بقلم جابر جعفر الخطاب
كانت تجلس وحيدة عند الأصيل مرسلة نظراتها إلى الوادي السحيق الممتد أمامها ومستندة إلى جذع زيتونة شائخة تحمل في أغصانها تاريخ أرض سليبة تمد ظلالها بعيدا كأنها أم تحتضن صغارها وتمنحهم الدفء والحنان .
وجدت في المروج ملاذا آمنا تبثه آهاتها وحسراتها وتستلهم منه القصائد المشبوبة بروح الألم الدفين . سألتها في صومعتها الموشحة بأستار رقيقة شفافة من الحزن حيث الطبيعة تنزع ثوب الخريف وتعانق أنسام الربيع وهي تحلم بمواكب العطر والجمال .
1- قلت لها.هل تمثل لك هذه المروج أماً حنونا تبثينها أشجانك وهمومك ؟
هذي فتاتكِ يا مروجُ ...فهل عرفتِ صدى خطاها
عادت إليك مع الربيع ِ الحلو ِ يا مثوى صباها
عادت إليك ولا رفيق على الدروبِ سوى رؤاها
2- أنت تحدثين المروج كما تحدث البنت الحزينة أمها بعد غياب طويل فترتمي على صدرها دامعة العين دامية الفؤاد .
قد جئت ها أنا فافتحي ...القلب الرحيبَ وعانقيني
قد جئت أسندُ ها هنا رأسي ....إلى الصدر الحنون ِ
وأظلُ أنهلُ من نقاء ِ الصمت ِ من نبع السكون ِ
فهنا بحضنك أستريح ُ....أغيبُ أغرقُ في حنيني
3 – ما هي أمنيتك في هذا الجو الغارق بالصمت والحنين ؟
أواه لو أفنى هنا ....في السفح في السفح المديد
في العشب في تلك الصخور البيض في الشفق البعيد ِ
4 – تميلين إلى العزلة والعيش وحيدة في كل مكان فماذا تفعلين في أجواء العزلة هذه ؟
وأنا في شرفتي ....أصغي إلى اللحن الأخير ِ
وقَّعته ُ في وداع النور أسراب الطيور ِ
5 – ماذا يمثل لك الخريف ولحظات الغروب ؟
الخريف ُ الجهم ُ والريح وأشجان الغروب ِ
ووداعُ الطير للنور وللروض الكئيب ِ
كلها تمثل في نفسيَ رمزا لانتهائي
رمزُ عمر ٍ يتهاوى غاربا نحو الفناء ِ
6 – لك عالم خاص تخلقينه في أحضا ن الطبيعة بعيدا عن عالم البشر فتحدثين زيتونتك
كأنها أم حنون ..
هنا هنا في ظل زيتونتي
.في ضفة الوادي بسفح الجبل
أصغي إلى الكون ولما تزل
آياته تروي حديث الأزل
7- وما هي وصيتك لزيتونتك عندما يحين الوداع ؟
تذكريني كلما شعشعت
أوراقـَك ِ الخضراءَ شمسُ الأصيل
فكم أصيل ٍ فيه شيعتُها
.بمهجة ٍ حرّى وطرف ٍ كليل
8 – كيف تنظرين إلى التفاوت الطبقي
الذي يسود المجتمع ؟
كم بائس ٍ كم جائع ٍ كم فقير
يكدح ُ لا يجني سوى بؤسه ِ
ومترفٍ يلهو بدنيا الفجور
.قد حصرَ الحياة َ في كأسه ِ
9 – وأين يكمن الخلل في ذلك ومن هم مسببوه ؟
لم تحبس السماء ُ رزقَ الفقير
لكنه ُ في الأرض ظلمُ البشر
10-في حياتك ألم دفين ولوعة صامتة
هذي حياتي خيبة ٌ ...وتمزقٌ يجتاح ُ ذاتي
هذي حياتي فيمَ أحياها وما معنى حياتي
11- الوقوف على قبر أخيك إبراهيم ماذا يثير فيك من المشاعر ؟ –
آه يا قبرُ هنا كم طاف َ روحي
هائما حولكَ كالطير الذبيح ِ
أوَ ما أبصرتـَه ُ دامي الجروح ِ
كان الوقت عيدا فاعتذرت من مواصلة الحديث لأنها كانت على موعد ( مع لاجئة في العيد ) لتزورها في خيام التشرد والعذاب..بدأ صوتها يتلاشى يشربه صمت الوادي ويأتي إلى مسمعي مهموسا كأنه حفيف الرياح وهي تعبث بالأغصان منشدة بصوت خافت وحنون...
أختاه هذا العيد رفّ سناهُ في روح الوجود ِ
وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيد ِ
وأراك ِ ما بين الخيام قبعتِ تمثالاً شقيا
متهالكا يطوي وراء جموده ِ ألماً عتيا
المصدر ديوان ( وحدي مع الأيام ) للشاعرة فدوى طوقان
1145 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع