أ . فؤاد يوسف قزانجي
تقع بلاد اشور في القسم الشمالي من العراق القديم ،بين نهري دجلة والفرات، ممتدة على كامل منطقة نينوى .
وقد تغيرت حدودها السياسية مع تغير المراحل التاريخية بين (2300- 609ق م) حيث توسعت منذ القرن الثالث عشر ق م فشملت بلاد الرافدين وشمالا حتى الجبال وكذلك منطقة الجزيرة وغربا وفي كثيرمن الازمان قد يمتد نفوذها الى بلاد ارام (سوريا) حتى البحر الاعلى (المتوسط) واحيانا فلسطين وجزءا من مصر.
ترقى مملكة اشور الى بداية الالف الثاني ق. م. ،وكان الملك زاريكم معاصرا للملك برسين من سلالة اور الثالثة السومرية.
تبعد كلخو اوكلحو او كالحKalhu حوالي (30كم) عن نينوى او(الموصل) وسميت حديثا نمرود !. كان قد بناها الملك شيلمانصر الاول (1274- 1245ق م) على انقاض قرية زراعية قائمة منذ بداية الالف الثالث ق م.
اعاد الملك اشور ناصربال الثاني بنائها في سنة 883 ق م، وانشأ فيها قصورا ومعابدا ودورا عدة من اجل الانتقال الى عاصمة جديدة بعد توسع بلاد اشور .
في عهد الملك شيلمانصرالثالث (858- 824ق م) اقيمت فيها زقورة على الطراز السومري، بني في اعلاها معبدا للالهة نينورتا، وتقع الزقورة في الزاوية الشمالية من المدينة . قضى فيها الملك ادد نيراري (810- 780ق م) فترة من الزمن، وكذلك فعل تكلات بلاصر الثالث(745- 727ق م) حيث اضاف اليها مبان جديدة.
في عام 703ق م فكر سرجون الثاني في بناء عاصمة ثالثة له فشرع في بناء مدينة دور- شاروكين واستغرق الامر مدة سبع سنوات .وسعى لللانتقال اليها قبل سنة من اكمالها، لكنه توفي بعد سنة من اكمالها. وجاء بعده الملك سنحاريب الذي قرر الانتقال الى نينوى. سعى الملك اسرحدون الى ترك نينوى على اثر اغتيال ابيه سنحاريب،والعودة الى كلخو فشرع ببناء قصر له فيها واستخدمها مثل سلفه مركزا لتدريب الجيش الاشوري، ولذلك سماها(ايكال مشارتي)بمعنى بيت السلاح ،الا انه ترك المدينة لجيشه وعاد الى العاصمة نينوى.
اما مدينة كلخو التي حفر في آثارها منقبون بريطانيون وهم لايارد وهرمز رسام ولوفتس وسمث، اذ كانت كلخو من اولى المواقع التي نقبوا فيها في اواخر العهد العثماني ولذلك نقلت آثارها الى المتحف البريطاني . وقد وجدت الزقورة في التل الشمالي وهي ذات اربعة اوخمسة مصاطب وقد بني على طبقتها العليا المعبد الرئيسي للمدينة وهو للاله ننورتا اله عاصمة الامبراطورية الاشورية. كما وجدت قبالة جدران المعبد منحوتات حجرية ضخمة تمثل معركة كونية وهي على الارجح تعكس معاني ملحمة انزو،التي يلقب بها الاله ننورتا ب(بيل) اي بعل في ديانات الممالك السورية، ولعل ملحمة انزو قد كتبت في كلخو لان الاله الرئيس في الملحمة هو ننورتا. وكان شيلمانصر الثالث قد شيد حصنا كبيرا في اقصى جنوب شرق المدينة، بلغت مساحته 350x250م ليكون مركزا لتدريب الجيش الاشوري ، الذي كان في زمنه اقوى جيش في العالم ، سواء في تجهيزاته او اسلحته او تنظيمه. ومنه اخذت اسبارطة اليونانية طريقة تدريب المقاتلين الشباب، وكذلك استخدام العربة الحربية والبدلة العسكرية شبه المدرعة، واستفاد من هذا النظام كذلك الرومان، وقد كون الرومان فرقة ضاربة دعوها بالفرقة الاشورية باعتبارها قوة اقتحامية (كوماندوس)،وبهذه الفرقة نفسهانجح الرومان في غزو بريطانيا عام54ق م.
كان موقع المدينة يتميز باهمية استراتيجية: فماء دجلة يحميها من جانبها الغربي، ومن جهتها الجنوبية كان يمرالزاب الاعلى الذي يتصل بدجلة بمسافة قصيرة جنوب كلخو. كما جلب الى المدينة الماء بحفره جدولا شقه من ضفة الزاب لزيادة حما يتها والافادة منه في الري . وهذا يعني ان اشور ناصر بال بذل جهودا كبيرة في تخطيطه للمدينة. كما شيد حولها سورا ضخما مدعما بالابراج الدفاعية، بلغ محيطه 8 كم.
كانت المدينة مستطيلة الشكل تقريبا. واختار احدى المرتفعات الطبيعية لتكون بمثابة اكروبوليس حيث بنى موضع الزقورة وبعدها معابد المدينة ثم قصره الملكي . وكانت تحمي بوابات المدينة والقصر، الثيران المجنحة التي تمثل عند الاشوريين مخلوقات شبه ملائكية تقوم بحماية المدينة وتخيف الاعداء . وقد عثر المنقبون على معظم تلك التماثيل الرائعة، ووجدوا من بقايا القصرحوالي 20 من الالواح الحجرية المنقوش عليها نشاطات الملوك ومعاركهم . كماعثر ماكس ملوان على بعض الحاجيات العاجية النفيسة وعلى اثار سور المدينة وبواباتها، وكذلك على مسلة الملك اشور ناصر بال المسماة بالمسلة السوداء وهي مكتوب فيها باللغة الاكدية- الاشورية ابرز اعماله وانتصاراته، وتدون كذلك وصفا للولائم الفخمة التي اقيمت في المدينة احتفالا بافتتاحها في عام879 ق م وقد بلغ عدد الضبوف حوالي 69000 شخص من بينهم العمال والصناع والسفراء وافراد الجيش الذين كانوا يحرسونهم، وقد دامت الولائم مدة عشرة ايام، مما يدلل على غنى المملكة الاشورية . كما تذكر المسلة انه حفر قناة الثقوب، لري حقول المدينة، وكذلك تشير الى عدد الموظفين والمستخدمين في القصر، كما وجد الاثاريون ان مقاييس قاعة العرش تبلغ حوالي 470 مترا مربعا . وان جدرانها مكسوة بنقوش بارزة على ارتفاع 3 ونصف المتر.
يبدو ان القصرهجر بعد وفاة الملك شمشي ادد الخامس (824- 810ق م) ،الا ان سرجون الثاني نقل اليه اثاثا من العاج وبعض الغنائم المجلوبة من مدينة كركميش التي تقع في شمال سوريا. كما عثر في كلخو على مسلة سرجون الثاني ورسائل ملكية ومعاهدة بين اسرحدون واحد الامراء الماديين التي عقدت في عام 676 ق م. وقد احرقت مدينة كلخو ودمرت عام612 ق م. وقد جرى ذلك على يد الماديين الذين غزو بلاد اشور مع البابليين. وهكذا خربت واحدة من اعظم المدن العراقية القديمة التي لم يمض على اقامتها سوى 150 سنة تقريبا .
وفي الثمانينات من القرن الماضي، تم اكتشاف ثلاثة قبور لثلاثة ملكات اشورية مع حليهمن الذهبية التي تتكون من عشرات القلادات والاقراط والقطع الجميلة التي تدل على مدى غنى وازدهار مدينة كلخو بين القرن التاسع و الثامن قبل الميلاد حيث بلغت اوزان المصاغ الذهبية حوالى 35 كيلو غرام.
اهم المصادر
Van De Mieroop,Marc. A History of the Ancient Near East.Oxford:Blackwell,2007.p233-235
1433 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع