نبيه البرجي
لن نقلد جورج اورويل في نماذجه السوداوية، مع اقتناعنا بأن الزمن عندنا إما انه «في حضرة الغياب» او انه يمشي بالفحم الحجري( لا بالطاقة النووية ولا حتى بالطاقة الكهربائية)..
بعين متفائلة، سنرى جلالة العاهل السعودي الملك محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وهو يضع السيكار بين شفتيه، ويرتدي ربطة العنق، يعلن عام 2030 قيام «الجمهورية العربية السعودية».
يخيل للقارىء ان ثمة خطأ تقنيا قد حدث. لا، لا خطأ جوهري، اذ كيف يمكن ان تكون جمهورية وتكون سعودية؟
اذا اخذنا برؤية ولي ولي العهد السعودي الذي هو، حتما، الملك المقبل، وآخر المؤشرات حضوره قمة العشرين في الصين، فإن المملكة التي ستبني اقتصادها على قواعد جديدة تتفاعل مع ديناميات الحداثة بكل وجوهها، لا بد ان تشهد تعديلا في بنيتها السياسية، وبالتالي انحسارا في علاقة العائلة بالدولة، والى حد يحمل مثقفين سعوديين على عدم استبعاد ان يعمل احد افراد العائلة سائق قطار او ممرضا في احد المستشفيات...
الامير محمد بن سلمان يطوف في ارجاء الدنيا. يرى، ويصغي، ويتأمل، ويتعرف على نماذج، ولعله يتوقف عند النماذج الملكية في بريطانيا او في الدانمرك او في اسبانيا، ولا بد ان يتساءل ما اذا كان النموذج السعودي الحالي سيظل صالحا لعام 2030، وللرؤية التحديثية التي يعمل على تنفيذها...
اين المشكلة في ان يكون ابن عائلة مالكة، وهنا ابن الملك الذي يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين، ثائرا، او ثوريا، بالاحرى ان يكون واقعيا، ويلاحظ انه حتى ولو ترعرع في منطقة تختلط فيها التوتاليتارية والتيوقراطية على ذلك النحو المخيف، فإن المراوحة السياسية، مثل المراوحة الاقتصادية، تفضي الى الخراب.
اجل الخراب لان هذه هي الكلمة الاكثر دقة لتوصيف الحالة، ودون ان تكون هناك مشكلة من ان يتحول احدهم من منصب الملك الى منصب الرئيس...
الامير يتعرض، بسبب «رؤيته»، لحملة حتى من سعوديين ينظرون الى الامور بطريقة اخرى، ويسألون كيف يمكن لاحدهم ان يضع احدى قدميه في اودية تورا بورا في افغانستان، ويضع قدمه الاخرى في وادي السيليكون في كاليفورنيا؟
تالياً، كيف يمكن تفكيك الغلاف الايديولوجي( الحديدي) للدولة التي تقوم على الثنائية المعروفة؟ لا ريب ان الامير يتابع ما يكتب في الغرب حول الثقافة الدينية في المملكة وتأثيرها على نشأة التيارات الراديكالية، على انواعها، و تقوقعها، حتى ان تنظيما مثل القاعدة او مثل «داعش» لا يتحمل نظاما دينيا تقليديا مثل النظام الذي في المملكة...
الذين داخل العائلة والذين لا يرتاحون الى رؤية المملكة عام 2030، يتوجسون من ان الدخول في «حالة اخرى» انما يهدد مصير العائلة، ومصير المملكة. ولي ولي العهد يرى ان الاجترار الحالي( وهو صنع الانغلاق) انما هو الذي يقتل العائلة ويقتل المملكة...
والطريف ان بعض هؤلاء يعتبرون انه كان الاحرى بالامير ان يعطي لرؤيته مدى زمنيا ابعد، اي ان تكون «رؤية 2050» او «رؤية 2100» لخشيتهم من التأثيرات الدراماتيكية للصدمات الكهربائية، وربما للصدمات النووية...
زميل سعودي ينقل الينا كلام احد مساعدي ولي ولي العهد. يقول «ان الغرب شيء، ونحن شيء اخر». عشية الاستقلال الاميركي عرض على جورج واشنطن تتويجه ملكا، وحين رفض راح البعض يبحث عن امير اوروبي لهذه المهمة دون ان يقترن هذا الاتجاه بالنجاح...
الامر مختلف هنا. العاهل الاردني الراحل الملك عبد الله الاول حوّل امارة شرق الاردن الى المملكة الاردنية الهاشمية، كما ان امير البحرين تحوّل الى ملك. مجتمعات تفضل العيش تحت عباءات الملوك، العباءات الفاخرة. لسنا في اميركا حيث الرئيس يرتدي الجينز، ولسنا في فرنسا حيث الرئيس يمتطي الدراجة النارية وينطلق ليلا الى مخدع عشيقته...
لكن الايام تمشي الى الامام. في تشاد كانت صحيفة «اللوموند» تنقل من مدينة الى اخرى على ظهور الجمال، ولان احدا لا يقرأ، كانت الجمال هي التي تأكل الصحيفة دون عناء القراءة. الان ثورة الاتصالات. ذات يوم قد نجد الامير بسروال الجينز، ولكن هل يصبح بعقليته. بوريس جونسون مثلا؟
لا، لا، هناك اصول ملكية. المسيرة شاقة، ومعقدة، حتى عام 2030. في ذلك العام، ان لم تنقلب الدنيا، كيف سيخاطب صاحب الجلالة اهل بلده؟ عفواً...جمهور( او جماهير) بلاده؟ للحديث صلة...
940 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع