بقلم جابر جعفر الخطاب
حــوار مـع الأخـطل الــصغير ٢/حلـــــــــم لـــيلـــــة شتـــاء
كانت صفحات ( الهوى والشباب ) تغمرني بأكاليل من الورد والشذى وأنا أقلبها بأنامل دب فيها التعب والخمول فقد مضى الوقت وأنا مستلق على الأريكة متأملا كلمات الأخطل الصغير وهي تتوهج بقناديل الحب وتترنح بأجنحة الخيال ولم أكن قد أشبعت رغبتي من هذا البستان الجميل الذي يسكن في هذا الكتاب النائم بين يدي فكنت التهم قصائده دون أن أصل إلى حد الإشباع ولقد بلغ مني النعاس مبلغه فجعل أصابعي ترتعش ولا تقوى على تقليب الصفحات وبدأ رأسي يترنح من سكرة الشعر وكؤوسه الشفافة فغبت في عالم الكرى وسقط ( الهوى والشباب ) على وجهي فغطاه بأجمل القوافي وأرق الألحان فكنت استغرق في عالم الأحلام أتنفس شعرا من تحت الكتاب وأغط في إغفاءة رقيقة فكان الكتاب نائما معي متأثرا من غلبة النعاس عليه وما هي إلا ّ لحظات حتى وجدت نفسي في حضرة هذا الشاعر الأنيق في قوافيه وصوره وألحانه فقد أطل علي ّ وسط هذا العالم الجميل متسائلا عن غيابي الطويل منذ لقائي الأول به فاعتذرت منه وأبلغته بأني لم أغب عن فنه وقوافيه التي تلازمني في الحل والترحال فتشعب بنا الحديث وتنوعت الأسئلة وكان متفتحا في روحه وقلبه سألته وقد انفرجت أساريره
1 – ما هي حكمة الدهر التي تـؤمن بها ؟
حكمة الدهر أن نعيش سكارى
فاجمعا لي الكؤوس والأوتارا
2 – ولكن الحياة ليست كأسا ووترا ففيها الجد والعمل والطموح
فانهب العيش لا أبا لك نهبا
واطـّرح عنك وجهك َ المستعارا
لست َ مهما عُمّرت َ غيرَ جناح
حط ّ في الدوح لحظة ً ثمّ َ طارا
3 - وهل أنت مغرم بهما إلى هذا الحد ؟
قد عشت بينهما على نغم الصبا
كفراشة علقت ثـُديّ أقاح ِ
اشتف ُ روحهما وأعطي مثلها
روحا وأسلمُ ليلتي لصباحي
4– تعلقك بالهوى والشباب يجعلك محبا للحياة رافضا غروبها غير مبال
بدبيب الشيب الذي توغلت طلائعه في مفرقيك
دعني وما زرع الزمان بمفرقي
ما كنت أدفن في الثلوج صداحي
من كان من دنياه ينفض راحه
فأنا على دنياي اقبض راحيُ
5 - كيف حالك مع حبيبتك وأين موقعك منها
رضِيت وقد ذهب الجفا وكذا الهوى لين ٌ وشِده
وتبسمت فعلمت ُ أن رجعت لنا تلك المَوَده
فأنا بصدر حبيبتي ...كفراشة ٍ في قلب ورده
6 -الشعر هل له تأثير على الحسن
وكيف هي العلاقة بينهما ؟
ما الحسنُ لولا الشعرُ إلا ّ زهرة ٌ.
يلهو بها في لحظتين النظرُ
لكنها إن أدركتها رقــة
من شاعر ٍ أو دمعة ٌ تنحدرُ
سالت دماءُ الخلد في أوراقها
ونام تحت قدميها القدرُ
7 -أنت شاعر الورد والجمال فلماذا تكره الورد أحيانا ؟
إذا ما وردة ٌ عرضت لنذل ٍ
كرهت ُ الورد تقبيلا وشما
لشوكته أحبُ الوردَ حتى
إذا يد ُ سافل ٍ غمرته أدمى
8 -عندما يخطر أمامك طيف الحبيب فماذا تقول فيه ؟
يا خيال الحبيب لم تبق ِمني
غير حزني وغير دمعيَ حيا
أإذا رمتُ قبلة من حبيبي
عثرت قبل لمسِها شفتيا
ضحك الحظ ُ مرة ليَ في الحلم ِ
فلما انتهيت لم أر َ شيا
9-هل يعتبر مثقفا من يحصر همه في قراءة الكتب دون التأمل في قراءة الكون ونظامه العجيب ؟
ليس من يقرأ ُ الصحائفَ في الكتب
كمن في صحائف الكون يقرا
أجهلُ الناس مدعٍ ٍ يحسبُ العلمَ
كتابا ويحسبُ الفن َ سطرا
10-ما هو مبلغ حبك للبنان وطنك الجميل ؟
فدىً للبنان نفسي ...وصبوتي وغرامي
لمنبت الشيح ِ فيه ِ. .ومسرح الآرام ِ
11 - للحرية في نفسك وشعرك عشق عميق بل أنت تحبها وتتمناها حتى للبلبل السجين في قفصه .
كان في الروض كالهواء طليقا
فغدا في الحديد يشكو الأسارا
هكذا أيها الشقيق أنا اليوم َ
كلانا نحارب ُ الأقدارا
12- كيف تفسر العلاقة الحميمة بين الشاعر والبؤس ؟
خـُلقَ الشاعرُ والبؤسُ معا
فهما خلان لم يفترقا
صدقا بالود يا ليتهما
بمواعيد الهوى لم يصدقا
3 1 - ما الفرق بين نور الشمس ونور الأمل ؟
ما يفيد ُ النورُ في إشراقه
إن يكن أطفيءَ نورُ الأمل ِ
14 -أي طريق في الحياة تنصح الآخرين بارتياده ؟
خذ الطريق الذي يرضى الفؤاد به
ولا تخف فقديما ماتت الرُقبا
15 - للشفاه صور جميلة في شعرك
ما سر تغنيك بها ؟
أفدي الشفاه َ التي شاع َ الرحيقُ بها
وهَمّ بالكأس ساقيها وما سَكبا
أامنع ُ الشفة َ الدنيا ولو طمحت
نفسي إلى شفة الفردوس ما انحَجبا
ويمطر الضيم في ارضي واشربهُ
وكنت لا ارتضي أن اشرب السُحُبا
16 - للحياة وجهان أحدهما باسم مشرق والآخر كئيب موحش كيف توازن بينهما ؟
ما همني ولسانُ الحب يهتف بي
إذا تبسم َوجه ُ الدهر أو كلحا
فالروضُ مهما زهت قفرٌ إذا حُرمَت
من جانح ٍ رفّ َأو من صادح صَدحا
***********
تشعب بنا الحديث وكنت غارقا في بحر من الخواطر الملونة أحسست بلسعة برد تنتابني وأنا أعيش لحظات حلم جميل مع إنسان رقيق أسكر الجداول بخمرة شعره وأرقصَ الغصون بألحانه الشادية فانتحرت الورود في صباح الحب حسدا من أكاليل وروده الدائمة العطر أفقت على صوت فيروز يتهادى من مذياع قريب وهي تغني للأخطل الصغير ....
يا عاقد الحاجبين ِ......على الجبين اللجين ِ
إن كنت َ تقصد ُ قتلي ....قتلتني مرتين ِ
مصادر الشعر ديوان الهوى والشباب للشاعر بشارة الخوري
1447 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع