مآسي الأخطاء الطبية والقصور القانوني

                                     

                     د. محمد صالح المسفر

انتشرت وتزايدت أخبار الأخطاء الطبية بين الناس، وتنوعت تلك الأخطاء بين طبية ومهنية، وأصبح هناك ضحايا، إما فقدوا الحياة نتيجة لأخطاء طبية، أو أنهم أحياء لكنهم غير قادرين على الحياة بمفردهم، أو أنهم أصبحوا لا يستطيعون إعالة أسرهم نظرا لعجزهم نتيجة لتلك الأخطاء.

(2)

نشرت صحيفة الشرق القطرية في 22 / 8 تقريرا شاملا ومخيفا عن تلك الأخطاء، أو اسميها الجرائم الطبية، لأنها تجاوزت الأخطاء إلى درجة الإهمال وانعدام المهنية. يذكر التقرير المشار إليه أن مريضا أجريت له عملية جراحية في بطنه في مستشفى مرموق في الدوحة، ونسي الطبيب الجراح وفريقه في غرفة العمليات قطعة معدنية في بطن المريض سببت له آلاما شديدة الأمر الذي أدى به إلى أحد المستشفيات لإجراء فحوصات لمعرفة أسباب تلك الآلام، وفعلا اكتشفت الأشعة أن في بطن المريض قطعة معدنية صلبة الأمر الذي أدى به إلى إجراء عملية لاستئصال تلك القطعة المعدنية وخضوعه للعلاج ليتخلص من تلك الآلام وآلام العملية الجراحية الثانية، ولا يمكن النظر إلى هذه الحالة بأنها خطأ طبي. هذه القضية أمام القضاء لينظر في شأنها.

(3)

ذكر التقرير المنشور في جريدة الشرق أن مريضا أجريت له عملية تحويل مجرى معدة أدت إلى الوفاة وحكمت المحكمة لورثة المتوفى بمبلغ وقدره 200 ألف ريال (دية) كتعويض جابر للضرر الأدبي مع إلزامه بمصاريف الدعوى. المشكلة أن المستشفى الذي أجرى العملية الجراحية لم يتخذ الإجراءات الطبية والاحتياطات اللازمة أثناء وبعد العملية وتم نقل المريض المجني عليه لمستشفى آخر وتبين بعد وصول المريض إليه كما يقول تقرير الشرق عدم وجود اختصاصيين واستشاريين وألغي دخول المريض إلى العناية الصحية وتوفي بسبب حصول تسريب في منطقة العملية الجراحية.

سيدة أخرى تقدم أهلها بشكوى لمحكمة الجنايات ضد طبيبين ارتكبا خطأ طبيا كانت نتيجته الإضرار بالمريضة في أحد المستشفيات نتيجة لذلك الخطأ أصيبت السيدة بالشلل التام وفقدان البصر.

مريض آخر قصته أمام المحكمة الجنائية تقول إنه اجري له عملية استئصال مياه بيضاء من عينه على أثرها فقد بصره وامرت المحكمة بتعويض 200 ألف ريال.

(3)

مريض آخر تعرض لأحد عشر عملية جراحية على أثرها أصبح يعتمد على كيس لإخراج الفضلات من جسمه تكلفة ذلك الكيس 110 آلاف ريال في السنة، كما أصيب بعجز جنسي كامل ودائم، وجلطة في القدم الإيمن وإزالة الخصية اليمنى مع فقدان جزء من القاعدة ومنطقة الصفن وقطع أحد أوردة الرجل اليمنى وإزالة فتحة الشرج إزالة كاملة وإزالة عضلات حيوية من فخذ الرجل اليسرى وفقدان السيطرة على التبول، واستئصال الحبل المنوي، ولم يعد للرجل أي أمل في الحياة، وأصبح عالة على أسرته.

(4)

إن هذه الأعمال وغيرها في المجال الطبي لا يجوز أن تصنف بأنها أعمال نتجت عن أخطاء طبيب أو تمريض، إنها ترقى إلى مرتبة الجريمة والتي يجب النظر إليها على أنها جرائم طبية لا أخطاء. الإنسان ليس معصوما من الخطأ، وكلنا بشر وجل من لا يخطئ ولكن خطأ عن خطأ يفرق. الإنسان ليس حقل تجارب لكل من تخرج في كليات الطب خاصة في عصرنا هذا، العمليات الجراحية لا يجريها إلا مهرة في العمليات الجراحية يكون قد تدرب على يد استشاريين وأطباء لهم في مجال الطب الجراحي باع طويل وليس كل جراح يستطيع أن يقوم بإجراء عملية جراحية حتى ولو كانت خلع ظفر إصبع. أعرف الكثير من الناس يلجأون إلى السفر إلى خارج البلاد لإجراء فحوصات طبية وإذا اقتضى الأمر إجراء عمليات جراحية فإنه يجريها خارج البلاد لأنه يكاد يعدم الثقة في مؤسساتنا الطبية رغم الإنفاق عليها من قبل الدولة.

(5)

ينظر بعض القضاة في شأن التعويضات نظرة فقهية، معتمدا على نصوص لا يغوص القاضي في عمق تلك النصوص بل يأخذ بظاهر النص. فمثلا. الدية الشرعية 100 من الإبل، أو 200 بقرة لأصحاب الأبقار أو 1000 شاة لأصحاب الأغنام، هذا ظاهر النص، لكن جوهره أن هذه الأعداد تعني الاستمرار لمعونة الإنسان المتضرر، أي رأسمال قابل للتكاثر. المريض الذي فقد البصر أو أصيب بشلل أقعده عن العمل من يعينه وأسرته على الحياة. أن الدية أو التعويض لا تقاس بالمال اللحظي وإنما تقاس بالإنتاج الذي يكفي ذلك الإنسان السؤال مدى حياته. بعض القضاة جزاهم الله خيرا يذهب في أحكامه لتجزئة الدية / التعويض، فيقول العين بكذا من المال، واليد بكذا من المال، والسؤال إذا صيب بعمى كلي فكيف يستطيع العمل، وإذا بترت يمناه أو أصيب بشلل نصفي نتيجة لتلك الجرائم الطبية كما حالة من ذكرت في الفقرة (3). الأمة تحتاج إلى قضاة وخطباء مساجد الجمعة وعاظ يتماشون مع العصر ومتطلباته دون الإخلال بالقواعد الشرعية.

آخر القول: نحتاج إلى قوانين رادعة تحد من عملية الأخطاء أو التقصير في المجال الطبي، وشروط لمزاولة المهنة الطبية رفيعة المستوى، الدولة لم تقصر في الاستجابة لكل طلب يحسن الأداء الطبي ويرتفع بمستواه.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1437 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع