بقلم لواء الشرطة الحقوقي
محي الدين محمد يونس
خزين ذاكرتي وطريف الحكايات -أكل من لحم ثورك
الديك الرومي أو ما يطلق عليه في بلادنا العراق (علي شيش , الفسيفس) وفي كردستان العراق يسمى بـ (قـل) ولا يهمنا هنا التسمية بقدر ما يهمنا طعم هذا الطير والرغبة لدى الكثير من الناس في تناوله وخاصة في فصل الشتاء لمذاقه اللذيذ حينما يطبخ بشكل متقن.
الديك الرومي أو علي شيش
والذي دفعني للحديث عن هذا الطير هذه الحكاية الطريفة فعندما قامت الحكومة العراقية باحتلال دولة الكويت بتاريخ 2 آب 1990 والذي استمر لمدة سبعة شهور وانتهى بتحريرها في 26 شباط 1991 من قبل دول التحالف الدولي المكون من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في حرب بدأت بقصف جوي مركز ومكثف على المقرات العسكرية والأمنية والصناعية الهامة والجسور ومراكز الاتصالات ومحطات الكهرباء في كافة انحاء العراق ومنها محافظة أربيل وقد أثر ذلك على استمرارية توزيع الطاقة الكهربائية وفي إحدى الليالي وكانت الساعة العاشرة طلب مني المرحوم خالي (الشيخ محمد) استصحاب ابنه (هاشم) معي والذهاب إلى دار قريبنا المرحوم الأستاذ (طاهر) وجلبه لغرض الجلوس سوية وقضاء الوقت والحديث عن أحداث العراق وما ستؤول إليه الأوضاع.
عند وصولنا دار المذكور فوجئنا بانقطاع الطاقة الكهربائية وترجلنا من السيارة وبالرغم من طرقنا على الباب بأيدينا واستعمال الحجارة دون جدوى عندها اقترح علي ابن خالي أن نأخذ ديكاً رومياً من القفص الموجود في حديقة الدار بدلاً من أخذ المرحوم الأستاذ (طاهر) وفعلاً تسلق الجدار الخارجي للدار وفتح باب القفص وأخرج (ديكاً رومياً) كبيراً وعدنا إلى بيت خالي مستصحبينه معنا بدلاً من الأستاذ (طاهر) والذي أمر بعض أفراد العائلة باستلامه وتنظيفه جيداً وطبخه على شكل تشريب وبعد ساعة وحين أصبح الطعام على وشك الجاهزية طلب منا خالي معاودة الذهاب إلى بيت الأستاذ (طاهر) وجلبه وفعلاً وصلناه وكانت الطاقة الكهربائية قد عادت إلى المحلة وبعد أن ضغطنا على المنبه لعدة مرات خرج المرحوم الأستاذ (طاهر) ونقلنا له طلب خالي بالمجيء معنا عنده واعتذر عن الحضور بسبب تأخر الوقت إلا أننا أخبرناه بإصرار خالي والذي تربطه معه علاقة قرابة وصداقة متينة وأنه غير مخير, فعلاً جاء معنا بنفس ملابسه التي كان يرتديها وعند عودتنا كان التشريب قد أصبح جاهزاً وباشر الشباب بتحضير السفرة والصحون والملاعق ومن ثم جلب القدر الحاوي للديك الرومي وعند رفع غطاءه تصاعدت منه الأبخرة إلى الأعلى وامتلأت الغرفة برائحة تشريب الديك الرومي والذي حرك غريزة الجوع لدى الحاضرين, وجعلهم يقومون بحركات لا إرادية لغرض تحسين مواقع جلوسهم على الأرض في قبالة السفرة وقدر الديك الرومي المرشح للالتهام.
كاتب المقال مع ابن خاله هاشم
قام (هاشم) بمهمة توزيع التشريب ولحم الديك الرومي على الجالسين حول السفرة كونه قد خبر هذه المهمة والتي تحتاج إلى بعض الشطارة.
رفض الأستاذ (طاهر) شموله بالتوزيع متذرعاً بكونه قد تعشى قبل ساعتين إلا أن خالي أصر عليه في الاشتراك معنا في تناول الطعام قائلاً له: ((نگ نگ ويانا شوية))
وعندما اشترك معنا في الأكل كانت مشاركته غير طبيعية في التهامه لقطع الخبز المنقوع في ماء الديك الرومي وقطع اللحم وعندما استفسر خالي من الأستاذ (طاهر): ((عزيزي كنت ترفض مشاركتنا في أول الأمر والآن أراك أكثرنا جوعاً ورغبة في الاكل... عزيزي وكما يقول المثل الدارج في المرة القادمة نكَ نكَ في بيتكم وتعال تعشى معنا))
أجابه الأستاذ (طاهر): ((يا أخي في حياتي لم أتناول تشريب الديك الرومي بهذا الطعم اللذيذ))
طلب منه خالي الاستمرار في الأكل قائلاً له: ((ألف عافية أبو وصفي))
كاتب المقال من اليمين ثم السيد سامي وبعده المرحومين شيخ محمد والأستاذ طاهر
بعد الانتهاء من تناول العشاء وشرب الشاي وانصرافنا بعد توصيل الأستاذ (طاهر) إلى داره في صباح اليوم التالي قامت زوجة المرحوم الأستاذ (طاهر) (أم وصفي) بإيقاظ زوجها من النوم: ((أبو وصفي ...انهض... انهض...))
أبو وصفي: ((ما بك... ماذا جرى))
أم وصفي: ((أحد اللصوص قد سطى على كنج الديك الرومي وسرق الكبيرة منها))
أبو وصفي وهو يكلم نفسه: ((والله الديك الرومي الذي أكلته ليلة أمس هو نفس الديك الرومي المسروق))
أم وصفي: ((ما بك... لماذا تكلم نفسك))
أبو وصفي: ((أم وصفي لا تهتمي بالموضوع))
أم وصفي: ((كيف لا أهتم ربما سيأتي هذا السارق على باقي الديك الرومي))
أبو وصفي: ((لا لن يأتي))
أم وصفي: ((كيف تعلم بأنه لن يأتي وهل تعرف السارق))
حدثها عن الدعوة التي تلقاها ليلة أمس ومشاركته في أكل الديك الرومي المسروق مطيباً خاطرها بأنه قد اكل منه كمية كبيرة قلل من الخسارة التي أصابتهم من جراء هذه العملية الغاشمة.
2988 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع