سالم إيليا
المسيحيون ودورهم في الإستفتاء المزمع إجراءه في كردستان العراق وأشياء أخرى
لا يخفَ على المتتبع للشأن العراقي التَغَيُّرات الديموغرافية والجيوسياسية التي تحصل الآن في العراق وتوقيتاتها المحسوبة بدقة من قبل بعض الأطراف الدولية والإقليمية، وكان آخرها إعلان بعض القادة في كردستان/العراق عن تحديد موعد الإستفتاء للبقاء مع العراق الموحد من عدمه والذي تزامن مع قرب تحرير الموصل بالكامل!!!.
وقد بدأ المروّجون لهذا الإستفتاء بإستخدام المكونات الأخرى والمتواجدين جغرافياً في مناطقهم التاريخية التي فرض عليها الإنفصاليون سيطرتهم الإدارية بالقوة المسلحة مستغلين ثقافتهم المسالمة والظروف القاسية التي تعرضوا لها خاصة في السنوات الأخيرة بعد سيطرة عصابات داعش وجرائمهم ضدهم، ومن هؤلاء المكونات الأيزيديين والشبك والتركمان والمسيحيين بمختلف مسمياتهم القومية.
وقد جرت في الآونة الأخيرة محاولات لإقصاء الممثلين الحقيقيين لتلك المكونات في قصباتهم وقراهم بآخرين ربما سيتسامحوا ويتساهلوا وربما سيروّجوا أيضاً للتشجيع على الإنفصال بطرق الترغيب تارة والتهديد تارة أخرى!!!، وبتركيز واضح على أبناء المكوّن المسيحي لِما لهم الآن من ثقل دولي وعدد لا يزال لا يستهان به في مناطقهم شمال الوطن، خاصة بعد أن واجه مروّجوا الإستفتاء الممانعة الدولية في تأييدهم بخطوتهم الإنفصالية وبهذا التوقيت الخاطئ حسب رأي أغلب المحللين السياسيين الدوليين!!!.
وعليه نتمنى على جميع المكونات المتواجدة جغرافياً داخل كردستان/العراق ومنهم المسيحيين أن لا ينجرّوا وراء أجندات مكتوب لها الفشل والمآسي المستمرة ونقول لهم بكل محبة: إذا أُجْبِرتُم على الإستفتاء أيها الأصلاء بحكم تواجدكم الجغرافي في مناطقه وبضغط ظروفكم التي لا تخفَ على أحد، فإجهضوه في مهده بالتصويت بكلمة "لا" للإنفصال عن العراق الموحد وهو رقم لا يقبل القسمة على إثنين، وقفوا وقفة أجدادكم ورجال دينكم الذين أجهضوا من قبلكم محاولة إنفصال الموصل عن العراق وضمها الى تركيا بالإستفتاء الأممي في ربيع سنة 1925م، فأنتم ليس أقل منهم وطنية ومحبة للعراق الموحد، فقد وقف أبناء العراق من كلدانٍ وآشوريين وسريانٍ وأرمنٍ وبقية الملل بممثليهم رجال الدين ووجهائهم يتقدمهم البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني توما والمطران كريكور والخوري أنطوان زبوني والوجيهة "سورما خانم دبيث مار شمعون" وغيرهم الكثيرين وقفة رجل واحد حينها ليعلوا صوتهم جهوراً بكلمة "لا" للإنفصال عن العراق، فأفعلوها ثانيةً وليسجل التاريخ مأثرة أخرى من مآثركم الوطنية كما سجله لأجدادكم من قبلكم.
فما نمر به اليوم من مصاعب ما هي إلاّ "مزنة صيف" بحساب الزمن لا تلبث أن تنجلي وإن طالت، فافعلوا هذا من أجل أحفادكم الذين لا ترضوا لهم العيش في زمن الحروب التي نعيشها، وحيثُ ذكرتُ في مقالة سابقة كانت معنونة بالعنوان التالي "هل سيكون هنالك سلام في المنطقة فيما لو قسّم العراق؟" والتي بينّت فيها الإحتمالات الواردة لِما سيحدث من مآسي وحروب فيما لو قسّم العراق وسأقتطف منها الآتي للتذكير بها:
"أما إقليم كردستان فسيكون من بين أسوأ الأقاليم الثلاثة (فيما لو قسّم العراق الى ثلاثة أقاليم أو إنفصل الإقليم بمفرده عن العراق) لأنه سيكون بين كماشتي الأمبراطوريتين السابقتين اللتين سوف لن تتركانه ينمو ويقوى بتطلعاته الوحدوية لقيام دولة كردية تضم المناطق الكردية في إيران وتركيا، وستكون لعائلة البرزاني المسؤولية التاريخية الكبرى في إبادة الشعب الكردي وتعرضه للتنكيل من قبل الفرس والأتراك بدلاً من بقائها (أي العائلة) الآن في نظر الكُرد في المنطقة كرمز لتحقيق الكثير من المكاسب لكُرد العراق، وربما لم يدرك السيد مسعود البرزاني قواعد اللعبة السياسية الدولية بعد، فصديق اليوم في السياسة من السهولة أن يصبح عدو الغد وينقلب عليه حلفائه بلمح البصر لمصلحة بلدانهم، أو لتغيير الإتفاقيات بين الأقطاب الرئيسية في السياسة الدولية، وأمامنا خير مثال على ذلك في موافقة كل الأطراف على بقاء الرئيس السوري في السلطة، عندها ربما ستعطي هذه الأقطاب الدولية الضوء الأخضر لإيران وتركيا لضرب الكُرد ولجم جماحهم، وسوف لن تفيدهم حتى إسرائيل لأنها ستبحث عن مصالحها أيضاً".
هذا ما قلته كجزء من السيناريوهات والتصورات فيما لو فكر بعض قادة الكُرد بالإنفصال، فمن غير المعقول أن تضحي إسرائيل بعلاقاتها الإستراتيجية مع أهم دولتين إقليميتين إعترفتا بها مبكراً (إعترفت إيران بإسرائيل سنة 1948، ثمّ تبعتها تركيا سنة 1949 ولا تزال علاقاتهما قوية معها وليس كما تظهران للعالم)، أو حتى لو أخذنا بفرضية سوء العلاقات (مرحلياً) لإسرائيل مع نظام إحدى هاتين الدولتين، لكنها بكل تأكيد سوف لن تجازف بخطأ إستراتيجي وتاريخي يجعلها دائماً في موضع المتهم الأول أمام شعوب الدولتين والدول المجاورة المتضررة الأخرى في دعم إنفصال الكُرد في هاتين الدولتين وإعلان دولتهم المستقلة!!، وبهذا الفعل ستضع إسرائيل نفسها في موضع العدو الأول لشعوب المنطقة وستعطي الحجة على طبق من ذهب للمتطرفين في المنطقة لتأليب شعوبهم عليها وبشكلٍ مطلقٍ وستصبح المنطقة أكثر غلياناً وحروباً، خاصة وإن القضية الكردية وتطلعات الشعب الكردي على مدار فترة علاقتهم مع إسرائيل كانت مجرد ورقة بيد الكثير من الأطراف ومنهم إسرائيل، وكانوا الكُرد ولا يزالون بحاجة اليها أكثر من حاجتها اليهم وحسب إعتراف قادتهم في الكثير من المقابلات على الفضائيات.
ولو سلّمنا جدلاً بفرضية قناعة المخططون الإسرائيليون في تشجيع الكُرد على تشكيل دولتهم على حساب كسر شوكة الأنظمة للدول الإسلامية في المنطقة سواء العربية منها أو الأقليمية (تركيا وإيران)، فبكل تأكيد ستكون غايتها وهدفها الحقيقي هو نقل الحرب ما بين إسرائيل من جهة والدول الإسلامية في المنطقة (العربية والغير عربية) من جهة أخرى وجعلها حروب فيما بينها (أي بين الدول الإسلامية، لكنها ستكون حروب قومية)!!!، وسيكون طرفها الأول الدولة الكردية الفتية المفترض إعلانها بشعبها الذي سيتجاوز بكل تأكيد العشرين مليون نسمة (يوجد أكثر من أربعة عشر مليون كردي في تركيا وأكثر من أربعة ملايين في إيران وبحدود ثلاثة ملايين في العراق ومليونين في سوريا) وطرفها الثاني (المضاد) تركيا وإيران والعراق وسوريا وربما لبنان، وستكون الحرب إسلامية ـ إسلامية ولكن بدوافع قومية!!!، وستكون الأضعف فيها منطقياً والتي سينالها الجزء الأكبر من الضحايا والتدمير هي الدولة الكردية الفتية، عندها ستنشغل دول المنطقة المعنية بالخطر المباشر الذي سيتهددها من الدولة الكردية وستنسى ما تعتبره "القضية المركزية" للدول الإسلامية وهي القضية الفلسطينية!!!، وبهذا الأفتراض سيكون الشعب الكردي بمآسيه كضحية وكورقة أيضاً بيد المساومات الإقليمية والدولية، إضافة الى أنّ إسرائيل والدول المصنعة للأسلحة ستنتعش بسوقها مقابل الإستنزاف المادي الذي سيصيب الدول المتحاربة.
وندائي أوجهه لشعبنا الكردي أيضاً: لقد كان الشعب العراقي برمته متفهماً ومتعاطفاً مع قضيتكم ومطالبتكم لحقوقكم منذ بدايتها بعيداً عن القادة السياسيين وقمعهم الذي شمل الجميع دون إستثناء، ولقد كنتم متواجدين في كل أرجاء العراق وبنسب كبيرة خاصة في مناطق تواجدكم التقليدية والتاريخية التي شاركتم فيها من كان قبلكم من الأصلاء من المكونات الأخرى الذين لم يمنعوكم في مشاركتهم لأرضهم!!، وحيثُ كنتم متعايشين معهم عبر مئات السنين بأمن وسلام وقبل أن يبدأ البعض بالتحريض على إيذائهم والتنكيل بهم عبر مذابح يندى لها جبين الإنسانية!!، ومع ظهور بوادر النزعة الإنفصالية لإعلان تلك المناطق المشتركة للجميع على أنها أحادية الإدارة السياسية من قِبَل القومية الكردية فقط تمهيداً لإعلانها دولة كردية (وهذا الأمر لا يختلف عليه مؤرخان)، عندها بدأت الحكومات المركزية المتعاقبة في العراق بالإنتباه وأعتمدت بعضها على الإجراءات القسرية لتحجيم أماكن تواجدكم جغرافياً خوفاً من زحفكم سكانياً الى مناطق أخرى بفعل الحرية التي كانت متاحة لكم للعيش والتنقل قبل بدأ إنتفاضتكم القومية المسلحة، ودليلي على هذا الكلام مشاركة أبنائكم بتولي الوزارات السيادية (وزارتي الدفاع والداخلية) ضمن التشكيلات الوزارية المتعاقبة منذ بداية تكوين الدولة العراقية الحديثة، وحيثُ لم يعترض على مناصبهم تلك أي عراقي كونهم كانوا يتمتعون بالكفاءة المهنية لإشغالها وأوفياء لهويتهم العراقية ولوطنهم العراق، وحيثُ نتمنى أن يفشل الوطنيون منهم الآن (وهم كُثُر) محاولة الإنفصال.
وأنا أتذكر جيداً كيف كان طلاب المدارس في المرحلة المتوسطة والإعدادية لا يخفون تعاطفهم مع الشعب الكردي وكيف كانت الفرحة كبيرة حين أُعلِنَ بيان الحادي عشر من آذار بعدها بسنوات، وكيف إستقبلت الجماهير العراقية قادة الكُرد في بغداد، وذهبت الوفود الطلابية في الذكرى الأولى للبيان الى المدن في شمال الوطن للإحتفال وحناجرهم تصدح بدون تردد لكردستان/العراق بيچي ـ ـ بيچي كردستان (تعيش ـ ـ تعيش كردستان)!!، فلا تخذلوهم بتصويتكم على الإنفصال ولا تخذلوهم بمحبتهم لكردستان/العراق وأهلها، فإذا كانت الموصل كما وصفها البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني من إنها رأس العراق أبان الإستفتاء الأممي في القرن المنصرم لإثبات عائديتها للعراق ورددها من بعده الملك فيصل الأول، فأنّ كردستان هي قلب العراق النابض بالتعددية والتآلف المجتمعي، وحيثُ كانت مصائركم سابقاً بأيدي السياسيين الحقيقيين الذين إنزوا في بيوتهم الآن تاركين الأمر لتجّار السياسة ومافياتها لقناعتهم بأنّ الهدف السامي لنضالهم القومي قد إختفى وحلّت محله الأطماع الشخصية!!، وأنتم تعيشون الآن نتائجها بشكلٍ واضحٍ ويتراءى لكم مستقبلها الذي لا يبشر بخير في كل الأحوال!!!.
وتذكروا هذه الكلمات والجُمَل فيما لو صوّتم لا قدر الله على الإنفصال، فسيأتي اليوم الذي سيجعلكم تعضّون أصابع الندم، وهذه الكلمات ليست إنشائية ولغوية لتخويفكم، فالعراقيون يعلمون مدى شجاعتكم وإنّ الخوف بمنأى عنكم، لكن هذه لغة المنطق وفق سياقات التحالفات والسياسات الدولية وبديهيات دهاليز السياسة!!.
فهل أنتم مستعدون على العيش والتأقلم مع الحروب بشكلٍ دائم يا من لكم حق التصويت على الإنفصال من مختلف المكونات المتواجدة جغرافياً في الإقليم؟؟؟، وحيثُ سيكون عندها السلام في ربوع الإقليم هو الإستثناء بلا أدنى شك!!!، فلحد الآن هنالك صراع سياسي داخلي بين القادة الكُرد والذي سيتحول بكل تأكيد الى صراع مسلح دموي حال إعلان الإنفصال للسيطرة على المناطق المتنازع عليها بين الأحزاب الكردية، خاصة وإن قادة تلك الأحزاب يحكمون عائلياً وعشائرياً ويرفضون مبدأ المشاركة القيادية الجماهيرية من خارج العشيرة أو العائلة!!، وإن حدث وكان هنالك سلام ظاهري بين الأحزاب الكردية، فبكل تأكيد سيكون هنالك توتر وحروب بينهم وبين حكومة المركز في العراق على المناطق المتنازع عليها، خاصة وإنّ بعضها مثل كركوك والموصل لا مجال نهائياً للتخلي عنهما من قِبَل أي حكومة مركزية حتى لو كلّف هذا الأمر تجييش الجيوش!!!، وحيثُ أنّ حكومة المركز في العراق لديها أيضاً من يؤيدها من الدول الكبرى بحكم المصالح المتبادلة، وأعتقد قد عَلِمَ الجميع الآن مدى قوة الجيش الحكومي والميليشيات الشعبية التي إنضمّت اليه في مقاتلة داعش والقضاء على معظم مقاتليه الذين لم يكن من السهل الإنتصار عليهم قبل سنتين!!، ناهيكم عن التدخلات والصراع المسلّح (في حالة الإنفصال) الذي ستختلقه إيران وتركيا لقضم أجزاء من الإقليم أو حتى الدخول الى عمقه دون أن يكون هنالك رد فعل دولي فعلي لمنعهم الى أبعد من إطلاق التصريحات السياسية لذر الرماد في العيون، وخير دليل على ذلك تواجد تركيا الآن بجيشها قرب تلعفر التي يعتبرها الكرد منطقة كردية دون وجود رد فعل دولي واضح أو رد فعل من الحكومة المركزية أو من حكومة الإقليم!!، فهل أنّ الشعب الكردي مهيأ لهذه الحروب برمتها؟؟!!، خاصة وإنّ الأقليم سيكون محاط بحدوده من كل جهاته بالأطراف التي تتطلع الى إفشال تجربته الإنفصالية وسيكون تطبيق الحصار الإقتصادي عليه من أبسط خياراتها!!، وهل فكر القادة الكُرد من أنهم وشعبنا العراقي الكردي سيكونوا ضحية مؤامرة دولية متفق عليها مع الدولتين الإقليميتين العدوتين اللدودتين (إيران وتركيا) لقيام دولتهم في المنطقة؟؟؟!!!، كونهم الأقلية بحساب النسبة العددية الى ما موجود من الكُرد في تلك الدولتين!!!، وليكونوا فيما لو فشلت تجربتهم الإنفصالية وحدثت المآسي للكُرد العراقيين عبرة لغيرهم من الكُرد في تلك الدولتين لتخويفهم وردعهم عن المطالبة بالإنفصال ولتفشل وللأبد تطلعاتهم بعدما سيشاهدون ما سيحل بإخوانهم كُرد العراق!!!، ولدينا دليل واضح لا يزال ماثلاً بتسليم الثائر الكردي مؤسس حزب العمال الكردستاني التركي "عبدالله أوجلان" بمؤامرة دولية وصفقة سياسية الى الحكومة التركية.
وربما سيقول قائل من الذين يتطلعون الى الإنفصال: لولا الغُبن الذي يمارس بحقنا ما فكرنا بالإنفصال!!، أقول هل ما تحقق لحد الآن للكُرد ضمن حدود الدولة العراقية يُعتبر غير كافي أو غير مقبول على الأقل في هذه الظروف الإستثنائية؟؟؟!!!، ومَنْ مِن شرائح المجتمع العراقي ومكوناته في مدن الجنوب والوسط والغرب والشرق قد حصل على أكثر مما حصلتم عليه من حقوق في ظل الفوضى السياسية القائمة؟؟؟!!!، وهل حصل إخوانكم الكُرد في الدول المجاورة على نصف ما حصلتم عليه في العراق من مكاسب في ظل حكم ذاتي سياسي شبه مستقل ومردودات مالية وافق عليها ممثليكم في البرلمان العراقي؟؟؟، وهل من الضروري التلويح دائماً أما بالثورة المسلحة أو الإنفصال لإنتزاع الحقوق؟؟؟!!!، ولماذا إخوانكم المتداخلة أراضيهم مع أراضيكم من المسيحيين بكل مسمياتهم القومية لم يرفعوا السلاح على الرغم من أنّ تاريخ إضطهادهم يعود الى القرون الأولى حتى قبل الإضطهاد الأربعيني في زمن الملك سابور الثاني الساساني وأستمر بين مدٍ وجزرٍ ولحد الآن وقد إشتركت بعض قبائلكم بإضطهادهم؟؟؟!!!، والشئ ذاته يصلح كمثل على أبناء المكوّن الأيزيدي الذي تعرض لما تعرض له المسيحيون وغيرهم من المكونات الأخرى!!، ألا يمكن إنتزاع الحقوق بغير طُرق العصيان المسلح أو إعلان الإنفصال؟؟؟!!!، أعتقد من الممكن فعل ذلك لو كان المعنييون يفكرون بأرواح شعبهم وإبعاد المآسي عنهم!!، ولنا في هذا المضمار مثالين لشخصين فقط إستطاعا دحر أكبر إستعمارين مدججين بالأسلحة والتأييد الدولي الذي تخلى فيما بعد عنهما (أي عن المستعمرين) ووقف مع الحق، وحيث كان أحد هذين الشخصين يناضل من داخل زنزانته وهو الخالد "نيلسون مانديلا" في جنوب أفريقيا وقبله حصل المهاتما "غاندي" إبن الهند البار على إستقلال بلاده بالطُرق السلمية والنضال السلمي أيضاً.
وأملنا كبير بالوطنيين الكُرد وقادتهم السياسيين الحقيقيين لتنوير العامة ومنعهم من تغليب لغة العواطف والإندفاع الغير محسوب على حساب لغة العقل والحكمة، والتوقف عن مداعبة عواطفهم من قِبَل البعض لتحقيق مكاسب شخصية وزعامة شكلية على حساب آلامهم ومعاناتهم، فليس قليلاً ما حصل لهم من مآسي.
وأقول للمسيحيين أيضاً المتواجدين جغرافياً في المناطق التي سيتم الإستفتاء عليها، لا تضعوا رقابكم تحت سيف من كان سبباً بإبادتكم في المجازر التاريخية التي نعرفها جميعاً من المجازر الحميدية (نسبةً للسلطان العثماني عبدالحميد) ومذابح الأرمن (الجريمة الكبرى) خلال الحرب العالمية الأولى ومروراً بمذابح "سيفو" و "سميل" ومَنْ كانوا أدواتها من قبل بعض القبائل الجاهلة وأبطالها مثل بكر صدقي وغيره من المحسوبين على الكُردِ وللأسف الشديد، وحيثُ أنّه ليس هنالك أي ضمان لعدم تكرارها في المستقبل، وبوادر أعمال العنف لبعض المتعصبين تظهر بين الآونة والأخرى في مختلف المناطق في كردستان/العراق ضد المكونات الأخرى من حرق محلات بيع الخمور في السليمانية الى الإعتداءات والتحرشات في عينكاوة وغيرها الى الغبن في التمثيل السياسي والإداري والتدخل به ضد رغبة مواطني المكوّن المسيحي وغيرهم وحكومة الإقليم تقف مكتوفة الأيدي لا بل تكون طرف فيها في بعض الحالات!!!، فأين هي قُراكم في أعالي الجبال أيها المسيحيون؟؟؟!!!، ولماذا تركتموها ومَنْ الذي إستولى عليها؟؟!!، وأعلموا يا أهلنا بأنهم بحاجة اليكم أكثر مما أنتم بحاجة اليهم في مناطقكم التاريخية وإنْ هم يدعون بعائديتها إدارياً لسلطتهم، لكن تاريخها يثبت عائديتها لكم منذ آلاف السنين، فهم يستخدمونكم كورقة رابحة في المحافل الدولية لكسب تأييد الدول الكبرى لتتطلعاتهم الإنفصالية بحجة حمايتكم مستخدمين بعض المأجورين من مكوننا المسيحي المستعدين لبيعنا جميعاً من أجل مصالحهم الشخصية.
وليتذكر من يقرر التصويت لصالح الإنفصال "ولات ساعة ندمٍ" بعده، إننا جميعنا أقوياء بالعراق الموحد، وتأثيره دولياً (مهما كان ضعيفاً) سيكون بكل تأكيد أقوى من تأثير أقاليم الإنفصال المقسمة، حتى ونحن نعيش التدهور ومآسيه بكل تفاصيله الآن، فالقادم سيكون أسوء فيما لو تضاربت فيه المطامع الشخصية للقادة الإنفصاليين مع بعضهم البعض ومصالح الدول الكبرى والإقليمية أيضاً، وربما سيتعرض الإقليم الى جميع تلك الحروب ومن كلّ صوب وفي آنٍ واحد، وحيث سيصُعب التكهن ماذا سيحصل للمكونات الكردية وغيرها من المكونات داخل الإقليم من المآسي، فأمامنا مثال حي حينما وقفت قوات الحماية الكردية التي كانت داخل الموصل عاجزة عن حماية المكونات الأخرى من مسيحيين وشبك وتركمان مشاطرة بذلك عجز القوات الحكومية، لا بل وقفت حكومة الأقليم مكتوفة الأيدي أمام الكارثة والإبادة الجماعية التي حصلت للمكوّن الأيزيدي الذي يعتبره القادة الكُرد جزءاً منهم لكنهم يختلفون عنهم بمعتقداتهم الدينية.
نتمنى من الصميم أن يجهض الوطنيون بمختلف مكوناتهم هذا الإستفتاء من أجل مستقبل أبنائهم وأحفادهم وأجيالهم القادمة وبكل تأكيد سيذكره لهم خلفهم والتاريخ بأحرفٍ من نورٍ.
1077 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع