خالد القشطيني
لعل بعض قرائي يتذكرون ما كتبته قبل سنوات في هذه الزاوية عن مسؤولية البنوك والبيوت المالية والعقارية في الدول الغربية، عن انتشار الفساد في العالم الثالث. إنّ من قواعد سائر القوانين الجزائية في كل الشرائع أن من يخفي أموالاً مسروقة يعتبر شريكًا في جريمة السرقة، طالما كان عارفًا بحقيقتها.
وتطبيقًا لهذه القاعدة تعتبر المؤسسات المصرفية الغربية قد شاركت في عملية السرقة بقبول هذه الأموال المسروقة، واستثمارها لصالح المالك الحرامي الذي سرقها. بل إن الحكومات الغربية التي تعترف بهذه المؤسسات وتحميها هي أيضًا في حكم المشارك بعمليات السرقة.
وقد أخذت الصحافة والحكومات الغربية مؤخرًا تعترف بهذه الحقيقة. وتوّج هذا الاعتراف بالمؤتمر الذي انعقد في الأيام الأخيرة في لندن، وقاد الحملة رئيس الحكومة البريطانية، ديفيد كاميرون بتصريحات أثارت الرأي العام ووسائل الإعلام. والظاهر أن تبني بريطانيا لهذه الحملة ضد «الفساد العالمي»، قد انطلق من محاولات الحكومة لكشف الأموال المهربة، وبالتالي إخضاعها للضرائب. فالمشروع له أبعاده المنفعية للدول التي ستوقع على الوثيقة.
ومما لا شك فيه أن المشروع تلا عمليات الفضح التي أطلقها بعض الأفراد، كموضوع فضيحة بنما التي نشرت مؤخرًا. لم تعد السرية مكسبًا موثوقًا به، فهناك كثير من محبي كشف الأسرار، والنفخ في البوق. وإذا كان «الربيع» العربي قد أفادنا بشيء، فهو الكشف عن الأموال المنهوبة من الدول التي مسها الربيع العربي. يفرض المشروع على كل المؤسسات أن تحقق في هوية كل الأموال التي تودع فيها وترفض قبول ما لا تثبت شرعيته. وتنشر بشفافية كاملة أسماء الأفراد والشركات التي تمتلك أموالا فيها. والفكرة أن تعيد ما لا تثبت شرعيته إلى الصاحب الشرعي لتلك الأموال. وهذا في الواقع ما طالب به رئيس أفغانستان أشرف غني والرئيس النيجيري محمدو بوحاري الذي أحرج الحكومة البريطانية بقوله: «ردوا لنا أموالنا المنهوبة، قبل أن تكيلوا لنا الاتهامات بالفساد». وكان هذا جوابًا على المستر ديفيد كاميرون الذي وصف نيجيريا بالفساد الذي لا يحده الخيال.
1452 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع