جقماقجي بغداد .. ودمعة منثالة !

                                                          

                                   زيد الحلي

عجيب أمر العراق … فضاء من المعاني الخالدة في الوجدان ، فحين تبحر في ثنايا تاريخه المعاصر ، تلمع امامك محطات من الكبرياء والحضارة والابداع والوعي المبكر … لن اتحدث في السياسة ، فقد شابها التلون ، ولعبت فيها الاهواء ، فضاع الحق في اتون الباطل ، والصدق في بئر الادعاء ،لكني اشير الى جزئية معرفية عميقة المعاني ، وهي الادراك العراقي المبكر بالثقافة الموسيقية … ففي وقت كان فيه العالم ، يلملم جراح الحرب العالمية الاولى ، حيث لم  تمض على انتهائها سوى ايام ( انتهت في 11 تشرين الثاني 1918 ) حتى يبادر مواطن عراقي من الموصل الى سلطات الاحتلال البريطاني التي وصلت للتو الى بغداد قادمة من البصرة ،بطلب تأسيس مكتبة موسيقية وغنائية ..!!

بالله عليكم ، بماذا تفسرون ذلك ؟ الا يعني ان جذوة الثقافة والوعي ، متجذرة في الوجدان الجمعي والمجتمعي عند العراقيين .. ففي الصحافة كانت صحيفة ( الزوراء ) التي رأت النور  في العام 1869 يوم لم تعرف العديد من اقطار العالم العربي والمنطقة كلمة ( صحافة ) وفي البث التلفزيوني كان  العراق الاول عربيا ، وفي الاذاعة كان من الاوائل ، وفي الشعر كان الجواهري والرصافي والزهاوي والصافي النجفي وصفي الدين الحلي والسياب ، وفي الموسيقى والغناء الملا عثمان الموصلي والقبانجي .. وغيرهم الكثير في الفقه واللغة والفنون التشكيلية والسينما والصناعة .. الخ .
اعود الى ما ابتدأت به سطوري ، باحثاً عن الوعي المبكر للمواطن العراقي الذي فاجأ قوات الاحتلال البريطاني ، بتقديمه طلبا لتأسيس شركة تسجيلات موسيقية ، وحصل عليه بسرعة قياسية .. مكتبة تعنى في الموسيقى والغناء ، في ظرف عصيب ، ثم يحظى باستجابة مجتمعية ومباركة من المواطنين ، بما يؤكد ان العراقيين ، صنو الفرح ، وصناع البهجة .. وتستمر هذه الشركة في عطائها الفني اكثر من ثمانية عقود ، وتشتهر عربيا وعالميا ، وبات اسمها ، دلالة على رقي الذهنية العراقية ، وسعيها الى التجديد ، وينسب لها  الفضل في اكتشاف  اصوات عشرات من المطربين والموسيقيين العراقيين والعرب ، وحفظ اعمالهم على اسطوانات خاصة بعد تسجيلها في ستوديو ذا تقنية تلائم تلك السنين الخوالي  في منطقة البتاويين في بغداد ، وكان من تلك الاصوات : صديقة الملاية، وحضيري أبو عزيز وناظم الغزالي، وسليمة مراد، وناصر حكيم والقبانجي ..وغيرهم .
لقد انتهت تلك المؤسسة الرائدة ، الى زوال مؤلم ، بعد ان توارثها الابناء عن الاباء والاجداد … انتهت ( جقماقجي ) تاريخ العراق الغنائي والموسيقي ، دون ان ترمش عيون احد من المعنيين عن الفن في وطني …. ضاعت ثروة لا تقدر بثمن تضم آلاف من الاغاني والموسيقى  في تسجيلاتها الاصلية ، ولم يتذكر اي من المعنيين مؤسسها السيد فتحي جقماقجي وولديه محمد عارف وعبد الله..والحفيد نجم جقماقجي ..
لقد مررت قبل مدة من امام محلات ( جقماقجي ) في بداية شارع الرشيد من جهة الباب الشرقي ، فوجدتها تحولت الى محلات لبيع الملابس .. فطفرت مني دمعة ، لم استطع لملمتها ، فالدموع هي مطافئ الحزن الكبير.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

742 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع