صورة من داخل محكمة عراقية

                                     

                       نوري جاسم المياحي

انا شخصيا اكره المحاكم فهي ليست من الأماكن المحبوب دخولها لارتباطها بالمشاكل والصراعات ولا اعتقد ان أي انسان لديه ذرة من العقل يرغب باللجوء الى المحاكم ..

واليوم اضطررت لدخول المحكمة و خرجت بانطباع غير مريح وهو ان المحاكم كالتي دخلتها اليوم عبارة عن مجموعة مباني محاطة بسياج صبات كونكريتية والابنية آيلة للسقوط وغير نظيفة وفيها سقيفة تحتها صفوف من المصطبات الخشبية ولاتكفي لجلوس المراجعين وذكرتني بسينما ركس الصيفي قبل 65 سنة ومصاطبها القديمة  ..وممرات المحكمة الداخلية أيضا مليئة بمصاطب الانتظار وكلها مشغولة ولا مجال لرجل مسن مثلي ان يجد محلا للجلوس فيه. وكان الجو خانق من الحر وانفاس وعرق المراجعين ..
ومنذ دخولي لحرم المحكمة وانا اتعرض للتفتيش من ثلاث او أربع نقاط التفتيش ...ويؤخذ منك الموبايل كمراجع. ما ما اثار استغرابي هومنع ادخال السكاير ولماذا. وللعلم انا لا ادخن ..ولكن الفضول دفعني للسؤال عن سبب المنع ؟؟ فأجابوني ..اوامر  عليا ننفذها ..
ولكي لا اطيل وادوخكم ..صاح المنادي على اسمي ودخلت وصحبتي اثنان من المحامين ..وعند دخولي وكعادتنا العراقية سلمت على القاضي والحضور ..وللأسف  الأستاذ القاضي لم يكلف نفسه برد السلام  وحتى لم يرفع راسه وانما باشر بفتح فايل القضية .. والتفت يملي على كاتب الضبط معلومات تعريفية اسمك وهويتك ..وكنت أتوقع منه اذان صاغية او استعداد لاستماع ارائي  وتفاصيل القضية ولكن يبدوا لي وحسب حنكتي وفراستي بالناس وجدت ان الشخص الذي امامي ليس بقاضي تنطبق عليه مقاييس القضاة الذين قرات عنهم وانما انسان يعتبر نفسه هو السيد ومن امامه وحتى المحامين عبيد ...ومما اثار اعصابي تبجحه بالحديث عن الضمير والمنطق ...فحاولت تبادل الحديث معه كقاضي ومناقشته عن دوافع القضية ولكن ( دغة واشارة ) من يد المحامي جعلتني اسكت وابتلع ما اردت قوله كي لا يغضب الأستاذ .. و احسست ان هذا القاضي يحاول ان يستفزني لأنطق بكلمة كي يستخدمها كذريعة ضدي.
وطيلة هذا الحوار الذي لم يستغرق سوى فترة قصيرة لم اسمع منه او من المحامين اية مناقشة قانونية ..واجل  الأستاذ الدعوى بحجة واهية علما ان القضية لا تتطلب سوى تصديق جهة قانونية على اتفاق رضائي بين طرفين ..لا أكثر ولا اقل ...ولكن يبدو لي ان ضمير القاضي منعه. وقد حاولت ان اشرح الظروف الإنسانية التي نحن بصددها .. لأريح ضميره كما اخبرته .. ولكنه رد علي ..مو وكت تفاصيل ..
وما زاد الطين بلة ان كاتب الضبط الشاب و لم يتجاوز عمره 18 سنة حسب قناعتي قدم لي ورقة الضبط لكي ابصم وأوقع عليها فعندما بصمت طلب مني التوقيع على البصمة فزحف التوقيع عدة ملاليم من تأشيره  ..فاعترض بأسلوب غير لائق. وهنا لم اتحمل نفسي فقلت له (ابني اني عمري 77 سنة قضيت منها 35 سنة كضابط في الجيش العراقي وهسه انت جاي تعلمني شلون أوقع)  ..ويعلم كل من لدية ابجديات المعاملات ...انه لايجوز التوقيع فوق بصمة الابهام وانما الى جوارها ...لغرض التمييز ..ولكن وكما يبدوا ان قاضينا له طريقته الخاصة ..
اما غرفة القاضي (قاعة المحكمة) فصايرة خان جغان ..( 3طابين و3 طالعين ) حتى ان احد المحامين دخل مباشرة على القاضي واثناء المرافعة الشكلية الخاصة بي ..قال له أستاذ عندي قضية ( بلهجة تصغيرية) ..اي قضية صغيرة مما دفع القاضي ان يرد عليه ( ما تشوف عندي قضية ) ..
وعلى قدر معلوماتي البسيطة ...يقال ان قاعة المحكمة والتي هي غرفة القاضي في قضيتنا لها حرمة وقدسية خاصة وما رايته عبارة عن فوضى  وربما شملت كل دوائر ومؤسسات الحكومة بما فيها القضاء  ..
وملاحظة أخرى كان شخص مدني يدخل ويخرج على القاضي وفي حزامه مسدس بارز للعيان كالشقاوات مال أيام زمان  ..فأراه امرغير لائق ولاسيما المحكمة تحت حراسة مشددة ..
انا كمواطن عراقي يحز في قلبي عندما اقارن بين محاكم الولايات المتحدة واوربا ومحاكمنا في العراق حاليا  ولاسيما اذا احترمنا تاريخه ومسلة قوانين حمورابي.
وهنا اترحم على ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا اثناء الحرب العالمية الثانية ..وبعد انتهاء الحرب سأل جماعته كيف حال القضاء في بريطانيا ..اجابوه بخير ...فقال الحمد لله أذن بريطانيا بخير ...انا سمعت الكثير عن القضاء العراقي ويشاع ان الفساد أصابه كما أصاب بقية مرافق الدولة ... اذن وكما تشرشل فالعراق ليس بخير ..
قد يكون ما شاهدته اليوم لا علاقة له بالفساد وانما بالألية وسلوك القاضي أواختيار القضاة ...والسبب كما اعتقد قد تكون وراءها المحاصصة الطائفية والعملية السياسية وما دام ان رئيس القضاء عينه السفير الأمريكي بريمر منذ احتلال العراق وعمره الان كما يشاع قد تجاوز 85 سنة ولم يتغير لحد الان ...واحزاب العملية السياسية ترفض تغييره ...فليس غريبا ان يظلم الكثير من الأبرياء مادام القانون ومواده وفقراته موضوعة على الرف ومعطلة  والروتين والبيروقراطية فاعلاتان ومادام المحامي يخاف من القاضي واهذا لا يحترم المحامي كما لمست واحسست ...
فهذه انطباعات مواطن بسيط يدخل المحكمة لأول مرة ويتمنى ان لا يراها ثانية لا هو ولا أي انسان اخر لأنها محزنة ومذلة لحد الإهانة ...والعراقي مسكين ومظلوم في هذه الحالة ..
اللهم احفظ العراق وأهله أينما حلوا او ارتحلوا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

970 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع