محمد مهرالدين يختار السماء وطناً كالعصافير

                                     

                    كتابة / إيمان البستاني

     
   

عرفتُ هذا الاسم الكبير منذ ايامي في الجامعة , الكل حولي يهتم بالهندسة فكراً وعقلاً ماعدا زميل كان يبدو من مظهره انه يغرد خارج سربنا , فنان , غريب الشكل ببوهيمته اللا مفتعلة , كان له خط جميل , مما حدا بنا جميعاً للسعي خلف محاضراته ونقل منها ما فاتنا , سألته عن سحر خطه , فأجاب انه خطاط ويعمل في دار الازياء العراقية بالكتابة على التصاميم التي يعرضها الدار ,  وحدثني عن العملاق محمد مهرالدين , كانا صديقين رغم فارق السن بينهما , وسحرتني كلماته بوصف هذا الفنان وكيف كان يعيش حياة هامشية مع الواقع ليغوص في مرسمه ولوحاته ويعيش حياة هو من اختارها لتسعده فقط من واقع لم يهنأ بالتعايش معه


      

وها أنا اسمع به مرة عندما علمت بأنه كان استاذ للفنان جبار الجنابي , استاذي وصديقي
           

واسمع به مرة أخيرة من استاذي ومعلمي الكبير البروفسور يحيى الشيخ وهو يودعه في رحيله الذي اختاره , حين زار جثمانه لعمل قناع  جبسي للراحل , ما كتبه يحيى العظيم اقشعر له جسدي وعقد لساني , لمهابة الموت ولأني أهاب استاذي يحيى الشيخ حين ينقل الينا حدث , يجعلنا نلمسه ويجرحنا كزوايا الزجاج لنقائه وحدته بالصدق
مهرالدين ولد في عام 1938، وأنهى دراسته في معهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1959 ليذهب بعدها إلى بولندا ثم إلى بغداد حاملاً شهادة الماجستير عام 1966  ليحتل مكاناً بارزاً في الصف الأول من الرسامين الذين أحدثوا تغييراً جوهرياً في المحترف الفني العراقي منتصف ستينات القرن العشرين
 لقد أظهر مهر الدين في بداياته الأولى ميولاً لرسم المشاهد المحلية برؤية حديثة، لكنه سرعان ما انتفض على محليته بتأثير مباشر من الفنان الأميركي روبرت راوشنبرغ، ليكون الفاتح في إضفاء رؤية معاصرة على لوحته، يتسابق من خلالها الموضوع والمضمون والشكل والتقنية في مجال الاستجابة لمزاج عالمي، غلب عليه الحسّ السياسي
نم قرير العين يا من مر اسمه على ذاكرتي كهجرة النوارس , ليختار في النهاية هجرته الأبدية نحو السماء

في أمان الله

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1000 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع