كنيسة المشرق كنيسة مسيحية، أم مقصلة دموية؟

                                                 

                           موفق نيسكو


كنيسة المشرق كنيسة مسيحية، أم مقصلة دموية؟

أية كنيسة في التاريخ حدثت فيها مشاكل وأعمال شغب وعنف..إلخ، وهو أمر طبيعي عموماً، وتبقى قليلة وظواهر عابرة أو حالات فردية، لكن آباء وأبناء كنيسة المشرق الكلدان والآشوريين الحالين الذين سمَّاهم الغرب (روما والإنكليز) حديثاً بهذين الاسمين، امتازوا بالعنف والقسوة بشكل كبير، وهو عندهم ليس ظاهرة، بل سمة بارزة، وبطرق عديدة كمحاولات اغتيال، رشوة، وشاية، حيلة، وضع السم، إقصاء..الخ، ولا يقتصر على العلمانيين بل يمتاز به رجال الدين، ولأن أصولهم عبرية من الأسباط العشرة اليهودية المسبيين، فقد بقيت عندهم النظرة الإسرائيلية عندهم على مدى التاريخ، وأغلب بطاركتهم في التاريخ يجمعون بين السياسة والدين على شاكلة ملوك إسرائيل كداود وسليمان وصدقيا وغيرهم، والغريب أن هؤلاء دائماً ينتقدون ويُعيِّرون الآخرين خاصةً من الأديان الأخرى، ولا يعلموا أن أكثر كنيسة شرقية دموية في التاريخ هي كنيستهم، وهي كنيسة عشائرية وعبارة عن حزب سياسي أكثر من كنيسة مسيحية، والأغلبية الساحقة من جثالقتهم (بطاركتهم) في التاريخ جاءوا برشاوي، وشاية، حيلة، قوة وأوامر السلطة الفارسية أو الإسلامية بعد الإسلام، وقسم منهم صاروا مضرباً للأمثال، في الرشاوي والفساد والجشع والقتل، وهناك طرائف كثيرة في سيرتهم، لكننا سنركز على العنف في كنيستهم، وهناك فصل خاص عنهم عنوانه (العنف)، للمؤرخ الفرنسي ميشيل شفالييه.


1: قام برصوم النصيبني بمساندة الفرس بمذبحة سنة 480-486 قتلوا فيها 7800 سرياني بينهم الجاثليق باوبي +484م ومطران دير متى برسهدي و90 كاهناً و12 راهباً. (للتفصيل راجع مقالنا، مذابح السريان على أيدي النساطرة أسلاف الآشوريين والكلدان الحاليين).

2: الجاثليق النسطوري يوسف +570م: نُصِّبَ برغبة كسرى، وقام بطرد معارضيه من الأساقفة والكهنة عن كراسيهم ووثب عليهم وشدَّهم بأرسان الخيل ووضع لهم معالف مملوءة بالتبن، وربطهم بها، وقال لهم: اعلفوا فإنكم حيوان بلا تمييز ولا بيان، وحلق رؤوسهم وصفعهم بلعنة الله واستهزئ بهم، وسجن شمعون أسقف الأنبار، فاضطر الأسقف التقديس في سجنه لنفسه أيام الآحاد والأعياد، فدخل إليه يوماً الجاثليق يوسف ووثب عليه ورمى القربان والكأس على الأرض وداسه برجليه، وتوفي شمعون في السجن.

3: الجاثليق حزقيال +581م: كان خبَّازاً للجاثليق آبا +552م، ونصَّبه الفرس، استخف بالأساقفة واستعمل الجفاء معهم، واعتاد أن يُعير أساقفته ويلقبهم بالعميان، وأخيراً أُصيب هو بالعمى وتوفي أعمى، ويعزو العمى إلى قصاص من الله له على أخلاقه.

4: الجاثليق حنانيشوع الأعرج +700م: دخل في صراع قوي مع مطران البصرة ايشوعياب الذي قام باغتصاب البطريركية منه، فاستعادها، ثم قام مطران نصيبين يوحنا الداسني الأبرص بأخذ موافقة الخليفة عبد الملك بإقالته ليصبح هو مكانه، وأراد التخلص منه فأوعز إلى أعوانه باختطافه والذهاب به إلى احد الجبال وطرحه في أحد الأودية ليلقي حتفه، وأوشك يوحنا على الموت، وتهشم جسمه وانكسر ساقه وضلَّ يعرج، فَسمِّي بالأعرج، وخلفه فعلاً يوحنا الأبرص لمدة سنة.

5: الجاثليق إسرائيل الكشكري +877م: بعد انتخابهِ لفترة قصيرة جداً، قام منافسه أنوش مطران الموصل بتكليف شخص ذهب إلى الكنيسة، وعند نزول الجاثليق إلى المذبح كان الشعب يرتل (عونيثا درازي)، وفي وسط الازدحام مد أنوش يده وعصر أعضاء الجاثليق الذكرية بقوة، فاغشي عليه ومات بعد أربعين يوماً.
(مصادر سيَّر هؤلاء الجثالقة هي من كتاب الأب ألبير أبونا، تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية. وماري وعمرو، المجدل. وابن العبري، تاريخ المفارنة. والأب جان موريس فييه الدومنيكي، أحوال النصارى في خلافة بني عباس).

6: الجاثليق أو البطريرك برماما (1551–1558م): كان بعمر الثمان سنين، واغتال البطريرك يوحنا سولاقا سنة 1555م لأنه اعتنق الكثلكة، ولذلك لُقِّب سولاقا بشهيد الاتحاد، ويقول برماما: نعم أنا صغير وعدوي جبار وقوي كالأسد، ولكن ألمْ تقرأوا عن قتال الفتى الصغير داؤد مع جوليات الجبار، ومن من انتصر ومن قُتل؟، الصغير أم الجبار؟، ويقول المطران إيليا أبونا وهو من عائلة البطريرك برماما التي أخذت البطريركية بالوراثة: حين وصل خبر مجئ البطريرك يوحنا سولاقا (من روما) ثار برماما وامتلأ غضباً، وأدرك أن مقامه سيصغر، ومقام خصمه سيكبر ويعمل على انقطاع البطريركية من عشيرته، فصمم القضاء على البطريرك الجديد وقتله، حيث رشا باشا العمادية بعشرة آلاف دينار ليقضي على سولاقا، فقبل الباشا ودعا سولاقا عنده كضيف، وعندما وصل قبض عليه وألقاه في سجن القلعة، ومكث أربعة أشهر ذاق العذاب، ثم أمر بقتله وإلقاء جثته في النهر. (المطران إيليا أبونا، تاريخ بطاركة البيت الأبوي، ص46).

7: البطريرك إيشوعياب بن دنخا القاتل: قام دنخا بقتل ابن أخيه حنانيشوع إبراهيم الذي رشَّحه عمهُ البطريرك المُسن إيليا يوحنا الثامن +1660م بدلاً من إبنه إيشوعياب، لأن إيشوعياب كان ساذجاً بليداً، فدخل دنخا وأبنه إيشوعياب الكنيسة في حزيران 1653م، وفي يوم (عيد حلول الروح القدس) حيث كان المسكين حنانيشوع يُصلِّي بجانب عمه البطريرك، فوجَّه دنخا سهماً في قلب ابن أخيه حنانيشوع مردداً المزمور المئة " سبحوا الرب يا كل الأمم، حمدوه يا كل الشعوب "، ثم هشَّم رأسه، وقد نُظمت مرثية حزينة من ثلاث صفحات باللغة السريانية للمغدور حنانيشوع وصُنع له ثمثال، وهرب دنخا وابنه ايشوعياب إلى أبناء عمومته في إيران في بيت نمرود، ووعدوه أبناء عمومته بتنصيب أبنه فيما بعد، وفي سنة 1692م، فعلاً نُصِّبَ إيشوعياب بن دنخا بلقب شمعون ايشوعياب بن دنخا القاتل.(المصدر السابق، ص62-78).

8: في محادثة الأب يعقوب ريتوري الدومنيكي الكاثوليكي مع البطريرك النسطوري شمعون رؤئيل (1861-1903م) سنة 1891م، لاعتناق بالكثلكة، قال: أنا لن أقبل أن أكون خائناً وأفرِّط امتيازات بيتنا (يقصد عائلته) التي ينحدر منه البطريرك والمطارنة منذ سبعمئة سنة، والتي حافظنا عليها بالدم!. (ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى، أرشيف البطريركية الكلدانية، وثائق تاريخية كلدانية، تحقيق الأب بطرس حداد، بغداد 2010م، ص 118-120).

9: سنة 1866م قالت بعثة رئيس أساقفة كانتربري التي أُرسلت إلى النساطرة: إن أساقفتهم أعلم بأقسام البندقية من معرفتهم بأقسام الدين، والشعب جاهلاً، ويسود مجتمعهم خرافات وطقوس عديمة المعنى، وجملة حياتهم الروحية على أدنى مستوى من الانحطاط. (أحمد سوسة، ملامح من التاريخ القديم ليهود العراق، ص113).

10: أمَّا الخلافات داخل البيت الأبوي نفسه من بين أولاد العمومة بيت نمرود وبيت إيشاي، حيث وصف البعض بيت أبونا بالبيت الدموي، ويُعلق المطران إيليا مؤلف كتاب (تاريخ بطاركة البيت الأبوي) وهو من البيت الأبوي بحسرة قائلاً: إن الكنيسة النسطورية انشلَّت وسقطت وإقترب مصيرها من الزوال، لأنها انقسمت على نفسها، وكل بيت ينقسم على نفسه يتهدم (متى، 12: 25)، ولكي لا نطيل الكلام، فأبناء بيت نمرود البطريركي في أورميا خرجوا عن وقارهم، وشقوا الكنيسة ولجأوا إلى السيف والسكين، ونزلوا ميدان الشرور، ونكروا بردة الإيمان المستقيم مُدَّعين أن لا وجود له في كنيستهم، ولم يعرفهم آبائهم منذ مئات السنين، وكما فعلنا نحن أيضاً في البيت البطريركي في ألقوش حيث انقسمنا على بعضنا، فزال مجدنا وخسرنا وِقارنا وبطريركيتنا وأملاكنا، وسقطنا في حب المال، وبعنا حريتنا وكرامتنا، " بأكلة عدس حامض "، وفرَّطنا ببكوريتنا وخزائننا، وأرجو أن لا يلومني القارئ الحصيف على كلامي هذا، لأن غيرة بيتي أكلتني (مزمور، 68: 10). (تاريخ بطاركة البيت الأبوي، ص 35-37، 45-46، 61-78، 135-137).

11: يقول الدكتور وليم ويكرام صديق الآشوريين ومُثبِّت أسمهم الحديث: إن البطريرك النسطوري تاريخياً من أكثر بطاركة الكنائس المسيحية تدخلاً في السياسة، فهو يمثل السلطة الدينية والدنيوية، وهو الملك والأسقف للمملكة الجبلية في آن واحد، وقد تعوَّدَ أن يسلك في تفكيره كزعيم قوم أكثر من سلوكه بطريركاً، وإن شئت الدقة فهو في أعماق ضميره لا يفصل بين هذين المنصبين، وهو يتصرف كزعيم أُمة أكثر من بطريرك كنيسة، وأنه أطرف وأعجب بطريرك كنيسة في العالم، ويُشبِّه ويكرام البطريرك النسطوري بالملك القس في أسطورة برستر جون، والنساطرة في مناطقهم يشبهون حي المجرمين في مونتينيغرو في لندن، والنساطرة وإن كانوا على الدين المسيحي، لكنهم لم يكونوا أقل همجية من غيرهم، ولم تكن العلاقات بين رجال عشائرهم أنفسهم أكثر عداءً من علاقتهم مع جيرانهم الأكراد، ورجال التياريين وحكاري معتادين على السطو والسلب ويخرجون من قطيع الغنائم والأسلاب العشر ويؤدونه إلى كنيسة مريم العذراء.

ويضيف ويكرام: إن النساطرة كانوا يفتخرون بالسلب والنهب والغنائم، ويتمسكون بهذه الخصلة، لكن النهب قد قلَّ في هذه الأيام وهم متأسفين على الأيام الخوالي التي مرت دون عودة، وأن البطريرك النسطوري ذكر لويكرام أن بعض رعيته من قرية وادي ديزه سرقوا بقرة من قرية كردية وقدَّموها في مأدبة عيد الميلاد، لكن البعض اعترض على أكل لحم البقرة في مناسبة دينية كهذه لأن مالكها مسلم (أي لو كانت لمسيحي لجاز أكلها)، فنهض كاهن قرية ديزه الفاضل لحل المشكلة وصلى على البقرة فتطهَّرت وأكلوها، والنساطرة حين نزحوا من أروميا والمناطق الجبلية سلبوا الكثير، وكانوا يعتبرون القيام بالسلب والنهب أمراً طبيعياً في الحياة، وكان سكان السهول ينظرون إليهم بازدراء معتبرينهم وحوشاً مريعة، إن لم نقل عفاريت، وقد قام أحد الشمامسة النساطرة برش كنيسة كلدانية بالنفط لإحراقها بمن فيها أثناء الصلاة لأنهم تحولوا إلى الكثلكة (وسُميِّوا كلداناً) وعندما تم منع الشماس من قبل أحد الكهنة، أجاب الشماس قائلاً: أبونا: إن الملك يوشيا أباح لشعبه إحراق عظام عبدة الأصنام استناداً (2 ملوك 23: 16)، ويضيف: نتيجة لشراسة النساطرة في مناطقهم نصحتُ أحد الرحَّالة الفرنسيين أن يأخذ له مرافقاً نسطورياً من بيت البطريرك ليضمن له الحماية في المناطق الجبلية، ويذكر ويكرام أنه في سنة 1910م قام شاب من الطائفة الكلدانية وهي طائفة نسطورية الأصل تحولت إلى المذهب الكاثوليكي، بقتل شاب من المذهب الكلداني القديم أي من النساطرة المستقلين. (وليم ويكرام، مهد البشرية، ص25، 67، 218، 227، 242-243، 250، 253. وحليفنا الصغير، ص5، 16).

12: يقول كريستوف باومر في كتابه الذي صادق عليه البطريك النسطوري دنحا: إن البطريرك النسطوري يجمع بين السلطتين الدينية والمدنية التي يعترف بها عليها زعماء القبائل، ومن أجل ذلك يستطيع تطبيق عقوبة حرم شخص من المجتمع حتى في القضايا المدنية، والنساطر يحافظون على حريتهم بالسيف، وهم مشاكسين حتى فيما بينهم. (كرستوف بامير، كنيسة المشرق، ص293).

13: يقول الرحالة الهولندي ليونهارت الذي زار الموصل في 7 كانون الثاني 1575م: إن سكان الموصل من النسطوريين الذين يزعمون أنهم مسيحيون لكنهم في الحقيقة أسوء من أي ملة أخرى، ذلك لأنهم غالباً لا يمارسون أي عمل سوى ترصد الطرق والانقضاض على المسافرين وقتلهم وسلبهم، وبسبب ذلك كانت الطرق المتجهة لنصيبين محفوفة بالمخاطر، ولذلك اضطررنا للمكوث أياماً بانتظار جماعة آمنة نسافر معها. (رحلة ليونهارت راوولف، ترجمة د.سليم أحمد خالد ص231).

14: يقول جيمس ريج المقيم البريطاني في العراق منذ سنة 1808م الذي زار مناطق العراق ومنها كردستان: إن مسيحييّ العمادية متوحشون، ويُقال إن المرور ببلادهم أشد خطراً من المرور بين العشائر المسلمة. (رحلة ريج سنة 1820م إلى بغداد وكردستان وإيران، ص262–266).

15: يقول الرحَّالة هنري بنديه في مقدمة رحلته إلى كردستان سنة 1885م إن النساطرة معتادين على السلب والنهب وإعطائها للباشوات، (رحلة بنديه 1885م النص الفرنسي)، علماً أن الكاهن المُتكلدن يوسف حبي زوَّر النص العربي في ترجمته للرحلة، فأضاف كلمة الآثوريين للنساطرة، وحذف عبارة معتادين على السلب والنهب وإعطائها للباشوات.

16: النساطرة لُقِبوا بقوم شلخ ملخ، واسم شلخ هو لجبل شولخ قرب الرها حيث كانوا يتواجد فيه عشائرهم، وذكره ابن العبري، وعبارة شلّخ بلغتهم السريانية تعني السلَّابين، واستعمل العراقيون عليهم عبارة شلّخ ملّخ، وقد ظن الكثيرون أنها استهزاءً بلغتهم السريانية، لكن الحقيقة أن كلمة ملّخ أُطلقت عليهم إبان الحرب الأولى عندما استغرب الإنكليز من أن جميع رؤساء عشائرهم اسمهم ملك، بالسريانية (ملكا)، وهي تسمية من العهد القديم العبري، (دائرة المعارف الكتابية ج7 ص206)، وتُطلق على رؤساء عشائر النساطرة لأنهم من أصول عبرية إسرائيلية، وتعادل لقب شيخ القبيلة العربي أو الأغا الكردي، فقال الإنكليز للنساطرة مستهزئين: نحن في بريطانيا العظمى كلها لها ملك واحد، أمَّا انتم فكل واحد فيكم ملكاً، ومن هنا أتت عبارة شلخ ملخ، ومعناها "ملك أو شيخ الحرامية". وقد لقَّبَ القس خدر الموصلي البطريرك شمعون الربع عشر (1700-1740م) الشلوخي، من باب التهكم والاحتقار بمعنى حرامي وسَلاَّب. (مجلة المشرق، عدد 25، 1927م، ص480، و أرشيف البطريركية الكلدانية، وثائق تاريخية البطريركية الكلدانية 2، ص84-85، وقد أخطأ الأب بطرس حداد ناشر الكتاب معتقداً أن كلمة شلّخ تعني كركوك أي سلخ، لأنه لم يكن يعرف معنى شلّخ التي أذكرها أنا، وواضح من كلام الأب بطرس إذ يضيف: إن تلقيبه شلوخيا هي من باب التهكم الاحتقار، فأولاً لم يكن البطريرك شمعون من كركوك، وثانياً هل إذا لقَّبَ القس خدر البطرك شمعون بالكركولي تعني احتقار؟، الجواب واضح وهو، كلا، وثالثاً الرسالة واضحة وتتحدث عن إرسال أموال).

17: المطران المُتكلدان أدي شير الذي اخترع عبارة كلدو وأثور لأول مرة في التاريخ سنة 1912م، كخدعة سياسية معتبراً دون أي دليل أنهم ينتمون للآشوريين والكلدان القدماء، وبدأ يشعر فعلاً أنه آشوري وكلداني كأولئك القدماء الذين اشتهروا بالبطش والغزو والإجرام، فيقول وهو مطران مسيحي معتزاً بالآشوريين والكلدان ومؤمناً بالعنف: إن الأمة الأثورية والكلدانية كانت من أشد الأمم بأساً وأكثرهم قوة وعصبية، وكانت ميالة إلى الحرب والقتال، وكان لا بد لهم أن يباشروا غزوة في كل ربيع، وإن ملوكهم اشتهروا بقسوة القلب والمعاملة الوحشية نحو العدو المغلوب، إذ كان أكثرهم يأمرون بسلخ أجسام الأسرى أو بصلبهم أو بقلع عيونهم، ويفتخرون بذلك مُدَّعين أنهم إنما يعملون هذا بأمر آلهتهم، وقد عثرَ المسيو دي مرغان على تمثالاً يمثل بعض ملوك أثور وهو يسحب ورائه أسيراً بحبل معلّق بعنقه، وتحت قدميه جثث من الأسرى يدوسها برجليه، وكذلك ذكر الملك آشور بانيبال في إحدى كتاباته كيف تعامل مع أحد ملوك العرب قائلاً: (إنني ثقبت فمه بمديتي (خنجر أو سكين) التي أقطع بها اللحم، ثم جعلت من شفته العليا حلقة وعلّقتها بسلسلة كما أفعل بكلاب الصيد). (أدي شير، تاريخ كلدو وأثور، ج1 ص9–10).

18: البطريرك المُتـأشور بنيامين إيشاي +1918م، منحه الروس في نيسان سنة 1917م وسام صليب القديسة حنة تقديراً لخدماته في الميدانين العسكري والمدني مع كمية من الأسلحة، وكان البطريرك يجلس إلى جانب الأمير الكردي ويناقش الأمور التشريعية للأكراد والنساطرة، فهو الرئيس الأعلى للأمة ويخضع له رؤساء العشائر، ويقول القس اوشان: إن النساطرة يخضع جميعهم لشيوخ قبائل معروفة باسم ملك التي تستند في جذورها إلى ملوك الكنعانيين الواردة في سفر يشوع وغيره، وبطريركهم يتمتع بنفوذ كبير ولديه الولاية الدينية والدنيوية المدنية عليهم. ( The Modern Chaldeans and Nestorians, and the Study of A Syriac among them, الكلدان والنساطرة الجدد ودراسة السريانية بينهم، 1910م، ص80).

19: البطريرك المُتأشور إيشاي دواد لجأ من هكاري تركيا للعراق، ورُسم سنة 1920م بسن الثانية عشر، وأثناء رسامته حسب شهود عيان كان ينظر من الشباك بحسرة إلى زملائه الذين يلعبون خارجاً، ويقول هنري جارلس الذي زار الموصل سنة 1925م وكتب كتاب "الموصل وأقلياتها" وعن الكنيسة النسطورية، وفي الفصل الخامس يبدأ بعبارة طريفة، فيقول: لنترك بطريرك النساطرة يلعب كرة قدم مع زملائه الأولاد الآخرين في ساحة على مشارف الموصل، من أجل أن نفهم كيف يمكن لفتى عمره ستة عشر وهو لاجئ من جبال هكاري، ونحن نراه رئيس واحدة من أقدم الكنائس المسيحية (ص56Mosul and its minorities, London, Harry charles luke)، ثم أصبح أيشاي قائداً عسكرياً وأنكر المعروف وقام بتمرد مسلح على العراق الذي آواه، وانتهى بفشله سنة 1933م، ونُفي واستقر في أمريكا، وبسبب زواجه من خادمته إمامة بنت الشماس الإنجيلي شمشون شمعون وكان عمرها أربعاً وعشرين وأنجب منها طفلين فقتله داود ياقو ملك إسماعيل في 6 تشرين الثاني سنة 1975م في مدينة سان هوزي، وقد رفع رعيته من مطارنة وعلمانيين في آب 1933م عريضة إلى الحكومة العراقية وسكرتير عصبة الأمم المتحدة تصفه برئيس عصابة شريرة ناكرة للمعروف، ونشرت الصحف العربية منها جريدة الفتح في عددها 358 في آب 1933م مقالة بعنوان (الآشوريون إحدى بلايا الشرق العربي).
https://c.top4top.net/p_870h1vd91.jpg

https://b.top4top.net/p_814gw5sa1.png

20: وأخيراً في فصل خاص عنوانه (العنف)، يُلخِّص المؤرخ الفرنسي ميشيل شفالييه عنف الكنيسة النسطورية ويشمل رجال الدين من أعلى درجاتهم، ويتطرَّق لأقوال كثير من الرحالة الذين زاروا النساطرة، فيقول: 

غالباً ما كانت ملابس البطريرك النسطوري تشبه ملابس البكوات الأكراد وعلى رأسه عمامة كردية، وملابسه من الحرير مُطرَّزة بالنحاس ومزكرشة حسب الطراز العثماني فقد كان يرافق البطريرك شمعون الثامن عشر روبين (1861-1903م)، مئة وخمسون شخصاً مسلحين من النساطرة كحراس شخصيين، والبعض يصف بطريرك النساطرة بأحد أساقفة القرن الحادي عشر الإقطاعيين، وتشبِّه مدام بيشوب المقر البطريركي بسكن الطغاة الأكراد المملوءة بالخدم ذوي السحنات التي لا تختلف كثيراً عن سحنات قطاع الطرق القتلة، أمَّا الهزلي المضحك شليمون فهو لا يختلف عن مهرجي القرون الوسطى، ويقول الرحالة كيتس سنة 1876م إن بلاط البطريرك فيه المهرج والقهرمان وحامل السلاح والقهوجي، وعندما تفحصتها تذكرتُ بارونات القرون الوسط، وخلال العهد الكردي كان للبطريرك دور أساسي في النشاط العسكري وكان له رتبة عسكرية وبتحديد أدق كان هو الإقطاعي الأكبر أمام أمير حكاري، وكان البطريرك أوراهام روئيل (1820–1860م) غالباً كان يحمل بندقية، وخلفه البطريرك روئيل بنيامين (1861–1903م) كان يعيش مع امرأة فارسية ويعاشرها معاشرة غير شرعية، إضافة لذلك أنه قتل رجلين عندما كان بطريركاً.
والنساطرة ليسوا عنيفين وقساة على الآخرين فحسب بل دمويين بينهم أيضاً، والبناء الاجتماعي القائم على هكذا أسس، كان دوماً يؤدي لحصول نزاعات والأخذ بالثأر تماماً كما يحصل في المجتمعات الرعوية البدائية، وهنا لا بد من الإشارة إلى الشرارة الأولى التي كانت تحصل نتيجة سرق أو نهب الماشية، وقد لاحظ ويكرام بداية القرن العشرين أن أسلوب النهب والسلب يعتبر في دليلاً على الفروسية، ولو أردنا إعطاء مثال لذلك نذكر القتال الذي حصل بين التياريين في سلاباكا وأكراد الجبال، واندلعت شرارة القتال سنة 1912م بسبب سرقة التياريين خمسمائة خروف، وهناك قصة كتبها وارم وروث Warkwirth يدور موضوعها بين التياريين وأكراد ليوان حول الموضوع، وبسبب تلك الظروف قُتل الكثيرون.
إن أعمال القتل تُشكِّل وجهة نظر معينة ومشكلة أمام القانون الكاثوليكي، وخاصة للشباب الذين كانوا يريدون أن يتقبلوا سر الكهنوت في الكنيسة الكلدانية، إذ يعتبرون أيديهم مُلطَّخة بالدماء، ومنذ نهاية القرن التاسع عشر أصبحت عشائر النساطرة متفوقة في الميدان العسكري فامتلكوا بنادق وفرَّها لهم الأكراد الذين سَلَّحهم الأتراك أو بنادق مُهرَّبة من إيران مثل بنادق مارتيني الجيدة التي كانت تمتلكها عشائر جيلوايا، على عكس نساطرة الجهات الغربية الذين كانوا يمتلكون بنادق حجرية.

ويضيف أن الأب ريتوري يقول: أحياناً تسمع أحد النساطرة يقول لصديقه تعال نذهب ونقتل ذاك الكردي وننهب ماشيته، أو هيا بنا نسلب أحد المارة، وكانوا يتحدثون عن ذلك بدم بارد ولهجة عفوية وكأنهم يتحدثون عن أمر عادي وعمل شريف يجب القيام به وإنجازه، وبحسب شهادة ويكرام فإن مهنة قطاع الطرق واعمل السطو والنهب كانت من النشاطات التي يفتخر ويتباهى بها هؤلاء، وكان جزء من العشور يُدفع لكنيسة مريم العذراء في والطو.
إضافة لذلك كان هناك حالات كثيرة للقتل بالسم، وبهذه الطريقة قَتل ملك جيلو الصغرى عام 1882م وكذلك رئيس أساقفة شميدان، والقانون السائد في حكاري هو شريعة الغاب والقوة هي التي تردع الإجرام، وبعبارة أخرى، لكل واحد الحق في فرض العدالة بطريقته الخاصة وحسب قدرته دون أن يكون هناك أي رادع أو من له الحق في محاسبته.
ونتيجة لذلك بإمكاننا فهم موقف المراسلين الغربيين كالدومنيكان تجاه العشائر الجبلية خاصة بسبب الشعور العميق بخيبة الأمل الناجم عن الفشل المتكرر لمحاولات اتحاد كنيسة النساطرة بروما، ومن صفات النساطرة من أبناء أشيثا، الجشع، الحيلة والخداع، النفاق، الحسد المتبادل، حتى بين بعضهم البعض والميل إلى العصيان، وعدم الانضباط اجتماعياً وأخيراً التعصب الأعمى القومي والديني، أمَّا أبناء ليزان فهم قوم لا يوقفون نشاطهم لإثارة أكراد برواري بتصرفات فضة، إنهم متعجرفون، مغرورون، متباهون، محبون للخصام، دساسون، طماعون، غشاشون، ذوي نيات سيئة، غير مستقيمين في أعمالهم.
وقبل سنوات مما قاله الأب ريتوري الأب بون فوزان، وصفاً لنساطرة هكاري قائلاً: إنهم جشعون وغشاشون، ودودة الانتقام والتشرذم تنخر كيانهم، وتقول مدام بيشوب التي زارت المقر البطريركي عام 1890م: في هذا البلاط الصغير الأطوار تشعر بضيافة جيدة وخشونة البناء والأثاث، وتُشاهد مراسيم صارمة، وتسمع جعجعة سلاح، وفي هذا المقر تحصل مناقشات سياسية وقانونية، أمَّا الأب كورماشتيك فيقول: في لقاء الأب لامي مبعوث البابا بيوس التاسع لبطريرك النساطرة سنة 1869م، سار أمام الموكب موكب اللقاء كوكبة من الجند الأتراك وبأيدهم سيوف مرفوعة، وكان البطريرك النسطوري شمعون الثامن عشر روبين جالساً في صالة الاستقبال، وحوله كهنة كنيستهُ وأفراد من عائلته وبعض الشباب واقفين في الزاوية وأيديهم على مقابض خناجرهم مستعدين لتقديم خدمة أو مساعدة لأية خدمة. (ميشيل شفالييه، المسيحيون في حكاري وكردستان الشمالية، ص134-144).
وشكراً/ موفق نيسكو

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

872 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع