صباح الراوي
الرئيس البكستاني للفترة ما بين ( ١٩٧١-١٩٧٣) يوم كنت سكرتيرا ثالثا في سفارتنا لدى الهند . كان قبلها وزيرا للخارجية للفترة ما بين ١٩٦٣-١٩٦٦ على عهد الرئيس الباكستاني محمد أيوب خان . وهو من مؤسسي حزب الشعب الباكستاني . لم يكن على وفاق مع جارته الهند ورئيسة الوزراء انديرا غاندي بالرغم من اتفاقية ( شملا) بين الجانبين يوم كان بوتو رئيسا للوزراء بين عامي (١٩٧٤-١٩٧٧) .
ينحدر بوتو من عائلة أرستقراطية تمتلك أراضي زراعية واسعة في اقليم السند الذي اصبح من توابع باكستان بعد حصول الهند وباكستان على الاستقلال عام ١٩٤٧. كانت عائلتهم شيعية المذهب ولابد لنا ان نتذكر ان ابنته بنظيربوتو كانت تخاطب جماهيرها الشيعية في الانتخابات الاخيرة لرئاسة الوزراء وكانت تضع شريطا اخضرا على زندها الأيمن مطرزا بكلمة يا علي . ولعل ذلك كان احد الأسباب التي اودت بحياتها من قبل المتطرفين . كان بوتو ذو ثقافه عاليه وكانت بداية تحصيله الدراسي بالمدارس التابعة للكنائس (Convent school) وهي المدارس التي يتلقى فيها الطلبة من أبناء الذوات تعليمهم الاول ذو التربية الصارمة المنضبطة . اكمل دراسته العليا في الولايات المتحدة الاميركيه حاصلا على بكالوريوس في العلوم السياسية . لم يمارس المحاماة على الرغم من حصوله على شهادة الحقوق من جامعة أوكسفورد البريطانية عام ١٩٤٩ بسبب انخراطه في العمل السياسي . تاثر بوتو بافكار الرئيس محمد علي جناح مؤسس باكستان الحديثة الذي كان يؤمن بان باكستان هي بلد الهنود المسلمون فقط على عكس زميله الماهاتما غاندي الذي كان يصرح دائما بان الهند هي بلد الهنود المسلمين والبوذيين والبراهمن والسيخ وكافة المعتقدات . تلك الأفكار التي أدت بالتالي الى كسب حزب الموتمر الهندي أصوات المسلمين قاطبة بلا منازع . وعلى ما يبدوا فان تلك الأفكار أدت بالرئيس بوتو ان يعمل على تهجير ملايين الهنود من باكستان الشرقية الى داخل الحدود الهنديه . تلك الهجرة التي كانت من أسباب الحرب الهندية الباكستانية عام ١٩٧١. في المقابل حرصت السيدة أنديرا غاندي على طرح موضوع الرئيس بوتو وتفكيره العنصري الطائفي في المحافل الدولية قرابة العام تمهيدا للمواجهة العسكرية ولعل ذلك كان السبب وراء انتقاد السيدة غاندي لسياسة العراق الذي لم يصبر كثيرا على الاعتداءات الإيرانية على حدوده ولم يحتمل الوقت اللازم لطرح الموضوع في المحافل الدولية مما أدى بالتالي الى تضارب الاّراء التي تشير الى من هو البادئ بشن الحرب . نعود الى الحرب الهندية الباكستانيه عام ١٩٧١ والتي استغرقت أسبوعين فقط كانت من نتائجها خسارة باكستان للجانب الشرقي وظهور دولة. ( بنغلادش ) .
لم يكن بوتو يعير اهتماما لأصوات المعارضه المتمثله بدعوات الشيخ مجيب الرحمن زعيم حزب (Awama league) الذي كان يدعوه للقاء والتفاهم وهذا ماكنا نذهب اليه في تقارير سفارتنا عن تلك الحقبة الزمنيه بل دفع بجيش كامل للسيطرة على مقاليد الأمور في باكستان الشرقية دون النظر في تسهيل اموره اللوجستية مما أدى الى استسلامه بمده اعتبرت اقصر مدة في تاريخ الحروب . استسلم القائد الباكستاني الجنرال عبد الله نيازي في مواجهة الجيش الهندي المؤلف من مليون مقاتل بقيادة الجنرال مانكشو رئيس أركان القوات البرية الهندية وفي دفاعه عن قراره امام المحكمة العسكريه افاد الجنرال نيازي بانه اقدم على ذلك بسبب نقص الإمدادات العسكريه واللوجستية المطلوبه والتي كانت ستؤدي الى سحق ملايين الجنود في تلك الحرب الخاسرة . الا ان هذا التبرير لم ينفعه في حينها وحكم عليه بالإعدام الذي لم ينفذ . استغل بوتو خسارة الحرب للتوجه الى ضرب المؤسسة العسكريه على غرار مايفعل اردوغان في تركيا اليوم الا ان بوتو لم يفلح بعد ان نجح الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال ضياء الحق . اتهم بوتو بالتفريط بباكستان الشرقية نتيجة سياسته الاستعلائية التي أدت بالتالي الى تصعيد حالة العداء بجارته الهند وحكم عليه بالإعدام ونفذ فيه عام ١٩٧٩.
ومن الملاحظات التي أودّ ان أعرج عليها بخصوص تلك الحرب مايلي :
١. ظهرت السيدة انديرا غاندي على شاشة التلفزيون معلنة الحرب في الاول من كانون الاول عام ١٩٧١ وقالت بأنها قط أعطت صلاحياتها جميعا الى القيادة العسكريه .
٢. بعد أسبوعين أذاع الجنرال مانكشو انتصار الهند وإعادة السلطات والصلاحيات الى الحكومة الهندية .
٣. بعد حوالي ست أشهر أُحيل الجنرال مانكشو الى التقاعد بعد ان اكمل السن القانونية ليستلم رئاسة الأركان البرية بعده الجنرال أرورا .
٤. ان مغزى ذكري للنقاط أعلاه إعطاء صورة لدولة المؤسسات الحقيقة لا دولة التنظير الكاذب والمقالات .
٥. كان الملحق العسكري لدى سفارتنا في حينه العقيد الركن طه الشكرجي الذي اعتاد ان يأتي بالخارطة والأخبار عن الحرب يوميا ليحيط أركان السفارة بها الا انه لم يكن موفقا لان تحليلاته كانت متعاطفة مع التحركات العسكريه للجانب الباكستاني . نتيجة ذلك كان هناك تناقض في وجهات النظر اثرت على برقياتنا وتقاريرنا السياسية سلبيا خصوصا بعد انتصار الهند في تلك الحرب الخاطفه .
٦. ومن الأمور التي لا تصدق مارأيته بام عيني وليس رواية عن احد . ففي ايام الحرب انقطع التيار الكهربائي وكان معظم الدبلوماسيين يلجأون الى فنادق الدرجة الاولى والمزودة بمضخات توليد الطاقة لتقصي اخبار الحرب . اذكر بأنني دخلت الاوبروي كونتيننتال وهو من أضخم فنادق نيودلهي ووجدت تجمهرا كثيفا في احدى قاعاته وعندما اقتربت لتقصي ما يحدث وجدت رجلا يقارب السبعين من العمر عرافه من طائفة السيخ عليه محيّا مهاب يجيب على عدد من الأسئلة يطرحها عليه النواب والسياسيين الذين يحيطون به . وعند سوْال احدهم عن الحرب وتوقعاته اجاب بان الحرب ستنتهي قريبا وان دولة جديدة ستظهر وأنك يا كمال الدين حسين ستكون وزيرا لخارجية الدولة الجديدة . وهذا ما حصل بالفعل اذ ظهرت صورة ذلك الرجل في الصحف التي تلت نهاية الحرب بصفته واسمه وزيرا لخارجية بنغلادش .
1161 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع