريب وانا اتحدث عن جيل الخمسينات والستينات والسبعينات ممن شارفوا على الستين والسبعين من العمر اطال الله اعمارهم جميعا ودائما اسأل نفسي لماذا نحن جيلا يختلف عن الاجيال التي مضت والتي تلت واؤكد على التي جاءت بعد جيلنا ..
كنا جيل رومانسي الى ابعد الحدود وكان الحب لدينا مقدس وله اصول وكثيرا ما كنا نطلق عليه ( الحب العذري ) الذي لاتشوبه ممارسات غير مشروعه وماديه او جنسيه وكانت المرأه اشبه ماتكون قديسه لها مكان خاص في نفس كل منا ان كانت ام او حبيبه او اخت او خاله وعمه او حتى جاره او قريبه وعندما نرى ما يحصل اليوم نغمض اعيننا لاننا لانستطيع ان نستمر بهذه التصرفات التي نعتبرها مشينه ومن باب العيب ,, بين الحين والاخر اسمع ان فلان او فلانه فسخت خطبتها او تم طلاقها قبل ان تتزوج او فلان قطع علاقته بصاحبته او خطيبته التي مضى على علاقتهم شهور او حتى سنين وعنما تسأل كيف يحصل هذا تكون الاجابه ( عادي ) فهل نحن سائرون لان نكون اكثر من الاوربيين انحلالا وتفسخا وتركا لعاداتنا وديننا ؟؟؟
كنت في السوق اتبضع من احدى الاسواق التي اعتدت عليها وكان صاحب السوق شابا قد تجاوز الخامسه والعشرين وكان يراقب التلفزيون وهو يستمع بطرب الى اغنية احد المتسكعين ممن يسمون انفسهم مطربين في هذا الزمان الردىء وحاولت بصعوبه ان افهم بعض الكلمات وكانت في منتهى السوقيه وتخديش الآذان واذا ما قيست مع اغنية البرتقاله تكاد الاخيره تكون سمفونيه وملحمه شعريه امام هذه ,, سألت الشاب ماذا يعجبك في هذه الاغنيه وهل تفهم ماذا يقول ؟ قال ليس بالضروه ان افهم المهم ان فيها ردح وشابات جميلات يرقصن ومناظر حلوه !! اذا اننا اصبحنا نعيش على الهامش وتذكرت محمد عبد الوهاب وام كلثوم ونهج البردى وسألت الشاب هل سمعت نهج الردى قال كلا وماهي هذه ؟ قلت له لا شيء انها نوع من انواه الجبن الجديد .... هذا اذا الجيل الجديد الذي صرفنا عمرنا كي نربيه على اسس اللغه والرومانسيه والاحترام والادب والشعر والاخلاق ...
لقد كنا جيلا يحب العلم والثقافه والادب والفن وكنا نحفظ الشعر وكثير منا يؤلفه وكنا نتابع القصص والمسرح والسينما والتاريخ والقضايا القوميه والعالميه وكنا سياسين بالفطره ونعلم عن امريكا وبريطانيا اكثر مما يعرفه عنها اهلها وكنا نتناقش في السياسه والشعر والفن ةكأننا من اصحاب هذه التخصصات وهل يعلم السيد وزير التربيه اليوم اننا كنا ندخل الى الامتحان الوزاري الاعدادي ونحن ملزمين بحفظ اكثر من ثلاثة الآف بيت شعر وقصيده واليوم تسأل الشباب عن نزار قباني وروائعه او المتنبي او ابو فراس الحمداني فلااحد يعرف من هو واشبه بسؤالك عن بوركينا فاسو والطحال الذي حار فيه اكثر من مائة شاب ولم يعرف ماهو ؟؟ هل نحن في منحدر عميق ونتدحرج اليه بسرعه كبيره ؟؟؟
كنا جيلا واثق من نفسه معتز بها يحترم الكبير ويساعد العجوز كنا اذا ركبنا باص المصلحه وصعد رجل او امرأه كبيره السن نهض احدنا ليجلسه او يجلسها في مكانه واذا صعد مكفوف اجلسوه ولم يطالب بقطع بطاقه ركوب كنا اذا شهدنا احد معلمينا في الطريق نهرب الى الجانب الاخر ونختبيء حتى يمر احتراما ولم يكن احدنا قادر ان يجلس في مقهى المحله ولايقدر ان يدخن امام ابيه او اخيه الكبير او حتى رجال المحله ,,, كنا نعرف العيب والحياء والاحترام والذوق في ملبسنا وكلامنا وحتى في مزاحنا ,, كان احدنا اذا بلغ الثامنه عشر من عمره اعتد بنفسه وتغير تصرفه وملبسه وكلامه لانه اصبح رجلا واليوم نرى رجالا بلغوا الثلاثين وهم يستخنثون انفسهم وكانهم نساء في كل شيء ..
ماذا نرى اليوم ؟ الولد يدخن النرجيله امام ابوه ويتلفظ بمالا يليق من الكلام دون حياء ويلبس من الملابس الحمقاء التي تقشعر لها الابدان ويعاكس الفتيات بكلام جارح ومعيب ويحضرني طريفه حصلت امامي في منطقة المنصور قرب محل لبيع المثلجات وكنت اقف مع احد الاصدقاء ننتظر زميل لنا ليبتاع بعض المثلجات واذا بفتاتين يحملن مثلجات ويأكلن منها وهن ماشيات وهنا واجههم شباب وقال احدهم ( اذا الدوندرمه يأكل دوندرمه لعد احنا شناكل ) فردت احدى الفتيات ردا قاسيا ولكن بأدب ( تعرف شتأكل ؟ اكل خ... ) هذه هي اخلاق شبابنا اليوم وفي الطريق وامام الناس فكيف الحال في اماكن اخرى ؟؟
اننا لانتباهى بجيلنا فأنه لايخلى من السلبيات والنواقص ولانريد ان نذم الجيل الحالي ولكن لكي ان نثبت حاله مقارنه فهل نحن نسير نحو الهاويه ومن هو المسبب لكل ما يجري ؟؟
مع لقاء اخر ..... عبد الكريم الحسيني
3173 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع