بقلم احمد فخري
الحياة في حقول البترول /الحلقة الثانية عشر الدورات التدريبية
في يوم من الايام وصَلَنا بلاغاً رسمياً من ادارة الشركة مفاده أن جميع العاملين بالحقل يجب عليهم الخضوع لعدة دورات تدريبية واهمها:
1 - دورة في اطفاء الحرائق (الزامية)
2 - دورة في قيادة قوارب النجاة (الزامية)
3 - دورة في الاسعافات الاولية (طوعية)
قمت بتسجيل اسمي وتسجيل جميع الفنيين والمهندسين الذين في قسمي على هذه الدورات ولكن باوقات مختلفة كي لا تتعارض هذه الدورات على سير عملنا. وعندما جائت المواعيد خضعنا لها جميعاً لأنها دوراة اجبارية وليست اختيارية ما عدى الاخيرة. لذلك ساتحدث عن الدورات التي خضتها بنفسي وكيف سارت الامور.
1- دورة اطفاء الحرائق
وصلني بلاغ من الاستاذ البكري مدير قسم السلامة في حقلنا (حقل زاكوم) يحدد لي فيه يوم وساعة ابتداء الدورة. كنت حريصاً على الموعد لاني اعرف جيداً أن التأخير بمثل هذه الامور يسبب للفرد مشاكل كثيرة اسوأها الانذار. ففي شركتنا زادكو، إذا ما استلم الفرد انذاران متتاليان فهذا يعني إن الانذار الثالث سيأتي معه الطرد من الشركة والطرد من دولة الامارات ككل. لذا كنت على اهبة الاستعداد كي اخضع لهذه الدورة باليوم والساعة المشار اليهما.
ذهبت الى غرفة الانتضار بالطابق الرابع والتقيت مجموعة من الرجال ممن وقع عليهم اختيار السيد البكري كي نخوض هذه الدورة التدريبية سوية. ركبنا طائرة الهليكوبتر التي اقلعت بنا متجهة الى جزيرة زركوه وهي جزيرة تبعد 30 كلم عن حقلنا حقل زاكوم. وعندما وصلنا الجزيرة لاحظت من شباك الطائرة أن الجزيرة لها مطار صغير وبه مدرج صغير لهبوط واقلاع الطائرات الخفيفة وكذلك كانت خزانات زركوه للنفط الخام واضحةً للعيان. وانا اعلم جيداً إن سعة كل خزان يبلغ مليون برميل لأني سبق وأن قرأت هذه المعلومة في ادبيات الشركة عن خزانات الجزيرة.
جزيرة زركوه
حالما حطت الطائرة على ارض المطار هبطنا منها ومشينا مسافة قصيرة حتى دخلنا قاعة الاستقبال حيث وقف فيها رجل امن ورجل من رجال شركتنا. قام الشرطي بالتأكد من هوياتنا الامنية ثم قادنا موظف الشركة كي نركب احدى الحافلات الصغيرة والتي تسمى بالعراق ام 12 راكب. نقلتنا الى مبنى للادارة. هناك استقبلنا موظف آخر وادخلنا الى قاعة تبدو وكأنها صف للتدريس. قُدم لنا هناك المشروبات الساخنة والبسكويت ثم ابتدأ الدرس. صار المدرب يعطينا محاضرة عن الحرائق وانواعها واسباب اشتعالها. فقد استفدنا كثيراً من تلك المعلومات. واخبرنا عن مستوى الانفجار الاوطى و مستوى الانفجار الاعلى lower explosive limit (LEL) and the upper explosive limit (UEL). هي امور رئيسية يجب معرفتها لكي يستطيع رجل الحريق التعامل والسيطرة على الحرائق من خلالها. وتسمى هذه الحدود بـ LFL/LEL . كذلك شرح لنا طرق استعمال طفاية الحريق الحمراء ومدى محدوديتها في السيطرة على حرائق كبيرة.
طفاية الحريق
كذلك اخبرنا ان الحرائق التي تنجم من وقود بترولي لا يمكن اطفائها بالماء وانما تستعمل الرغوة التي تقوم بقطع امداد الاوكسجين على النار كي تخمد.
الرغوة في اطفاء الحرائق
ولكن استعمال الرغوة وحدها لا يكفي لان الحرارة الناتجة عن حرائق البترول تولد حرارة عالية جداً تمنع رجال الاطفاء من التقرب من مصدر الحريق. لذا يقوم فريق آخر بعمل ستار مائي ما بين النار ورجال الحريق الممسكين بخرطوم الرغوة كي يتمكنوا من التقرب من لهيب النار المشتعل وتخفيف حدة الحرارة على زملائهم.
ستار مائي
بعد ذلك تحدث عن الاقنعة الواقية لرجال الحريق خصوصاً عند دخول الغرف المغلقة التي قد تؤدي الى تسمم رجل الحريق، لذا فانه يقوم بارتداء الاقنعة الواقية والمزودة بالاوكسجين.
بعد ان اتم الحديث عن كل هذه الطرق قال، "سنقوم بخلق حريق كبير في الفضاء ثم تقومون انتم باخماده"
خرجنا مع الرجل الذي جئنا معه وهو مصري الجنسية (للاسف نسيت اسمه) وركبنا سيارات اقلتنا الى مكان معزول في الجزيرة فوجدنا احواض كبيرة غير عميقة يبلغ حجم الواحدة منها ما يقرب من 9 امتار مربعة وعمقها لا يتجاوز الـ 20 سم وبجانبها براميل ملئى بالوقود السريع الاشتعال (وقود الطائرات).
قام قائدنا بافراغ محتويات البراميل في الاحواض ثم قال، "الآن ساثبت لكم نظرية الـ LEL فذهب بالقرب من الحوض واشعل كبريتة وقربها من مستوى النفط بداخل الاحواض فلم تشتعل. بقي يقرب يده حتى لامس النار بالنفط الا ان النفط لم يشتعل. فابتسم وقال هذا هو الدليل. بعد ذلك قام بسكب كمية من النفط على الارض خارج الاحواض وقام باشعالها ثم صار يجري نحونا مبتعداً عن الاحواض. وإذا بلهيب كبير يرتفع الى ما يقرب من 10 امتار في السماء. كان المنظر مخيفاً للغاية لاننا لم نشاهدن منظراً من هذا القبيل من قبل. بعد لحضات صارت الحرارة ترتفع فاضطررنا التراجع للخلف. هنا وجه طفاية حريق حمراء صوب النار الا انها لن تؤثر بها مطلقاً وبقيت السنة اللهيب على ارتفاعها المعهود.
هنا قال يجب علينا استعمال خرطوم الرغوة. علمنا كيف نربط الخراطيم ببعضها البعض وطلب من احدنا ان يكون بجانب مفتاح الفتح والاغلاق. وطلب اثنان منا أن يمسكا بخرطوم الرغوة وتوجيه الرغوة نحو النار. الا اننا كلما اقتربنا من النار كي نوصل الرغوة اليها تعذر علينا ذلك بسبب الحرارة العالية الآتية من اللهيب، هنا قال، يجب علينا الآن أن نعمل ستاراً من الماء كي نحمي الرجال الذين يمسكون بخرطوم الرغوة. وفعلاً كان محقاً، فالستار المائي قام بحماية الرجال الذين يمسكون بخرطوم الرغوة من حرارة النار واطفئت النار بعد وقت قياسي قصير.
بعد ذلك تمرنا على ارتداء كمامة الاوكسجين والدخول الى غرفة معدة لهذا الغرض وقام برمي قنبلة غازية بداخل الغرفة.
تناوبنا نحن جميعاً على الدخول بداخل الغرفة مرتدين الكمامات الاوكسجينية والخروج بسلام من الطرف الآخر.
بعد أن انهينا جميع التمارين على اطفاء الحرائق الصغيرة والكبيرة. قال لنا القائد، :اليوم اصبحتم رجال اطفاء، وبامكانكم المساهمة باطفاء الحرائق الحقيقة لو أنها وقعت لا سامح الله وسوف نقوم بتسليمك شهادات تؤكد ذلك.
عدنا بعد ذلك الى الادرة حيث انتضرنا طائرتنا الهلكوبتر التي عادت بنا الى مقرنا في البارجة السكنية بحقل زاكوم سالمين غانمين.
...يتبع
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/maqalat/34554-2018-03-13-18-37-31.html
1682 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع