محي الدين محمد يونس
من أعلام الغناء في العراق الفنان يوسف عمر
ولد المرحوم الفنان (يوسف عمر البياتي) في بغداد منطقة حسن باشا عام 1918 وكان منذ طفولته يستمع إلى أصوات كبار مطربي المقام وفي مرحلة الشباب زاد اهتمامه بهذا الفن وعقد العزم لتكوين شخصيته المتميزة وفعلاً بدأ يصل مرحلة النضوج الفني إلا أن تعرضه لاتهام بقتل أحد الأشخاص والحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً في سنة 1933 أدت إلى توقفه عن نشاطه الفني والابتعاد عن جمهوره ومحبي فنه إلا أنه عوض عنهم بزملائه السجناء , حيث أخذ يغني لهم المقام والبستات البغدادية للتعبير عن آلامه وشعوره بالغدر والظلم الذي لحق به عن جريمة لم يقترفها واستمر في السجن لغاية إكماله لمدة الحكم حيث أطلق سراحه في عام 1948
الفنان يوسف عمر
وبعد فترة تقدم لدار الإذاعة العراقية وبعد إجراء الاختبار اللازم له قُبِلَ مطرباً للمقامات وخصصت له حفلات أسبوعية حية على الهواء من دار الإذاعة العراقية وفي عام 1956 ومع افتتاح تلفزيون بغداد والذي كان أول محطة تلفزيون تفتتح في الشرق الأوسط, اعتمد المذكور كقارئ مقام فيها وكانت له حصته من الحفلات فيها.
استمر في نشاطه وصعود نجمه وتألقه وأصبحت له جماهير واسعة من المعجبين والمتابعين إلا أن حالته الصحية أجبرته على اعتزال الغناء في عام 1985 وتوفي يوم 15 تموز 1986 أثر نوبة قلبية.
قلد المطرب (يوسف عمر) في بداية حياته الفنية أستاذه مطرب المقامات (محمد القبانجي) إلا أنه سرعان ما اتخذ لنفسه لوناً وطريقة خاصة به لازمته طيلة حياته في مجال المقامات العراقية ولاقت رواجاً وقبولاً لدى محبي هذا اللون من الغناء لدى العراقيين...
مطرب المقامات العراقي محمد القبانجي
تقودني ذاكرتي إلى الحفلات التي كنت أحضرها لهذا المطرب في أيام الخميس من كل شهر في خان مرجان في بداية الثمانينات من القرن الماضي حيث كنت أحضر من أربيل إلى بغداد خصيصا لحضور حفلات هذا الفنان البارع القدير والتي كنت في غاية الارتياح والشوق لسماع صوته والتمتع بلونه الغنائي الخاص المطعم باللون الريفي الجميل.
نوري السعيد
يقال بأن رئيس الوزراء العراقي المرحوم (نوري السعيد) كان قد سمع صوت المطرب (يوسف عمر) عندما كان يغني في دار الإذاعة اللاسلكية وقد حضر إليها في أحد الأيام المقررة لغناء هذا المطرب ليستمع إليه عندما كان يغني في غرفة الرقابة الإذاعية وهو يقدم حفلته الغنائية وهو لم يزل مطرباً ناشئاً وظل ينتظره حتى الانتهاء من تقديم وصلته الغنائية فدخل عليه إلى الأستوديو ليراه ويسأله عن اسمه ومسكنه وفي أي محلة من بغداد ومتى تعلم غناء المقامات العراقية التي كانت تستهوي المرحوم (نوري السعيد) وعندما أجابه (يوسف عمر) على كافة الأسئلة كما وبادر عازف القانون في غرفة الإذاعة الموسيقية في مدحه وتقييم أدائه وبأنه قارئ مقامات جيد وينتظره مستقبل باسم وسيكون من المغنيين المشهورين.
أخرج رئيس الوزراء من جيبه مظروفاً يحتوي على رزمة مالية وزعها عليهم وكانت حصة المطرب (يوسف عمر) منها خمسة وعشرون ديناراً , وكان هذا المبلغ في حسابات ذلك الوقت يعتبر مبلغاً جيداً أما الموسيقيين فكان نصيب كل واحد منهم خمسة دنانير ودينارين لكل واحد من أعضاء فرقة الإنشاد.
ولا يفوتني أخيراً أن أذكر ما قرأته قبل سنين من حكاية طريفة عن (أبو يعقوب) حين قررت وزارة الثقافة تشكيل وفد فني للمقامات العراقية والجالغي البغدادي لغرض زيارة تركيا للمشاركة في تقديم بعض العروض الفنية الغنائية والموسيقية لألوان الفن العراقي الأصيل على مسارحها وكان الوفد يتألف من مجموعة كبيرة من الموسيقيين والمطربين والإداريين وعلى رأسهم المطرب (يوسف عمر) وكانت السفرة بالطائرة من بغداد وأثناء تحليق الطائرة في الجو طلب أحد أعضاء الوفد من زميل له جالس قرب شباك الطائرة فتح الشباك وكان يقصد غطاء الشباك الحاجب عن رؤية خارج الطائرة إلا أن (يوسف أبو يعقوب) نهره بشدة ومنعه من القيام بذلك قائلا: (( مگموع لا تفتح الشباك ليروح نستبرد)).
وعندما قام مجموعة من أعضاء الوفد بالغناء والرقص وقوفاً داخل الطائرة وهي محلقة في الجو نهض مطربنا (يوسف عمر) وهو يصرخ عليهم: (( ولكم أگعدوا راحة ... لتروح توگع الطيارة)).
بهذا وصلت إلى نهاية حكايتي عن هذا الفنان القدير والذي مات ولكن ذكراه وآثاره لا زالت شاخصة ولا يمكن أن تنسى أو تمحى لأصالتها وتعبيرها عن الذوق العراقي وتراثه الاجتماعي والتاريخي والفني ...
أملي في أن أكون قد قدمت موضوعاً في مستوى رضا القارئ الكريم وتقبله وربما محاولة مني في نقله إلى أجواء الماضي الذي لا زلنا نعيش عبق ذكراه الجميلة ... وحبذا لو أتحفنا الأخوان في هيئة تحرير المجلة بأغنية من أغنيات هذا المطرب وأفضلها أن تكون أغنية ( داري أنا داري) إن كانت متوفرة مع الشكر والامتنان ولتكن مسك الختام.
https://www.youtube.com/watch?v=_qfpBwOKXlM
817 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع