نزار جاف
في کتاب المدرسة القرآنية للمرجع الشيعي الراحل محمد باقر الصدر، والتي تتکون من سلسلة محاضرات، يطلب من تلامذته قبل أن يحکموا على هرون الرشيد بشئ ليضعوا أنفسهم محله ليروا هل بإمکانهم مقاومة مغريات الدنيا. في رواية العراب لماريو بوزو، ينأى دون ميکائيل، الابن الاصغر للعراب بنفسه بعيدا عن الممارسات الاجراميـة لعائلته، لکنه و عندما يصطدم بمقتل أخيه سوني، يجد نفسه في داخل معمعة الاجرام، أي بتعبير آخر، فإنه وفي کثير من الاحيان فإن أقدار الانسان و مصيره يرتسم و يتم تحديده على أسس و مرتکزات غير تلك التي يحلم أو يفکر بها.
يٶسفني و يٶلمني کثيرا جدا بأنني کتبت هذه المقدمة للحديث عن ساسة العراق(عربا و کردا و ترکمانا من دون إستثناء)، الذين يبدوا إنهم قد جعلوا من العراق أشبه مايکون ببلد مسخ إن صح التعبير، أما الشعب العراقي، فلست أستغرب من الوصف الذي ذکره صديق عراقي إلتقيته في امستردام قبل فترة من إنه"مجرد مجاميع تعيش بإنتظار الموت".
قادة عراق مابعد نظام حزب البعث، والذين کانوا معارضين و يملأون الدنيا نقدا و شجبا و إدانة لذلك النظام، کانوا يتحدثون عن الظلم الاجتماعي و إفتقاد العدالة و الفقر و عدم وجود تخطيط و برمجة علمية لمختلف الامور وإنها کلها تجري وفق مشيئة و رغبة صدام حسين، وکلام طويل يجدر بمن يريد المزيد أن يعود لأدبيات هذه الشخصيات و تأريخهم المعاصر و ينبش في ماقالوه و ما وعدوا به ومن ثم يقارنوه بما فعلوه و ماقد إنتهوا إليه.
أيام صدام حسين، کان هناك حديث يدور خلف الجدران و الابواب المغلقة عن تصرفات عدي صدام حسين النزقة و الطائشة، الحديث کان مغلفا بطابع الهمس و السرية البالغة، أما اليوم، فقد صار طبيعيا بل و عاديا جدا أن نسمع بأن أبناء السفير الفلاني يرتکبون جرائم في بلد يفترض أن يحترموا الکثير من الاعتبارات و يفکروا بتصرفاتهم أکثر من مرة، کما صار طبيعيا أن نسمع بأن أبن فلان الذي ملاأ والده الدنيا صخبا بالنضال من أجل(!) يخسر الملايين في نوادي القمار بدبي أو إن أبن ذلك القائد(الفلتة) يبتاع قصرا في بلد اوربي بأکثر من 300 مليون من الدولارات التي نزلت على والده فجأة ، هذا إذا ترکنا حديث أبناء(المعممين)، لأنه ذو شجون ولأنهم أساس و محور عمليات سلب و نهب و تدمير العراق.
الى أين يسير العراق؟ وهل بإمکان رجل کحيدر العبادي المحکوم بألف تجاذب داخلي و إقليمي و دولي أن يجد مخرجا و يعيد العراق ولو الى غرفة الانعاش؟ من الواضح إن العبادي ومن دون موافقة هذا و ذاك من الاطراف المختلفة(لايحل و لايربط)، بل هو أشبه مايکون برب عائلة ممزقة لايسمح له بالکلام إلا بعد أن يدلي الجميع بمالديهم، ولئن کان تنظيم داعش، شماعة مفيدة للجميع دونما إستثناء، فإنه لم يأت من فراغ، بل إنه جاء کرد فعل و کحاصل تحصيل للأوضاع المزرية في العراق خصوصا و المنطقة عموما، إلا إنه حتى لو لم يکن هنالك داعش لإختلقوا شيئا مشابها له أو ثمة عامل و سبب کي يعطي مبررا لما آل إليه الوضع في العراق.
العراق الجديد! ماهو الجديد فيه بربکم؟ الطائفية؟ أم نهب مئات المليارات؟ أم الميليشيات التي صارت تتحکم بالحکومة العراقية نفسها؟ أم السفير الايراني في بغداد و الذي صار أعلى کعبا من المندوب السامي البريطاني في الثلاثينيات من القرن الماضي؟ ماهو الجديد؟ بصراحة أجد إن کلمة(الجديد)، قد نالها من السوء من عراق مابعد صدام حسين مالايمکن وصفه و ذکره!
يتحدثون عن عراق مابعد داعش، لکن ليس هناك من يتحدث عن عراق مابعد الميليشيات الطائفية التابعة لمفاقس الجمهورية الاسلامية الايرانية في العراق، مع إن الجميع يعلمون جيدا بأن داعش هي رد فعل لتلك الميليشيات، ولو إنتهت داعش و بقيت هذه الميليشيات فإن تنظيما أو جماعة أخرى أشد فتکا و تطرفا ستطل على العراق و المنطقة، لکن هل هنالك حقا من بإمکانه أن يقوم بحل الميليشيات و إلغائها؟ أکيد کلا ولا أقول لا، فکلا أداة تفيد الردع، وهذه الميليشيات وکما خطط حکام العراق الحقيقيون في طهران ستصبح عما قريب الحرس الثوري العراقي، وعندها سيکون بداية الفصل و المرحلة الادهى بالعراق، العراق، أي عراق؟
2858 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع