من الرياضة الى طقوس السياسة الأميركية

                                                         

                               د.منار الشوربجي

جدل واسع في أميركا عقب ما فعله لاعب الكرة الأميركية الأسود الموهوب كولين كيبيرنيك عند بدء المباراة عدة مرات. فقد ظل كيبرنيك جالساً في مقعده في هدوء طوال إذاعة النشيد الوطني الأميركي، احتجاجاً على أوضاع السود الأميركيين. وقد اختار كيبرنيك أن يستخدم أداة رمزية وهي الصمت احتجاجاً، في موقف يتطلب الحركة، أي الوقوف والإنشاد.

والحقيقة أنه رغم الانتقادات الواسعة، أصر كيبرنيك على الفعل نفسه وهو قال إنه سيظل يفعل الشيء نفسه طوال موسم 2016.

وحين أثار موقفه صخباً شديداً حتى أنه استدعى تصريحاً فجاً من دونالد ترامب طالب فيه اللاعب الشهير بأن يبحث عن بلد آخر، شرح كيبرنيك موقفه للإعلام قائلا «لدينا هيلاري كلينتون التي أطلقت على الصبية السود»مفترسين«ولدينا ترامب العنصري بشكل صريح... ما الذي تعبر عنه هذه الأمة؟... لن أقف لإظهار الفخر بعلم بلد يقهر السود وأصحاب البشرة غير البيضاء» .

وردود الفعل على موقف كيبرنيك لم تقتصر على ترامب. فالصخب كان واضحاً ليس فقط على المواقع الاجتماعية خصوصاً تويتر، ولكن أيضا من خلال التصريحات المعارضة والمؤيدة. والمعارضة كان بعضها موضوعيا من قبيل رفض موقفه لأن العلم والنشيد الوطني مقدسان.

بينما كان بعضها بالغ العنصرية ووصل لحد استخدام العنف اللفظي الذي يمثل خطرا على سلامة اللاعب حال تطوره لعنف مادي. أما التأييد فقد جاء بعضه من المتعاطفين مع حركة الشباب المسماة «حياة السود مهمة»، والتي نشأت أول الأمر عشية مقتل عشرات السود على أيدي رجال الشرطة وصارت اليوم حركة تتبنى مظالم السود عموما. غير أن بعض المؤيدين جاء تأييدهم بناء على احترامهم لحرية التعبير المنصوص عليها في الدستور الأميركي بغض النظر عن المضمون.

وموقف كيبرنيك لابد أن يوضع في سياق الحالة الأميركية وتاريخ الكفاح ضد العنصرية. فالشاب، الذي يلعب في فريق سان فرانسسكو، ليس أول رياضي أسود يستخدم شهرته للفت الانتباه لمظالم السود. فلاعب الكرة الأميركية جاكي روبنسون قال في الستينات بالضبط ما قاله كيبرنيك مؤخرا.

فهو قال وقتها «لا يمكنني أن أنشد النشيد الوطني أو أؤدي تحية العلم. أنا أعرف أنني أسود في عالم البيض». وتومي سميث صاحب الميدالية الذهبية في أولمبياد1968 قام فور بدء النشيد الوطني في ذلك العام برفع يده بقفاز أسود، رمزا «لقوة السود» التي كانت إحدى الحركات الراديكالية في أوج حركة الحقوق المدنية. واللاعب جون كارلوس فعل الشئ نفسه.

وقد كررت اللاعبة المشهورة سيرينا وليامز استخدام الرمز نفسه في ويمبلدون العام الحالي لتطلق من هناك صيحة احتجاج على قتل شاب أسود يومها على يد رجال الشرطة. ومحمد علي كلاي كان أيضا واحدا من هؤلاء حين رفض علناً أن يحارب في فيتنام. وقد دفع أغلب هؤلاء أثماناً مختلفة.

فالصخب والإدانة بل وأحيانا الملاحقة المنطوية على عنف مادي ولفظي التي تلاحق كيبرنيك اليوم هي ذاتها بالضبط التي لاحقت كل هؤلاء. لكن هناك ما هو أكثر وهو الطرد من اللعبة أو الحرمان من الألقاب التي حصل عليها مثل ما حدث مع محمد علي كلاي. لكن الواضح أن كلا منهم كان يعرف ذلك جيدا وعلى استعداد لتحمل المسؤولية.

فمحمد علي كلاي قال ذات مرة «اللعنة على المال، فلأموت قبل أن أبيع ناسي من أجل أموال البيض». فالرياضيون السود يعلمون أيضا أنهم مثلما يحصلون على أجور خيالية يُدرّون أيضا أرباحاً خيالية على فرقهم الرياضية التي يملكها في معظم الحالات رجال أعمال بيض.

لكن كل ذلك لم يردع كلاي ولا كان رادعاً لبرادلي بيل مؤخرا حين تعرض لحملة شرسة عندما كتب على تويتر «حياة السود مهمة»، عشية مقتل أحد الشباب السود. فالحملة الشرسة جعلته يكتب متحدياً «نعم حياة السود مهمة، وهناك زر أعلى الصفحة يمكنك من خلاله أن تقلع عن متابعتى».

الواضح أن كيبرنيك هو الآخر يعي تماما أن هناك ثمناً باهظاً يمكن أن يدفعه بحرمانه من لعب الكرة التي جعلته مليونيرا.

فهو قال «بالنسبة لي، هذا أهم من الكرة وستكون أنانية مني أن أنظر الناحية الأخرى... هذا الفعل ليس من أجلي، وإنما لأنني أرى أموراً تحدث لأناس لا صوت لهم. فهم لا يملكون منصة حتى تكون أصواتهم مسموعة فيحدثون التغيير. أنا في موقع يجعل بإمكاني أن أفعل ما فعلت وسأفعله من أجل من ليس بإمكانهم فعل الشئ نفسه».

لكن اختيار كيبرنيك للصمت تحديداً في بداية المباريات له دلالة رمزية مرتبطة بميراث العنصرية الذي يحمل معاني مسكوت عنها، منها، في مجال الرياضة، أن الرياضيين السود يكسبون شهرة ومالا وعليهم مقابلها أن يلتزموا الصمت. لذلك، اختار كيبرنيك الصمت ولكنه من نوع آخر تماماً!.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1105 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع