ليلة أستشهاد الفنانة / ليلى العطار!!

                                

                                    سيف الدين الألوسي

 

  

       ليلة إستشهاد  الفنانة  ليلى العطار !!

  

حي المنصور من الأحياء  النموذجية  في مدينة بغداد  , ليس فقط  بجماليته  , ولكن بتجانس  سكانه جميعا  والذين  أصبحوا  كمجتمع  بغدادي  عراقي  نموذجي متطور مصغر  .((حفظهم الله جميعا لمن بقى في العراق أو هج  في أرض الله الواسعة )).....

منطقة الأميرات  هي جزء  من هذا الحي الجميل,تم  تخطيطها من شركة المنصور  وبيع الأراضي  المقسمة   الى مختلف  العراقيين  وبسعر  دينار  واحد  للمتر في  الخمسينيات .
هنالك  ما يقارب  الخمسين دارا,بنيت بالتوازي  مع نهر الخر,بنيت معظم هذه الدور في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي , من ضمن  تلك الدور  دار  لزوج الشهيدة  ليلى العطار  المرحوم الشهيد عبد الخالق جريدان  ,  قصف هذا الدار مع الدار المجاور له  في ضربة  سنة 1990  وبعد قصف مديرية المخابرات عدة مرات , كونه ملاصق لأبنيتها  ,,  تركت عائلة الشهيدة  هذه الدار بعد تهدمه والمباشرة بأعادة بنائه , وأنتقلت الى دار  شقيقتها ( الفنانة سعاد العطارو زوجها الأستاذ جميل أبو طبيخ  الذين يسكنون في أنكلترا) والواقع  في نفس الشارع  وعلى بعد  حوالي  عشرة بيوت  من  دار الشهيدة ,  هذا البيت ملاصق  أيضا  للمخابرات  وقريب جدا  من  الدار الصيني  , موقع  لسكن رئيس  المخابرات  في بعض الأحيان (( سكنه فاضل البراك ,وسعاد الصباح   وسبعاوي أبراهيم  ومانع  عبد رشيد  والمرحوم رافع دحام )) للتأريخ  كان الجميع  يحترمون الأهالي كل الأحترام  هم وحماياتهم التي كانت معظمها تتصرف بمنتهى الأدب والأخلاق .
البيت الصيني  هو دار كبيرة  على النمط الصيني  مع دار أخرى  كبيرة  كانت تابعة  لعائلة  حسو  التجارية الشهيرة ,  أستملكت  من قبل  المخابرات  في نهاية السبعينيات  عند  توسعتها  , وفي المراحل الأخيرة  من الأنتهاء  من بنائها  ....(لم يسكنها  بيت حسو)  .
هذه  المنطقة  تمتد من  ساحة سباق الخيل  الى نهر الخر ,  وهي منطقة  كانت نموذج  للجيرة والتجانس السكني  والبيئي للسكان  , حتى  أصبحوا جميعا كعائلة  واحدة عراقية كبيرة  , وبعد أكثر  من ثلاثين سنة من الجيرة  ,,, كانت تضم  عدد كبير من الأطباء والمهندسين والتجار  والسفراء والسيياسيين السابقين  كالمرحوم الطيب الذكر الرئيس  عبد الرحمن عارف , والمرحوم رجب عبد المجيد , الدكتور عزة مصطفى أطال الله في عمره والأدباء كالمرحوم جبرا أبراهيم جبرا  وغيرهم  من الطبقة الوسطى المثقفة ,  بالأضافة الى عدد كبير من السفارات والقنصليات ودور السفراء والدبلوماسيين ،منطقة كانت  نموذج  للرقي  والأمان والنظافة والأخوة .
كانت حماية هذه المنطقة  تابعة الى المخابرات , والحق يقال ويجب أن يقال بأن الرجال المسؤولين عن حمايتها  طيلة عقود كانوا  في منتهى الأدب والأخلاق  والامانة .( غير رجال المخابرات  المسؤولين عن ال).
تضررت بيوت هذه المنطقة بشدة  خلال حرب التسعين لكونها واقعة بين المخابرات والأتصالات وقرب عدد من الدوائر المهمة , لكن الخسائر في البشر كانت شبه معدومة لترك أصحاب الدور دورهم  بسبب  تبليغهم من الجهات المختصة بضرورة الأخلاء(  تكررت  هذه الحالة عدة مرات أثناء  وقوع أي عدوان  مفاجئ )) وهذه حالة تشكر عليها تلك الجهات  والحق يقال...( لم تحدث أي سرقة لأي دار طيلة  حرب التسعين وبقية الضربات المفاجئة بسبب  الأمانة العالية للمحافظين على أمن الدور ورغم  معظم هذه الدور قد فقد شبابيكها وأبوابها بسبب العصف والقصف المستمر) .
في  يوم  25  حزيران  من سنة  1993  تم أذاعة بيان  من الدفاع المدني بأنه سوف تتم  تجربة صافرات الأنذار في  ذلك الأسبوع ,  كل شئ  طبيعي كوننا  تعودنا  على هكذا أمور  وحتى الأطفال  ( تعلموا  أطلاق صافرات الأنذار  بأفواههم  لتخويف  العجايز)!
في  معظم  الأيام  من الأسبوع  أرجع الى البيت في التاسعة أو أقل بقليل  ,   حيث  أتفرج نشرة التاسعة  ومن ثم  أصعد الى مكتبتي  أذا  كانت البرامج مملة  وبرنامج  (سو سو سو لا لاري  مشتغل  !!!)  ,,لانه سيعاد  مرة ثانية  في نشرة الحادية عشرة ,أذا لم يستمر في بعض الأحيان من التاسعة الى الثانية عشرة ليلا دون أنقطاع .
كنت  أصعد  الى مكتبتي  المتواضعة  وأشغل البكرة مال أما أم كلثوم  أو أغاني عراقية قديمة  وحتى غربية قديمة ,  لأرسم  في بعض الأحيان أو أقرأ  ما أشتريه من كتب قديمة يوم الجمعة من شارع المتنبي ,,,  رفيقي في هذه  الرحلة  اليومية تقريبا  كأس  من  الأسكنجبيل  وباكيت  سومر الماني  أزرق !!! ولحين الواحدة ليلا موعد الأخبار في  لندن  أو غيرها من الأذاعات .

( اليوم أراها  من أسعد  الأيام  ).
كانت الحالة العامة متشنجة  ودوائر المخابرات القريبة  في حالات أخلاء مستمر  (مثل  أم البزازين ويومية جاك الواوي وجاك الذيب كولة أحد الأصدقاء  من منتسبي هذا الجهاز  ممن كان معي  في الكلية وتطوع  على المخابرات) .
في ليلة 27 حزيران, رجعت  متأخرا بعض الشئ الى البيت, تعشيت  مباشرة  وصعدت الى المكتبة دون الأسكنجبيل لسماع الأخبار وقراءة صحف بابل والجمهورية والعراق !!!!  كانت الجمهورية تمهد لكتاب المرحوم  جبرا أبراهيم جبرا  ( شارع الأميرات وقرب أصداره ) في القسم الثقافي  منها .
البيت ساكنا  والجميع نيام  وأنا أستمع الى  البي بي سي  والتحليلات  مع سكارة سومر  ,,
كل شئ طبيعي ولم يذكر أحدا العراق في الأخبار,الساعة  الواحدة والربع ليلا وما إلا صوت  كصوت طائرة  وأنفجار  كبير جدا وعنيف هز البيت والشبابيك وفتح الأبواب , مع وميض  قوي جدا  ثم صوت صافرات الأنذار ,  ركضت مباشرة الى غرفة الأولاد  أنا وأمهم  حيث  حملناهم  بأغطية  المنام  دون شعور راكضين الى الطابق السفلي ,, عند منتصف الدرج  وميض يعمي البصر ( الانارة موجودة داخل البيت ) , مع صوت  أنفجار أخر أقوى من الأول !  عرفت من الصوت  للمحرك النفاث أن المنطقة تقصف بالصواريخ  !!!  توالت الصواريخ والأنفجارات  الهائلة  وبمعدل  صاروخين  كل  دقيقتين  , ممزوجة  مع أصوات تكسر الزجاج  والأبواب وسقوط  أنقاض وأجزاء حديدية  على المنزل ( الأولاد كان أكبرهم في السادس أبتدائي والوسط في الثاني أبتدائي وأصغرهم أبنتي في التمهيدي وأمهم  في زاوية صغيرة قرب باب المطبخ ) خوفا من سقوط الدار ! لا تسمع غير صراخ الجيران وأصوات  طيران الطيور المفزوعة  والمقاومات  التي بدأت بالرمي  بعد سقوط أربعة  أو ستة صواريخ  ..أستمر  هذا المشهد  المفزع  الغير  أنساني والمفاجئ لنا  لمدة  خمسة وعشرين دقيقة  تقريبا  , ونحن نحبس الأنفاس ونتشاهد ( الحمد لله لم أشرب أسكنجبيل في تلك الليلة )  ,  وأصوات الاشياء  المتطايرة  تتزامن مع كل  أنفجار  .
أنتظرت أنا  سكون  المقاومات  والصواريخ  ,  لأخرج  وأرى  المنطقة  عبارة  عن ساحة  معركة  حقيقية بكل شئ ,,, دخان  وروائح  البارود  وطيور ميتة  من العصف , سيارات مدمرة ,أنقاض  وكتل طينية كبيرة غطت البيت وبيوت الجيران والسيارات  المهشمة , الجيران  وخصوصا كبار السن والنساء والأطفال في حالة ذهول  وهيستريا , حيث  سمعت  أبن الشهيدة وهو يركض ووجهه مغطى بالدماء:

      

ألحگوا  بيتنه  وگع ,  أمي وأبوية  جوه البيت!!

الناس  في الشارع  والشوارع القريبة  والمنطقة  تتراكض يمينا ويسارا كأنه يوم المحشر !!!! وأنا وغيري  من الجيران  ركضنا الى بيت  المرحومة  وبعد الأطمئنان على بقية عوائل  بيتي ( الوالدين وعوائل أخوتي الملاصقين الى بيتي ) والجيران الملاصقين  المنهارين  كون معظمهم كبارفي السن ونساء ,, ركضنا  الى بيت المرحومة  لنرى الجزء الأمامي من البيت قد أنهار كليا  ولم يبقى إلا الجزء الخلفي الملاصق للمخابرات ,  وصوت  أنين تحت الأنقاض   التي لم نستطع رفعها  كون الكتلة الكونكريتية قد سقطت بالكامل ,,  سقط  صاروخ أخر على بيت  تابع  لعائلة ال دراغ الكريمة ,وكان مستأجرا الى عائلة عربية ولكنه وقع في الحديقة الأمامية  وعمل حفرة قطرها خمسة عشر مترا وبعمق ثلاثة أمتار ,  حيث تناثرت كتل الطين  من الحفرة لتسقط على كل الدور القريبة  (أحدها ويقدر وزنها بمئة كيلو من الطين الحر وقع على سيارتي  وخسف البنيد) , وأصبحت تلك الحفرة  بركة كبيرة للمياه الجوفية  وقد أنفجر أنبوب الماء أيضا لتغرق تلك الجهة من الشارع بالمياه .
هدأت النفوس قليلا من الصدمة  ,  وبدأت سيارات الدفاع المدني  بالقدوم  وقد حاولنا مساعدتها قدر الأمكان ولكن  الأمكانيات ضعيفة  والتدريب بدائي ( كان محرك صاروخ نفاث في بيتي , سألت أبو الدفاع المدني أن يخرجه  ,  أجابني من يبرد ذبه بره بباب الحوش !!!!!)  ,  حيث  كان رجال الدفاع المدني  يتكلمون مع المرحومة وزوجها بواسطة  صوندة المياه التي مدوها تحت الأنقاض !!ولم  يستطيعوا  فعل عمل مؤثر حتى  شروق الشمس  ونحن  نحاول ,  حيث سلمت الأرواح الى بارئها  فجر وصباح ذلك اليوم الساعة السادسة .
كان هنالك  صاروخ ثالث  أخطأ  هدفه  وسقط في منطقة الحارثية  , شارع  جامع الكبنجي ,  وقد أستشهدت فيه عائلة  كاملة من خمسة أشخاص ( الزوج والزوجة وأطفالهم الثلاثة )  من بيت القيسي  !!  لم تأتي على ذكرهم وسائل الأعلام  !!!؟؟؟؟؟
بقينا  لمدة  أيام  لا ندري  ماذا نفعل  بعد تلك  المفاجأة , حيث باشرنا  بتصليح الدور  وقد  أصبحت  المنطقة  مكانا  للفرجة  من المواطنين  للأطلاع  على الدمار  !!!!  
للحقيقة  أيضا  وللتأريخ  تم  تشكيل  لجنة  لتعويض الدور, وعوضت  بمبالغ  لا ترتقي الى الأضرار  ولكن كان هنالك  أهتمام  أخلاقي  وسؤال  من قبل تلك اللجنة  .
للتأريخ  أيضا  أقول  أن الشهيدة  ليلى العطار  لم تكن مقصودة  بالقصف  , كون هنالك دارين قريبة  قصفت أيضا  وذلك أما خطا في الأحداثيات  والجيروسكوب,أو الصواريخ التي أخطأت الأهداف قد أصيبت بالمقاومات القريبة  وسقطت  قبل أهدافها  بعشرات الأمتار .

                               

الشهيدة  ليلى العطار لم تكن  من رسمت صورة  بوش على أرض فندق الرشيد , وصاحب الفكرة ورسام اللوحة  فنان من ديالى كان  قد ظهرعدة مرات ببرامج تلفزيونية وشرح الموضوع ,,, لم تكن الشهيدة سوى  مديرة عامة لدائرة الفنون وهي وظيفة أدارية  ,,,  ولكن كونها مشهورة  ومعروفة  فقد أستغل أسمها  أعلاميا من الأعلام  للنظام السابق   للدلالة على الأجرام الأميركي  , ومن  الأعلام الأميركي  لتبرير  الخطأ في دقة الصواريخ   !!!   والضحية البشر  !

تلك المعلومة  فقط للتأريخ  ولأبين مدى  أستهتار  الطرف  الأميركي  بالبشر  , ومدى   معنى  رسم  صورة  لشخص مهما يكون من مجرم   لتدوسها الأحذية ,  في وقت نحن نحتاج الى دعم دولي !!!تفكير  متخلف  لا يرقى  الى مستوى المسؤولية  في  قراءة  التفكير  الدولي  .!!!
بعد  كل هذا  عرفنا  أن كلينتون  أمر بقصف المخابرات  لأتهامها بتدبير  محاولة  أغتيال لبوش الأب في الكويت ( سبب سخيف  أخر يبين مدى الأستهتار بالبشر  وعقلية الكاو بوي ) .
وهكذا  أنضم عدد من الشهداء  الى قافلة  شهداء العراق الخالدين   والمستمرين بالشهادة الى اليوم  , بسبب أستهتار  الساسة  والدول  والقيادات  الفاسدة  التي  نعاني منها  اليوم  كما الأمس  ...
الفاتحة  على أرواح  شهداء العراق كافة  الى اليوم ,وحفظ  الله تعالى لنا  العراق  وأهله المظلومين دائما  .
                            

هذه الأغنية لفريق غنائي أميركي  ,, في منطقتي خليج سان فرانسيسكو  ويشمل عدة مدن متصلة ومربوطة كبرى  منها أوكلاند وسان هوزيه  وفريمونت وبيركيلي ،الاغنية تتكلم عن الفنانة والانسانة العراقية الشهيدة ليلى العطار  وعن  الة التدميرالعسكرية الأميركية

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1359 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع