من يفهم عذاب العراق ؟

                                                                                                 

                                 نبيه البرجي


العراقيون مفتونون بلبنان . كان بدر شاكر السياب يأتي الينا بهيكله العظمي المنهك والمحطم ، ليجلس وراء الزجاج في مقهى الهورس شو في الحمراء ويقول :   ... وأنا في آخر زيارتي للدنيا ارى في هذا الرصيف كل الدنيا

قال لنا في حديث صحافي : " حتى عظامي تعشق الهواء هنا " . لكنه كان يصرّ على أن يُدفن في المكان الذي ولد فيه  : لن تعثر في أي أرض على من يفهم عذابي سوى ذلك التراب المُعذَب
لم تكن له علاقة بالسياسة « لأن رأسي بالكاد يوجد على كتفي » . لا يُريد له ان يسقط  .  (في بلادنا لا تعرف ما اذا كان الحاكم مصابا بعقدة جلجامش ، ام بعقدة حمورابي ، ام بعقدة نبوخذ نصر ، أم بعقدة هارون الرشيد أم بعقدة هولاكو)
 وقال : حتى الحسين مات في العراق . ألم أقل لك أن التراب مُعذَب ويليق بالمعذبين ؟
ولطالما قيل أن العراقيين يحبون لبنان لأنهم يكرهون سوريا . لا يزال الأمويون هناك والعباسيون هناك . حين وصل الاأمير العباسي عبد الله بن علي الى دمشق ، على ما يذكر إبن الاثير في كتابه « الكامل » : أمر بنبش قبور بني أُميّة ، فنُبش قبر معاوية بن أبي سفيان فلم يجدوا فيه إلاّ خيطاً مثل الهباء ، ونُبش قبر يزيد بن معاوية فوجدوا فيه حطاماً كأنه الرماد ، ونُبش قبر عبد الملك فوجدوا جمجمته . وأما هشام بن عبد الملك فإنه وجد صحيحاً ، ولم ينل منه إلاّ أرنبة أنفه ، فضربه بالسياط وصلبه وحرقه وذراه في الريح

وحين تسلم حزب البعث السلطة في بغداد ودمشق إنهارت الأيديولوجيا وقام التأريخ من المقبره . دمشق هي بكين وبغداد هي موسكو . الجغرافيا هي التي لعبت بين الإتحاد السوفياتي والصين الشعبيه ، فكانت هنا شيوعية نيكيتا خروتشوف وكانت هناك شيوعية ماو تسي تونغ

لماذا العراق مُرهِق للجميع ؟ صدام حسين أراد أن يصنع قنبلة نووية لإستعمالها في وجه القنبلة الأيديولوجيه التي في يد إيران . وبعدما دمر الإسرائيليون مجمع تموز في 7 حزيران 1981 ، وكان غارقاً في الحرب ضد آية الله الخميني ، لم يدفع بدباباته الى فلسطين ، كما كان يعد ، بل الى الكويت .
 الآن ، العراق مُرهِق لأهل العراق بل وللجميع . نعلم إن ونستون تشرشل هو من وحّد الولايات الثلاث ( البصرة وبغداد والموصل ) . من يوحد العراق الآن ؟
إذا قامت الدولة الشيعيه يأكل الشيع الشيعه ، وإذا قامت الدولة السُنيّه يأكل السُنّه السُنّه
ليس العراقيون وحدهم ذئاب العراقيين . العرب كلهم ذئاب العرب . الإنكليزي توماس هوبز قال قولته الشهيرة « الجميع ذئاب الجميع » لكي يستخدمها رجال السوسيولوجيا ذات يوم في وصفهم للعرب
   صديق عراقي يسأل : " لماذا تغوينا كوريا الشمالية ولا تغوينا كوريا الجنوبية ؟ " . في رأيه اننا عشاق لـ« ديكتاتورية الموت » لا لديكتاتورية الحياة »
 يُضيف ضاحكاً : لا شك أن الإسرائيليين نادمون لما فعلته حكومة مناحيم بيغن . لو صنع صدام القنبلة النوويه لألقاها على طهران وإنتهى الأمر . الآن ، ثمة بين العرب من يفاوض اسرائيل ، على شراء القنبلة النووية فقط لإستخدامها ضد آيات الله
العراق الذي كان يمكن أن يكون يابان الشرق الأوسط تمزقه الذئاب إرباً إرباً . ذئاب الداخل وذئاب الخارج . حيدر العبادي يأمر بمنع رئيس مجلس النواب سليم الجبوري من السفر لتورطه في الفساد
الساسة في العراق مفتونون أيضاً بالساسة في لبنان . عندنا فلاسفة الفساد ، ومثلما نصدّر التفاح و البرتقال ، ومثلما نصدّر هيفاء وهبي ومايا دياب ، نصدّر أحدث النظريات في الفساد
لكن لبنان بمساحته ، وإمكاناته ، بالكاد يكون دولة (مزرعة ؟ أجل . كازينو؟ أجل . رصيف ؟ أجل )
امبراطور الصين قال للرحالة القرشي بعد ثورة الزنج  : إن الملوك خمسة أوسعهم ملكاً الذي يملك العراق لأنه في وسط الدنيا ، والملوك محدقة به
 مقارنة بين لبنان والعراق . بلدان يمزقهما الداخل والخارج . يقول ديفيد هيرست : إذا ماتا مات الشرق الأوسط
ألا يزال الشرق الأوسط على قيد الحياة ؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1460 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع