في الدسيسة ليحيى الشيخ .....الكل مدعو

                                                     

                          تقديم - إيمان البستاني

                

  
              
مسرحية تحكي من دون هَذر و مَذر , كراهب متقشف خشن الجلد , او كدرويش معتزل تكفيه كسرة خبز ليغرق في فضاء من حكمة , النص مضغوط على مفردات منتقاة بصرامة ابتغت ابقاء المميز في قول المعنى، والمشع في إلباسه رداء من تبجيل حدث
الكتاب ذو صلة مغرية من حيث رمزية غلافه الخارجي  تزينه لوحة تقول الطوفان قادم ,  ولا تقفل الرغبة في معرفة ما هو قادم

تجثو السفينة بجذعها منذ المشهد الاول على سرد الحدث....معلنة الطوفان , العقاب السماوي الطاهر لكل ما هو ارضي أثم ,  صرير اخشابها يئن من طمي غريني , اصوات التذمر لراكبيها تعلو كناقوس كنيسة , حكمة نوح وصبره لا تكفي لتغطية المشهد وهو يتنبأ بأن من لا يعرف الاجابة ينتحر
في المشهد الثاني تلوح تباشير فرح باليابسة , يهم الجميع بالنزول من السفينة تاركين خلفهم الشيخ نوح , الذي تطاله السنتهم اللاذعة بأنه ليس لديه ما يفعله بعد الطوفان , ناكرين عليه حتى ايماءة امتنان بصدق نبوئته, في حين هو منشغل فقط في تفقد سلامة المهمة
المشهد الثالث خصص لظهور المجذوم وكلبه وهو عنف المواجهة بين المقبول والمرفوض , ليغرق في مساجلات يأخذها نوح الى ان الخطيئة لا تطهرها الا النار ويجرها المجذوم لنفسه بأن الجذام حقيقة وجود وليس خطيئة , ويخاطب نوح ربه بنبرة عتب انه لم يعصه ابداً فكيف انه وصل ارض طاهرة وهو يحمل معه النجاسة متمثلة بشخصية المجذوم ليضعه الموقف تحت مطرقة العتاب وعبثية المحاولة
في المشهد الرابع تقف امام حوار شطارات فلسفية بين نوح والمجذوم لكل اشارة دور مخصّب في( منْ هو الرابح في النهاية ) عندما يكتشف نوح نجاة المجذوم كأنه بهذا قد اعاده للمربع الاول ,  يتجلى الحدث في مقولة للمجذوم مخاطباً نوح ( تتكلم وكأنك خسرت كل شيء ) فيرد نوح بتعبير مثقل بتخميرة إيمان لها سحر الدلالة ( ما ربحت شيئاً لأخسره ....غير ربي ) ثم يشير المجذوم الى ذاك الحلم الذي يتنبأ فيه عن الحل بأحتراق نوح ومعه العالم
اما المشهد الخامس فيضع يحيى الشيخ في عمله هذا ( الدسيسة ) المشاهد وجهاَ لوجهاَ امام حقيقة عارية لا يسترها شيء , الناس خطاة لا مفر منهم سواء التقيتهم قبل الطوفان ام بعده , وهنا تكمن المسألة كلها حيث يخرج في الاخير نوح مكلل بالعار وليس الغار في مشادات كلامية بينه وبين المجذوم , الصوت الواقعي المختزل لتقميشة الانسان على الارض
المدخل الفعلي المتحكم بالفكرة هو ادخال مشهد الحروب التي صنعها الانسان لتلتهمه , وهي علامة تومئ بذكاء مهني كمن يكتفي تاركاً المتلقي لهذا العمل الفني  طليق العين والاذن وله حرية التأويل والفهم واستيعاب الحياة كلقمة واحدة مرة كالعلقم لكنها قابلة للهضم
في المشهد الثامن والاخير , يفتتحه قدوم ورثة الحروب احفاد نوح يجرجون جراحاتهم حاملين فوق خطاياهم , خطيئة اخرى وهي جثة قتيل على ملكية ارض وهي لازلت طيناُ مبلولاً , ديدن البشر , لينتهي المشهد بطعن المجذوم دلالة على ان البشر لم يغسلهم الطوفان ليتطهروا , بل عادوا الى قسوتهم , ليأتي نوح مطلقاً وصيته الاخيرة والحزينة ( من شاء منكم أن ينقذ حياته فعليه أن يخسرها ) ويحرق السفينة ومن عليها وهو معهم , دلالة ان اخر العلاج هو الكي , والنار ستطهر ما عجز عنه الطوفان , مسرحية تغرز اسفين الحكمة عميقاَ في النفس وتنفع درس لكل انسان ليفهم اللعبة جيداً , لذا في ( الدسيسة ) الدرس متاح ومجاني ....والكل فيها مدعو

في آمان الله

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1121 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع