قاسم محمد داود
الاحزاب السياسية العراقية في العهد الملكي
حزب الشعب
بعد ان انتهت الحرب العالمية الثانية وصار من الضروري نقل البلاد من حالة الحرب الى حالة السلم، وإلغاء قوانين الطوارئ التي كانت تحرم العمل الحزبي اجازت وزارة توفيق السويدي (1892 – 1968) في عام 1945 مجموعة من الأحزاب السياسية كان من بينها حزب الشعب والذي كان قد ابتدأ نشاطه السياسي وبشكل سري عام 1942، وذلك بعد ان قدم جماعة من المحامين ومن حملة الأفكار الاشتراكية طلب تأسيس حزب سياسي تحت اسم (حزب الشعب) الا ان الطلب رفض من قبل الحكومة. وفي عام 1946 قدمت مجموعة المحامين وعلى رأسهم المحامي عزيز شريف (1904- 1990) وهو سياسي وطني من الشخصيات اليسارية البارزة من جديد طلباً الى وزارة الداخلية للحصول على إجازة بتأليف حزب الشعب. وتمت إجازة الحزب في 2 نيسان 1946 وبعد حصول الحزب على الموافقة اصدر جريدة (الوطن) لسان حال الحزب. وكان عزيز شريف رئيس تحرير لها.
دعا حزب الشعب في منهاجه الداخلي الى:
1- تحقيق الحياة الديمقراطية في العراق، وإلغاء جميع القوانين الاستثنائية المناقضة للحريات والديمقراطية. واستقلال القضاء وحرية انتخاب مجلس النواب والمجالس البلدية والإدارية.
2- تعزيز استقلال العراق واستكمال سيادته والتعاون مع سائر الأقطار العربية لضمان استقلال كل منها، وإعادة النظر في العلاقات العراقية – البريطانية وانماء العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع جميع الدول.
3- حل مشكلة الأرض بتوزيع الأراضي الاميرية الصرف على الفلاحين وتأسيس المصارف الحكومية لإقراض الفلاحين، وتأسيس الجمعيات التعاونية للفلاحين، وإلغاء جميع العادات والقواعد الزراعية القديمة المجحفة بحقوق الفلاحين.
4- تحقيق حقوق العمال التي يضمنها قانون العمل النافذ، وتحديد ساعات العمل اليومي والحد الأدنى للأجور وتوفير الشروط الصحية الملائمة.
مع تغيير الظروف العالمية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وانتشار حركات التحرر الوطنية في آسيا وافريقيا برزت الحركة الوطنية العراقية كحركة مؤثرة قوية وأخذت توجه الرأي العام باتجاه المطالبة بضرورة تعديل الامتيازات الممنوحة لشركات النفط الأجنبية العاملة في العراق، بشكل تزداد فيه حصة الحكومة العراقية، لذلك فقد أكد الحزب في منهاجه على التمسك بحق العراق المشروع في ثرواتهِ الاقتصادية. وكان التخلص من النفوذ الأجنبي وسيطرته على البلاد واستحواذه على خيراته وموارده، على رأس اهداف الحزب ووصفه بأنه ((هو السبب لكل ما يعانيه شعبنا من فقر ومرض وهو العامل الرئيس في تفسخ جهاز الحكم)).
وفي المجالات الاقتصادية الأخرى نقرأ في المادة السادسة من منهاج الحزب:
"لانعاش الاقتصاد الوطني، ولنشوء الصناعة الوطنية الحديثة في البلاد، يعمل الحزب لتحقيق الأمور التالية:
أ- تشجيع المشاريع الصناعية الاهلية، وحمايتها من المزاحمة الأجنبية.
ب- قيام الحكومة بالمشاريع الصناعية الكبرى، التي تتعلق بحاجات البلاد العامة، واشتراك الحكومة في بعض المشاريع الأخرى.
ج- تطوير المواصلات البرية، والنهرية، والجوية، وتحسينها.
د- حماية الصادرات العراقية من احتكار الشركات الأجنبية المصدرة، والناقلة وحماية الاقتصاد الوطني من احتكار الشركات الأجنبية عموماً.
تضمن الحزب تياران من حيث الفكر ومن طريقة التعامل مع الحكومة الأول يدعو الى الوقوف ضد السلطة والعمل على اسقاطها والثاني يرى ضرورة مجاراتها للحصول على المكاسب الممكنة.
اهتم حزب الشعب بالقضايا العربية فقد كانت جريدة الوطن لسان حال الحزب تولي القضايا القومية العربية اهتماماً كبيراً وكانت تدعو ان تكون الحركة القومية العربية حركة تحررية هادفة قائمة على الوعي القومي لحاجات المجتمع العربي وتحقيق هذه الحاجات، وطالبت الجريدة بجلاء الأجنبي المستعمر عن الأرض العربية وتحقيق استقلالها، ودافعت عن القضية الفلسطينية وكشفت المؤامرات الغربية التي كانت تهدف الى انشاء إسرائيل. كما وقف الحزب بجانب الحركات الطلابية وقام بنشر الاحتجاجات الطلابية في جريدة الوطن الناطقة باسمه. لم يشارك الحزب في حكومات العهد الملكي فقد اتخذ الحزب موقف المعارض من الحكومات المشكلة آنذاك كما ان عمره كان قصيراً، فبعد ان انتقد عزيز شريف رئيس الحزب ورئيس تحرير جريدة الوطن وزارة صالح جبر(1896 – 1957) بالقول " ليس من السياسة انتظار الحكام وهم يتصرفون بشؤون البلاد ثم الحكم على أعمالهم ".وكتب مقالاً بعنوان: (مهمة الوزارة الحاضرة، منهاجها والمشاريع التي تواجهها)، أوضح فيه ان فيه النفوذ البريطاني الذي أبتلي فيه العراق، هو المسير الرئيسي للسياسة العراقية، ولذلك فأن المهمة الرئيسة التي ستواجهها هذه الوزارة تتعلق بالسياسة الخارجية، اما السياسة الداخلية فأنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسة الخارجية ، مبيناً إن الطريقة التي تألفت فيها هذه الوزارة هي طبق الأصل لطريقة تأليف الوزارات السابقة، والتي اعترف الساسة الرسميون بإخفاقها، وانها من جملة الأسباب التي أدت الى معاناة الشعب واستبداد الفئة الحاكمة في الجهاز الإداري بحيث اصبح منهاج الوزارة حبراً على ورق. ووصفت جريدة الوطن منهاج الوزارة بأنه جاء بتوجيه من النفوذ البريطاني ولصالحه وأنها استجابت لمصالح المستعمر، وفي مؤتمر الحزب المنعقد في 30 حزيران 1947 القى عزيز شريف رئيس الحزب خطاباً أوضح من خلالهِ طبيعة العلاقة بين العراق وبريطانيا ووصفها بأنها عقد بين سيد ومسود وان غرض السياسة الاستعمارية هو سلب الحريات الوطنية وسوق الوطنيين الى السجون والمعتقلات. لذلك قامت الوزارة بتعطيل الجريدة، وقد حاول الحزب اصدار جريدة يومية سياسية بدلاً عنها باسم (شعبنا) لكن وزارة الداخلية رفضت اجازتها. كان حزب الشعب معارضاً فقد عارض وزارة ارشد العمري ووزارة نوري السعيد التاسعة وعارض وزارة صالح جبر معارضة لاهوادة فيها، وفي (29 أيلول 1947) أبلغت وزارة الداخلية الحزب بسحب اجازته معللة ذلك بقيام الحزب بتشكيل خلايا سرية وبالحصول على أموال من جهات مجهولة.
لم ينقطع حزب الشعب بعد سحب اجازته عن العمل السياسي فقد تحول الى العمل السري وبعد وثبة كانون الثاني 1948 (وهي انتفاضة شعبية ضد حكومة صالح جبر التي عقدت معاهدة بورت سموث او معاهدة " جبر – بيفن " كما كانت تسمى، مع بريطانيا) جرت محاولة لإعادة تأسيس الحزب، فقد عادت جريدة الوطن للصدور في شباط من نفس العام. وقُدمَ طلب لإعادة إجازة الحزب في آذار واخذت الجريدة تنشر المقالات والبرقيات الداعية الى الموافقة على إجازة الحزب، ولكن وزارة الداخلية رفضت الطلب.
1062 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع