بقلم احسان السباعي
وكما تنتشلني اللحظة بخيوطها العنكبوتية .تلفني من رأسي لأخمص قدمي ،فأتكوم ككرة سقطت للتو من عليائها ،تتدحرج في استسلام كي تبقى في بطن النسيج تدغدغ شغاف الروح ....أتحسس أنامل أبي تربث على كتفي .أستشعر الأن عيونه المبتسمة ترسل شعاعها في بؤبؤ قلبي .
أرسم ملامحه العميقة التي لم أتوانى على تلوينها رغم علو سقف المسافات وابتلاع يم الأيام لصغار اعترافنا...
أرسم تجاعيدا خجلى قدت من دبر السنين وسلال الأنين تنساب مختفية تطل من نافذة التحدي بابتسامة المحنك الذي عرف كيف يضحك بملئ شدقيه على الانكسار ... عيون زائغة اكتحلت بتلابيب الذكاء تتقد تفحصا وامعانا وراء نظارة اثر كل اصلاح لعطب يومي يبعثر ايقاع البيت الجميل ،أتلمس جذوة الحنين من شرفات السنين وهي تقبل علي مدبرة فيردها الي طائغة صاغية
أتذكر تلك اللحظة الشامخة في نهاية أقسام البكالوريا في طابور تسلسلنا المتوالي ...وأتذكر انبعاث النور بعدها وأنامله تتحسس نتيجة النجاح فتجعلها تتربع في برواز مذهب ،تصفف تباعا في غرفة التحف والذكريات غرفة تنعرج في زقاق شبه قصير من فناء بهو الدار جهة اليسار على يمينه شرفة تنتصف الأزاهير واقفة تتنسم عبق انتصار بنات المختار والفتى يوسف الذي قد قميصه من قبل في غفلة منه في وضح النهار وبقي مسجونا خلف قضبان الغربة يفسر أحلام الغائبين...
أرقب أبي في كل مرة اجتاز فيها مباراة العمل التي في غفلة مني جمع كل طلباتها وشروطها وفي اليوم الموعود نمخر عباب السفر بفلك الصبر .وقفا ينتظرني بلهفة المشتاق . فنعرج نغزل من الحكي ضفائرا الى مطعم نلتهم زاد الأمل لكلماته المفعة بالاصرار ويقين الانتصار مع اننا لا نعود ونعاود الكرة من جديد في مدينة اخرى.
أتذكر يوم ولج الباب بقامته الفارعة وملامحه المعبرة يرقص شنبه بالبشرى وهو يزف خبر نجاحي .فأهداني سلسلة من ذهب التي كنت أتعمد أداعبها بأناملي عابثة بين ذهاب واياب كي تعكس شعاع الانتصار على باقي اخوتي .فانجاح فرخ في خمهن اتباعا من نجاح لوظيفة لسفر لاستقرار ...
أبي الذي حمل قلوبنا معه ورحل خارج الوطن كان يأخذني أنا واخوتي كل صيف الى البحر يتخذ لنا بعيدا عنه مجلسا كي ننعم بحرية العوم وغزل الدردشات ،يرسل ردادات عيونه ترفرف كالفراشات حولنا .
الان غدى في قلبي وطن أقدم له ولاء الانتماء اراسله في (الواتساب)والماسنجر..
أقبل ثغر الرسائل المشفرة لا لشي لانها تجعل ابي في هسيس روحي التي تنتشي بصوته من وراء الهاتف .
مرت السنون بعنايته تزهر في حقولنا أمنيات نوزعها حبا على أزواجنا وأبنائنا .كل ذهب الى قدره يحمل شتيلة أبي التي تونع ولا تذبل .
أبي ابو البنات سيد الانظباط وسموق التحدي .الذي يربطنا بسلاسل النصائح والخوف من الثعلب الغادر الذي يخدع الصبايا بعيونه الماكرة. ما كان يعلم أننا عدنا خرفانا في مرعى الظروف سرقتنا من بعض ...
حبل بقدر شدته التي كانت تشدنا جنبه من خيبات الأيام أصبحت مرنة ولينة بعدما ذهب كل الى حياته وانشغل مع نفسه وأولاده يحمل حفنة وصاياه ونهرع بعبراتنا نزعجه نقد مضجعه بكوابيس مشاكلنا ليحلها لنا بحكمته ثم نعود ..
تمنيت لو تحنطت السنين في جلمود العنفوان وما رأيت صروفها تطيل بهائنا وتزيدنا تشبتا بالحياة .في حين تقلب أدوارها في محراب ايامه تأكل من ذاكرة وصحة أمي التي جعلت من عزم أبي طباخا ماهرا يتفنن في مختلف الأصناف.وسيد البيت خبر خباياه وحفظ عن ظهر قلب أركانه وما تحويه من أصغر الأشياء ،فصارت بين يديه طفلة يرعاها بكل الحب والحنان يقدم لها الدواء بالوقت يغسل حسرتها بدموع الصبر والحماية ،يشديدها بيده يثبت عقد الاربعين زواجا اكليلا في جيدها فتنحني بوهنها زهرة ذابلة يرفعها فيسقيها مطرا.
أبي الذي كلما تلاطمني سقوف جدران العمل وطلبات الاولاد واحتياجات الزوج وجنون الحرف حين يغازل روحي اني هنا غارقة واخوتي هناك وهو شامخ في وحدته يرعى زهرة الدار.فأتمم أسفة أبي.
1123 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع