ضرغام الدباغ
ظواهر وخفايا الخلاف الأوربي ــ الامريكي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراسلات :
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته. Dr. Dergham Al Dabak :
دراسات ـ إعلام ـ معلومات
العدد : 311
التاريخ : 2018 / Sep.
أنعقد مؤتمر قمة الدول الصناعية السبع (كانت روسيا الاتحادية من ضمن هذه الكتلة لتصبح ثمانية، إلا أنها استبعدت بعد أحداث القرم وأوكرانيا) في كيوبيك / كندا ( 8 ـ 10/ حزيران / 2018)، وكما كان متوقعاً، فإن الخلافات الملتهبة في عهد الرئيس أوباما، ولكنها كانت تحت السيطرة، ربما بسبب طبيعة الحزب الديمقراطي الأمريكي، أو بسبب شخصية الرئيس أوباما التي تختلف عن طبيعة وشخصية الرئيس ترامب، ولكن في جميع الأحوال نؤكد أن منصب الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية هو موقع مدروس بعناية تامة ودقة لا تحتمل الأخطاء العابرة، وبذلك يمكن القول تماماً أن الرئيس ترامب وما تتسم به مرحلته، هي مطلوبة ومخطط لها، في تفجير خلاف أوربي / أمريكي، كانت الولايات المتحدة تحتمله على مضض، ولكن الآن فقد فاض الكيل وبلغ السيل الزبى. وهذا الانفجار كان الرئيس أوباما قد حذر منه في آخر جولة أوربية له (قبل نهاية عهده بشهور)، من أن صبر الولايات المتحدة قد ينفذ ويحدث ما لا تحمد عقباه.
بعد نهاية الحرب الباردة (التي كانت بعض فصولها ساخنة) كان الأوربيون التواقون إلى الأمن لسلام، قد اعتقدوا مرحلة سلام ورخاء ستحل، ولتختفي لغة الحرب والوعيد، وآن الأوان اقتحام أوربا الشرقية سياسياً واقتصادياً، ولكن السياسة الأوربية للولايات المتحدة أقحمت أوربا الغربية والناتو من جديد في أزمات متلاحقة، أزمات البوسنة والصرب، جورجيا، وجمهوريات البلطيق، والقرم، أوكرانيا، وناهيك عن تحركات حكومتا بريطانيا وبولونيا داخل الاتحاد الأوربي، كانت تهدف إلى إضعاف الاتحاد الأوربي، وآخرها انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وإبقاء ضرورة وأهمية لحلف الناتو، لتتواصل الهيمنة تحت المظلة الأمريكية.
كانت المساعي الأمريكية في التصعيد تبدو بنظر الأوربيين تطرفاً، وتسخيناً لا ينطوي على مبررات واقعية، وإلى جانبها مرتكزات لها في أوربا الغربية متمثلة بالحليف البريطاني المخلص، وشرقاً في بولونيا، ناهيك عن تعاطي عميق مع جورجيا، وليتوانيا ولاتفبا وأستونيا، وحين انفجرت الأزمة الأوكرانية والتي في جوهرها تدخلات أمريكية في جورجيا وأرمينيا، وسائر دول آسيا الوسطى. والأوربيين كانوا يتحسسون من التدخل الأمريكي المتزايد في الشؤون الأوربية، إحباطاً للمساعي الألمانية والفرنسية في تعزيز كيان الاتحاد الأوربي. والولايات المتحدة تعتقد أن " الغرب " ينبغي أن يكون له رأس واحد وقيادة واحدة تتمثل بقيادتها وهيمنتها.
الأوربيين أدركوا الأهداف القريبة والبعيدة لهذه التدخلات، ولكن مشاكل الاتحاد الأوربي، بدورها متفاقمة الطابع، من الأزمات الاقتصادية التي كادت تطيح باليونان وايرلندة والبرتغال، وإلى حد ما أسبانيا، وضربت حتى الدول ذات الاقتصاديات المستقرة والمتينة كهولندة والنمسا، وأزمات سياسية منها مشكلات داخل الاتحاد الأوربي، ومشكلة التوازن في القارة الأوربية بين روسيا، والاتحاد الأوربي، الذي يعاني أصلاً من مشكلات جمة في مقدمتها تقدم اليمين الشعبوي المتطرف الذي بدأ يكتسح الساحات في دول الاتحاد مثل الدانمرك، وبريطانيا والنمسا وإيطاليا، وعدم وجود انضباط بين دول الاتحاد، وحتى الحكومات الليبرالية بدأت تتردد في سياستها الداخلية خشية الانتكاسة في صندوق الانتخابات. ناهيك عن مشكلات اجتماعية مقلقة تتفاقم بلا حلول. منها انتشار ظواهر المخدرات بين الشباب، والانفتاح الجنسي بلا حدود، والعزوف عن الزواج والإنجاب، واضمحلال دور الأسرة كخلية اجتماعية هامة، والهجرة (صوب استراليا ونيوزيلندة وكندا) وظواهر العنف والتطرف، وغيرها مما يشكل قلقاً حالياً وللمستقبل.
الإدارة الأمريكية تعتقد، وهذا ليس بجديد، أن الأوربيون يستغلونها، ففي أيام الحرب الباردة حين اتكلوا على قوة أميركا العسكرية للوقوف لوجه الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وحلف وارسو، وأميركا قبلت ذلك جزئياً لأنها كانت تدرك أن أوربا الخارجة من الحرب العالمية الثانية محطمة، لا يمكن الاعتماد عليها عسكرياً، كما لا ينبغي التعامل معها على قدم المساواة في الميزان التجاري والإنفاق العسكري، ثم أن الموقع القيادي للولايات المتحدة القوية والثرية ضمن التحالف الغربي، له استحقاقاته، ولكن الآن وبعد أتحد الأوربيون وبعض دولهم أصبحت دول تتمتع بأقتصاديات متينة (كألمانيا، والنمسا، فرنسا، وإيطاليا، وهولندة والدانمرك) ثم أخذوا يتسابقون لخطب ود روسيا واعتمادهم عليها (بدرجة كبيرة) في موضوعات الطاقة (النفط والغاز)، ومساعي الاتحاد الأوربي في أن يكون قطباً عالمياً بقيادة فرنسا وألمانيا، بحيث يستغني عن الولايات المتحدة، فلسان حال الإدارة الأمريكية يقول " فليتحمل إذن كل أعباؤه، ولتسد العدالة والتوازن في العلاقات ".
أين يتفق وأين يختلف الأوربيون مع الولايات المتحدة
يتفق الأوربيون مع الولايات المتحدة في قضايا ويختلفون في أخرى، لكن ليس بالمطلق وليس بدون حدود أو سقف. يتفق الأوربيون مع الأمريكان في التصدي " للإرهاب " ومصطلح الإرهاب لم يتم الاتفاق على تحديده حسب القانون الدولي والمواثيق الدولية، لذلك فهو يفهم ويكيف سياسياً حسب الحاجة، (مثلاً امتنعت فرنسا وألمانيا من المشاركة في الحرب على العراق) فالمصطلح يتسع ويضيق بلا حدود أو سقف. ولكن حتى التصدي للإرهاب الذي يشمل " الإسلام " قد يتسع ليشمل النزعات التحررية لدى الدول التي تريد أن تتجه بسياسة خاصة ابتداء أفغانستان، وحتى العراق، بل وتركيا العضو في الناتو ..!
والديمقراطية ودعم الدول الديمقراطية هي سياسة نسبية ومزدوجة المعايير، فالولايات المتحدة والغرب لا يقبلون بالحكومات التي تصل ديمقراطيا إلى السلطة، إذا لم تتفق معها في الخط العام والتفاصيل، فهي في غاية النسبية، وفي النهاية فإن الدول التي لا تقبل بقيادتنا للعالم ونحدد لكل دوره ولونه السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وحتى الخلاف مع كوريا الديمقراطية لهو مساراته، أو إيران، التي يختلفون معها بشيئ، ولكن يتفقون في أشياء أخرى. والإدارة الأمريكية عبرت حتى عن ضيق صدرها في التعامل مع الأوربيين وتناقضت معها في أوقات ومناسبات مختلفة، تناقضات بلغت أحياناً درجة عميقة.
ــ الخلاف حول التخصيصات العسكرية.
وهذه من أقدم ملفات الخلاف بين الولايات المتحدة وبلدان الناتو المتحالفة معها. ومنذ نهاية الحرب العالمية كانت الولايات المتحدة تتحمل الثقل الرئيسي من مسؤوليات الدفاع عن أوربا الغربية، وتخصص له جزء هام من الدخل القومي، وأنخفض نسبياً بعد نهاية الحرب الباردة، إلا أنه ما يزال الإنفاق الأمريكي في مسؤولياته ضمن الناتو لا يقل عن 4% من الدخل القومي الأمريكي (لا يقل عن 700 مليار دولار) ولا يزال أكبر انتشار عسكري لقوات الولايات المتحدة خارج البلاد هو في ألمانيا، ولكن الحكومة الألمانية لا تدفع أكثر من 1% من دخلها القومي للدفاع، وحتى هذا الجزء البسيط تدفعه بتلكؤ.
ومثل ألمانيا تفعل سائر بلدان الناتو، واليابان كذلك، والولايات المتحدة تعتقد أن هذا غبن فادح، أن تبعث بقواتها المسلحة إلى بلدان حليفة لتدافع عنها وفقاً لالتزامات، نعم هي تقبل بها ومقتنعة بجدواها السياسية، وبدورها كقائد للتحالف، ولكن بالمقابل لا تفعل تلك الدول المعنية إلا جزء بسيط جدتً مما يتعين القيام به في التحالف والدفاع المشترك.
وفي 11 حزيران/ 2018 قال ترامب إن ألمانيا "تدفع بالكاد (37 مليار دولار) 1% من إجمالي ناتجها القومي إلى الحلف الأطلسي، بينما ندفع نحن 4% من إجمالي الناتج القومي وهو أكبر بكثير جدا مما تدفعه ألمانيا للدفاع عن نفسها (700 مليلر إلى 37 مليار)..!. هل هذا منطقي؟ نحن نحمي أوروبا (وهذا أمر جيد) رغم الخسارة المالية الكبيرة، ثم نتلقى ضربات على صعيد التجارة. التغيير قادم..! ". وأمام إصرار ترامب على وقفة المراجعة، أعلنت المستشارة الألمانية ميركل في وقت سابق بأن " القمة التي سيعقدها حلف شمال الأطلسي (في تموز) لن تكون سهلة ".
من بين جميع دول الناتو تعرضت ألمانيا إلى انتقادات شديدة من الرئيس ترامب بسبب إنفاقها العسكري المنخفض. ويرى ترامب أن ألمانيا تتمتع بحماية الناتو، ولكن دون تقديم مساهمة مالية مناسبة. وإذا كان الأمر متروكاً له، فعلى برلين الاستثمار بنسبة 2% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي في الجيش الألماني، على النحو المتفق عليه في اجتماع الناتو عام 2014.
في العام (2017)، أنفقت ألمانيا حوالي 1.2 % من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع (بعد الضغوط والإلحاح)، أي حوالي 37 مليار يورو. ووفقاً لاتفاق الائتلاف الحكومي، فإن هذا الإنفاق سوف يزداد ببطء خلال السنوات الأربع القادمة، لكنه لن يصل إلى الهدف المطلوب والذي هو 2%.
ــ الخلاف حول الاتفاق النووي مع إيران.
تعتبر ألمانيا من أكبر المؤيدين لـ"خطة العمل المشتركة الشاملة" (JCPOA)، والمعروفة بالاتفاق النووي مع إيران. وتلزم اتفاقية عام 2015 طهران بالحد من أهدافها النووية. وفي المقابل، تم تخفيف العقوبات المفروضة عليها من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. وتعتقد برلين أن في هذه الاتفاقية ضماناً على أن إيران لن تقوم بتطوير أسلحة نووية. غير أن الرئيس الأمريكي ترامب يفسر هذه الاتفاقية بشكل مختلف تماماً. فبالنسبة له فإن الصفقة مع إيران هي "أسوأ صفقة على الإطلاق". ويتهم الرئيس الأمريكي إيران بعدم الالتزام بالاتفاقيات ويرفض تجديد التصديق على الاتفاقية الذي يحدث مرة كل 120 يومًا. ويهدد ترامب بإلغاء الخطة بأكملها، الأمر الذي سيسبب مشكلة كبيرة في برلين ودول في أوروبا.
وكانت الحكومات الأوربية الرئيسية (ألمانيا بريطانيا وفرنسا) قد انتهزت فرصة رفع العقوبات، فأسرع مسئولوها وشكاتها إلى إيران للاستثمار وإبرام عقود في شتى المجالات، وعندما وجاء انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 وخططها لإعادة فرض العقوبات على إيران مع تهديد بفرض عقوبات على أي شركات أجنبية تنخرط في أنشطة هناك. عبرت حكومات ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إنهم ما زالوا ملتزمين بالاتفاق النووي. وقال وزير الاقتصاد الألماني إن حكومة بلاده لا ترى سببا ملحا لتغيير برنامج ضمانات التصدير الخاص بإيران. وصرح الوزير قائلا "نحن مستعدون للحديث إلى جميع الشركات المهتمة بشأن ما يمكننا أن نفعله للحد من التداعيات السلبية. "هذا يعني أن الأمر هو بشكل ملموس يتعلق بوضع الأضرار في أضيق حدود" ويشمل هذا تقديم الاستشارات القانونية. لكن الوزير أشار أيضا في حديثه إلى أن الحكومة الألمانية لا تملك إمكانية لحماية شركات ألمانية من قرارات الحكومة الأمريكية أو الاستثناء منها.
ولدى ألمانيا نحو 120 شركة باشرت عملياتها بموظفين من تلك الشركات بأنفسهم في إيران، ومن بينها سيمنس، فضلا عن نحو عشرة آلاف شركة ألمانية تتعامل مع إيران.
يذكر أن صادرات البضائع الألمانية إلى إيران ارتفعت العام الماضي بنحو 400 مليون يورو إلى أكثر من ثلاثة مليارات يورو (3.57 مليار دولار) بما يزيد قليلا عن 0.2 % من مجمل الصادرات الألمانية، لكن هذا الحجم أكبر من صادرات بريطانيا وفرنسا. فيما تبلغ قيمة صادرات الشركات الألمانية إلى الأسواق الأمريكية حوالي 111 مليار دولار. وقال وزير الاقتصاد الألماني إن ألمانيا ينبغي أن تتجنب "موجة تصعيد" في العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة.
وكان ممثلون قياديون عن الأوساط الاقتصادية في ألمانيا انتقدوا بشدة دعوة الولايات المتحدة للشركات الألمانية بإنهاء صفقاتها مع إيران فورا، مطالبين الحكومة الألمانية بالدعم. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة وضعت مهلة 180 يوما لتصفية تعاملات الشركات الأجنبية في إيران، إلا تعرضت لعقوبات أمريكية، وهو أمر يرفضه الأوروبيون بشدة ووصفوه بأن الولايات المتحدة تلعب دور الشرطي الاقتصادي في العالم.
ويدرس الاتحاد الأوروبي الإجراءات التي يمكن اتخاذها لحماية الاستثمارات الأوروبية في إيران، بعد أن حددت طهران إنذارا نهائيا أمده 60 يوما لبروكسل(عاصمة الاتحاد الأوربي) لضمان استمرار تنفيذ الاتفاق. وللحفاظ على الاتفاق، ينبغي على الاتحاد الأوروبي تأكيد أن الالتزام به لا يزال في صالح طهران، عبر ضمان إمكانية استمرار التجارة مع إيران، رغم التهديد المتجدد بالعقوبات الأمريكية.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على محافظ البنك المركزي الإيراني وعلى مصرف البلاد الإسلامي الذي مقره العراق "لتحويلهما ملايين الدولارات" للحرس الثوري الإيراني مع سعي واشنطن لوقف تمويل ما تصفه بأنشطة إيران الخبيثة في الشرق الأوسط.
الرئيس ترامب قرر الانسحاب من الاتفاق النووي وتعهد بفرض عقوبات على إيران، وقال وزير الخزانة الأمريكي إن محافظ البنك المركزي الإيراني قد حول سرا ملايين الدولارات نيابة عن فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني من خلال مصرف البلاد "لتعزيز أجندة حزب الله التي تتسم بالعنف والتطرف".
وقال الوزير الأمريكي في بيان "من الأمور المروعة ولكن غير المفاجئة تآمر أرفع مسوؤل مصرفي إيراني مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لتسهيل تمويل جماعات إرهابية مثل حزب الله، وذلك يقوض أي مصداقية قد يدعيها في حماية نزاهة هذه المؤسسة كمحافظ لبنك مركزي".
ووصف وزير الخارجية الإيراني في تصريح له في بروكسل العقوبات على محافظ البنك المركزي بأنها غير قانونية. وأدرجت أيضا الخزانة الأمريكية أسم علي ترزالي مساعد مدير الإدارة الدولية بالبنك المركزي الإيراني وآراس حبيب رئيس مصرف البلاد الإسلامي ضمن القائمة السوداء.
وقالت الوزارة إن العقوبات ضد سيف وترزالي لن تؤثر بشكل فوري على تعاملات البنك المركزي. لكنها أضافت أن العقوبات التي يجري إعادة فرضها بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق إيران النووي سوف تؤثر على تعاملات معينة للبنك المركزي بالدولار الأمريكي ابتداء من 7/ آب.
ــ انعكاسات الاتفاق النووي مع إيران على الاقتصاد الألماني.
بوفد رفيع المستوى من رجال الاقتصاد والصناعة روج زيغمار غابرييل، وزير الخارجية الألماني السابق بأيام قليلة بعد التفاهم على الاتفاقية النووية لبداية جديدة في العلاقات الاقتصادية الألمانية الإيرانية. ونوه وزراء النفط والطاقة والصناعة في صيف 2015 بآفاق المشاريع الاقتصادية المشتركة. وتمكنوا من الاعتماد في ذلك على تحليلات الخبراء: فالخبراء أكدوا أن الحاجة إلى الاستثمارات في الصناعة الإيرانية ستصل إلى بليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة. وكان الأمل أن يحصل قطاع صناعة الآلات وصناعة السيارات وكذلك قطاع الصيدلة والطب على قطعة كبيرة من الكعكة الإيرانية.
لكن بعد مرور ثلاث سنوات حلت خيبة الأمل. وصحيح أن التجارة الألمانية الإيرانية انتعشت بقوة، لكن على مستوى متواضع. ففي 2015 كان رئيس غرفة الصناعة والتجارة الألمانية قد تنبأ، بحجم تجارة سنوي يصل إلى عشرة مليارات يورو. لكن في الواقع 2017 لم يتحقق عام 2017 سوى فقط 3.5 مليار يورو وكانت التجارة قد بلغت 2.7 مليار وهي سنة العقوبات 2014. وهذا رغم أن التجارة مع الشعب الذي يصل عدد سكانه إلى 80 مليون نسمة تراجع بشكل ملحوظ بعد الاتفاقية النووية.
وبإمكان إيران مجددا تصدير النفط والغاز إلى الاتحاد الأوروبي، وفي المقابل شراء طائرات أوروبية ومنتجات أخرى. ويمكن للبنوك الألمانية تمويل صفقات تجارية ثنائية بقروض. وألغى الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد 300 شخص. وعلى الرغم من ذلك يبقى التعامل مع إيران أرضية ملغومة. ولاسيما تمويل المشاريع الكبرى يتسبب في قلق كبير للصناعة. ويشكو مدير أعمال غرفة التجارة الألمانية الإيرانية من أن "البنوك الكبرى ما تزال غير مستعدة للخوض في التعامل مع إيران". وهذا له علاقة بالعقوبات التجارية للولايات المتحدة الأمريكية التي لم تُلغى أيضا في عهد باراك أوباما. وتبقى التعاملات مع الحرس الثوري الإيراني مستهدفة. "فحراس الثورة الإسلامية" يسيطرون على ثلث الاقتصاد الإيراني ولهم بالتالي تأثير على كثير من الشركات.
وبالنسبة إلى البنوك الألمانية التي تعمل أيضا في السوق الأمريكية يبقى تمويل الصفقات مع إيران شائكا بحيث يجب عليها توقع عقوبات مؤلمة. وعلى هذا النحو كان مصرف Commerzbank مجبرا في 2014 على دفع 1.45 مليار دولار للدولة الأمريكية بسبب خروقات ضد العقوبات المفروضة على إيران ـ ومصرف Paribas الفرنسي دفع تسعة مليارات دولار. ولا عجب أن تفزع البنوك الألمانية الكبرى من الدخول في مثل هذه الصفقات. وعلى هذا الأساس فإن غرفة الصناعة والتجارة الألمانية تجزم أن " الحيوية الكبيرة لم تحصل".
لكن ليس فقط الخوف من حصول متاعب مع الإدارة الأمريكية هو الذي يشل التجارة الثنائية مع إيران التي كانت في السبعينات ثاني أكبر شريك لألمانيا خارج أوروبا. وقبل الحصار كانت ألمانيا أهم شريك تجاري لإيران. وفي الأثناء تغيرت أيضا النظرة الإيرانية. وأن تشتري الصين خلال العقوبات النفط من طهران بكميات كبيرة، فهذا كان له تأثيره. فالإيرانيون كثفوا خلال فترة العقوبات تعاونهم مع الصين بحيث تم تجاوز ألمانيا كأكبر مورد. بل حتى على المستوى الأوروبي تراجع الاقتصاد الألماني: صحيح أن منتجي السيارات الألمان تمكنوا من تقوية وجودهم في إيران بعد نهاية العقوبات، لكن الصفقات الكبرى يديرها آخرون. فنحو نصف أكثر من 1.5 مليون سيارة منتجة في إيران كانت السنة الماضية من إنتاج بيجو ورينو. فالشركتان الفرنسيتان تنتجان لدى شركات سيارات إيرانية، لأن الحكومة في باريس كانت قد أبرمت اتفاقية مع إيران.
أعلن الرئيس الأمريكي ترامب في الـ 12 من أيار عن قراره بخصوص إيران، فإنه سيتغير في الحال لقرار سلبي بالنسبة إلى الاقتصاد الألماني، لأنه أولا الرئيس الأمريكي لا يقرر بشأن البرنامج النووي، بل فقط بشأن العقوبات في إطار صفقات النفط. والبنوك الأجنبية والشركات التي تشتري النفط عبر البنك المركزي في طهران، ستُعاقب في المستقبل مجددا من الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا القانون ينطبق منذ الآن على البنوك الأمريكية. وستكون صادرات النفط الإيرانية إلى الاتحاد الأوروبي بوجه خاص مهددة. ولكن حتى بعد توثيق العلاقات التجارية هي لا تمثل سوى الربع، والجزء الأكبر يذهب إلى الصين والهند. وقانون أمريكي مشدد ينطوي على عدد من الاستثناءات لن يلغي فورا الاتفاقية النووية، ولن يؤثر دفعة واحدة على التعاون الاقتصادي الألماني الإيراني المتنامي ببطء. لكن عدم الأمان في التجارة مع إيران سيزداد. وعدم الأمان هو بمثابة سم بالنسبة إلى الانفراج الاقتصادي. فالطفرة الاقتصادية الكبيرة مع إيران ستبقى بالنسبة إلى الصناعة الألمانية فقط حلما.
ــ بعد قرار ترامب ... أوروبا والخوف على التجارة مع إيران
وقد أثار الإعلان الأمريكي القاضي بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران مخاوف الشركات الأوروبية التي رأت أن هذا الإعلان قد يؤدي إلى خسائر اقتصادية باهظة لها وهو ما دفع مسؤول من الرئاسة الفرنسية (9 / أيار) إلى الإعلان أن المسؤولين الأوروبيين سيبذلون "كل جهد" ممكن لحماية مصالح شركاتهم العاملة في إيران "من خلال التدخل لدى الإدارة الأمريكية".
وكانت واشنطن عند إعلانها انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني هددت بفرض عقوبات على كل الشركات الأجنبية المتعاونة مع إيران وأمهلتها 180 يوما للالتزام، وهو ما عبر عنه سفير الأمريكي الجديد في برلين ريتشارد جرينيل (8/ أيار) حيث طالب في تغريدة له على مواقع التواصل الاجتماعي بانسحاب الشركات الألمانية من إيران فورا. وكتب جرينيل على تويتر إن على الشركات الألمانية التي لها أنشطة في إيران أن "توقف فورا" هذه الأنشطة. كما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون أن إعادة العمل بالعقوبات الأمريكية المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني ستسري فورا على العقود الجديدة، موضحا أن إمام الشركات الأجنبية بضعة اشهر "للخروج" من إيران.
ويشكل قرار الرئيس الأمريكي ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني نكسة قوية للأوروبيين بعدما بذلت فرنسا وألمانيا وبريطانيا جهودا دبلوماسية مكثفة لإقناعه بالبقاء فيه. وعلق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على تويتر بالقول إن "فرنسا وألمانيا وبريطانيا تأسف للقرار الأمريكي وستعمل بشكل جماعي على اتفاق أوسع". والرئيس الفرنسي الذي عمل منذ انتخابه على إقامة علاقات جيدة مع نظيره الأمريكي، فشل في تغيير موقف ترامب خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن.
كما فشلت برلين ولندن الموقعتان أيضا على الاتفاق المبرم في 2015 مع طهران، في ثني ترامب عن المضي في قراره في ختام مشاورات دبلوماسية ماراثونية. وبعد أيام على زيارة ماكرون، حاولت المستشارة الألمانية ميركل تغيير موقف ترامب وتبعها وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون. ولإنقاذ النص، حاول الأوروبيون مراعاة ترامب عبر اقتراح التفاوض مع إيران على "اتفاق جديد" يأخذ بالاعتبار القلق الأمريكي حول قيام طهران بتطوير صواريخ بالستية وكذلك أنشطتها التي تعتبرها "مزعزعة للاستقرار" في الشرق الأوسط وسوريا واليمن بشكل خاص.
مصالح ألمانية مهددة: ونشرت مجلة فوكوس الألمانية على موقعها الإلكتروني مطالبة الحكومة الألمانية بالعمل على إنقاذ المصالح الاقتصادية الألمانية. ووفقا للمجلة فإن حجم الصادرات الألمانية لإيران بلغ ما مقداره ثلاثة مليارات يورو العام الماضي وهو ما يبلغ 0.% من مجموع الصادرات الألمانية بشكل عام لسنة 2017. وقالت المجلة إن نسبة الصادرات الألمانية ارتفعت ما مقداره 16 % عن العام السابق إلا أن قرار ترامب قد يؤدي إلى تجميد للعلاقات الاقتصادية بين البلدين ويكبد ألمانيا خسائر فادحة.
كما عبرت العديد من الشركات الألمانية عن تخوفها من خسائر مالية مفترضة حيث قالت شركة فولكسفاغن إنها بدأت العام الماضي فقط بإرسال سيارات إلى إيران، فالقرار الأمريكي قد يعني وقف هذا التصدير، كذلك أبدت شركة هينكل الرائدة في مجال صناعة المنظفات مخاوفها من تأثير قرار ترامب على خططها التجارية المستقبلية مع إيران، بحسب مجلة فوكوس. وتعهدت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل الأربعاء(9/ أيار) بقيام برلين وباريس ولندن "بكل ما يلزم" لضمان بقاء إيران في الاتفاق النووي المبرم عام 2015 غداة انسحاب الولايات المتحدة منه.
وصرحت المستشارة الألمانية ميركل "سنبقى ملتزمين بهذا الاتفاق وسنقوم بكل ما يلزم لضمان امتثال إيران له" مضيفة أن ألمانيا اتخذت هذا القرار بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا. وفي تصريح لمجلة شبيغل الألمانية قال رئيس السياسة الدولية في حزب ميركل إنه سيكون من الصعب الالتزام بالاتفاق دون الولايات المتحدة نظرا إلى أن الشركات الأوروبية التي تواصل تعاملاتها التجارية مع الجانب الإيراني قد تتعرض لعقوبات أميركية قاسية.وقال إن أي جهة "تستثمر في إيران ستواجه عقوبات قاسية من قبل الولايات المتحدة، ولا يمكن تعويض ثمن ذلك". وحذر قائلا "لذلك فإن الشركات المتأثرة ستتراجع على الأرجح سريعا عن استثماراتها أو تنسحب من البلد تماما".
ــ فرنسا تريد الدفاع عن المكاسب الاقتصادية
من جهتها قالت فرنسا إنها سوف تسعى إلى الحفاظ على بعض المزايا والمنافع الاقتصادية العائدة على إيران من الاتفاق النووي. وقال وزير الخارجية الفرنسي إن إيران كانت قد وافقت على فرض قيود على أنشطتها النووية "مقابل منافع اقتصادية سيحاول الأوروبيون الحفاظ عليها". وذكر الوزير الفرنسي لمحطة " RTL" الإذاعية الفرنسية إن السلطات ستجتمع مع الشركات الفرنسية العاملة في إيران خلال أيام لبحث " كيف يمكننا مساعدة عملياتهم في إيران في محاولة حمايتها قدر الإمكان من الإجراءات الأمريكية " .
وفي الوقت نفسه قال وزير الاقتصاد الفرنسي إنه "ليس من المقبول" أن تتصرف الولايات المتحدة كأنها "شرطي اقتصادي" عبر تطبيق عقوبات على شركات أوروبية بسبب تجارتها مع إيران بموجب الاتفاق، الذي أبرم عام 2015 كطريقة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية.
حاليا تجد إيران نفسها في موقف دقيق وحساس فيما تدرس الرد على إعلان الرئيس الأمريكي ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع في العام 2015. وقال دبلوماسي غربي في طهران إن الإيرانيين "بحاجة إلى إيجاد رد يبقي الأوروبيين في صفهم لكن أيضا يظهر أنه لا يمكن إساءة معاملتهم " بهذا الشكل. وتبدو أوروبا مصرة على الحفاظ على الاتفاق، لكن واشنطن هددت بالفعل الشركات الأوروبية في إيران بضرورة تصفية أعمالها خلال ستة اشهر.
وقال رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني إن أوروبا انصاعت من قبل للضغوط الأمريكية، ما أدى لانسحاب العديد من شركاتها من إيران بموجب عقوبات دولية سابقة بين عامي 2012 و2015. وأكد "لا يمكننا وضع الكثير من الثقة في تصريحاتهم حول الحفاظ على الاتفاق، لكن الأمر يستحق الاختبار لعدة أسابيع، حتى يكون جليا للعالم أن إيران حاولت بكل الطرق التوصل لحل سياسي سلمي". وقد تؤدي هذه الخطوة إلى اعتماد إيران بشكل أكبر على أسواق الصين وروسيا.
وأعلن المرشد الأعلى الإيراني خامنئي في 19 شباط الماضي أنه "في السياسة الخارجية، أولويتنا اليوم تتضمن تفضيل الشرق على الغرب". ويعكس تصريح خامنئي تعزيز طهران لعلاقاتها مع روسيا، حليفتها في الصراع في سوريا، ومع الصين التي ليس لديها أية هواجس بخصوص روابطها التجارية مع الجمهورية الإسلامية.
ــ البيئة.
حتى لو لم تلتزم ألمانيا ببنود اتفاقية باريس، فإن الحكومة الألمانية تعتبر الاتفاق خطوة مهمة في مكافحة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والاحتباس الحراري العالمي. غير أن ترامب يرى عكس ذلك. فقد قام الرئيس الأمريكي بإنهاء التزام بلاده بالاتفاقية بشكل تعسفي وفي أقرب تاريخ ممكن وهو تشرين الثاني/ عام 2020. ولكن بين الحين والآخر يعطي ترامب الوعود بأن الأمريكيين قد ينضمون إلى اتفاقية باريس للمناخ مجددا. إلا أن برلين على ما يبدو قد استسلمت لحقيقة أنه لن يكون هناك أي تقدم في شأن موضوع المناخ مع الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب.
ــ المهاجرون واللاجئون.
سياسة الهجرة واللجوء هي من أكبر نقاط الخلاف الساخنة بين ترامب وميركل. ففي حين كان "جدار الحماية" بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك هو المطلب الأساسي في حملة ترامب الانتخابية، سمحت ميركل لأكثر من مليون أجنبي بالحصول على الحماية خلال أزمة اللاجئين في الفترة ما بين عامي 2015 و2016. وبعد وقت قصير من انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، قال ترامب لصحيفة "بيلد" الألمانية إن ميركل ارتكبت "خطأً كارثياً للغاية، حين سمحت لكل هؤلاء المجرمين بالدخول إلى البلاد". من جهتها تشكك المستشارة الألمانية ميركل في ما إن كان جدار ترامب قادراً على حل مشكلة الهجرة غير القانونية إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ــ مشروع خط أنابيب "نوردستريم".
من جهة أخرى يراقب ترامب مشروع خط أنابيب الغاز "تيار الشمال 2" من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق بتحفظ كبير. فبحسب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ألمانيا تعتمد في هذا المشروع على الكرملين وسوف تدفع من أجله ثمناً باهظاً "بمليارات الدولارات". ويرى ترامب أن هذا الأمر غير مقبول. وتشارك قلق ترامب هذا أيضاً بعض الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي في أوروبا. من ناحية أخرى، تعتقد برلين أن واشنطن ترغب في تصدير المزيد من غاز البترول المسال الأمريكي نحو أوروبا.
ــ قلق أوروبا على حرية التجارة؟
بالنسبة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن العجز التجاري الكبير للولايات المتحدة الأمريكية مع ألمانيا والبالغ 52.5 مليار يورو، هو دليل على وجود علاقات تجارية غير متكافئة بين البلدين. وندد ترامب بهذا الوضع وقال بأنه ابتداءً من الأول من أيار، يمكنه فرض رسوم جمركية عقابية على واردات الصلب الأوروبي، وربما على صادرات السيارات الألمانية إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وقد ساهمت سياسة ترامب الحمائية في تعطيل المفاوضات حول اتفاقية التجارة الحرة عبر الأطلسي (TTIP).
ولأن ألمانيا تلتزم بتحرير التجارة العالمية، تود إحياء اتفاقية التجارة الحرة عبر الأطلسي (TTIP) . وتترقب المفوضية الأوروبية تحفيزاً إضافياً قدره 120 مليار يورو. وتشير ألمانيا إلى أن الرسوم الجمركية الأوروبية على الواردات الأمريكية في المتوسط أقل من الرسوم الجمركية الأمريكية على المنتجات الأوروبية. وبالرغم من ذلك جمهورية ألمانيا الاتحادية مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات على الاتفاقيات الجمركية لعام 1994 مع الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن في حال شن ترامب حرباً تجارية، فإن ألمانيا ستقترح في المقابل فرض رسوم جمركية أوروبية على المنتجات الأمريكية مثل الدراجات النارية هارلي ديفيدسون والجينز الأزرق والويسكي الأمريكي بوربون.
وحين أقدم الرئيس الأمريكي على خطوة كبيرة بفرضه الرسوم الجمركية حتى على صادرات حلفائه الأوروبيين من الألمنيوم والصلب، هل تستغل أوروبا الأزمة لاتخاذ موقف موحد يضع حداً لجنوح ترامب نحو حرب تجارية تؤدي إلى كساد عالمي ونتائج لا تُحمد عقباها على أحد؟
ولا تشكل الرسوم الجمركية ضد صادرات الصلب والألمنيوم الأوروبية إلى السوق الأمريكية صدمة قاسية للاتحاد الأوروبي بسبب أن أورويا بمكنها استيعابها دون خسائر كبيرة، لكن المشكلة تكمن في أن الرسوم التي تشمل صادرات بقيمة 27 مليار يورو سنوياً طالت حلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة على مدى عقود.
غير أن الرئيس الأمريكي غير آبه بردود الأفعال حتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية التي ترتفع الأصوات فيها ضد هذه الرسوم التي تضر بقطاعات أقوى وأوسع من قطاع الصلب والألمنيوم الذي لا يعد من القطاعات الوازنة في الولايات المتحدة مقارنة بقطاع السيارات والطائرات والآلات والتجهيزات، التي تعتمد على الصلب والألمنيوم المستورد على نطاق واسع. فمع فرض الرسوم سترتفع تكاليف الإنتاج التي سيتحمل عبئها المستهلك الأمريكي وسيتراجع قطاع الصادرات الأمريكية مع هذا الارتفاع، الأمر الذي سيؤدي على المدى الطويل إلى عكس ما ما يهدف إليه الإجراء الأمريكي، ألا وهو إعادة التوازن إلى الميزان التجاري الأمريكي الخاسر مع الدول التي فرض الرسوم ضدها.
ردود الأفعال الأوروبية الرافضة للرسوم والمهددة برسوم مماثلة قيل أنها تشمل الويسكي والجينز والموتورسيكلات المستوردة من ولايات أمريكية يحكمها الجمهوريون المؤيديون للرئيس ترامب. وتهدف هذه العقوبات إلى دفع حكام هذه الولايات إلى الضغط على ترامب لثنيه عن موقفه. غير أن تجربة الأشهر الماضية تشير إلى أن الأخير لا يأبه للضغوط عندما يقرر فعل شيء. ومن هنا تخشى دول الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتها ألمانيا من أن تأخذ المشكلة أبعاداً انتقامية بحيث يلي كل رد فعل على قرارات ترامب خطوات مماثلة من قبله بشكل يفتح الباب أمام حرب تجارية تقود إلى حرب اقتصادية تهدد بحدوث كساد عالمي سيلحق الضرر بالجميع. وقد كان ترامب واضحاً بهذا الخصوص عندما هدد بتوسيع نطاق فرض الرسوم الجمركية لتشمل السيارات الألمانية وفي مقدمتها مرسيدس ما لم يقدم الأوروبيون عرضاً لتخفيض رسومهم الجمركية على المنتجات الأمريكية كالسيارات والأغذية وغيرها.
وإذا ما شملت الرسوم السيارات الألمانية، فإن ذلك يعني ضربة موجعة لألمانيا التي تصدر سنوياً حوالي نصف مليون سيارة يرتبط بها عشرات الآلاف من أماكن العمل التي تساهم في رفد الميزانية الألمانية بعشرات المليارات من الضرائب والفوائض التجارية. وتحقق ألمانيا أعلى فائضاً تجارياً على الصعيد الأوروبي مع الولايات المتحدة، بقيمة وصلت إلى 50 مليار يورو في عام 2017 من أصل 121 مليار يورو لمجمل الفائض الأوروبي.
وبسبب قوة العلاقات الاقتصادية بين ألمانيا والولايات المتحدة فإن ردود الأفعال الألمانية هي الأقل حدة من نظيرتها الأوروبية على الرسوم الأمريكية. حتى أن بعض ممثلي الاتحادات الصناعية طالبوا الحكومة الألمانية بالعمل على تكثيف المفاوضات الهادفة إلى حل وسط. ومما يعنيه ذلك قيام الاتحاد الأوروبي بتخفيض الرسوم الجمركية الأوروبية على الواردات الأمريكية وفي مقدمتها المنتجات الزراعية والسيارات.
الجدير ذكره أن الرسوم الأوروبية على السيارات الأمريكية تصل إلى 10 ب% مقابل 2.5 % تفرضها الولايات المتحدة على السيارات الأوروبية. بموازاة ذلك جاء رد الفعل الفرنسي أكثر قوة مقارنة بنظيره الألماني، فالرئيس ماكرون وصف إجراء الولايات المتحدة بأنه "قومية اقتصادية وتجارية" قد يغلق الباب أمام مناقشة قضايا أخرى مع واشنطن ويقود إلى الحروب في إشارة إلى الحروب المدمرة التي قادت إليها القوميات السياسية والشوفينية في أوروبا وخارجها أيام الحقب الاستعمارية.
ومع بقاء التصور الفرنسي أحد السيناريوهات الممكنة، فإن الإجراء الأمريكي في كل الأحوال يقوي النزعة الحمائية على حساب ليبرالية التجارة العالمية التي لا تخلو بدورها من إجراءات حمائية انتقائية تفرضها حتى أوروبا نفسها على السيارات الصينية وغيرها. أما على المدى الطويل، فإن إجراءات ترامب قد تشكل فرصة للجلوس على طاولة مفاوضات في إطار منظمة التجارة العالمية بهدف إعادة هيكلة التجارة العالمية بشكل أكثر توازن وعدالة بعيداً عن الاحتكار والهيمنة.
وفي حال تمكن الاتحاد الأوروبي من اتخاذ موقف موحد بهذا الخصوص، فإن هذه الفرصة تصبح أكثر واقعية نظراً لعلاقاته الكثيفة والمتشابكة مع غالبية دول العالم والقوى التي تدافع عن ليبرالية التجارة العالمية حتى داخل الولايات المتحدة نفسها. غير أن السؤال الذي يصعب الإجابة عليه الآن هو: هل تتمكن أوروبا من اتخاذ هذا الموقف والنجاح في الامتحان الذي فرضته إجراءات ترامب عليها؟
سؤال يطرح نفسه هنا، ماذا بشأن تأثير رسوم ترامب على الدول العربية؟ بالطبع ليست هذه الدول عموماً في طليعة الأسواق المنتجة والمصدرة للحديد والألمنيوم. أما الدولتان اللتان تصدران ألمنيوم بما يزيد على 2 مليار دولار سنوياً وهما الإمارات والبحرين، فإن غالبية هذه الصادرات لا تذهب إلى السوق الأمريكية.
وعليه فإن تأثر الدول العربية بقرارات ترامب محدود على صعيد التصدير. أما فيما يتعلق باستهلاك الدول العربية من الصلب والألمنيوم فمن المتوقع تأثره بشكل إيجابي في المدى المنظور. ويعود سبب ذلك إلى أن كبار الدول المنتجة كالصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وغيرها سوف تتنافس بشكل أكبر في الأسواق العربية بشكل يؤدي إلى انخفاض الأسعار وتقليص فاتورة الاستيراد.
ومما يعنيه ذلك أيضاً تراجع تكلفة المنتجات العربية التي تستخدم الصلب والألمنيوم بشكل يجعلها في متناول المستهلكين كأفراد وكشركات بشكل أسهل وأنسب. وتشكل الدول العربية جزءا هاماً في منظومة التجارة العالمية على صعيد الطاقة. ففي حال اتجه العالم إلى الحمائية وعانت التجارة العالمية من الكساد فإن ذلك سينعكس سلباً على صادرات النفط والغاز التي تشكل العمود الفقري للصادرات العربية.
ــ رابطة صناع السيارات تحذر من حرب تجارية مع واشنطن
شدد رئيس الرابطة الألمانية لصناعة السيارات، ردا على تهديدات الرئيس دونالد ترامب، على ضرورة العمل على تجنب حدوث "حرب تجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا في كل الأحوال"، وقال: "إن مثل هذه الحرب التجارية ستسفر عن خاسرين لدى كل الأطراف". مؤكداً في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية أن قطاع الصناعة يراقب هذا النزاع بقلق.
وكان الرئيس الأمريكي ترامب، قد هدد الاتحاد الأوروبي، بفرض ضرائب على السيارات إذا قام التكتل الأوروبي بزيادة الرسوم الجمركية على الشركات الأمريكية. وقال ترامب، عبر موقع تويتر: "إذا كان الاتحاد الأوروبي يرغب في زيادة رسومه وعوائقه الضخمة بالفعل أمام الشركات الأمريكية التي تقوم بأعمال هناك، فإننا سنقوم ببساطة بفرض ضرائب على سياراتهم التي تتدفق بحرية إلى الولايات المتحدة". وأضاف "إنهم يجعلون الأمر مستحيلا لبيع سياراتنا هناك. يا له من خلل تجاري كبير". كما اشتكى ترامب أيضا من العجز التجاري الذي عزاه إلى "اتفاقياتنا وسياساتنا التجارية الغبية للغاية". وقال ترامب إن تلك الاتفاقات تقدم الوظائف والثروات الأمريكية إلى "دول أخرى استفادت منا لسنوات" .. ويعتقد، أحد كبار مستشاري التجارة في إدارة ترامب، ان حصة شركات صناعة السيارات الأمريكية السوقية سرقت في الولايات المتحدة جراء استيراد أعداد كبيرة من السيارات الأوروبية، فيما يجري تقليص عدد السيارات الأمريكية التي تباع في ألمانيا، وفقا للصحيفة الأمريكية.
وفي عام 2017 تم بيع حوالي 1.35 مليون سيارة ألمانية جديدة في الولايات المتحدة، بزيادة قدرها 1%، وفقا للرابطة الألمانية لصناعة السيارات. وتوقع الرئيس السابق للرابطة الألمانية لصناعة السيارات، أن "مبيعات السيارات الألمانية في الولايات المتحدة واصلت الارتفاع عام 2018".
وجاءت تصريحات ترامب على "تويتر" بعد أن أعلن عن خططه لفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 % على الصلب المستورد و 10 % على فئات واسعة من واردات الألمنيوم مما دفع الشركاء التجاريين إلى النظر في اتخاذ تدابير انتقامية.
وتفاخر ترامب في وقت لاحق بأن الحروب التجارية "جيدة، ومن السهل الفوز فيها". فيما قال المتحدث باسم المفوضية الاوروبية، إن الاتحاد الاوروبي يستعد لهذا الوضع منذ "فترة طويلة". وقال المتحدث إن قرارا بهذا الشأن يمكن اتخاذه عندما يجتمع كبار مسؤولي المفوضية. وقال إن الاتحاد الأوروبي سيقف على استعداد لحماية سوق الصلب المحاصر في أوروبا، في حالة ارتفاع الواردات نتيجة للتعريفات الأمريكية. وأضاف أن الاتحاد الأوروبي سيسعى إلى تسوية النزاع أمام منظمة التجارة العالمية.
وأشار رئيس الرابطة الألمانية إلى أن شركات السيارات الألمانية توسع إنتاجها في الولايات المتحدة منذ سنوات، وتوظف أعدادا متزايدة من العاملين هناك أيضا، وتخفض صادراتها للولايات المتحدة، مضيفا أن عدد السيارات الألمانية التي تم تصديرها لأمريكا العام الماضي بلغ 494 ألف سيارة أي أقل نحو الربع عن عام 2013.
من جانب آخر، دعا اتحاد الاقتصاد الألماني لصناعات الحديد والصلب لاتخاذ ردود فعل حاسمة بالنظر إلى الرسوم الجمركية العقابية، التي أعلنها الرئيس ترامب على واردات الصلب والألمنيوم. وكتب رئيس الاتحاد في مقال تم نشره الصحافة الألمانية: "يجب ألا تقف ألمانيا والاتحاد الأوروبي جانبا، عندما تتم محاولة إعادة صياغة قواعد اللعب العالمية"، وشدد على ضرورة أن تتخذ المفوضية الأوروبية إجراء سريعا.
وأشار إلى ضرورة أن تحمل ألمانيا راية المبادرة بصفتها "معقلا صناعيا" مهما في العالم، لافتا إلى أنه ينقص المؤسسات الأوروبية حتى الآن استخلاص استنتاجات واضحة من التطورات العالمية. وحذر من عواقب ملموسة على مستوى العالم نتيجة فرض الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات، لاسيما في ألمانيا وأوروبا. وأشار إلى أن الشركات التي تصدر الصلب إلى الولايات المتحدة حتى الآن، سوف تبحث عن بدائل، وقال: "بشكل إجمالي تحاسب أوروبا على فاتورة الحمائية الأمريكية".
على صعيد متصل، أعربت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي عن "قلقها البالغ" حيال الإجراءات الحمائية التي أعلن الرئيس الأمريكي ترامب انه سيتخذها لجهة فرض رسوم جمركية على واردات الفولاذ والألومينيوم، وفق ما أعلنت رئاسة الوزراء الأحد في بيان. وأجرت ماي الأحد مكالمة هاتفية مع ترامب و"أعربت خلالها عن قلقها البالغ حيال عزم الرئيس على فرض رسوم جمركية على الفولاذ والألومينيوم، معتبرة أن تحركا متعدد الأطراف هو السبيل الوحيد لحل مشكلة الفائض العالمي لما فيه مصلحة جميع الأطراف".
كيف ترى أوربا السياسة الأمريكية.
سياسة ترامب لن تجعل العالم أكثر أمانا، رفض معاهدة المناخ ثم الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران إضافة فرض الرسوم الجمركية، خطوات اتخذها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رغم علمه بالتداعيات السلبية لذلك على أوروبا، كما يرى ذلك وزير الخارجية الألماني هايكو ماس.
لم يعد الهدف، وفقا للرئيس الفرنسي، إقناع ترامب بإعادة النظر في الرسوم المؤلمة على واردات الفولاذ والألمنيوم، أضطرت المستشارة الألمانية ميركل للإقرار أمام البرلمان (بوندستاغ) بوجود خلافات مع الولايات المتحدة الأمريكية، ومضى وزير خارجيتها هايكو ماس في نفس الاتجاه. ففي تصريح صحفي (8/ حزيران) أكد ماس قبيل قمة مجموعة السبع في كندا "لم يعد من الممكن إخفاء الخلافات مع الولايات المتحدة".
وذكر ماس برفض ترامب لاتفاقية المناخ وبانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران إضافة إلى القرار الأخير بفرض رسوم جمركية على منتوجات أوروبية، مؤكدا أن ترامب يعي تماما التأثير السلبي المباشر لتلك القرارات على أوروبا. وحذر ماس من أن ترامب يبتعد عن العمل المتعدد الأطراف مع شركاء الولايات المتحدة وأضاف "لا شيء من ذلك سيجعل العالم أفضل أو أكثر أمانا وسلاما".
ويذكر أن ترامب هاجم في تغريدة الاتحاد الأوروبي وكندا بقوله "خفضوا الرسوم والحواجز الأخرى وسنفعل أفضل منكم!" ويتوقع أن يلقى ترامب استقبالاً فاتراً في قمة مجموعة السبع في كندا، فالأوروبيون الأربعة : إيمانويل ماكرون وأنغيلا ميركل وتيريزا ماي وجوزيبي كونتي، قرروا الاجتماع قبل بدء القمة للإعراب عن نفاد صبرهم من تهديداته بحرب تجارية. وقال ماكرون إن "ترامب ينفذ وعود حملته الانتخابية، نحن هنا أمام شخصية يمكن أن نتنبأ بسلوكها". لكنه قال انه يعتزم إقناعه بأن "الحرب التجارية ليست في مصلحة أحد".
ورفع الاتحاد الأوروبي شكوى ضد الولايات المتحدة إلى منظمة التجارة العالمية وأعد لائحة بالرسوم الجمركية ضد بعض المنتجات الأمريكية مثل الويسكي وزبدة الفول السوداني أو الدراجات النارية.
لكن هذه التدابير الانتقامية لم تدخل بعد حيز التنفيذ اذ على الدول الأعضاء أن توافق على القائمة، غير أن ألمانيا قد تفضل الحذر خوفاً من أن يقدم دونالد ترامب على الخطوة المؤذية التالية بفرض رسوم على السيارات الأجنبية قريباً.
فشل قمة مجموعة السبع ، فشل الحلول التوافقية
انقلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نهاية الأسبوع على حلفائه الأوروبيين وكندا الذين هددهم بفرض رسوم جمركية كبيرة عليهم، بعد قمة لمجموعة السبع انتهت بالفشل. وكان الوفد الأمريكي والرئيس نفسه وافقوا على وثيقة البيان الختامي التي تتضمن 28 نقطة طرحت لإقرارها عقب مفاوضات شاقة. وبرر دونالد ترامب ضربته هذه التي وجهها إلى حلفاء الولايات المتحدة، بتصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الذي يستضيف القمة في المؤتمر الصحافي الختامي. إذ اكد رئيس الوزراء الكندي الذي فرضت واشنطن رسوما جمركية على وارداتها من بلده ومن أوروبا من الألمنيوم والفولاذ، في المؤتمر الصحافي أن هذه الرسوم "مهينة". وكما فعل الاتحاد الأوروبي، أكد ترودو أن إجراءات انتقامية ستتخذ في تموز المقبل.
بعد ساعات، أعلن ترامب الذي أغضبته تصريحات ترودو في تغريدة من الطائرة الرئاسية، انه أمر ممثليه بسحب الموافقة الأمير كية على البيان الختامي للقمة. ووصف ترودو بأنه رجل "غير نزيه وضعيف"، مع أنه صرح قبل يوم واحد أن العلاقة الثنائية لم تكن يوما أفضل مما هي عليه اليوم في تاريخ البلدين.
ولوح ترامب بفرض رسوم جمركية على السيارات الأوروبية والأجنبية المستوردة إلى الولايات المتحدة، وهو قطاع أهم من الألمنيوم والفولاذ الذي طالته الإجراءات الأمريكية. الأمر الذي يعد جرس إنذار مقلق لألمانيا على وجه الخصوص، إذ تتجاوز حصة السيارات الألمانية الفاخرة في السوق الأمريكية 40%.
وكان قادة مجموعة السبع قد غادروا كيبيك / كندا عندما قرر ترامب التراجع عن البيان الختامي للقمة. ولم يدل مكتب ترودو بأي تعليق أولا، مكتفيا بالتذكير بأن رئيس الوزراء الكندي لم يقم في مؤتمره الصحافي سوى بتكرار تصريحات كان قد أدلى بها من قبل.
وبين القضايا الخلافية الأخرى، رفضت مجموعة السبع اقتراح ترامب إعادة روسيا إلى صفوفها التي استبعدت منها في 2014 بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، داعية موسكو إلي الكف عن "تقويض الأنظمة الديموقراطية".
(الصورة: صورة تعلن عن طبيعة التفاوض بين ضفتي الأطلسي)
ــ التجارة العادلة تسمى الآن التجارة الحمقاء
وفي تفاقم الأزمة بين الولايات المتحدة من جهة وكندا والقوى الأوروبية من جهة أخرى بعد سلسلة من التغريدات الجديدة للرئيس ترامب حمل فيه مسؤولية العجز التجاري الأمريكي لشركاء بلاده وعدم "نزاهة" نظام التبادل الحالي. نشر الرئيس الأمريكي ترامب وابلا من التغريدات على تويتر (11 / حزيران) صب فيه غضبه على بعض من أوثق حلفاء واشنطن بحلف شمال الأطلسي بسبب العجز التجاري الأمريكي عقب اجتماع قمة مثير للانقسام لمجموعة السبع في كندا.
وقال ترامب الموجود في سنغافورة لحضور اجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون إن "التجارة النزيهة يُطلق عليها الآن التجارة الحمقاء إن لم تكن متبادلة " وأضاف "ليس عدلا بالنسبة للشعب الأمريكي أن يبلغ العجز التجاري 800 مليار دولار." لماذا يتعين علي كرئيس للولايات المتحدة السماح لدول بمواصلة تحقيق فائض تجاري ضخم مثلما هو الحال بالنسبة لهم منذ عقود في الوقت الذي يتعين فيه على مزارعينا وعمالنا ودافعي الضرائب دفع مثل هذا الثمن الباهظ وغير العادل؟".
وانتقد ترامب الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي لدفعها مبالغ لا تتناسب مع ما تدفعه الولايات المتحدة للحفاظ على هذا التحالف الغربي. وقال في تغريدة "الولايات المتحدة تدفع ما يقرب من كل تكاليف حلف شمال الأطلسي وتحمي كثيرا من نفس تلك الدول التي تسرقنا تجاريا (إنهم لا يدفعون سوى جزء بسيط من هذه التكاليف.."الاتحاد الأوربي لديه فائض يبلغ 151 مليار دولار ..ألا يجب أن يدفع أكثر بكثير للقوات المسلحة. "ألمانيا تدفع 1% من إجمالي الناتج المحلي لحلف شمال الأطلسي في حين ندفع نحو 4% من إجمالي ناتج محلي أكبر بكثير. هل يعتقد أحد أن هذا أمر منطقي؟". وقال "إننا نحمي أوروبا بخسارة مالية ضخمة ثم بعد ذلك نُعامل بشكل غير عادل تجاريا. التغيير قادم".
ــ ميركل عن قمة مجموعة السبع "محبطة"
اعتبرت المستشارة الألمانية ميركل (10 /حزيران) أن إعلان الرئيس الأمريكي ترامب التراجع عن تأييده للبيان الختامي لقمة مجموعة السبع كان أمرا "محبطا إلى حد ما". وتحدثت ميركل في مقابلة في التلفزة الألمانية "هذا قاس، هذا مخيب للآمال هذه المرة، لكنها ليست نهاية" مجموعة السبع. وأضافت تقول: "هذا محبط. وقولُ ذلك كثير بالنسبة لي"، ساخرة من تحفظها المعتاد في التصريحات. وطمأنت ميركل بالقول: "لا أعتقد أنها نهاية العلاقة عبر الأطلسي"، مضيفة أن "إلغاء البيان خطوة حاسمة لكن الولايات المتحدة بلد ديموقراطي". وكان وزير الخارجية الألماني هايكو ماس رد على الرئيس الأمير كي قائلا إن تغريداته دمرت "مقدارا هائلا من الثقة".
ــ كندا تنضم إلى الاتحاد الأوروبي في رفع دعوى ضد التعريفات الأمريكية
قدمت كندا دعوى تجارية في منظمة التجارة العالمية ضد التعريفات الأمريكية على الصلب والألومنيوم "غير القانونية"، وأعلنت أنها ستعمل بشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي الذي بدأ قضيته الخاصة ضد قرار الرئيس ترامب.
وقالت مسئولة كندية في بيان إن "هذه الرسوم الأحادية المفروضة تحت ذريعة خاطئة لحماية الأمن القومي الأمريكي تتعارض مع الالتزامات التجارية الدولية للولايات المتحدة وقواعد منظمة التجارة العالمية ". وستنسق كندا في الشكوى التي تقدمت بها لمنظمة التجارة العالمية مع الاتحاد الأوروبي الذي تقدم بدوره بشكوى لدى المنظمة. وطالبت كندا بمراجعة الإجراءات الأمريكية بموجب الفصل عشرين من آلية حل النزاعات في معاهدة التبادل التجاري الحر في أمريكا الشمالية "نافتا".
وقالت المسئولة إن كندا "بصفتها حليفة رئيسة للولايات المتحدة في قيادة الدفاع الجوي لأميركا الشمالية (نوراد) وفي حلف شمال الأطلسي وأكبر مستورد للصلب الأمريكي، تعتبر القيود الأمريكية المفروضة على الصادرات الكندية من الألمنيوم والصلب غير مقبولة على الإطلاق".
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت رسوما بنسبة 25 % على واردات الصلب و10% على واردات الألمنيوم من كندا. وردت أوتاوا على الرسوم الأمريكية بفرض رسوم على منتجات أمريكية بقيمة 16,6 مليار دولار كندي (12,8 مليار دولار أمريكي).
لكن ترامب أثار احتمال إبرام اتفاقيات ثنائية مع المكسيك وكندا لتحل محل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية "نافتا". وقال إنه "لا يمانع" في رؤية نافتا "تحمل اسما مختلفا، حيث نبرم اتفاقية منفصلة مع كندا واتفاقية منفصلة مع المكسيك". وقال ترامب ردا على سؤال حول المحادثات المتوقفة لإعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية: "إنهما بلدان مختلفان للغاية. لقد كانت اتفاقية سيئة بالنسبة للولايات المتحدة منذ اليوم الأول."
2183 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع