بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... التاسعة والعشرين
أبو البنات السبع وأبو الاولاد السبعة
حدثتنا جدتي قائلة:
كان في احدى القرى أخوين رُزق الكبير بسبع بنات، والصغير بسبع أولاد، وكان الصغير يعيّر ويتفاخر أن الذكور أعلى مقاماً، وذات يوم عاد أبو البنات السبع الى بيته مهموماً، ولاحظت ذلك أبنته الصغرى فسألته: عمّا به، تنهد الأب وراح يشكو همه قائلا: إن عمك يا ابنتيّ لا يفّوت فرصة ويتباهى أمام الناس أن الله تعالى أكرمه وأنعم عليه بسبعة أولاد بينما ابتلاني بسبع بنات، ودفع أهل البلدة إلى السخرية مني، ولم أرغب في مبادلته الأذى فعدت إلى البيت، قامت الابنة الصغرى، وقبلت رأس والدها قائلة:سوف نثبت لعمنا ولأهل البلدة كافة أن البنت صنو الولد، وأن بعض البنات أرجح عقلاً وأرفع قدراً من بعض البنين، وإنني أتحدى أبناء عمي السبعة أن يجاروني في ركوب البحر واقتحام المخاطر، فلنبدأ من الغد صنع مركبين: واحداً يستقلونه هم، وواحداً أبحر به بمفردي، وسنرى من سيكون الفائز.
بنى الأولاد السبعة سفينة استقلوها واصطحبوا معهم الخدم، وصنعت البنت زورقاً أبحرت به وحدها، ووصل الجميع بعد رحلة طويلة إلى سواحل منطقة يحكمها سلطان شاب عرف بالبطش ولا ينتسب إلى أبيه بل إلى أمه، ويدعى علي بن بدرا، عندما رست السفينتان على الشاطئ نزل الإخوة السبعة والبنت إلى البر بعد أن تنكرت بزي الرجال، دعاهم السلطان علي بن بدرا ليحلوا جميعاً ضيوفاً عليه لمدة سبعة أيام.
وقبل أن يأوي الاولاد والبنت إلى مضاجعهم في تلك الليلة تحدث علي بن بدرا مع والدته بشأن الضيوف، وأعرب لها عن شكوكه في أن بينهم أنثى متنكرة بلباس رجل قائلاً: لاحظ من اختلاف مشيتها وشدة وسامتها، فأشارت عليه والدته بحيلة للتأكد من الأمر، وطلبت منه أن يضع إبريق ماء وصرة طعام عند وسادة كل واحد من الضيوف، والذي لا يتغير مذاق طعامه أو شكله أثناء الليل يكون هو البنت، فعل ذلك غير أن البنت أفشلت خطته بأن قامت أثناء الليل وأبدلت بريقها وصرتها دون أن تمس ما فيها، بما كان لدى واحد من أبناء عمها، فاحتار ابن بدرا وذهب يشكو همه إلى أمه.
نصحت بدرا أبنها على أن يجرب حيلة جديدة بأن يقدم لضيوفه طعاماً حاراً لا تستطيع النساء أن يتحملن لذعته. ففعل إلا أنه فوجئ بأن أحد ضيوفه يتناول طعامه في غاية اليسر والاستمتاع بينما توقف الآخرون عن الطعام وسحبوا أيديهم من الزاد بعد اللقمة الأولى .
ظل علي بد بدرا يحاول الحيلة تلو الأخرى، بمشورة من أمه، لكشف شخصية الفتاة ، ولكن بدون جدوى، وكانت آخر حيلة أن دعا جميع الضيوف إلى السباحة في حوض القصر، لعله يستطيع التعرف عليهم من عري أجسادهم، غير أن البنت كانت قد أعدت العدة لإحباط خطته، فما أن دخلوا الحوض حتى سحبت بأطرافها عدداً من الحبال التي ربطت بأطرافها مجموعة من الخيول، ففزعت الخيل وأخذت تتقافز حول الحوض، تحولت إليها الأنظار ولم يستطع علي بن بدرا أن يدقق النظر في الفتاة.
اغتنمت الفتاة فرصة الانشغال بالخيل الهائجة وخرجت من الحوض إلى المكان الذي كانوا يستعملونه للنوم، وكتبت على وسادتها " طلعت عذراء، ودخلت عذراء، على رغمك ورغم أمك يا علي بن بدرا ! " .
صعق بن بدرا عندما اكتشف الأمر، وأقسم أن يلحق بالبنت ويثأر لنفسه منها بأن يتزوجها ويذبحها في ليلة زفافها . أما هي فعرّجت في طريقها على السوق، ودخلت عدداً من الحوانيت ونقلت منها إلى مركبها ما خف حمله وغلا ثمنه من العطور والحليّ والثياب، ثم صعدت السفينة، ورفعت أشرعتها وأقلعت عائدةً إلى بلادها، وتبعها أولاد عمها السبعة في سفينتهم دون أن يحققوا أي مغنم .
جنّ جنون بن بدرا عندما علم بهرب الفتاة ، ولكنه قرر النيل منها، كانت البنت قد وصلت إلى بلدتها فاستقبلها والدها وجمع غفير من الناس بالتهليل والترحاب، بينما كان استقبال أبناء عمها السبعة فاتراً وعاديّاً، وبعد بضعة أيام وصل بن بدرا وتوجه فور نزوله من سفينته في موكب عظيم إلى منزل والد البنات السبع، وطلب يد ابنته الصغرى، فوافق الأب بعد أن استشار الفتاة في الأمر، فرحبت بالزواج وهي تعلم أن بن بدرا إنما يريد الانتقام منها لا الاقتران بها، هيأت البنت الحجرة التي ستزف فيها إلى عريسها، ووضعت قربة من العسل على مخدعها ونشرت فوقها الملاءات بحيث تبدو وكأنها هي النائمة في السرير، ودخل بن بدرا خدر العروس بعد انتهاء مراسم الزفاف، وتوهم أن عروسه بانتظاره في السرير، فاستل خنجره في القربة فتدفق منها العسل، فغمس فيه أصابعه وتذوقه متلذذاً وهو يقول:إذا كان دمك شهيّا إلى هذا الحد، فكيف يكون لحمك ؟
وفيما كان بن بدرا يتلمظ على طعم العسل، خرجت إليه الفتاة من مخبأها تحت السرير في أبهى حلّة وأجمل زينة، وهي تقول: يا علي بن بدرا، فإنما فعلت ما فعلت لا كراهيةً لك ولا نكاية بك، وإنما لأظهر لعمي وأبناء عمومتي أن البنت ليست دون الولد قدراً وذكاء ومقدرة .
نظر بن بدرا إلى الفتاة حائراً متسائلاً عما تعنيه، فقصت عليه حكاية عمها مع أبيها وتفاخره عليه بأبنائه السبعة، وما كان من سفرها معهم في مغامرتهم البحرية.
وما أن سمع بن بدرا القصة حتى أنقلب حقده على الفتاة إعجاباً بها وحباً لها، فاتخذها زوجة له، وأكرم أباها وأخواتها ، وعاش الجميع في طمأنينة وهناء وسلام.
2722 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع