البارزاني يستعد لاعلان الدولة الكردية قريبا بمباركة امريكية فهل ستكون كركوك عاصمتها؟

                                                      

                             عبد الباري عطوان

السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق لم يخف مطلقا طموحاته الانفصالية عن العراق، وإقامة دولة كردية مستقلة، وكان يدرك، مثل والده دائما، ان العقبة الرئيسية التي تحول دون ذلك هو العراق القوي، ولهذا لم يتردد مطلقا في الانضمام الى المشروع الأمريكي لغزو العراق، واحتلاله والاطاحة بنظامه المركزي، كخطوة اساسية في هذا المضمار.

اليوم اطلق السيد البارزاني تصريحات على درجة خطيرة من الأهمية تعكس طموحاته هذه دون أي تردد اثناء زيارته التي قام بها الى جبهات القتال قرب الموصل، واجتماعه مع قادة البشمرغة.
يمكن استخلاص بعض النقاط الأكثر اهمية التي تسلط الأضواء على الخطط المستقبلية للزعيم الكردي التي وردت في هذه التصريحات.

النقطة الاولى: تأكيده انه بحث مسألة استقلال إقليم كردستان بوضوح خلال زيارته الأخيرة لبغداد، (قبل شهرين)، ولقائه مع السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء، حيث اكد له، أي للسيد العبادي، على وجوب التفاهم، وحسن الجوار، وتجنب الصراعات، وقال “اذا لم نتوصل الى حل مع بغداد فالاستفتاء هو الحل”.
النقطة الثانية: تشديد السيد البارزاني على انه اتفق مع أمريكا على عدم الانسحاب من “المناطق الكردستانية” التي “حررتها” قوات البشمرغة “بدماء 11500 شهيد وجريح، ومن غير الممكن بعد كل هذه التضحيات ان نقبل بالتعامل المباشر للمركز مع المحافظات”، وسنحتفظ بكل هذه المناطق المحررة.

***
ما يمكن فهمه من هاتين النقطتين ان هناك تفاهما أمريكيا بارزانيا على اعلان استقلال إقليم كردستان فور القضاء على تنظيم “الدولة الإسلامية” في الموصل، وضم جميع الأراضي التي “ستحررها” قوات البشمرغة الى الدولة الجديدة المستقلة، بما في ذلك كركوك الغنية بالنفط، والقرى المحيطة بالموصل، واي احياء من المدينة يتم السيطرة عليها، علاوة على جبل سنجار.
كان لافتا ان السيد البارزاني، وهو السياسي المخضرم، لم يحدد ما هي المناطق الكردستانية التي اتفق مع الامريكان، وليس الحكومة العراقية، على عدم انسحاب قوات البشمرغة منها، وستصبح ضمنيا جزءا من الدولة الكردية، وترك هذه المسألة مفتوحة، لان الحرب ما زالت مستمرة، وتقدم قواته مستمر أيضا، ولكنه لمّح الى ان حدود هذه الدولة ستترسم في النقطة التي ستتوقف عندها هذه القوات في نهاية الحرب عندما قال “دخلنا مرحلة جديدة، فنحن نبعد الآن بضعة كيلومترات عن الموصل، وان شاء الله ستتحرر هذه المدينة قريبا، وداعش يتجه الى هزيمة كبرى”.
كلام السيد البارزاني هذا يعني ان احتمالات الحرب القادمة، التي من المتوقع ان تشتعل كبيرة جدا، وربما تكون اكثر شراسة ودموية من الحرب الحالية لاخراج “الدولة الاسلامية” وقواتها من الموصل، والرجل لم ينف ذلك، وقال بالحرف الواحد “لا نعلم ما هو “البلاء” القادم بعد داعش وعلينا ان نبقى على اتم الاستعداد لمواجهة التهديدات المتلاحقة، فاقليم كردستان سيبقى مهما طالما بقي داعش في الموصل”.
“البلاء” الذي قال السيد البارزاني انه لا يعلمه نحن نتطوع بأن نشرحه له، وهو اشتعال حرب أهلية بين العرب والاكراد، او بالأحرى بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان، وهي حرب يمكن ان تجر دولا مثل تركيا وسورية وايران، ومن غير المستبعد ان يتم توحيد العرب، سنة وشيعة، في جبهة واحدة، ضد القومية الكردية التوسعية الجديدة.
قلنا في هذا المكان بأن قوات البشمرغة الحليف الاوثق لواشنطن لن تخوض حرب استعادة الموصل من “الدولة الإسلامية”، الا اذا ضمن السيد البارزاني مكافأة كبرى من واشنطن تتمثل في ضم كركوك وجبل سنجار الى الدولة الكردية، التي حصل على ضوء اخضر امريكي بإعلان استقلالها، والا لماذا يضحي بدماء وارواح جنوده، وخلق عداوة مع جيرانه العرب، وربما الإيرانيين والاتراك أيضا؟
***
العداء لـ”الدولة الإسلامية” في الموصل حقق “معجزة” إقامة جيش طويل من الأعداء في حلف واحد، الاكراد، والعرب الشيعة، والعرب السنة، والأتراك والإيرانيين، تحت قيادة عسكرية أمريكية، وربما يمتد الحلف جزئيا بعد ذلك في حرب الرقة، وقطعا ستيفكك هذا التحالف، ويتحول الحلفاء الى أعداء متقاتلين لاقتسام الغنيمة، او بالأحرى البقرة العراقية ونظيرتها السورية، وبتحريض امريكي أوروبي.
الامريكان يتحدثون هذه الأيام عن خطأ كبير ارتكبوه عندما تخلوا عن “معاهدة سيفر” (1920)، التي أعطت الاكراد دولة مستقلة، لمصلحة معاهدة لوزان (1923) وبضغوط من اتاتورك، التي وضعت حدود تركيا الحالية، ونقضت التعهد بقيام الدولة الكردية شمال العراق وسورية وايران وجنوب شرق تركية، وهم الآن يحاولون، بدعم من حلفائهم الأوروبيين، اصلاح هذا الخطأ، وهذا ما يفسر اختيارهم الاكراد ودعمهم لهم عندما خيرهم الرئيس رجب طيب اردوغان بين تركيا والاكراد في ذروة غضبه من وقوفهم الى جانب قوات سورية الديمقراطية، وتقدمها في شمال سورية.
سيطرة “الدولة الإسلامية” على الرقة والموصل، وبعض الأماكن الأخرى في العراق وسورية لا يزيد عمرها عن ثلاث سنوات، والحرب لاخراجها منها، بالنظر الى حجم القوات والأسلحة والدول المشاركة فيها قد لا تطول اكثر من عام، ولكن لا نستبعد ان تستغرق الحرب التي قد تنفجر في المنطقة في حال انجاز هذا الهدف، سنوات، او حتى عدة عقود.
كلام السيد البارزاني مهم جدا، ويستحق التأمل والتحليل لفهم ما تواجهه المنطقة من خطط وحروب مستقبلية، وتفتيت للدول القطرية الحالية، ونكتفي بهذا القدر في هذه المرحلة، ولنا حتما عودة، او عودات في الأيام والاشهر المقبلة، ولم نستغرب اذا ما ترحم البعض على أيام “الدولة الإسلامية” وكل لاسبابه، ليس حبا فيها، وانما خوفا مما سيأتي بعدها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

818 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

تابعونا على الفيس بوك