أمريكا تنحني أمام العراق بشده

                                              

                          خالد حسن الخطيب

في سنة 2016  سافر صديقي الاستاذ ماجد الذي يتحدث الانكليزية بسلاسه  الى امريكا  لزيارة احد افراد عائلته  والاطمنان عليه , وبعد مكوثه اكثر من شهر في احدى الولايات الامريكية اضطر يوما  للذهاب الى احدى الصيدليات الكبيرة لشراء  دواء لتسكن اوجاع الراس الذي طالما  يؤلمه بين فترة واخرى 

وما ان  دلف الى داخل الصيدلية  حتى استوقفه منظرا غير مألوف عندنا في بغداد  , وشاهد أشياء لا تنتمي الى بعضها البعض .. فأخذ الاستاذ  يجول ببصره    في كافة اتجاهات و زوايا هذه الصيدلية  والدهشة قد ارتسمت على وجهه  فوجد عارضات المشروبات الغازية بكافة انواعها بجانب المستلزمات الطبية  و وجد  عارضات الكيك والمواد الغذائية  وانواع كثيرة من النستلة والشوكولاته  مجاور اقراص الدواء وعبوات العقاقير  و وجد  ادوات المطبخ  ابتداءا من الطناجر والمقالي الصغيرة والكبيرة  وانواع الصحون  وملابس الاطفال  ومواد المكياج وغيرها الكثير من مستلزمات البيت الغذائية والكهربائية  بجانب حقن  البنسلين ومضادات الحياة .   وبعد شرائه للدواء المطلوب قرر ان يحل هذا السر الغامض  وان يجد الجواب المنطقي لهذا الهرج والمرج   فسئل   القائمون والعاملون الذين  تجاوز  عددهم  خمسة عشر موظفا ... اين اجد صاحب الصيدلية  فأشار عليه احد العاملين  بالتوجه الى ذلك الرجل الذي يقبع  هناك ومن حوله  تجمع الموظفون   فقام الاستاذ ماجد بالقاء التحية  على صاحب الصيدلية ومن حوله وقال له أود ان اطرح عليك سؤال  قد قلب كياني رأسا على عقب  واخذ رأسي يدور  وزادت اوجاع ونوبات الصداع التي اعاني منها  ......   فقال صاحب الصيدلية تفضل يا استاذ وأسئل ما شئت فقال له الاستاذ  هل انا في صيدلية لبيع الدواء ام انا في سوبر ماركت لبيع العصائر والبطيخ  ؟  فقال صاحب الصيدلية  بل أنت في داخل صيدلية  هي الابرز والاكبر في هذا الحي الذي نحن فيه الان.. فقال له ألاستاذ   وما علاقة الببسي كولا  بالادوية وما علاقة الطناجر والصحون بالعقاقير بالله عليك   ؟  فكان جواب الامريكي صاحب الصيدلية ....  اذا دخل  المواطن  وقام بشراء دواء  وأراد  ان يرتشف  مشروب  الكوكاكولا فأنه سيذهب ويبحث عنه في متجر اخر بعيدا عني  فلماذا لااقوم بتهيئة ما يريد  حتى يتمكن من شرائها  من متجري هذا ,  واذا اراد شراء ملابس للاطفال فلماذا لا يشتريها من هنا واقوم انا بتوفير هذه الخدمة له ... ولكن يا استاذ ومع الاسف  نحن نعاني  مشكلة كبيرة  لا حل لها   ... ان المواطن الامريكي لا يحبذ شراء  الكيك او الكوكاكولا  او الملابس   الا من   السوبرماكت او  المولات وموادنا هذه  قد اصبحت قديمة بسبب عدم بيعها وعبور فترة الصلاحية وهذا الحال قد الحق بنا ضررا كبيرا على صيدلتي  وعلى العاملين بها .... فقال الاستاذ ماجد  الى الامريكي بان هذه الحالة التي  يشاهدها  الان  تذكّره بالمثل العراقي الذي كان يسمعه من والده رحمه الله  وهذا المثل ينطبق عليك وعلى صيدليتك  والذي ينص   (( يعزم بالمكادي ويكول افندية ))  فلم يفهم الامريكي ما قاله الاستاذ   وأردف  الاستاذ  ان المثل البغدادي يعني  ان شخصا ما  قد أوجد  وليمة  كبيرة  و قام بدعوة المتسوليين  والمتسكعين والشواذ  من الشوارع  وبعد دخول المتسوليين والشواذ   على المأدبة  ادعى صاحب الدعوة بأن هؤلاء المتسوليين والمتسكعين هم كبار وعلية القوم ولا يوجد من يضاهيهم شرفا وحسبا ونسبا .. ففهم الامريكان ما يقصد الاستاذ وكيف  ارتكبوا خطا شديدا بخلط الامور   وضحكوا ضحكا شديدا  على ما ارتكبوا  من اخطاء وعلى طريقة  تفكير وأداء صاحب الصيدلية  حتى  غصّت احدى العاملات  من شدة الضحك وقامت تسعل  بشده على فحوى وكلام الاستاذ ماجد وعلى ظرافة وطرافة  ومدلولات الامثال البغدادية  خاصة والفلكلور  العراقي  بصورة عامة  والتي تحاكي الواقع  بكل تفاصيله وتقوم بوضع الامور على نصابها ومعالجة الاخطاء بصورة سلسة  وما ان انتهى الجميع من موجة الضحك  حتى قال صاحب الصيدلية الامريكي  وبالحرف الواحد ...  انا  والذين من حولي ننحني  امام  الفلكلور  والامثال والثقافة العراقية  بكل تفاصيلها  وعفويتها  ومعانيها  العميقة والتي  لامست شغاف قلوبنا وعقولنا  وارواحنا  وعالجت الخلل الذي ارتكبناه .. فقام صاحب الصيدلية على الفور بأمر موظفيه والعاملين معهم  بازالة جميع المواد والحاجات التي لا تنتمي  الى عالم الصيدلة والدواء وشكر بأمتنان  الاستاذ العراقي على هذه النصائح وطريقة معالجة الامور بهذه الصورة الفنية الكلامية الادبية  الرائعة  .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

935 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع