ويسألونك عن غزة

                                                

                           سعد ناجي جواد

ويسألونك عن غزة

في كل مرة تتدهور فيها المعنويات وتهبط نسبة التفاؤل تظهر علينا حركتي المقاومة في غزة وفِي جنوب لبنان بعمل يعيد الثقة بالنفس ويُحي الأمل في الروح. وهذا ليس كلاما عاطفيا او إنشائيا، وانما حقيقة تتاكد يوما بعد يوم. فبعد تواتر وتكاثر الأخبار عن التطبيع مع اسرائيل وبصور مختلفة، و كلها تشير الى نجاح إسرائيلي كبير، ليس في إدامة تواصل او علاقات بين بعض الحكومات العربية واسرائيل، لان هذه العلاقات لم تنقطع منذ عام 1948، بل قبل ذلك، ولكن في الإعلان الصريح عن هذه العلاقات والتبجح بها، و كأنها أمرا طبيعيا ومطلوبا، والاخطر من ذلك هو نقل التطبيع الى المستوى العام في محاولة لتطبيع الذهن الشعبي وجعله مستعدا لقبول اسرائيل في الوسط الاجتماعي العربي. وأخيرا وليس اخرا العمل على جعل اسرائيل جزءا لا يتجزأ من النظام الإقليمي والامني العربي، معتقدين ان اسرائيل ستوفر لهم الحماية والدعم والبقاء في الحكم. كما ان حقيقة ان تسبق حملة التطبيع هذه موعد الإعلان عن، او محاولة فرض (صفعة القرن) على الفلسطينين اولا وبضغط عربي كبير ثانيا لابد وان تقود الى ربط كل هذه الأمور مع بعضها البعض للتوصل الى نتيجة مأساوية مفادها ان هناك محاولة جادة لاجبار العرب على ان ينسوا شيئا اسمه فلسطين والحقوق الفلسطينية والأراضي المحتلة وحق عودة الفلسطينين الى ارضهم الذين أُجلوا عنها بإرهاب العصابات الصهيونية. ويمكن القول وبكل أسف انه لو كان الامر متروكا للانظمة العربية اليوم لٓمٓرٓت كل هذه المشاريع بسهولة ويسر كبيرين، الا ان من نِعٓم الله على هذه الأمة ان قيض لها من ابناءها من ظل صامدا و متحسبا ومؤمنا بقضاياها و بوعد الله لها بالنصر الاكيد.

ما حدث في غزة في الأيام القليلة الاخيرة ما هو الا دليل على ذلك. بالتأكيد لم تكن العملية العسكرية الإسرائيلية الاخيرة تهدف الى شن هجوم شامل على القطاع او على حركة المقاومة فيه في البداية. وانما كانت الخطة كما يبدو مبنية على القيام بعملية مباغتة تهدف لاختطاف احد قيادات حماس او مهاجمة بعض مقراتها الأمنية المهمة، وبغرض توجيه ضربة معنوية ( تكون بمثابة استخفاف) بالحركة واستعداداتها وعقولها، وجعلها تظهر بمظهر العاجز عن الوقوف امام (دقة التخطيط) الاسرائيلي الذي (يعجز العرب) عن مجاراته. وعندما اكتشفت حركة المقاومة هذه العملية وتصدت لها و أفشلتها وقتلت قائدها وكانت على وشك إبادة باقي المجموعة او إلقاء القبض على أفراد المجموعة الذين حاولوا الفرار، مما شكل صفعة قوية لهيبة الجيش الاسرائيلي، تدخل الطيران الاسرائيلي لإنقاذ هذه المجموعة. وكعادة العنجهية و الإجرام الصهيونيين لم تقتصر الضربات على المنطقة التي حصل فيها الاشتباك في منطقة خان يونس وانما قامت القوات الإسرائيلية بتوسيع ضرباتها الانتقامية ضد كل غزة وشعبها، كإجراء انتقامي وإجرامي وشامل ضد كل شعب غزة المحاصرين اصلا. وكانت نية وزارة الدفاع الإسرائيلية تصعيد وتكثيف الهجمات على قطاع غزة بهدف توجيه ضربات موجعة لحركة المقاومة هناك، كما كانت تفعل عندما يواجهها اي فشل او اي خرق يحققه بعض شبان المقاومة. لكنها هذه المرة جوبهت برد جعل رئيس وزرائها يقطع زيارته الى فرنسا، التي أراد ان يستخدمها كمنبر دولي آخر للترويج لصفقة القرن و للاختراقات التي حققها مع بعض الأنظمة العربية، ويعود مسرعا الى فلسطين المحتلة. ليس ذلك فقط وانما عندما علم بنتائج العملية الفاشلة، التي كان هو بالتأكيد على علم بها و أعطى الموافقة على القيام بها، هرع مستنجدا بمصر كي ترتب وقفا لإطلاق النار. ومن يعرف ولو القليل عن العنجهية العسكرية الإسرائيلية لابد وان يستنتج ان اسرائيل لا يمكن ان تلجأ لهذه الحل، الذي ظل قادتها يعتبرونه (مُهينٓا) ولم يلجأوا اليه الا فيما ندر، لولا انها تلقت ضربات موجعة من المقاومة. ان مئات الصواريخ المحلية الصنع التي اطلقتها المقاومة، وحالة الرعب الذي عاشته مناطق غلاف غزة وهروب ساكنيها الى مناطق ابعد من مدى الصواريخ الفلسطينية، كلها أمور جعلت رئيس الوزراء الصهيوني يعيد التفكير بقراره ويحجم عن التصعيد الذي اراده وزير دفاعه، الذي عرف عنه التطرّف و العنجهية، والتي تربى عليها منذ ان عمل حارسا في احدى الملاهي الليلية في مسقط راْسه مولدوفا، التي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي، وقبل ان يهاجر الى فلسطين المحتلة. بعض المحللين، وخاصة الاسرائيلين، حاولوا افراغ النصر الفلسطيني من محتواه بالقول ان استقالة وزير الدفاع الاسرائيلي جاءت نتيجة للخلافات الشديدة داخل الحكومة الإسرائيلية و ليس بسبب فشل العدوان الأخير. ومهما كتب هذا الصنف من المحللين او قال فان الحقيقة تبقى تقول ان انتصار غزة اجبر وزير الدفاع الاسرائيلي على الاستقالة، و أحدث أزمة كبيرة داخل نظام الحكم الاسرائيلي.
الامر الاخر ان انتصار غزة الأخير لم يتمثل فقط في النجاح في افشال العملية الاخيرة للتسلل، وانما في مقابلة العدوان العنيف الذي تلاها بالمثل. ردا موجعا لم تستطع اسرائيل تحمله او الاستمرار فيه. ان اطلاق مئات الصواريخ على المستعمرات المحيطة بغزة، والضربة المباشرة لحافلة الجنود الإسرائيلية، بعد ان ترجل منها ركابها من الجنود، كلها كانت ردود فعل مدروسة وفعَّالة من جانب المقاومة الفلسطينية جعلت القيادة الإسرائيلية تعيد النظر في حساباتها. كما أظهرت الجانب الانساني والعقلاني في التعامل الفلسطيني مع العدوان، وعلى عكس تصرف او ردود افعال المعتدين الاسرائيلين.
من ناحية ثانية فان خروج أبناء غزة في احتفالات بهذا النصر الكبير، بعد ان نجحت الوساطة المصرية التي استنجد بها نتنياهو، لاعلان وقف لاطلاق النار، يقابله مظاهرات غاضبة من سكان مستعمرات محيط غزة تذمرا مما آلت اليه احوالهم، لابد وان يعطي فكرة واضحة عن معنويات الطرفين، معنويات الشعب الفلسطيني العالية وخاصة في غزة الذين لم يرهبهم العدوان رغم عنفه، و المعنويات المهزوزة و المتدنية لسكان المستعمرات المجاورة.
الشيء الأهم فان هذا النصر الأخير يجب ان لا يجعل المقاومة الفلسطينية تسترخي وتنسى ما يعده الاسرائيليون من ترتيبات لإعادة الكرة. وصورة اكبر و اعنف، وربما قريبا. و يجب ان يعدوا العدة لرد يتناسب وما سيقدمون عليه. اسرائيل لا تفهم سوى مفهوم القوة، وان مبدأ (العين بالعين و السن بالسن والبادي اظلم) هو ما سيفشل كل المخططات التي تحاك لوضع القضية الفلسطينية على رفوف النسيان.
اخيرا وليس آخرا فان ما تحقق من تلاحم بين فصائل وقيادات المقاومة الفلسطينية خلال النصر الأخير يحب ان. يستمر، وان تحرص المقاومة على ركن الخلافات جانبا، لان هذا التلاحم هو الكفيل بافشال اية صفقة او عملية تطبيع لا تأخذ بعين الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني المهضومة منذ عقود طويلة.
وسلام عليك يا غزة يا معقل النضال الفلسطيني والعربي. وحفظك الله و شعبك من كل سوء.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1968 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع