من حكايات جدتي ... الحادية والثمانون

                                           

                        بدري نوئيل يوسف

من حكايات جدتي ... الحادية والثمانون

الملك والجارية

حدثتنا جدتي عن الفساد المنتشر قالت: طلب الوالي من أهل القرية طلباً غريباً، في محاولة منه لمواجهة خطر القحط والجوع الذي تمر به القرية، وأخبرهم بأنه سيضع قدراً كبيراً في وسط القرية، وعلى كل رجل وامرأة أن يضع في القدر كوباً من الحليب، بشرط أن يضع كل واحد الكوب وحده من غير أن يشاهده أحد، هرع الناس لتلبية طلب الوالي وكل منهم تخفى بالليل، وسكب ما في الكوب الذي يخصه.
وفي الصباح جاء الوالي إلى مكان القدر وشاهد القدر مملوء بالماء ولا يوجد فيه حليب. سأل وزير الوالي أين الحليب؟ لماذا وضع كل واحد من الرعية الماء بدلاً من الحليب؟
أجاب الوالي: السبب هو إن كل واحد من الرعية إذا وضعت كوباً واحداً من الماء فإنه لن يؤثر على كمية الحليب الكبيرة التي سيضعها أهل القرية في القدر. وهذا يعني إن كل واحد اعتمد على غيره في رعاية مصالح البلد. وكل واحد منهم فكر بالطريقة نفسها التي فكر فيها غيره، وكل واحد منهم ظن أنه هو الوحيد الذي سكب ماءً بدلاً من الحليب. هكذا حالنا يا أولادي عند ينتشر الفساد ولا يشعر أحد في المسئولية، والنتيجة التي حدثت أن الجوع عمّ هذه القرية، ومات الكثير منهم، ولم يجدوا ما يعينهم وقت الأزمات.
ثم حكت جدتي حكاية قصيرة قالت: في أحد الايام تشَاجرَ أخَوَان على مشكلة، فذهب أولُهما إلى جحا في بيتهِ، وكان جالساً مع زوجته، قصَّ الأخُ الكبير على جحا مَا كان بينه وبين أخيه، فقال له جحا: أنت على حقٍ، وأخوك مُخطئ.
وانصرف الأخ سعيداً، وسعدت زوجةُ جحا بحكم زوجِها، ثم طرق البابَ الأخُ الصغير وحكى لجحا ما كان بينَه وبين أخيه. فقال جحا: أنتَ على حقٍ، وأخُوك مُخطئ. وانصرفَ الأخ الآخر سعيداً، لكن زوجةَ جحا صرختْ في وجهِه غاضبة:
كيف تقولُ لكلٍ منهما أنتَ على حقٍ وأخُوك مُخطئ؟ هذا كلامٌ غير معقول.
فقال جحا في هدوء: لا تغضبي يا زوجتي أنتِ على حقٍ، وأنا مُخطئ، لقد أخطأ من استشار جحا.
نعود لحكايتنا اليومية: كان هناك ملك مقتدر وقوي، خرج في أحد الأيام للصيد، وفي الطريق شاهد جارية جميلة فعشقها، وطلبها من سيدها ودفع له مالاً كثيراً فباعه إياها، وبعد مدة مرضت الجارية مرضاً شديداً فحزن الملك لمرضها كثيراً، واستدعى أطباء القصر وقال لهم: إن روحي مرتبطة بروح هذه الجارية فإذا لم تُشف فإنني سأموت معها حتماً، وبذل الأطباء جهدهم ولكن دون جدوى، الجارية تزداد هزالاً والدواء يعطي مفعولاً عكسياً.
عندها يئس الملك من الأطباء، فذهب إلى المسجد وجلس في المحراب وأخذ بالبكاء حتى فقد وعيه، عندما استعاد وعيه دعا ربه قائلاً: إلهي، ماذا أقول؟ أنت تعلم ما في نفسي، ودائما كنت في نصرتي.
وكان يدعو من قلبه وروحه وفجأة أدركه اللطف الالهي فبينما هو يدعو غطَّ في النوم، رأى رجلاً نورانياً يقول له: أبشر فإن الله قبل دعاءك، سيأتيك غداً رجل لا تعرفه إلى قصرك، وهو حكيم عالم يدرك كل الأمراض وعلاجها، تتجلى قدرة الله فيه فانتظره.
في الصباح ومع طلوع الشمس جلس الملك ينتظر الرجل، وفجأة رأى من بعيد وجه رجل يبدو عليه العلم والوقار يشع وجهه كالشمس يشبه الرجل الذي رآه في عالم المنام، قام الملك واستقبله وكأنه يعرفه منذ سنين طويلة مع أنه لم يره قبل وأدخله القصر.
وبعد أن استراح الحكيم رأى الجارية وعاينها ثم قال للملك: كل الأدوية التي وُصفت لها بدون فائدة بل على العكس جعلت المريضة أسوء حالاً، لقد أدرك الرجل مرض الجارية، ولكنه لم يقل للملك، وفهم الرجل أن الجارية عاشقة، جسمها سليم لكن قلبها مريض، بمرض العشق الذي يختلف عن بقية الأمراض ويعجز العقل عن شرحه.
على كل حال قال الحكيم للملك يجب عليكم بالخروج من الغرفة حتى الملك، لأنني أريد أن أسأل هذه الجارية عدة اسئلة، خرج الجميع وبقي الحكيم مع الجارية وبدأ يسألها، من أي مدينة أنت؟ وكان يراقب نبضها أثناء الأسئلة
وبدأ يسألها عن جميع مدن البلد الذي عاشت فيها، وكان نبضها طبيعياً إلى أن سألها عن مدينة اسمها سمرقند فجأة ارتفع نبض الجارية واحمرَّ وجهها، فبدأ يسألها عن الحارات الموجودة في مدينة سمرقند إلى أن وصل إلى حارة اسمها غاتفر فاشتد النبض أكثر، فعرف أن الجارية متعلقة بهذه الحارة في مدينة سمرقند، ثم راح يسألها السؤال تلو السؤال حتى ذكرت اسم شاب صائغ يعمل في الذهب في تلك الحارة، عندها بلغ اضطرابها الذروة واصفر لون الجارية!
قال الحكيم: لقد عرفت داءك وسريعا سوف تشفين، ولا تقولي لأحد شيئا عن هذا الموضوع لأن السر إذا حفظ في القلب يصبح كالحبة التي نضعها في التراب فإنها تنمو وتصبح شجرة خضراء.
ثم حكى الحكيم للملك أن الجارية تعشق شابا وسيماً شديد الجمال، وأنه لا مجال للملك إلا بإحضار الشاب ولو بالحيلة، فأرسل الملك إليه رجاله فقالوا للشاب: لقد بلغ صيتك في أرجاء البلاد والملك يدعوك لكي تأتي وتعمل عنده صائغاً في القصر، وأعطوه بعض الهدايا التي أرسلها إليه الملك، فلما سمع الشاب ورأى سال لعابه وقبل بالذهاب مع رجال الملك إلى القصر، وكان طيلة الطريق يحلم بما سيجده من المجوهرات والهدايا من خلال عمله في القصر.
عندما وصل إلى القصر استقبله الحكيم بحرارة وعينه رئيسا على العمال، ثم قال الحكيم للملك: يجب أن يتزوج الشاب الجارية لكي تتحسن حالتها وفعلا تم الزواج ومضت ستة أشهر فاستعادت الجارية صحتها وعادت كما كانت، عندها بدأ الحكيم بإعطاء الشاب دواءً جعله يضعف يوما بعد يوم، وذهب جمال وجهه ولم يمض شهر حتى أصبح هزيلاً وقبح وجهه عندها أصبح عشق الجارية له بارداً، وعندما أحس الشاب بما فعله به الحكيم بدأ يبكي دماً على ذهاب جماله، ثم لفظ الشاب أنفاسه الأخيرة ومات، ارتاحت الجارية وتخلصت من عشق الشاب الذي أصبح قبيحاً، لأنها كانت تعشق جماله ووسامته ووجهه، وبعدها أصبحت الجارية للملك. وتصبحون على خير.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3301 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع